تتأثر النفس البشرية بما يقع عليها من مجريات الزمان من محن وابتلاءات ومصائب وكوارث، ويكون تأثير ذلك عليها على حسب قدرتها على الصبر والتحمل، وبما آتاها الله من إمكانات على التكيف والتجاوز والنسيان.
ولكن لنفس المؤمن قدرة مختلفة، فهي تعلم يقينا أن ما يقع عليها يقع تحت المشيئة الإلهية، وأن هذا الأمر الذي سمح الله به أن يصيبنا يراه الله كما أنه يرى ردة فعلنا تجاه هذا الأمر، فكل حركة أو سكون في هذا الكون يقع بمشيئة الله في ملكه وعلى خلقه، فلو راقب الإنسان تلك الأقدار مع يقينه المطلق أن كل ذلك من أمر الله، فإنه حينها تسكن نفسه وتطمئن، ولن يحملها ألم الابتلاء وهول المصيبة إلى القنوط واليأس، وإنما يكون الحال بالاحتساب والتسليم والصبر والتجلد، وانتظار الفرج، ومد يد الضراعة إلى الله عز وجل.
ركن الإيمان
وهذا ما يقتضيه الإيمان، فإن أحد أركانه التي لا يكتمل بناء الإيمان إلا بها هو الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى، ولو تأملنا هذا الركن لوجدنا أن الإيمان به هو إيقان بقدرة الخالق وتصرفه بأمور خلقه، فكل ما خطه القلم في اللوح المحفوظ من قضاء يتعلق بأعمال العباد أو ما سيجري عليهم في حياتهم الدنيا، وهو في علم الغيب الذي يعلمه الله، وكل ما أذن الله لوقوعه وحان أجل تحققه من الأقدار التي أجراها الله في هذه الحياة إنما هي من عند الله وحده، وبهذا يكون المؤمن إلى التسليم والرضا والاحتساب أقرب.
المراقبة
كما أنه ينبغي على المؤمن أن يراقب الأحداث والمجريات التي تقع عليه من منظور أوسع، فهو يجب عليه أن ينظر من فوق لتلك الأحداث ويشاهد لا بعقلية المشارك الذي وقع عليه الحدث، وأضعفه واستحوذ عليه شعور الحزن واليأس، وإنما عليه أن ينظر للأمور بعقلية المشاهد للحدث من الأعلى، لكي تكون نظرته شاملة مراقبة فاحصة متأملة، فبهذه التقنية يستطيع أن يدرك الأحداث ويعزلها ولو بقدر بسيط عن المشاعر والأحاسيس الناجمة عنها، فيكون صبره حاضرا عند الصدمة الأولى للمصيبة الواقعة.
الصبر
في قصة المرأة التي رآها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي: «تبكي صبيًا فنصحها فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمثل مصيبتي، فلما أخبرت أنه الرسول صلى الله عليه وسلم ذهبت إليه في بيته فلم تجد عند بابه بوابًا، فاستأذنت عليه وأخبرته أنها لم تعرفه، فقال لها صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى». ففي هذا الحديث تبيان على أن مقام الصبر يكون بالترحيب بأقدار الله عند الصدمة الأولى من وقوع تلك المصائب، وإن لم يكن ترحيبا فلا أقل من أن يكون استقبالا لتلك الأقدار بالرضا.
كله خير
وأمر المؤمن عجيب كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم في كل حالاته، سواء أصابته أقدار تسره أو أقدار تسوءه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له». فيجب أن يكون حال المؤمن متقلبا بين الصبر والشكر، في العسر واليسر، وهذا تحقيق لمقصد الإيمان بالقدر خيره وشره، وتفاعل إيجابي يقصد الخيرية في الحالات جميعها.
العاقبة
وتبقى نظرة الإنسان قاصرة، فهو لا يدرك عواقب الأمور، هل تصير إلى خير أم تؤدي إلى شر؟ فقد يكون الخير مروعا في رحم الشر، وقد يكون شرا ونهايته الخير، والله وحده أعلم بمآلات الأمور وعواقبها، فقد يكون هلاك الإنسان فيما يحب، وتكون نجاته فيما يكره، وهذا مصداق لقول الله تعالى في سورة البقرة: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
سرعة زوال الدنيا
الأمر الآخر الذي يهوّن من المصاعب والمحن ويجعل المؤمن يرحب بأقدار الله هو علمه اليقيني بقصر الدنيا وسرعة زوالها، فالله لم يرضها من أن تكون ثوابا للمؤمن أو عقابا للجاحد، وإنما هي دار اختبار سريعة، وإذا ما تأملنا في زمن الدنيا مقارنة بالزمن عند الله عند خلقه الدنيا لوجدنا الفرق عظيما والبون شاسعا، فقال تعالى في سورة الحج: ( وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) قال المفسرون إن أيام الله هي الأيام التي خلق فيها السماوات والأرض، فمقدار اليوم الواحد بعدد ألف سنة بحساب البشر، ولو تأملنا عمر الدنيا منذ أن خلق الله السماوات والأرض ومدة مكوث الإنسان في هذه الدنيا لثمانين عاما أو مائة عام لا تعد شيئا في عمر الكون، حتى أن الله تجاوز ذكر فترة مكوث الإنسان في هذه الدنيا في سورة المؤمنون في أطوار خلق الإنسان فبعد أن قال: (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) قال مباشرة:( ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ)، وهذا دليل على حقارة هذا الوقت الذي لا يكاد يذكر، فهذا أدعى إلى أن يصبر الإنسان في هذا الوقت الضئيل على ما يلاقيه من مصاعب ومحن، لينال الجزاء الأوفر عند الله تعالى، وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الصبر حتى على من ابتلاه الله بالمرض، فتلك امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: «إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك قالت: أصبر، قالت: فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها». فلأجل أن تحظى بالجنة أمرها أن تصبر لعلمه أن عمر الدنيا سريع وزائل والأحرى بالمؤمن أن يصبر فيه لينال الجزاء الجزيل في الجنة.
الابتلاء للعطاء
ومع أن الأنبياء تم اصطفاؤهم من الله تبارك وتعالى ليبلغوا رسالة الحق إلى الخلق، إلا أنهم لم يسلموا من الابتلاءات، فذاقوا أنواع البلاء وأصنافه، فمنهم من ابتلي بولده، ومنهم من ابتلي بزوجته، ومنهم من ابتلي بإخوانه، ومنهم من ابتلي بأبيه، ومنهم من ابتلي بمرض في جسده، ومنهم من عذب، ومنهم من قتل، وهم صفوة البشر وقد اختارهم الله لدرجة النبوة والرسالة، ولكنه لم يعفهم من الابتلاء، فكيف ببقية البشر هم أولى بالبلاء والمصائب، ولكن مع ذلك يجب على الإنسان أن يسأل الله العافية من البلاء مخافة أن لا يصبر عليه، فنجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه هذا الدعاء: «اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك».
والله أعلم بخلقه من أنفسهم، وهو يعلم صبرهم وقدرتهم على تحمل المصائب والابتلاءات، فالله يبتلي المؤمن بقدر إيمانه وذلك ليجزل له الثواب والأجر فقال الرسول صلى الله عليه سلم: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة؛ شدد عليه في البلاء» وهذا من لطف الله الخفي، وحكمته البالغة، وكرمه العظيم، فيجعل البلاء بما يطيق العباد تحمله، ليرفع لهم درجاتهم في الجنة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الرسول صلى الله علیه وسلم الإنسان فی
إقرأ أيضاً:
الإفتاء: تعليق زينة وفوانيس فرحًا بقدوم شهر رمضان مباح
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي مضمونه: "ما حكم تعليق الزينة والفوانيس في رمضان؟ فأنا سمعت أحد الناس وهو يقول عندما رأى زينة وفوانيس رمضان المعلقة في الشوارع: ما يصنعه المصريون في رمضان من تعليق الزينة والفوانيس لم يفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا أحد من أصحابه فهو إذن بدعة، وكل بدعة ضلالة، وهذه كلها مظاهر كاذبة؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أن تعليق الزينة والفوانيس فرحًا بقدوم شهر رمضان مباح من حيث الأصل، بل قد يكون مندوبًا متى تعلَّقت به نية صالحة، إلَّا أن يتعلق بتعليقها أمر محرَّم، كأن يكون بها إسراف أو خيلاء أو إضرار واعتداء على حق الغير، ولا يستقيم وصف هذ الفعل بالبدعة لكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله؛ إذ ترك الفعل لا يستلزم منه عدم الجواز.
إظهار الفرح والسرور بقدوم شهر رمضانمن الأمور المقررة شرعًا أنَّ الفرح مطلوبٌ عند حلول النعم، ومن تلك النعم قدوم مواسم الطاعات؛ كالصيام والحج وسائر العبادات؛ لقول الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].
وقد كان السلف يفرحون بقدوم شهر رمضان ويحمدون الله على بلوغه؛ قال معلى بن الفضل: "كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم"؛ كما في "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 348، ط. دار ابن خزيمة).
قال الإمام ابن رجب الحنبلي في "لطائف المعارف" (ص: 349): [بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه ويدل عليه: حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم، ثم مات الثالث على فراشه بعدهما فَرُئِي في المنام سابقًا لهما فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاة وأدرك رمضان فصامه! فوالذي نفسي بيده إن بينهما لأبعد ممَّا بين السماء والأرض» خرجه الإمام أحمد وغيره] اهـ.
حكم تعليق الزينة والفوانيس في رمضان
ما زال المسلمون يحتفلون بقدوم الشهر المبارك قرنًا بعد قرن وجيلًا بعد جيل بإشعال أنوار الشموع والقناديل فرحًا باستقباله؛ يقول الرحالة ابن جبير في "رحلته" (ص: 122، ط. دار صادر): [ووقع الاحتفال في المسجد الحرام لهذا الشهر المبارك، وحَقُّ ذلك من تجديد الحُصُر وتكثير الشمع والمشاعيل وغير ذلك من الآلات حتى تلألأ الحرم نورًا وسطع ضياءً] اهـ.
وممَّا درج عليه المصريون منذ زمن بعيد استقبالهم شهر رمضان الكريم بتعليق الزينة والفوانيس كلونٍ من ألوان إظهار الفرح والسرور؛ استبشارًا بفضل الله فيه؛ من نزول الرحمات، وإفاضة النفحات، وتوسيع الأرزاق، وفتح أبواب الجنان، وغلِّ أبواب النيران، وتصفيد المردة من الجان، فهو أعمُّ الشهور خيرًا وأكثرها فضلًا وأوسعها أجرًا.
وقد تقرَّر أنَّ الأصل في الأشياء الإباحة وأنَّه لا يحرم إلَّا ما دلَّ الشرع الشريف على تحريمه؛ قال الإمام السيوطي في "الأشباه والنظائر" (ص: 60، ط. دار الكتب العلمية): [الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم] اهـ.
ويدل لهذا الأصل: ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه مرفوعًا: «مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَافِيَةٌ، فَاقْبَلُوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَهُ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ نَسِيًّا»، ثم تلا هذه الآية: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: 64] أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"؛ قال الشيخ ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/ 429، ط. دار ابن الجوزي): [أخبر النَّبيُّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن ربه تبارك وتعالى أنَّ كل ما سَكَتَ عن إيجابه أو تحريمه فهو عَفْوٌ عَفَا عنه لعباده، يباح إباحة العفو؛ فلا يجوزُ تحريمه ولا إيجابُه] اهـ.
فالأصل في تعليق الزينة والفوانيس فرحًا باستقبال شهر رمضان هو الإباحة، بل قد يكون مندوبًا متى تعلَّقت به نية صالحة؛ لما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» أخرجه البخاري.
ومن ذلك: أن ينوي بتعليقها نشر البهجة وإدخال الفرح والسرور على الناس، وخاصة أهل بيته؛ لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُسْلِمِ» أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"؛ قال الشيخ الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (1/ 386، ط. دار السلام): [«أحبُّ الأعمال إلى الله» أي: الأعمالُ النفلُ، كما دلَّ له قوله: «بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم» بفعل أو قول؛ فهو أعم من حديث الحكم في المدخل عليه، ويؤخذ منه: أنَّ أبغضها إليه تعالى إدخال الحزن على المسلم] اهـ.
ويستأنس لهذا المعنى بما جرت به عادة كثيرٍ من البلاد قديمًا بتعليق القناديل بمنارات المساجد عند دخول شهر رمضان، خاصة ليلة الثلاثين من شعبان، حتى قد اعتبرها الفقهاء أمارة من الأمارات الظاهرة الدالة في حكم الرؤية. ينظر: "البحر الرائق" لابن نجيم (2/ 290، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"تحفة المحتاج" لابن حجر الهيتمي (3/ 373، ط. المكتبة التجارية الكبرى).
ضوابط تعليق الزينة والفوانيس في رمضان
هذه الإباحة ليست مطلقة بل مقيدة بجملة من الضوابط شأنها في ذلك شأن أغلب المباحات، ومن تلك الضوابط:
الأول: ألَّا يصاحب تعليق تلك الزينة إسراف أو مباهاة أو تفاخر؛ لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67].
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ» أخرجه ابن ماجه في "سننه"؛ قال الإمام المناوي في "فيض القدير" (5/ 46، ط. المكتبة التجارية): [هذا الخبر جامع لفضائل تدبير المرء نفسه، والإسرافُ يضر بالجسد والمعيشة، والخيلاءُ تضر بالنفس حيث تكسبها العجب، وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس، وبالآخرة حيث تكسب الإثم] اهـ.
الثاني: ألَّا يترتَّب على تعليقها ضرر بالغير؛ من نحو إشغال الطريق العام والتضييق على المارة، فمن المقرَّر شرعًا أنَّه: "لا ضرر ولا ضرار"، وهي قاعدة فقهية من القواعد الخمس التي يدور عليها غالب أحكام الفقه، وأصل هذه القاعدة ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أخرجه ابن ماجه في "سننه".
الثالث: ألَّا يترتَّب على تعليقها اعتداء على حق الغير، كأن يقوم بتعليق الزينة على منزل جاره من غير إذن سابق أو رضًا مقارن.
الرابع: ألَّا تتم إنارتها من خطوط الكهرباء العامة إلا باستخراج التصاريح اللازمة من الهيئات المعنية بذلك؛ لأنَّ فيه تَعَدِّيًا على المال العام بغير وجه حق؛ وقد حرَّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاعتداء عليه، وجعل حمايته من النهب والإهدار والاستغلال مسئولية الجميع؛ فعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُم النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه البخاري.
وتجدر الإشارة إلى أنَّه يستحسن استخدام مواد صديقة للبيئة في مادة صنع الفوانيس والزينة بما يتحقَّق معه المحافظة على البيئة من التلوث والمساهمة الإيجابية في إعادة التدوير.
الرد على من ادعى أن تعليق الزينة والفوانيس في رمضان بدعة
هذا، ولا يستقيم وصف هذا الفعل بالبدعة؛ لكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله، وتركه صلى الله عليه وآله وسلم لأمرٍ ما لا يستلزم منه عدم جواز فعله، وهو ما استقرَّ عليه عمل المسلمين سلفًا وخلفًا.
وليست كل بدعة مذمومة؛ فقد قسَّم العلماء البدعة إلى خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرَّمة ومكروهة ومباحة. ينظر: "شرح النووي على مسلم" (6/ 154، ط. دار إحياء التراث العربي).
قال الإمام الشافعي: [المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما: ما أُحدث يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه البدعة الضلالة. والثانية: ما أُحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة. وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان: "نعمت البدعة هذه"] اهـ؛ كما نقله الإمام البيهقي عنه في "مناقب الشافعي" (1/ 469، ط. مكتبة دار التراث).
وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين" (2/ 3، ط. دار المعرفة): [ليس كلُّ ما أبدع منهيًّا، بل المنهي بدعة تضاد سنةً ثابتةً، وترفع أمرًا من الشرع مع بقاء علَّته] اهـ.
الخلاصة
بناءً على ذلك: فتعليق الزينة والفوانيس فرحًا بقدوم شهر رمضان مباح من حيث الأصل، بل قد يكون مندوبًا متى تعلَّقت به نية صالحة، إلَّا أن يتعلق بتعليقها أمر محرَّم، كأن يكون بها إسراف أو خيلاء أو إضرار واعتداء على حق الغير، ولا يستقيم وصف هذ الفعل بالبدعة لكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله؛ إذ ترك الفعل لا يستلزم منه عدم الجواز.