يمانيون// مقالات// سعيد السني
يوم 2 أغسطس/ آب عام 1990، اندلعت حرب الخليج الثانية.. قام “العراق”، في عهد رئيسه السابق صدام حسين بـ “غزو الكويت”، على خلفية مزاعم استيلاء الأخيرة على النفط العراقي. ثم تشكل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، يضم 38 دولة، تحت غطاء أممي، للتحرك بحملة “عاصفة الصحراء” العسكرية (17 يناير/ كانون الثاني- 28 فبراير/ شباط 1991)، التي انتهت بإعلان تحرير الكويت، وانسحاب الجيش العراقي.
يعنينا، أن الجيش العراقي، ومع انطلاق عاصفة الصحراء، راح يقصف مواقع إسرائيلية، بصواريخ سكود.. فرحت الجماهير العربية باستهداف الكيان الصهيوني، رغم مرارة الغزو العراقي للكويت. وقتها، أنكر “الاحتلال”، وقوع أي خسائر مادية، أو بشرية، فكانت صدمة للشعوب العربية.
عام 2021، أي بعد 30 عامًا.. اعترف الاحتلال، بأن صواريخ سكود التي أطلقها العراق (43 صاروخًا)، أسفرت عن مقتل 14 إسرائيليًا، وإصابة المئات، وتدمير الكثير من المنشآت. كما أقر “الكيان”، بإثارة هذه الصواريخ الرعبَ في كل الأراضي المحتلة، وأنها كانت تُطلق ليلًا، وتضرب أهدافها بدقة. فـ “الكيان الصهيوني”، يكذب، ويتنفس كذبًا.. هذا أمر معلوم.
ما أشبه الليلة بالبارحة، حين يُعلن الكيان الصهيوني، إسقاط 99% من الصواريخ والمُسيرات الإيرانية (300 طائرة وصاروخ تقريبًا)، التي هاجمته (ليل 13- 14 أبريل/ نيسان)، وأنها لم تُصب أهدافًا في العمق الإسرائيلي، ولم تلحق بالكيان أي خسائر بشرية كانت، أو مادية. لماذا علينا تصديق “جيش الاحتلال” أو حكومته، في إنكار فاعلية الهجوم الإيراني؟. لماذا، وهو يكذب على الدوام، والأمثلة لا تقع تحت حصر؟.
بايدن.. ووعيد خامنئيهل كان الهجوم الإيراني “مسرحية”؟ بالفعل، ولماذا؟. وهل هذا الهجوم بلا فاعلية؟. إجابة عن السؤال نرصد عددًا من النقاط؛ أولًا: أن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإمام علي خامنئي، استبقه، مُعلنًا، أن عقاب إسرائيل، قادم لا محالة.. ردًا، على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق (1/4/2024)، واغتيال قادة في الحرس الثوري الإيراني، على رأسهم الجنرال محمد رضا زاهدي. وعيد خامنئي، أثار حالة من الرعب والفزع، والارتباك، انتابت “الكيان”، أيامًا، انتظارًا للرد.. إدراكًا لجدية الوعيد.
ثانيًا: أن الرئيس الأميركي جو بايدن، حذرَ “الإيرانيين” مرارًا، وعلنًا، بألا يهاجموا إسرائيل.. قائلًا: لا تفعلوا.. مُشددًا، على التزام “أميركا” بأمن إسرائيل والدفاع عنها، ومارس عليهم ضغوطًا عبر وسطاء، لإثنائهم عن المُضي قدمًا فيما قرروه من رد على إسرائيل.. دون جدوى. فلم تمتثل “إيران” للتحذيرات والضغوط الأميركية، ولم ترتدع، أو تتراجع.
دلالة إسقاط الصواريخثالثًا: أن الولايات المتحدة، سارعت إلى تفعيل “شبكة دفاع” لصد الهجوم الإيراني، شاركت فيها بريطانيا، وفرنسا، وربما غيرهما من دول أوروبا، و”دول عربية”، للأسف. وقد أعلن “بايدن” شخصيًا، أن بلاده أسقطت غالبية المُسيرات والصواريخ قبل وصولها إلى إسرائيل.
وهذا له دلالة شديدة الوضوح، على أن “الكيان الصهيوني”، ليس بوسعه منفردًا، التصدي لهذا الهجوم الكبير الذي شنته إيران بالمسيرات والصواريخ الباليستية والمُجنحة.. لولا التصدي الأميركي والأوروبي. سواء هاجمت إسرائيل، وردت على إيران.. أم لم ترد، فهذا لا يغير شيئًا، من فاعلية الهجوم الإيراني، ورسالته، بأن العمق الإسرائيلي، لم يعد بمنأى عن الاستهداف، حال تجاوز الاحتلال بحقّ إيران.
اختبار إيرانيرابعًا: أن “الهجوم الإيراني” محسوب بدقة، فإيران، لا تريد التورط في حروب مفتوحة، ترهقها وتُعطل امتلاكها السلاحَ النووي، إن لم تكن قد امتلكته فعلًا. كما، قد يكون هادفًا، لتجريب الصواريخ والمسيرات في عملية عسكرية فعلية، فالأسلحة، يلزمها اختبار عملي للوقوف على مدى فاعليتها.. واختبار دفاعات وقدرات الأعداء أو الأطراف الأخرى في ميدان المعركة المُحتملة.
هذا الهدف الأخير، يستحق بحد ذاته الإقدام على هذا الهجوم.. في ظل توفر سند من القانون الدولي (كون القنصلية المستهدفة في دمشق.. تُعادل الهجوم على الأراضي الإيرانية). هذا الكم من الصواريخ والمُسيرات، لا يعني أن “إيران” استخدمت، كل ما لديها، فقد يكون لديها، ما هو أحدث، وأمضى توفره لوقته، وقد قالت ما يفيد هذا المعنى.
انسياق أعمى“إيران”، دولة قوية ومهمة، فاعلة في الإقليم، وفي القضية الفلسطينية.. تعرف ما تريد، وكيف تصل لما تريده. بعض الناقمين عليها، في تهوينهم شأن هجومها على إسرائيل.. تُحركهم نزعات طائفية مذمومة، تُسهم عمدًا، أو بدون قصد في توليد، وإشعال نيران الحقد والكراهية بين المسلمين، والعرب، وتمزيقهم إلى سُنة وشيعة.
البعض الآخر، مُنقاد، بلا إدراك، وراء السخافات التي تبثها فضائيات عربية “متصهينة”، تُخاصم المهنية، و”مليشيات إلكترونية”.. ربما “يُديرها” إسرائيليون، أو عرب مثلنا، يحبون “الاحتلال” حبًا جمًا، ويرونه أقرب إليهم من إيران، وبني جلدتهم.
لدينا مشكلة “تربوية” في بيوتنا، ومدارسنا، وبلادنا العربية، اعتمادًا للتلقين والحفظ والاسترجاع، والسمع والطاعة، والولاء.. بما يُنتج أفرادًا، يميلون إلى الانسياق الأعمى وراء “الرأي المُعلب”- الهجوم، مسرحية إيرانية، مثالًا-، يعتنقونه، ويرددونه، مهما كان ساذجًا أو ملفقًا، بما يُغني الفرد عن تشغيل عقله، لتكون كثرة من الناس، يحفظون ولا يفقهون.
الهجوم الإيراني على الكيان الصهيوني، ليس “مسرحية”، بالتأكيد.. بل يتضمن رسائل قوية اللهجة.. نارية، شديدة الاشتعال.. مفادها، أن هذا الكيان، مجرد “أكذوبة كبرى”، وأنه لم يعد في منعة ومأمن، وحصانة. فالمنعة التي استقرت في الأذهان لعقود.. أسقطها “طوفان الأقصى” في الساعات الأولى من صباح 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وها هو المُتبقي منها يتبدد مُجددًا، على خلفية الرعب، والهلع اللذين اجتاحا “الكيان”؛ تحسبًا للهجوم الإيراني، والارتباك الحاصل حاليًا، بشأن الرد على إيران، من عدمه.. إدراكًا بأن الدنيا تغيّرت، وأن ما قبل “طوفان الأقصى” ليس كما بعده.
#إيران#الرد الإيراني#سعيد السنيً#كيان العدو الصهيونيالمصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الکیان الصهیونی الهجوم الإیرانی
إقرأ أيضاً:
تحقيق الاحتلال عن هجوم 7 أكتوبر في نير عوز: فشل ذريع بكل المقاييس
ما زالت المؤسسة العسكرية والأمنية لدى الاحتلال تصدر نتائج تحقيقاتها تباعاً بشأن إخفاقها في التصدي لعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، وهذه المرة حول ما حصل في كيبوتس نير عوز في غلاف غزة، حين اقتحمه 500 مقاوم وأدخلوا جيش الاحتلال في الفوضى العارمة، ووصل أول الجنود بعد أربعين دقيقة فقط من مغادرة آخر مقاوم.
عيمانوئيل فابيان مراسل موقع زمن إسرائيل، كشف عن "أهم ما جاء في تحقيقات الجيش بشأن تفاصيل الهجوم على كيبوتس نير عوز"، وهو جزء من سلسلة تحقيقات مُفصّلة في أربعين معركة خاضها الجيش مع مقاتلي حماس خلال الهجوم.
سيناريو كابوس
وأضاف في تحقيق مطول ترجمته "عربي21" أن "نتائج التحقيقات شدّدت على فشل الجيش، الذي سمح لمئات المسلحين بالاستيلاء على الكيبوتس دون مواجهة جندي واحد على الأرض، وبالتالي فقد فشل بمهمته لحماية المستوطنين، ويعود ذلك أساسًا لعدم استعداده إطلاقًا لهذا السيناريو المتمثل بوقوع مستوطنة إسرائيلية في أيدي المقاومين، وفي الوقت نفسه هجوم واسع النطاق على العديد من المستوطنات والقواعد في جميع أنحاء الغلاف".
وأوضح أنه "على عكس المستوطنات الأخرى التي تعرضت للهجوم في ذلك اليوم، فإن كيبوتس نير عوز الذي يبلغ عدد مستوطنيه 420 نسمة، كان منهم 386 موجودًا وقت الهجوم، لم يقاتل الجيش المسلحين على الإطلاق، وفي المجموع، قُتل 47 منهم، واختطفت حماس 76 آخرين، وحتى اليوم، لا يزال خمسة منهم على قيد الحياة، عقب نجاح المسلحين في اقتحام جميع منازل المستوطنة، متسبّبين بدمار هائل، وتخضع المستوطنة لعملية إعادة تأهيل طويلة".
وأشار أن "التحقيق فيما حدث في نير عوز، أجراه اللواء عيران نيف، الرئيس السابق لقسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الذي كرّس وفريقه مئات الساعات للتحقيق، وفحص جميع مصادر المعلومات الممكنة، بما فيها الوثائق التي صوّرها المسلحون بكاميرات مثبتة على أجسادهم، ورسائل واتساب من المستوطنين، وتسجيلات كاميرات المراقبة، ومقابلات مع ناجين ومختطفين سابقين ومقاتلين حاولوا حماية الكيبوتس، وأجروا زيارات ميدانية، وكل ذلك بهدف استخلاص استنتاجات عملياتية محددة للجيش".
انهيار القيادة
وكشف التحقيق أن "عددًا غير عادي من المسلحين قاموا بغزو نير عوز، مقارنة بباقي المستوطنات، وقد تفاقم الوضع فيه بسبب الغياب التام للجيش، مما أعطى المسلحين شعورًا بحرية العمل، وأدى لوصول مئات الفلسطينيين من بلدة خزاعة إلى نير عوز، ومن بين أكثر من 500 مسلح تسلّلوا للمستوطنة، فلم يتمكن فريق التحقيق من العثور على جثة واحد منهم، ويبدو أن مقاتلي حماس جمعوا جثث رفاقهم خارج الكيبوتس، وعلى الطريق المؤدي لغزة، تم العثور على جثث 64 منهم، حيث قُتلوا بنيران مروحيات ودبابة".
وخلص فريق التحقيق أن "القوات لم تستعد، ولم تتدرب على سيناريوهات بحجم ما حدث في السابع من أكتوبر، ولم يتلقوا أي تحذير في ذلك الصباح، ومع بداية القتال، أصيب العديد من القادة على مختلف المستويات في القطاع، وانهارت سلسلة القيادة والسيطرة، ولم يكوّن الجيش صورة دقيقة لما يحدث في المنطقة بأكملها، وفي نير عوز تحديدًا، ولم يتمكن من إجراء تقييم منظم للوضع، كما لم يكن هناك نشاط قتالي في أي وقت أثناء الهجوم، ولم يجرِ أي اتصال بين الجيش والمستوطنين لفهم مسار المعركة هناك".
وأشار أن "الجنود لم يحموا قاعدة البحث والتطوير قرب نير عوز، الذي كان بإمكان وحداته حماية الكيبوتس لو لم تقع في أيدي المسلحين، كما أن تقدم القوات المدرعة نحو حدود غزة أثناء الهجوم كان خطأً، بدلاً من البقاء أقرب للتجمعات الاستيطانية لحمايتها، أما الفصيل المتأهّب، فقد عانى من نقص في عدد قواته أمام هذا العدد الكبير من المقاومين القادمين من غزة".
ووفقًا للتحقيق، فإن "الهجوم الواسع والمنسق الذي شنته حماس على عشرات المواقع والقواعد العسكرية جعل من الصعب للغاية على الجيش، على جميع المستويات تكوين صورة دقيقة للأحداث، خاصةً لخطورة الوضع في كل موقع، أما قوات التعزيزات التي وصلت لحدود غزة من الشمال، فقد انحصرت بالقتال داخل سديروت، أما الآخرون الذين تمكنوا من التقدم جنوباً فقد وقعوا في معارك أخرى، أو تعرضوا لكمين من قبل المسلحين عند تقاطعات رئيسية".
وأكد أن "القوات القادمة من الجنوب هوجمت أثناء طريقها، مما أدى لتأخير وصولها، فلم يصل الجنود الأوائل إلى نير عوز إلا بعد الساعة الواحدة ظهرًا، ولم تتلقَّ سوى قوات قليلة أوامر صريحة بالوصول إليه، أما القوات التي تلقّتها فقد علق أفرادها في القتال على طول الطريق، وعندما نجحت قوة خاصة باقتحام مفترق ماعون قرب الكيبوتس الساعة 11:45 فقد كان الأوان فات بالفعل".
فشل منهجي
وكشف التحقيق عن "وجود معلومات آنية كان من الممكن لقادة الجيش استخدامها لفهم خطورة الوضع في نير عوز، إلا أنها لم تُستغل، ومنها لقطات من كاميرا مراقبة تابعة للجيش تُظهر عشرات المسلحين يدخلون ويخرجون من نير عوز، وهي لقطات بُثت مباشرةً إلى مركز قيادة الجيش، إضافة لمعلومات من مروحيات سلاح الجو المحلّقة فوق المنطقة، وهذه المعلومات أكدت وجود مسلحين ينشطون في نير عوز، لكنها جاءت من أماكن أخرى عديدة، ولم يكن ممكنا فهم أن نير عوز في وضع أصعب من غيرها من المستوطنات".
وأكد التحقيق أن "مستوطني نير عوز استغاثوا مرارًا وتكرارًا، لكن اتصالاتهم ضاعت وسط فوضى آلاف الرسائل والتقارير، ونفّذ المسلحون خطتهم في الكيبوتس دون انقطاع، مما يجعل فشل الجيش بحماية نير عوز منهجياً، وليس تكتيكيًا أو أخلاقيًا، لأنه لم يُعطِ أولوية خاصة لإرسال قوات إليه على حساب أماكن أخرى، مما يتطلب إنشاء موقع عسكري جديد بين نير عوز وغزة، وتعزيز الأمن المحلي، وإنشاء آلية جديدة لتكوين صورة استخباراتية للوضع حتى في حالات انهيار سلسلة القيادة أثناء القتال، وتغييرات تكتيكية في الجيش".