أولويات تخصيص الإنفاق في مصر ومشكلة عجز الطاقة
تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT
وضعت وزارة البترول المصرية ضمن رؤيتها العامة تحويل مصر لمركز إقليمي لتجارة وتداول البترول والغاز، كما أن الخطة العامة للدولة متوسطة المدى أشارت إلى أن أحد أهم مستهدفاتها في قطاع البترول والغاز "تأمين احتياجات البلاد من المواد البترولية، لمواكبة متطلبات التنمية المستدامة، وتعظيم مساهمة قطاع البترول في الدخل القومي، وتحويل مصر إلى مركز إستراتيجي لتداول الطاقة".
وقد اتخذ منتدى غاز شرق المتوسط من القاهرة مقرا له في عام 2018، وتعد مصر من الدول المؤسسة للمنتدى، الذي يضم في عضويته 6 دول أخرى (مصر، وقبرص، واليونان، وإيطاليا، والأردن، والسلطة الفلسطينية، وإسرائيل)، ويعد عام 2018 بالنسبة لمصر مرحلة جديدة في شأن الغاز الطبيعي، حيث دخل حقل ظهر مرحلة الإنتاج، واتجهت مصر لتصدير الغاز الطبيعي مرة أخرى.
وكانت مصر قد عقدت اتفاقا مع إسرائيل لاستيراد الغاز الطبيعي لمدة 10 سنوات، بقيمة إجمالية 15 مليار دولار، وفي يناير/كانون الثاني الماضي زادت كميات الغاز التي تستوردها مصر من إسرائيل بموجب هذا الاتفاق إلى 1.15 مليار قدم مكعب يوميا، وهو المعدل الذي يفوق ما كانت عليه الأوضاع قبل حرب إسرائيل على قطاع غزة.
بيانات ميزان المدفوعات، الصادرة عن البنك المركزي المصري، تظهر أن عام 2022/2021 شهد وجود فائض في الميزان البترولي للبلاد، حيث بلغت الصادرات البترولية 17.9 مليار دولار، بينما الواردات البترولية كانت في حدود 13.5 مليار دولار، وهو ما يعني وجود فائض بنحو 4.4 مليارات دولار.
ولكن هذا الرقم يثير التساؤل حول مدى استفادة مصر من قيمة صادراتها النفطية، حيث يشير التقرير المالي الشهري لوزارة المالية بشكل دائم إلى أن الصادرات النفطية تتضمن حصة الشريك الأجنبي، وهو ما يعني أن الأرقام الخاصة بالصادرات النفطية ليست إيرادات صافية لصالح الخزانة العامة للدولة.
وفي العام المالي 2023/2022 يوضح ميزان المدفوعات أن الصادرات البترولية بلغت 13.81 مليار دولار، بينما الواردات البترولية بلغت 13.40 مليار دولار، وهو ما يعني تقلص الفائض النفطي بشكل كبير، ليصل إلى حدود 410 ملايين دولار.
وفي أحدث بيانات للبنك المركزي عن النصف الأول من عام 2024/2023، يتضح أن الصادرات النفطية بلغت 3.21 مليارات دولار، بينما الواردات البترولية بلغت 6.30 مليارات دولار، وبذلك تحول الفائض إلى عجز، حيث عانى الميزان البترولي من عجز بقيمة 3.08 مليارات دولار خلال نصف عام فقط.
مع مطلع الألفية الثالثة، كانت توصيات خبراء الطاقة أن يتوقف تصدير البترول والغاز المصري، لمحدودية موارد مصر منهما، ومن ناحية أخرى لحتمية التزامات مصر واحتياجاتها من الطاقة لتحقيق معدلات نمو اقتصادي لا تقل عن 5%.
إلا أنه في عهد الرئيس حسني مبارك تم الاستمرار في تصدير النفط والغاز، وكان عقد تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل محل اعتراضات كثيرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
وظهرت أزمة الطاقة بمصر بشكل كبير عام 2011، بسبب تخلي بعض الدول الخليجية عن إمداداتها النفطية لمصر، وفق تسهيلات ائتمانية معينة.
وفي 2013 عادت الدول الخليجية، خاصة السعودية، بمد مصر مرة أخرى بجزء كبير من احتياجاتها من النفط، لمدة 5 سنوات، وبما يزيد عن 20 مليار دولار، وواكب ذلك توسّع مصر في إنشاء محطات توليد الكهرباء بنحو 10 محطات جديدة، مع صيانة ما هو قائم منها.
إلا أن عام 2018 مثّل نقلة جديدة في مجال الطاقة بمصر، بعد دخول حقل ظهر مرحلة الإنتاج، وتغيرت وجهة مصر إلى دولة مصدرة للغاز، وفي عام 2022 صدّرت مصر كميات كبيرة من الغاز الطبيعي لأوروبا، لتكون هي أهم الوجهات التي خففت من حدة الضغوط التي مارستها روسيا بمنع تصدير الغاز لأوروبا بعد حربها على أوكرانيا في نهاية فبراير/شباط 2022.
تطور الأزمةبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تبيّن أن ثمة أزمة في تراجع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي، خاصة في مايو/أيار 2023، حيث كانت معدلات الإنتاج من البترول والغاز في الشهر نفسه 6.3 ملايين طن، بينما الاستهلاك بلغ 6.7 ملايين طن.
وزادت حدة الأزمة في أغسطس/آب 2023، حيث بلغ الإنتاج المصري من البترول والغاز 6.2 ملايين طن، بينما الاستهلاك وصل ذروته إلى 7.5 ملايين طن، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023 استمرت الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك من البترول والغاز، وإن كانت أقل حدة مما كانت عليه الأوضاع في أغسطس/آب السابق عليه، ففي نوفمبر بلغ الإنتاج 5.9 ملايين طن، بينما الاستهلاك وصل إلى 6.4 ملايين طن.
وفيما يتعلق بالغاز الطبيعي، تشير أرقام الجهاز المركزي للإحصاء إلى تراجع الإنتاج في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 إلى 3.4 ملايين طن، بينما الاستهلاك وصل إلى 3.6 ملايين طن.
انعكاسات الأزمةبعد أن كان حديث الساسة وكبار المسؤولين في مصر قبل 2022 عن تصدير الكهرباء، ووجود فائض إنتاجي منها، أصبح المواطن المصري يعاني منذ أكثر من عام من انقطاع مستمر في خدمات الكهرباء، بحد أدني ساعتين في اليوم.
واتجهت الحكومة مؤخرا بعد إجراءات 6 مارس/آذار الماضي، وتوقيع اتفاق قرض جديد مع صندوق النقد الدولي، إلى زيادة أسعار الوقود للمستهلكين، وهو ما أدى إلى موجة تضخمية جديدة، تضاف إلى الموجة السابقة لها، والناتجة عن تخفيض قيمة العملة، وأزمة النقد الأجنبي.
ولكن على ما يبدو أن أزمة الطاقة في مصر في طريقها إلى مزيد من التفاقم، عما عاشته البلاد في 2023، حيث أشارت وكالة بلومبيرغ إلى عزم مصر استئجار سفينة لتغويز (معالجة) الغاز المسال، الذي سيتم استيراده من الخارج، وأن العقد مع هذه السفينة سيستمر لـ5 سنوات، قابلة للتمديد.
تظهر أزمة الطاقة غياب التخطيط، وكذلك غياب ترتيب الأولويات في إقامة مشروعات البنية الأساسية، فقد تم التوسع في مشروعات الإسكان، وغيرها من المشروعات، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، والدخول في عقود تصدير للغاز الطبيعي المنتج من الحقول الجديدة، دون النظر لاحتياجات مصر من الطاقة خلال السنوات المقبلة.
ومن المسائل المهمة في مجال الطاقة، التي ترتبط بقضية التخطيط، التساؤل حول استمرار مصر كل هذه العقود في تصدير البترول الخام، واستيراد المشتقات البترولية، لماذا لم يتم استهداف تكرير كامل إنتاج مصر من البترول؟ سواء كانت تستخدمه محليا أو تقوم بتصدير جزء منه؟ لماذا يغيب التفكير في خلق قيمة مضافة لموارد مصر المحدودة من البترول؟
الأمر الآخر، لِمَ لم يتم التوجه لبناء محطات لتغويز الغاز المسال، بدلا من اللجوء للإيجار، والدخول في دوامة تدبير النقد الأجنبي؟
إن أمر رؤية مصر لتكون مركزا إقليميا لتجارة وتداول الطاقة يستلزم ترتيبات أخرى، تتعلق بالبنية الأساسية، وكذلك بتوفير البترول والغاز لدى مصر، ولكن كونها تعاني من عجز، وتعتمد على الاستيراد، فسيحول ذلك دون تحقيق حلم مصر لتكون مركزا إستراتيجيا لتجارة وتداول الطاقة، خاصة أنها لا تزال تعاني من أزمة تمويلية، لا يتضح منها أنها ستزول في الأجلين القصير والمتوسط.
ثمة مخاوف أن تضغط أزمة الطاقة خلال الفترة المقبلة على موارد مصر المحدودة من النقد الأجنبي، مما يجعلها في دوامة أزمة اقتصادية مستمر لفترة طويلة، وتذهب بنتائج التدفق النقدي الخارجي من النقد الأجنبي الذي وفرته صفقة "رأس الحكمة" وقرض صندوق النقد الدولي.
ولكن الأهم، في ظل تراجع معدلات الإنتاج وزيادة معدلات الاستهلاك من الطاقة، على ما يبدو إن كان ثمة دور لمصر في سوق الطاقة، خاصة على الصعيد الإقليمي، فسيكون من كونها ترانزيت لصادرات دول أخرى من الغاز الطبيعي.
ويُخشى أن تؤثر أزمة الطاقة في مصر خلال الفترة المقبلة على مستقبل الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وكذلك استمرار حالة الركود لدى القطاع الخاص غير البترولي، فمصر ستكون أمام أمرين أحلاهما مر، الأول توفير الطاقة من خلال الاستيراد من الخارج، على حساب احتياطيات النقد الأجنبي التي شهدت تحسنا نهاية الشهر الماضي، لتصل إلى ما يزيد قليلا عن 40 مليار دولار، بعد أن عانت من التراجع على مدار العامين الماضيين.
أو تقبل تسيير أمور أوضاعها الاقتصادية في ضوء المتاح من الطاقة المحلية، ليتقلص النشاط الاقتصادي، وتتراجع معدلات النمو.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات البترول والغاز الغاز الطبیعی ملیارات دولار النقد الأجنبی ملیار دولار أزمة الطاقة من البترول من الطاقة ملایین طن مصر من فی مصر وهو ما
إقرأ أيضاً:
أنصار الله في مواجهة الأمريكيين.. كيف يمكن أن ينتهي هذا الاشتباك غير الطبيعي؟
يخوض أبناء اليمن معركة استثنائية في مواجهة الأمريكيين، يمكن القول إنها على المستويات والمقاييس كافة -العسكرية والأمنية والسياسية والاستراتيجية- معركة غير تقليدية وغير مسبوقة تاريخيًا، لا في عناصرها ولا في وقائعها.
آخر الوقائع والمعطيات عن هذه المعركة المفتوحة، منذ أن اتخذ القرار اليمني بإسناد غزة والشعب الفلسطيني بعد طوفان الأقصى، أضاء عليها المتحدث العسكري اليمني العميد يحيى سريع مشيراً الأحد 30 مارس 2025 إلى أن: “القوات المسلحة اليمنية تواصل -للأسبوع الثالث على التوالي- التصدي المسؤول والفاعل للعدوان الأمريكيّ المستمرّ على بلدنا”.
ومضيفًا: “قواتنا اشتبكت مع “ترومان” والقطع الحربية المعادية في البحرِ الأحمر لثلاث مرات خلال الـ 24 ساعة الماضية”، مشيرًا إلى أنّ عملية المواجهة والاشتباك نفذت “من خلال القوة الصاروخية، وسلاح الجوّ المسيّر، والقوات البحرية، وذلك بعددٍ من الصواريخ المجنحة والطائرات المسيّرة”.
لناحية التفاصيل التقنية والعسكرية التي تضمنها البيان الأخير للعميد سريع، ما من شيء جديد لناحية الأهداف التي تم التدخل ضدها: (سفن ومدمرات حربية وحاملات طائرات)، أو لناحية الأسلحة المستعملة في الاشتباك من قبل الوحدات اليمنية: (صواريخ باليستية، وصواريخ كروز مجنحة ومسيّرات)، أو لناحية جغرافية الاشتباك:(البحر الأحمر ومحيط باب المندب وخليج عدن وبحر العرب وصولًا إلى المياه الجنوبية لخليج عمان).
فكل ذلك (الأهداف والأسلحة والجغرافيا)، تتكرر بشكل دائم، في الاشتباكات أو في البيانات، وكأنها أصبحت أعمالاً قتالية روتينية، لا أحد يبحث أو ينظر في حسمها، أو كأنها أصبحت حرباً ثابتة دون أفق واضح لنهايتها، وهنا تكمن الناحية الغريبة وغير التقليدية أو غير الطبيعية في الأمر: اشتباك متواصل في الزمان وفي المكان، بين الوحدات اليمنية التي تقودها حكومة صنعاء وقيادة أنصار الله الحوثيين، والمحاصرين – منذ نحو عشر سنوات – برًا وبحرًا وجوًا ، وبين وحدات البحرية الأمريكية والملحقة بها بعض الوحدات الغربية – بريطانية بشكل خاص – والمجهزة بأهم حاملات الطائرات في العالم، بمواكبة مروحة واسعة من سفن الدعم والدفاع الجوي والمدمرات البحرية.
الأهم والحساس في الموضوع، أن هذه القدرات والإمكانيات العسكرية الضخمة التي تنشرها واشنطن في المنطقة البحرية المذكورة أعلاه، هي نفسها التي تشكل بالأساس، إحدى أجنحة القوة الموضوعة بتصرف القوات الأمريكية، والمخولة بتحقيق التوازن العسكري الأمريكي على الساحة العالمية، وهي ذاتها من الوحدات الأساسية، والمكلفة بفرض الردع الاستراتيجي بمواجهة القوى الكبرى المنافسة، أي الصين وروسيا، في الشرق الأوسط وامتدادًا إلى شمال المحيط الهندي وصولاً إلى شرق آسيا.
من هنا، ولأن أمر صمود وثبات الوحدات اليمنية بمواجهة هذه الإمكانيات، هو أمر استثنائي وغير طبيعي، ولم يعد مفهوماً لناحية المعادلات العسكرية المعترف بها، أو لناحية قواعد الحروب المعروفة عالمياً.
ولأن الأمريكيين كما يبدو، فقدوا القدرة على اكتشاف مفاتيح الحسم وإنهاء هذه المواجهة لمصلحة تحقيق الأهداف التي وضعوها لها. ولأن الأمر أصبح مكلفاً للأمريكيين معنوياً وسياسياً، وبات له تأثير سلبي في موقعهم وفي موقفهم على الساحة الدولية. ولأن استمرار هذا النزف المعنوي نتيجة فشلهم في حسم المواجهة، سيفرض تأثيراً سلبياً غير مسبوق في موقعهم الدولي.
لأجل كل ذلك لم يعد من المستبعد أن يجد الأمريكيون طريقهم نحو إنهاء هذه المواجهة بالتي هي أحسن وبالقدر الذي يحفظ موقفهم، وبالمستوى المناسب لموقعهم الدولي.
كاتب لبناني