شواطئ .. السياسة المصرية والتوازن الإستراتيجي في الشرق الأوسط (1)
تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يتمثل الهدف الرئيس للتوازن الإستراتيجي في ترسيخ حالة من الاستقرار والسلام بين الوحدات السياسية في النظام الدولي وفي الأنظمة الإقليمية، وتقييم السياسة الخارجية لأية دولة بمحصلة تفاعلاتها مع القضايا والأزمات وملفات الأمن والسلم الدولي والإقليمي، ومن ثم فالسياسة الخارجية للدول هي التي تؤسس لمواقع هذه الدول في خريطة التوازنات الاستراتيجية في النسق الدولي أو الإقليمي.
والمتأمل لمفهوم التوازن الاستراتيجي يدرك أنه مفهوم جامع لمفهومي "التوازن"، و"الاستراتيجية"، ويرتبط مفهوم "التوازن" في العلاقات الدولية بحالة تعادل نسبي بين القدرات الشاملة للدول طرفي معادلة التوازن، ويرتبط مفهوم "الاستراتيجية" القومية أو الشاملة للدولة بالاستخدام الأمثل لهذه القدرات في إطار تفاعلاتها السياسية، ومن ثم يتشكل واقع "التوازن الاستراتيجي" في النسق الدولي أو الأنساق الإقليمية من محصلة تفاعل القوة الشاملة للدول الفاعلة في هذا النسق وما حققه هذا التفاعل من نفوذ ومكانة دولية وإقليمية للدول الأطراف في معادلة هذا التوازن، وارتباطا بموقف القوى العظمى والكبرى وباقي دول النسق وتفاعلاتها مع أطراف هذه المعادلة.
ينظر إلى السياسة الخارجية على أنها محصلة للتفاعلات والنشاط الخارجي للدولة وتعكس سلوكها وإرادتها الوطنية في بيئتها الخارجية لتحقيق الهدف السياسي الاستراتيجي، وتعد مسألة توازنات القوى والتوازنات الاستراتيجية من الأمور المهمة والحيوية في دراسة العلاقات الدولية، وقد تأسست مدارس فكرية ونظريات سياسية منذ عقود طويلة على مفاهيم هذه التوازنات واعتبرها العديد من المفكرين والسياسيين من الركائز الأساسية التي تبنى عليها السياسات الخارجية للدول وهيكلية النظام الدولي والنظم الإقليمية. من هنا تأتي أهمية كتاب "السياسة المصرية والتوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط" للباحث في العلاقات الدولية والمحلل الاستراتيجي البارز لواء دكتور أحمد يوسف عبد النبي والصادر مؤخرًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
وتستمد هذه الدراسة أهميتها من منطلق الدور المؤثر الذي يمكن أن تلعبه السياسة الخارجية المصرية في تشكيل واقع التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط في ظل حالة الضعف في النظام العربي، والصراعات التنافسية للقوى الإقليمية، وتدخلات القوى الدولية لفرض تحالفات مع القوى الفاعلة في المنطقة لتحديد أطراف هذا التوازن، بالإضافة إلى حقيقة استراتيجية مهمة، وهي أن التوازن الاستراتيجي والمبني على تبادل المصالح هو الركيزة الأساسية لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وصياغة علاقات إقليمية تحقق المصالح الحيوية والأهداف القومية للأطراف الإقليمية والدولية.
لقد تبوأت السياسة الخارجية المصرية مكانًا بارزًا بتوجهاتها حيال قضايا وملفات الأمن والسلم والدولي والإقليمي والعربي في ظل التحولات التي شهدتها البيئة الدولية والإقليمية وفي المحيط العربي، وتأثرت بها وأثرت فيها بنسب متفاوتة ارتباطا بتاريخ الدولة المصرية ومكانتها العربية والإقليمية والدولية وتماسها مع معظم القضايا والأزمات والصراعات في الشرق الأوسط.
يمثل عام 1990 وبداية عقد التسعينيات من القرن العشرين إحدى ركائز التحول في بنية وهيكل النظام الدولي، وهو ما يستدل عليه بسقوط حائط برلين 1990، وتصفية الهيكل العسكري والسياسي لحلف وارسو مارس 1991، وانهيار الاتحاد السوفيتي ديسمبر 1991، وتحول "الجماعة الأوروبية" إلى "الاتحاد الأوروبي" بموجب معاهدة "ماستر يخت" ديسمبر 1991، ويمكننا القول إن هذا العام مثل على الصعيد الدولي نهايات "للحرب الباردة"، و"للكتلة الشرقية"، و"للاتحاد السوفيتي"، و"للقطبية الثنائية"، مثلت هذه النهايات تفاعلات جوهرية في البيئة الدولية غيرت نتائجها اللاحقة الكثير من ملامح وخصائص النظام الدولي.
ولعل أبرز التحولات المؤسسة لشكل وطبيعة النظام العالمي، هي القطبية الأحادية للنظام العالمي والتعدد الدولي الجنيني، فالولايات المتحدة الأمريكية، تعتبر نفسها القوة العظمى الوحيدة التي تستطيع أن تسيطر على القرارات العالمية، وتوجهت في سياساتها نحو فرض هيمنتها على العالم طبقا لاستراتيجياتها من أجل تحقيق مصالحها الحيوية، واستندت في ذلك إلى التواجد العسكري الأمريكي في معظم المناطق المهمة، وفي بؤر الصراع الإقليمي، ومن خلال شبكة علاقات استراتيجية وتحالفية واتفاقات أمنية مع التكتلات الدولية، والدول الفاعلة في الأنساق الدولية والإقليمية، إلا أن هناك تحديات لهذه القطبية الأحادية من القوى الصاعدة في النظام العالمي، ويرى الدكتور أحمد يوسف أحمد أن النظام العالمي يمر بمرحلة "التعدد الدولي الجنيني"، ويؤكد ذلك التحول في مراكز القوى الدولية.
وللحديث بقية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: التوازن الاستراتيجي السياسة الخارجية التوازن الاستراتیجی السیاسة الخارجیة فی الشرق الأوسط النظام الدولی
إقرأ أيضاً:
مفاجأة قطرية تقلب الموازين في غزة
وقال الموقع في التقرير الذي ترجمته "عربي21"؛ إن ترامب يريد الفلسطينيين في مصر والأردن، لكن المخطط قد يقلب الشرق الأوسط رأسا على عقب".
وأضاف، أن "قطر لديها خطة أخرى؛ وفقا لما كشفته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن مستقبل قطاع غزة قد يكون مفتاحا لمخطط قطري إستراتيجي، حيث تسعى الدوحة إلى تحويل غزة إلى قاعدة متقدمة لها على ساحل البحر المتوسط. يهدف هذا المشروع إلى استغلال الموارد الطاقية في المنطقة الساحلية، وخاصة الغاز، بالإضافة إلى إنشاء ميناء حديث، يمكن أن يجعل غزة مركزا تجاريًا حيويًا للمنطقة بأكملها".
ويأتي هذا الطرح في وقت يواصل فيه دونالد ترامب الدفع نحو سيناريو مثير للجدل، يتمثل في نقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن، وهو ما قد يؤدي إلى تداعيات كارثية على التوازن الجيوسياسي في الشرق الأوسط. ومع انتهاء الحرب في غزة، يبقى التنافس على مستقبل القطاع مفتوحا، بين مخططات التهجير القسرية من جهة، والمشاريع الاقتصادية الاستراتيجية من جهة أخرى.
وأوضح الموقع أن "شريف السباعي، الكاتب المصري المتخصص في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، شرح أن الخطة القطرية ليست مجرد فكرة عابرة، بل قد تكون بمنزلة مكافأة للدوحة على دورها المحوري في الوساطة بين إسرائيل وحماس منذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. أما دونالد ترامب، الذي لا يزال يدفع باتجاه تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، فقد يدرك في النهاية أن خطته غير قابلة للتطبيق، مما قد يدفعه إلى تبني الحل القطري كبديل أكثر واقعية".
وأشار التقرير إلى أن "هذا السيناريو قد يربك حسابات اليمين الديني الإسرائيلي، حيث نقلت تقارير عن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش خلال اجتماع حزبي، تأكيده أن الحكومة الإسرائيلية تعتزم الاعتماد على قائد عسكري جديد، قادر على حسم المعركة في غزة خلال أربعة أشهر، ليتم بعدها تطبيق خطة ترامب المتعلقة بترحيل الفلسطينيين.
وإذا تحقق ذلك، فسيكون الشرق الأوسط أمام تحولات جذرية، قد تعيد رسم خارطة النفوذ الإقليمي، خاصة مع تزايد أدوار الفاعلين الإقليميين مثل قطر في تحديد مستقبل غزة".
هل تحويل غزة إلى قاعدة قطرية فكرة واقعية أم مجرد خيال سياسي؟ وذكر الموقع أنه بعيدا عن كونه مجرد خيال سياسي، فإن تحويل غزة إلى قاعدة نفوذ قطرية يملك منطقه الخاص ويتماشى تماما مع الإستراتيجية القطرية التقليدية. فرغم صغر حجمها الجغرافي، تمتلك قطر قوة مالية هائلة، ما يمنحها القدرة على أداء أدوار إقليمية أكبر من حجمها، كما فعلت سابقا في العديد من الملفات السياسية.
هذا الطموح القطري ليس أمرا مستجدا، بل يتماشى مع سياستها طويلة الأمد، بدءا من إطلاق قناة الجزيرة، التي تحولت إلى ذراع إعلامي قوي، كان له تأثير واسع على الرأي العام في الشرق الأوسط، وما زال حتى اليوم أحد أبرز أدوات النفوذ القطري، رغم تراجع تأثيره النسبي. لذلك، فإن فكرة تحويل غزة إلى نقطة ارتكاز استراتيجية لقطر في البحر المتوسط، من خلال استغلال مواردها الطبيعية وإنشاء ميناء تجاري حيوي، تتماشى مع النهج القطري القائم على استخدام المال والقوة الناعمة لتحقيق نفوذ إقليمي واسع