#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبة
يقول تعالى في الآيتين 166-167 من سورة آل عمران: “وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ . وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ”.
رغم أن هذه الآيات نزلت في معركة أحد، التي جاءت بعد أن ارتفعت معنويات المسلمين إثر انتصارهم في معركة بدر على قريش، التي كانت تمثل القوة العظمى في عالم العرب – الجزيرة العربية -، إلا أنها تنطبق على كل المواجهات فيما بعد، كونها تمثل سنة الله الكونية في تمحيص المؤمنين من المنافقين، كون الفريقين يعتبران مسلمين، يعيشون في مجتمع واحد ويؤدون الفرائض والعبادات ذاتها، وفي ظروف السلم والأمان لا يمكن تمييز الصادق منهم في إيمانه عن المنافق الكاذب في إيمانه، لذلك يسوق الله الابتلاءات للمجتمع المسلم بصورة مواجهات عسكرية، يدبر الله تعالى أحداثها، بإغراء أعداء منهج الله باستهداف المسلمين بعدوان، عندها يهب المسلم الصادق في إيمانه للجهاد بماله وبنفسه، فيما ينكشف المنافق، والذي يكون نفاقه على ثلاث درجات:
أدناها المذبذب الضعيف الإيمان، فتهزه وتذهب به هبة ريح.
وثانيها عديم القناعة بمنهج الله أصلا، فإسلامه مجرد تقية وارتزاق لذا ينكص هذا المنافق ويقعد عن الجهاد، أو يشتري مغنم الدنيا بأجر الآخرة فيوالي المعتدين خوف بطشهم أو طمعا بعطائهم.
وثالثها أن يكون حاقدا أصلا على مجتمعه لاتباعهم منهج الله ويخفي ذلك، فيغريه ما يعانيه المؤمنون من شدة وضيق جراء العدوان، فيجدها فرصة ملائمة للكشف عن دخيلته فيتحالف مع أعدائهم عليهم، وينضم إليهم في عدوانهم.
إذاً فهذه سنة كونية ثابتة، خصصها الله تعالى للمجتمعات المؤمنة تحديدا، لذلك فهي باقية لا مبدل لها ولا مغير، وتصيب المؤمنين في كل العصور والأزمان.
آخر تطبيقاتها في عصرنا هذا كانت في ترتيب الله تعالى الأمور وتدبير الأقدار لأجل حدوث معركة الطوفان، التي كانت تحريضا لمعادي منهج الله للقيام بعدوانهم على الفئة المنتهجة لمنهج الله من بين هذه الأمة، التي باتت غثاء لا قيمة له عند أعداء الأمة، فلا يخشون منها بأسا، بعد أن تمكنوا من تدجين حكامها وتوظيفهم لخدمتهم وتنفيذ ما يطلبونه منهم.
منذ البداية انكشف الفريقان: المؤمنون الصادقون منهم: لم يخشوا قوة أعدائهم الكاسحة، فصبروا وصمدوا ورابطوا، فصدقهم الله وعده: “وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ” [الروم:47]، فحماهم الله على قلة عددهم إذ هداهم لفكرة الأنفاق، وأعمى عيون أعدائهم عنهم رغم قدراتهم التقنية الفائقة، وسدد رميهم رغم تواضع قدرات أسلحتهم، فلم ينل الأعداء منهم ما أملوه، وفشلوا فيما سعوا إليه، وهاهم يفاوضون للخروج من هذه المواجهة بما يحفظ ماء وجوههم الكالحة.
والأهم هو انكشاف الفريق الثاني (المنافقين)، وهم يتألفون أساسا من أغلب الفئات الحاكمة لديار العرب، والذين كانت هذه الموقعة كاشفة لنفاقهم، فظهروا على حقيقتهم متوزعين على الفئات المنافقة الثلاث السالف ذكرها.
فمن هذه الأنظمة من جَبُن فاستجاب لاملاءات العدو الأمريكي، فقعد عن نصرة من تعرضوا للعدوان، ونكص عن واجبه في تأييدهم المعنوي بالحد الأدنى، وامدادهم لكسر الحصار عليهم.
ومنهم أكثر نفاقا وعداء لمنهج الله، فلم يتوقف عند الإرصاد بالمجاهدين في سبيل الله بوصمهم بالارهابيين لتبريرالتنكيل بهم، بل شارك العدو بحصار أهليهم، والتضييق على مؤيديهم ومنع مناصرتهم، ومعاقبة من يستجيب لأمر الله تعالى للمؤمنين بالجهاد بالنفس والمال، بل تحالف مع الأعداء وعقد معهم الأحلاف، وطالبهم بعدم التوقف عن عدوانه حتى القضاء على المجاهدين.
وأما الأشد نفاقا مما سبق فكانوا من أولئك الذين والوا العدو صراحة، وكشفوا عن أنهم حلفاء له مخلصون، واثباتا لذلك ساهموا بالدفاع عنه عندما تعرض الى الهجوم الإيراني على تواضعه وانعدام خطورته.
لذلك أراد الله هذا الطوفان كاشفا، فظهر التباين هائلا بين جماهير الأمة وتأييدها الكاسح للمقاومة، وبين بعض الحكام الذين كان يتولى مَلَؤُهم ومؤيدوهم إيهام العامة بأنهم حماة للدين وللمقدسات، فانكشفوا على حقيقتهم.
لذلك فمن يدعو لتعليق الآمال على هؤلاء المنافقين بعد اليوم فهو منهم، فلن تنتصر الأمة إلا بالمجاهدين الصادقين. مقالات ذات صلة الصراعات المجدولة في هذا التوقيت 2024/04/18
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: تأملات قرآنية الله تعالى
إقرأ أيضاً:
الإفتاء: لا حرج في تركيب طرف صناعي إذا ولد الشخص بعِلة
قالت دار الإفتاء المصرية، إن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان وأحسنه وخلقه من طين وسوَّاه ونفخ فيه من روحه، وجعل له السمع والبصر والفؤاد، قال تبارك وتعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ • ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ • ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [السجدة: 7-9].
وأوضحت الإفتاء أن الله تبارك وتعالى يعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار؛ قال عز وجل: ﴿اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ • عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ [الرعد: 8-9].
وأضافت إذا وُلد إنسان من بطن أمه وبه علَّة بأحد أعضائه فإنه يجب معالجته كما بيَّن ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الشريف؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً» رواه ابن ماجه. فإذا لم يمكن علاجه لسبب أو لآخر، ولكن يمكن تركيب جهاز تعويضي للطرف المبتور أو المصاب فلا حرج في تركيبه؛ لما رُوِيَ "أن عرفجة بن أسعد رضي الله عنه أصيب يوم الكُلَاب في الجاهلية فاتخذ أنفًا من وَرِق، فأنتن عليه، فأمره سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتخذ أنفًا من ذهب" رواه أبو داود والنسائي والترمذي.
وأكدت الإفتاء، قائلة: هو سبحانه العالم بخلقه؛ لأنه خالقهم ويخلق ما يشاء ويتصرف في خلقه كما يريد؛ قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص: 68]، فيخلق الذكرَ والأنثى والصحيحَ والسقيمَ والطويلَ والقصيرَ والأبيضَ والأسودَ، وذلك لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى؛ لأنه لا يعلم الغيب إلا هو، قال تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: 59]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: 34].