بوابة الوفد:
2024-11-24@14:52:27 GMT

الإمام والتّصوُّف (4)

تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT

تكاد الحرية فى فقه الاصطلاح الصوفى أن تكون أعلى مراتب الولاية تحقيقاً؛ وهى ألا يكون العبد بقلبه تحت رق شىء من المخلوقات، لا من أعراض الدنيا ولا من أعراض الآخرة؛ فإنَّ الاسترقاق لشىء دون الله قادحٌ على الجملة، فضلاً عن التفصيل فى الولاية عموماً، فضلاً عن قدحه على التعميم فى العبوديّة وفى الدين. 

والرجل الذى يملك الشجاعة ويستوفيها إلى غايتها مع قوة التبتل وقدرة التوجه إلى الملأ الأعلى، ويملك الزهادة فى الدنيا فلا يبالى نعيمها بل يستخف به، ويعرف الحقيقة الدينية معرفة الباحث المنقب المتحقق؛ لهو هو الرجل الذى يخاطب الدنيا خطاب المتعالى عنها العارف بحقيقتها ومصيرها، المتحرر غاية التحرر من آفاتها وغرورها فيقول مع الاستخفاف بها بمثل ما قال (رَبَّانيُّ الأمة): «يا دنيا غُرى غيرى.

. غيرى غيري»!

وهو بلا شك خطاب الذى امتلك الحرية فى أوسع آفاقها وأكمل معطياتها، فلم يعد هنالك شىء ما يسترقه من مطالبها إلا أن تكون مطالب الحق الذى يعرفه بقلبه، فيمضى على لسانه ويجريه واقعاً فى الحياة قابلاً للتنفيذ الفعلى: شجاعة لا تبالى الحياة، وزهادة لا تخشى النعيم، وجراءة على الدنيا من طالب الحقيقة الكبرى؛ لتكون مبلغه إلى الغاية التى من ورائها. 

فهى إذن لن تغرَّه فى شىء ولن يغرَّه منها شىء، وقد غرَّت حوله كل إنسان فى زمن تدفقت فيه الأموال من الأمصار على نحو لم تعهده الجزيرة العربية قط فى تاريخها، وأقبل الناس على الدنيا العريضة، بل هرولوا إليها، وإذا بخليفة عرف الحقيقة، وملك الشجاعة كما ملك الزهادة، ودانَ للحرية الأسمى كما دانت له الحرية كأرقى ما تدين لإنسان، يصدُّهم عنها كما يصد الطوفان وهو مندفع من وراء السدود، أو يصد الطبيعة الإنسانية وهى منطلقة من عقال التقوى، فهو مستشهد لا محالة ولو مات على سريره؛ فإنّ الإنسان قد يعيش عيشة الشهداء، ولا يلزم بعد ذلك أن يموت ميتة الشهداء كما قال العقاد، طيَّب الله ثراه، فى عبقريّة الإمام.

روحُ التصوف وعمق التبتل فى الإمام عليّ رضوان الله عليه، خصالٌ بادية فى جلاء، لا تخطئها النظرة العابرة، بمجرَّد أن تقرأ كلامه فى نهج البلاغة أو تنظر أوصافه كما جاءت على ألسنة أحبابه وصفاً لأعدائه؛ فقد دخل أحد تلاميذه الذين أخذوا العبادة عنه وأحبوه باعتباره عابد المسلمين الأول، وساروا على طريقته، دخل على معاوية فيطلب منه أن يصف علياً فيقول التلميذ لمعاوية فى أجمل وصف لأجمل عابد زاهد: (كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلاً ويحكم عدلاً، يتفجّرُ العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته. كان والله عزيز العبرة طويل الفكرة، يقلب كفَّه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جَشب. كان والله كأحدنا يُدْنِينا إذا أتيناه، ويُجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقرَّبُه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، فإنْ تبسم؛ فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يُعظم أهل الدين ويحب المساكين، لا يطمع القوى فى باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. فأشهد بالله، لقد رأيته فى بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، يميل فى محرابه، قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكى بكاء الحزين؛ فكأننى أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرّعُ إليه، ثم يقول للدنيا: إليّ تغرَّرتِ، إليّ تشوّقتِ، هيهات هيهات، غُرى غيرى، قد بتتك ثلاثاً، فعمرك قصير ومجلسك حقير). هذا وصف لربَّانى الأمة الأمام عليّ، وتلك بعض أوصافه التى لا تخرج عن وصف حقيقى للزاهد الإسلامى المتقلب فى القرآن الكريم يعيش فيه ويرى الدنيا من خلاله. 

وما من عجب؛ فإنَّ الذى تحرَّر من عبادة السِّوى وتحقق من الحرية، وهى أعلى مقامات الولاية، لهو الذى تتلمذ لربِّه وعاش القرآن وتقلب فيه، وتربى فى حجر نبيه ليصبح إماماً للأولياء من بعده، وإماماً لكل من لم تغرّه الدنيا بغرورها وإنْ غرت غيره. ولم تكن للولاية علامة وهو أمام الأولياء وربانيُّ الأمة غير هذا التحرر من عبادة السَّوى وقد بلغ فيه الاعتماد على وحى البصيرة الهادية، كما بلغ فيه الاجتهاد مبلغه الذى يرجع بالحكمة إلى رياضة النفس على سنة النُّسَّاك وتمحيص الفكر على سنة العلماء الربانيين المستبصرين. (وللحديث بقيَّة)

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم

إقرأ أيضاً:

بالفيديو.. الرئيس السيسي لقادة القوات المسلحة: هما يومين على وش الدنيا وتحت ربنا يقبلني

كتب- أحمد عبدالمنعم:

وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال اجتماعه بالعاصمة الإدارية الجديدة مع عدد من قادة القوات المسلحة بحضور وزير الدفاع، الفريق أول عبدالمجيد صقر، سؤالًا إلى أحد الضباط، قائلا: "تنصحني بإيه"، ليرد المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة قائلا: "هون على سيادتك يا فندم".

وقال الرئيس: "هما يومين على وش الدنيا، وبعد كده هنموت، وتحت يا رب يقبلني"، وتابع: "لما جاءت السيدة فاطمة أثناء وفاة الرسول –صل الله عليه وسلم-، قالت واه كرباه، فقال لها الرسول: لا كرب بعد اليوم".

وأضاف: "زي ما أنتوا شايفين المنطقة مضطربة جدًا، وبتمر بأحداث صعبة، ومصر هي عنصر الاستقرار المهم على مدى السنيين اللي فاتت وإن شاء الله السنيين القادمة، من خلال سياسة متوازنة تتسم بالاعتدال والصبر في مواجهة الأحداث التي تتم والتطورات التي تتم".

الرئيس عبدالفتاح السيسي قادة القوات المسلحة الرئيس السيسي القوات المسلحة العاصمة الإدارية الفريق أول عبدالمجيد صقر

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة بالفيديو| الرئيس السيسي: المنطقة مضطربة للغاية.. ومصر عنصر الاستقرار أخبار الرئيس السيسى خلال اجتماعه مع رجال القوات المسلحة: أنتم خط الدفاع أخبار تنفيذًا لتوجيات الرئيس السيسي.. "مستقبل وطن" يُطلق مبادرة "شتاء دافئ" أخبار السيسي يجتمع بعدد من قادة القوات المسلحة بمقر القيادة الاستراتيجية أخبار أخبار مصر بالفيديو| الرئيس السيسي: المنطقة مضطربة للغاية.. ومصر عنصر الاستقرار منذ 18 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر الرئيس السيسى خلال اجتماعه مع رجال القوات المسلحة: أنتم خط الدفاع منذ 27 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر أستاذ اقتصاد: الإشادة الدولية بنهج مصر الاقتصادي تعزز الثقة لدى المستثمرين منذ 45 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر خالد الجندي: القرآن والسنة وضعتا أسسًا واضحة في التعامل مع العقود منذ 50 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر عنبة يوجه رسالة غامضة.."أنا لا أنحني إلا لله" منذ 51 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر موزة تحولت إلى أسطورة.. بيع الموزة المغطاة بشريط لاصق بـ6.2 مليون منذ 1 ساعة قراءة المزيد

إعلان

إعلان

أخبار

بالفيديو.. الرئيس السيسي لقادة القوات المسلحة: "هما يومين على وش الدنيا وتحت ربنا يقبلني"

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك البنك المركزي يبقي على سعر الفائدة دون تغيير لخامس مرة على التوالي أمريكا ليست بينها.. 124 دولة ملزمة باعتقال نتنياهو وجالانت بأمر الجنائية (قائمة) قفص الجنائية الدولية.. غزة تحاصر إسرائيل– تغطية خاصة 28

القاهرة - مصر

28 19 الرطوبة: 37% الرياح: شمال المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • عبادة تُنير وجهك في الدنيا ويوم القيامة.. انتهز الفرصة
  • وفاة عصمت رشيد صاحب أغنية ليه بتشكي من الدنيا يا الورد
  • ليبيا تشارك بـ«المنتدى الأوّل لِلطفولة المبكّرة» في تونس
  • دعاء الهداية للنفس والغير.. اللهم ذكِّرنا بأن الدنيا زائلة
  • دم الشهيد سبب في الحرية الاستقلال
  • 135 عاما على ميلاد طه حسين.. «المستنير» الذى حــــــــــاربه الأزهر ونصفه الإمام الأكبر
  • محمد الشرقي يتسلّم وسامَ الشّرف من جامعة “باري ألدو مورو” الإيطالية تقديرًا لإسهاماتهِ بمجال الفلسفة والتّنمية الثقافية
  • دعاء تسهيل الرزق والمال.. اللهم أعطنا من الدنيا ما تقينا به فتنتها
  • ‎ضابط للسيسي: هوّن على نفسك.. والرئيس يرد : هما يومين على وش الدنيا وربنا يتقبلني .. فيديو
  • بالفيديو.. الرئيس السيسي لقادة القوات المسلحة: هما يومين على وش الدنيا وتحت ربنا يقبلني