بوابة الوفد:
2025-05-01@23:16:32 GMT

الإمام والتّصوُّف (4)

تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT

تكاد الحرية فى فقه الاصطلاح الصوفى أن تكون أعلى مراتب الولاية تحقيقاً؛ وهى ألا يكون العبد بقلبه تحت رق شىء من المخلوقات، لا من أعراض الدنيا ولا من أعراض الآخرة؛ فإنَّ الاسترقاق لشىء دون الله قادحٌ على الجملة، فضلاً عن التفصيل فى الولاية عموماً، فضلاً عن قدحه على التعميم فى العبوديّة وفى الدين. 

والرجل الذى يملك الشجاعة ويستوفيها إلى غايتها مع قوة التبتل وقدرة التوجه إلى الملأ الأعلى، ويملك الزهادة فى الدنيا فلا يبالى نعيمها بل يستخف به، ويعرف الحقيقة الدينية معرفة الباحث المنقب المتحقق؛ لهو هو الرجل الذى يخاطب الدنيا خطاب المتعالى عنها العارف بحقيقتها ومصيرها، المتحرر غاية التحرر من آفاتها وغرورها فيقول مع الاستخفاف بها بمثل ما قال (رَبَّانيُّ الأمة): «يا دنيا غُرى غيرى.

. غيرى غيري»!

وهو بلا شك خطاب الذى امتلك الحرية فى أوسع آفاقها وأكمل معطياتها، فلم يعد هنالك شىء ما يسترقه من مطالبها إلا أن تكون مطالب الحق الذى يعرفه بقلبه، فيمضى على لسانه ويجريه واقعاً فى الحياة قابلاً للتنفيذ الفعلى: شجاعة لا تبالى الحياة، وزهادة لا تخشى النعيم، وجراءة على الدنيا من طالب الحقيقة الكبرى؛ لتكون مبلغه إلى الغاية التى من ورائها. 

فهى إذن لن تغرَّه فى شىء ولن يغرَّه منها شىء، وقد غرَّت حوله كل إنسان فى زمن تدفقت فيه الأموال من الأمصار على نحو لم تعهده الجزيرة العربية قط فى تاريخها، وأقبل الناس على الدنيا العريضة، بل هرولوا إليها، وإذا بخليفة عرف الحقيقة، وملك الشجاعة كما ملك الزهادة، ودانَ للحرية الأسمى كما دانت له الحرية كأرقى ما تدين لإنسان، يصدُّهم عنها كما يصد الطوفان وهو مندفع من وراء السدود، أو يصد الطبيعة الإنسانية وهى منطلقة من عقال التقوى، فهو مستشهد لا محالة ولو مات على سريره؛ فإنّ الإنسان قد يعيش عيشة الشهداء، ولا يلزم بعد ذلك أن يموت ميتة الشهداء كما قال العقاد، طيَّب الله ثراه، فى عبقريّة الإمام.

روحُ التصوف وعمق التبتل فى الإمام عليّ رضوان الله عليه، خصالٌ بادية فى جلاء، لا تخطئها النظرة العابرة، بمجرَّد أن تقرأ كلامه فى نهج البلاغة أو تنظر أوصافه كما جاءت على ألسنة أحبابه وصفاً لأعدائه؛ فقد دخل أحد تلاميذه الذين أخذوا العبادة عنه وأحبوه باعتباره عابد المسلمين الأول، وساروا على طريقته، دخل على معاوية فيطلب منه أن يصف علياً فيقول التلميذ لمعاوية فى أجمل وصف لأجمل عابد زاهد: (كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلاً ويحكم عدلاً، يتفجّرُ العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته. كان والله عزيز العبرة طويل الفكرة، يقلب كفَّه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جَشب. كان والله كأحدنا يُدْنِينا إذا أتيناه، ويُجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقرَّبُه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، فإنْ تبسم؛ فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يُعظم أهل الدين ويحب المساكين، لا يطمع القوى فى باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. فأشهد بالله، لقد رأيته فى بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، يميل فى محرابه، قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكى بكاء الحزين؛ فكأننى أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرّعُ إليه، ثم يقول للدنيا: إليّ تغرَّرتِ، إليّ تشوّقتِ، هيهات هيهات، غُرى غيرى، قد بتتك ثلاثاً، فعمرك قصير ومجلسك حقير). هذا وصف لربَّانى الأمة الأمام عليّ، وتلك بعض أوصافه التى لا تخرج عن وصف حقيقى للزاهد الإسلامى المتقلب فى القرآن الكريم يعيش فيه ويرى الدنيا من خلاله. 

وما من عجب؛ فإنَّ الذى تحرَّر من عبادة السِّوى وتحقق من الحرية، وهى أعلى مقامات الولاية، لهو الذى تتلمذ لربِّه وعاش القرآن وتقلب فيه، وتربى فى حجر نبيه ليصبح إماماً للأولياء من بعده، وإماماً لكل من لم تغرّه الدنيا بغرورها وإنْ غرت غيره. ولم تكن للولاية علامة وهو أمام الأولياء وربانيُّ الأمة غير هذا التحرر من عبادة السَّوى وقد بلغ فيه الاعتماد على وحى البصيرة الهادية، كما بلغ فيه الاجتهاد مبلغه الذى يرجع بالحكمة إلى رياضة النفس على سنة النُّسَّاك وتمحيص الفكر على سنة العلماء الربانيين المستبصرين. (وللحديث بقيَّة)

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم

إقرأ أيضاً:

«الحرية المصري»: لم يتم الاستقرار على عدد المرشحين لارتباطه بالقانون |فيديو

قال أحمد مهني، رئيس حزب الحرية المصري، إنه من المهم أن يعرف الجيل الجديد أهمية سيناء وماذا قدم الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل سيناء، مشيرًا إلى أن الحزب يسعى دائمًا لإيصال صورة سيناء إلى الشباب للاعتزاز والفخر بها.

الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا: مستمرون في إجراءاتنا القضائية لضمان حصول الفلسطينيين على حقوقهمتحالف الأحزاب: عمال مصر هم سواعد التنمية وعماد الاقتصاد الوطني

وأضاف مهنى خلال مداخلة هاتفية عبر قناة «إكسترا نيوز»، أن اهتمامات كل الأحزاب الموجودة فى مصر حاليا هى الاستحقاقات البرلمانية القادمة، موضحًا استعدادات حزب الحرية المصري للانتخابات القادمة من خلال مرشحين الحزب وكيفية تجهزيهم لخوض هذه الإنتخابات، وتحديد من الأصلح أن يكون موجودًا والقادر على الحصول على مقعد فى البرلمان أو على الأقل أن يدخل جولة الإعادة.

 إصدار قانون جديد

وتابع: «حزب الحرية المصري يسير على النظام القديم للإنتخابات 50 فردى و 50 قائمة مطلقة، ما لم يكن هناك جديد وإذا كان هناك جديد سوف يتم التعامل عليه»، وإذا تم إصدار قانون جديد وهناك زيادة فى الاعداد فى إحدى الغرفتين أو فى كليهما سيتم التعامل على أساسه، مؤكدا عدم استقرار الحزب على عدد المرشحين حتى هذه اللحظة لإرتباط العدد بالقانون.
 

طباعة شارك أحمد مهني حزب الحرية الجيل الأحزاب

مقالات مشابهة

  • الصرخة … هتاف الحرية ومشروع الانتصار
  • لهذا السبب …محافظ أسوان يستقبل رئيس البرلمان المجرى
  • الحرية المصرى: عمال مصر ركيزة البناء والتنمية في الجمهورية الجديدة
  • دعاء آخر الليل لتفريج الهم .. كلمتان يكفيانك هموم الدنيا
  • د.حماد عبدالله يكتب: " نصف مصر " الذى لا يعرفه المصريون !!{2}
  • مجزرة الصالحة.. متى يستيقظ ضمير الكفيل والعميل؟!!
  • «الحرية المصري»: لم يتم الاستقرار على عدد المرشحين لارتباطه بالقانون |فيديو
  • «رزقي الحلو من الدنيا».. وليد سعد يوجه رسالة رومانسية لزوجته
  • “الاندماج والتّمكين من خلال العلم والتعليم”.. محاضرة في جامعة حمص
  • محافظة دمشق تبدأ أعمال إغلاق ممر المشاة تحت جسر الحرية للحد من ‏الحوادث المرورية