فى بحر الحياة نلتقى، ببعض الناس، الذين يحفرون فى القلب مكانهم، وفى العقل يتركون بصماتهم، ولكن سرعان ما يجرفنا الموج، ويذهب كل منا فى اتجاه، فنرحل يرحلون، ولكن يبقى لهم فى القلب مكان لصدقهم، مكتوب عليه هنا أعز الناس.. منذ ساعات رحلت رائحة الوفد العطرة، ماتت مواهب هانم الشوربجى سيدة الوفد الأولى المحامية المعروفة، بعد صراع مع المرض، لفظت أنفاسها الطاهرة بعد ان دخلت مستشفى هليوبوليس بساعات فقط، ماتت القدوة العزيزة على قلبى، ماتت أم الوفديين آخر جيل العظماء وجواهر الوفد النادرة، التقيت بها منذ أكثر من خمسة وعشرون عاما، تعلمت منها العطاء والتفانى، كانت صديقة الروح فى كل لقاء أو اجتماع أو فعالية لبيت الأمة أجدها أكثر همة ونشاطا وعزيمة، تعلمت منها حب الكيان والإخلاص له، كثيرة التفكير بهموم الوفد وايضا كثيرة التفاؤل بصفوة المخلصين وأبناء بيت الأمة الأصلاء، ليس لها حسابات، فهى تعطى دون مقابل فى الوقت الذى يغرق سوق السياسة بأنواع التسعيرة، ولماذا لا فهى ترعرت منذ صباها وسط عظماء صنعوا أمة، وموروث من القيم والمبادئ وأخلاق الساسة للأسف فقدناه.
كانت هادئة، لدرجة أنه يخيل للآخرين أنها لا تملك مبررًا للغضب، لكنها تثور فجأة عشقا فى الوفد دون سابق إنذار، وشديدة الملاحظة، تمزقها أبسط الأشياء التى تمس كيان الوفد، وكل ما يؤلمها تحوله إلى كتلة من التفاؤل، حتى بدا للعامة أنها راضية وسعيدة.
قلب حي ينبض حبا ونقاء، رحلة من العطاء دون انتظار المقابل أو عطايا السياسة، والله لم أجد من الكلمات لأعبر عن أصالة وطيبة ماما مواهب، صديقة حميمة للروح، وأخت للعقل، نادرة الوفاء. عند لقائها تعطيك موعدا لهروب الأحزان، منحة للعطاء من السيدات اللاتى تمنح روحهن التنفس فى مكان مغلق توفى فيه الكثيرون، بياض قلبها بنكهة السماء الشياكة والرقة عنوانها، وجهها المشرق دائما يمنحك التفاؤل، واحساس عميق بأن الدنيا لسة بخير، طيبة قلبها تشعرك بالأمان فى اى مكان تكون منورة فيه، فهى وفدية حتى النخاع تصنف من جواهر الوفد النادرة، علمتنا على مدى أكثر من عشرين عاما كيف يكون للسياسية مبدأ وقيمة بعيدا عن حساباتها العقيمة وصراع المصالح، نبع من العطاء المتواصل للحزب الذى ترعرعت فيه حين بدأت مشوارها فى ريعان شبابها، لأنها من أسرة وفديه عريقة تربت فى مدرسة الوفد الحقيقية العظماء أسياد السياسة.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وبصفاتك العلى وبرحمتك التى وسعت كل شيء أن تغفر لها ذنوبها وتعفو عنها، والله يرحمها ويغفر لها ويعفو عنها، فإن فى الحياة أشياء كثيرة لا تشترى بالمال، ولا تعوضها كل ثروات الأرض كالصحة والسعادة والصداقة المخلصة، والعشرة الجميلة والاطمئنان النفسى وراحة القلب والضمير، فاسرقوا من الحياة حياة قبـل أن يسـرق العـمر أجمـل سنوات حياتكم، اسـرقـوا مـن الفرح سعادة قـبل أن يـسرق منكم ابتـسامة وجـوهـكم، اسـرقوا مـن أعـماركم رفيـقًا قبـل أن تسـرق الحـياة منـكم نبـض شـبابكم، العمـر لحـظة تذكروا من صادقكم الحب والإخاء وعلمكم طعم النقاء وحب الحياة، وحافظوا على الشرفاء، ولو كانوا خصومكم، ولا تفرحوا بالسفهاء ولو وقفوا معكم، فالشريف لن تجده فى مواقف الكرامة إلا شهمًا.
رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ماجدة صالح بحر الحياة
إقرأ أيضاً:
رثاء الدكتور الباقر العفيف- وداعًا لرجلٍ أضاء دروب السودان بنضاله وفكره
يا حامل الفكر والنور الذي ارتفعا
وفي سواد الليالي أشرقت شمُعا
يا من حملت على كتفيك همَّ وطنٍ
وظللت تعطي بلا منٍّ ولا طمعا
قد كنت للشعب مرآةً لنضالهِ
وللعدالة والإلهام منبَعا
يا من غرست الأمل في قلب كل فتى
وزرعت حب الوطن عشقًا مطبَّعا
غيب الموت صباح اليوم الخميس الدكتور الباقر العفيف، الأستاذ، المفكر، والمناضل الذي أضاء بفكره المستنير مسيرة النضال من أجل الحرية والعدالة في السودان. لقد رحل عن دنيانا بعد معاناة طويلة مع المرض، لكنه ترك إرثًا خالدًا يشهد على عطاءاته التي لا تُحصى.
رثاء الدكتور الباقر العفيف: وداعًا لرجلٍ أضاء دروب السودان بنضاله وفكره
يعتصر الألم كل سوداني وسودانية لرحيل هذا الرجل الوطني والإنسان العظيم، الدكتور الباقر العفيف، الذي قدم للوطن عطاءً بلا حدود ودون مقابل. برحيله، ينطفئ نور من أنوار السودان المشرقة، ولكنه يترك إرثًا فكريًا ونضاليًا خالدًا سيظل نبراسًا للأجيال القادمة. لقد كان الدكتور الباقر رمزًا للالتزام بقضايا السودان العادلة، وكرّس حياته لبناء وطنٍ يقوم على الحرية، العدالة، والمساواة.
بفقدان الدكتور الباقر العفيف، يرحل رمزٌ للتضحية والنضال، ولكنه يترك وراءه إرثًا من الفكر الحر والمواقف الشجاعة. وداعًا أيها الأستاذ، الأب، والإنسان، فقد كنت منارةً أضاءت دروب السودان المظلمة. نسأل الله أن يجعل مثواك الجنة، وأن يلهمنا القوة للسير على دربك.
المعلم والمُلهم
كان الدكتور الباقر العفيف بالنسبة لي أكثر من أستاذ؛ كان قدوة ومنارة للمنهج الفكري المستنير. تعلمت على يديه قيم الحرية، التفكير النقدي، والانحياز الدائم لقضايا الشعب السوداني. لم يكن مجرد أكاديمي بارع، بل كان مُلهمًا للشباب، وصوتًا لا يهادن في الدفاع عن الديمقراطية والعدالة.
صاحب السبق في فكرة لجان المقاومة
لا يمكن الحديث عن نضال الدكتور الباقر دون الإشارة إلى دوره البارز في الثورة السودانية المجيدة في ديسمبر. كان له قصب السبق في طرح فكرة تأسيس لجان المقاومة، التي أصبحت العمود الفقري للثورة وأدواتها الحقيقية لتحقيق التغيير. لقد آمن بأن التغيير يبدأ من القواعد، وأن الشباب هم أمل السودان ومستقبله.
عطاءٌ للشباب بلا حدود
كان الدكتور الباقر حريصًا على تمكين الشباب السوداني وإعدادهم ليصبحوا قادة المستقبل. من خلال رؤيته العميقة، قام بتقديم شباب سودانيين مميزين إلى برامج القيادة الأفريقية في واشنطن، وكذلك إلى مبادرات الاتحاد الأوروبي. رأى في الشباب طاقةً للتغيير، واستثمر كل جهده لتطوير مهاراتهم ورفع وعيهم السياسي والاجتماعي.
سيرة ومسيرة نضال لا تُنسى
ولد الدكتور الباقر في مدينة الحوش بوسط السودان، وتشرب منذ نشأته قيم العدالة والحرية. درس في جامعة الخرطوم، حيث انضم إلى تنظيم الإخوان الجمهوريين، وواصل مسيرته الفكرية والسياسية في إطار حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق). أكمل دراسته العليا في المملكة المتحدة، وواصل من هناك مسيرته النضالية.
كان الدكتور الباقر مؤسسًا ورئيسًا لمركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية، الذي كان منصة لتحليل القضايا الوطنية وتعزيز قيم العدالة والديمقراطية. كما أسس صحيفة (التغيير) في عام 2013، التي كانت صوتًا حرًا للمنادين بالتغيير السلمي في السودان.
عمل في العديد من المؤسسات الدولية، منها منظمة العفو الدولية ومعهد السلام الأمريكي، كما درّس في جامعات مرموقة مثل جامعة مانشستر متروبوليتان وجامعة الجزيرة.
وداعًا لمناضل وأب روحي
برحيل الدكتور الباقر العفيف، يفقد السودان ليس فقط مفكرًا أكاديميًا بارزًا، بل أبًا روحيًا لأجيال من الشباب الذين استفادوا من علمه وتوجيهه. سيبقى إرثه الفكري والنضالي مشعًا للأجيال القادمة، ودليلًا على أن حب الوطن والعمل من أجله هو الطريق الحقيقي للخلود.
نسأل الله أن يرحمه رحمة واسعة، وأن يلهم أهله وتلاميذه ومحبيه الصبر والسلوان. وداعًا أستاذي المبجل، وداعًا رمز النضال السوداني.
zuhair.osman@aol.com