زاخاروفا: نقل حاملة طائرات فرنسية إلى قيادة الناتو دليل على تآكل سيادة فرنسا
تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT
موسكو-سانا
أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن قيام فرنسا بنقل حاملة الطائرات الفرنسية “شارل ديغول” إلى قيادة حلف “الناتو” هو دليل واضح آخر على التآكل المستمر للسيادة الفرنسية.
ونقلت وكالة نوفوستي عن زاخاروفا قولها في إيجاز صحفي اليوم: “وردتنا معلومات بشأن إعلان هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الفرنسية عن نقل حاملة الطائرات شارل ديغول والسفن الحربية المرافقة تحت القيادة العملياتية لحلف شمال الأطلسي للمشاركة في التدريبات البحرية للحلف في البحر المتوسط”.
وأشارت زاخاروفا إلى أن هذه هي “المرة الأولى في تاريخ فرنسا التي يتم فيها نقل الرائد الرئيسي للقوات البحرية والعنصر الأساسي في المكون البحري لقوات الردع النووي حاملة الطائرات شارل ديغول إلى قيادة قوات الناتو”.
وأضافت: “بطبيعة الحال فإن مثل هذا القرار هو حق سيادي للقيادة الفرنسية لكن يبدو أن هذا دليل واضح آخر على التآكل المستمر للسيادة الوطنية لفرنسا، وخاصة في مجال الردع النووي الأكثر أهمية وحساسية”.
وستبدأ سفينة البحرية الفرنسية إلى جانب مجموعة هجومية في الانتشار في البحر المتوسط تحت إشراف قوات الهجوم والدعم البحرية التابعة لحلف الناتو، وتمثل هذه المهمة المرة الأولى التي تضع فيها فرنسا حاملتها التي تعمل بالطاقة النووية والقوات المرافقة لها، بما في ذلك غواصة هجومية نووية تحت سيطرة الناتو مباشرة.
وفي موضوع آخر، انتقدت زاخاروفا رفض شركتي تأمين بريطانيتين، وهما “لويدز أوف لندن” و” آرك انشورنس” دفع تعويض لشركة “نورد ستريم ايه جي” المشغلة لخطوط أنابيب الغاز “السيل الشمالي” التي تعرضت للتخريب عام 2022 بحجة أن الخط تضرر نتيجة “أعمال حرب”، وادعتا أن مثل هذه المخاطر لم تكن مدرجة في العقد.
وتابعت زاخاروفا: “إن الأمر لم يعد يقتصر على قيام الغربيين بسرقة أصول الدولة الروسية والممتلكات الخاصة والتهديد بتدمير أكبر مرافق البنية التحتية المدنية والتي تم تحقيقها من خلال الاستثمارات ثم تفجيرها بطريقة سحرية، ولكن الآن وصلت أيديهم إلى التأمين أيضاً”.
يذكر أن خطوط أنابيب الغاز “السيل الشمالي” تعرضت لتفجير تخريبي في مياه بحر البلطيق في أيلول من عام 2022، وطالبت روسيا أكثر من مرة بإجراء تحقيق دولي مستقل في الحادث بمشاركة خبراء روس لكن الطلب الروسي قوبل في كل مرة بالتجاهل من الغرب.
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
إقرأ أيضاً:
المفهوم الأوروبي من شارل ديغول إلى دونالد ترامب
ترجمت مشادة الرئيس الأمريكي مع الرئيس الأوكراني في البيت الأبيض، مدى حجم التباين والتباعد بين الموقف الأمريكي، الهادف إلى إيجاد الحلول التي تضمن وقف الحرب مع روسيا، والموقف الرسمي الأوكراني الذي تدعمه المجموعة الأوروبية، للوصول إلى سلام عادل ومستدام وشامل، يضمن سيادة أوكرانيا واستقلالها ووحدة أراضيها، ضمن حدودها المعترف بها دوليا، ومعرفة أسباب التعنت الأوروبي وتمسكه بحق القارة الأوروبية المشاركة في دائرة التفاوض، والمطالبة بخروج روسيا من الأراضي الأوكرانية، كشرط لنجاح اتفاق سلام يضمن الحماية والأمن لأوروبا، في الوقت الذي ترفض فيه الإدارة الأمريكية، مشاركة المجموعة الأوروبية في سعيها إعادة تقييم العلاقة مع روسيا، للوصول إلى وقف سريع لإطلاق النار في أوكرانيا، لتنهي فترة طويلة من التوافق السياسي والعسكري بين الغرب الأمريكي والغرب الأوروبي.
ليس من الصعب فهم طبيعة العلاقة التي جمعت الولايات المتحدة الأمريكية بحلفائها الأوروبيين منذ الانتصار الذي حققه الجانبان في الحرب العالمية الثانية، حين طلبت الدول الأوروبية المساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية، بعد نقض ألمانيا النازية للمواثيق الدولية، واحتلالها تشيكوسلوفاكيا، ما زاد من تخوف أوروبا والولايات المتحدة من خطورة السيطرة والهيمنة الألمانية على العالم، ناهيك من تخوف واشنطن وحرصها على وقف ازدياد التوسع الياباني في الشرق الأقصى. ما جعل من هذه العوامل، ضرورة للتوغل الأمريكي في القارة العجوز، بعد ربط اقتصادها بالاقتصاد الأوروبي، من خلال مشروع مارشال، حيث أعاد التدخل الأمريكي التوازن في القارة الأوروبية، وساهم في إلحاق الهزيمة بالنازية، التي كانت في طريقها للسيطرة على القارة بأكملها.
يبدو واضحا أن أمريكا الترامبية لا تتفق مع رؤية وأسس تكوين الاتحاد الأوروبي بصيغته الحالية،
كان لمشروع مارشال الخاص بمساعدة أوروبا في النمو والاستثمار، وتحديث الصناعات والبنى التحتية الأوروبية، غداة خروجها من الحرب، الدور الكبير في تبعية أوروبا الاقتصادية لأمريكا، وكما كان لحصار الاتحاد السوفييتي لبرلين عام 1949، العامل المُكمل الآخر لانتشار القوات الأمريكية، وفرض هيمنتها العسكرية على القارة، من خلال منظمة حلف شمال الأطلسي، وإبعادها من الخطر السوفييتي المتصاعد، الذي رسم صورة من الشرعية لهذا الوجود الأمريكي، على الرغم من الخلافات الأولية الخاصة بالحرب الهندية ـ الصينية، وحرب فرنسا في فيتنام، ناهيك عن رفض الجنرال شارل ديغول مؤسس فرنسا الحرة، القبول بجميع بنود هذه العلاقة في نهاية الخمسينيات، حيث أبدى رغبته الواضحة في الانسحاب من القيادة العسكرية للحلف، والتأكيد على استمرار استقلالية فرنسا كقوة نووية حليفة لواشنطن، ولكن غير منحازة للاستراتيجية السياسية والعسكرية الأمريكية، نتيجة للرفض الأمريكي، تقاسم القيادة في منظمة حلف شمال الأطلسي.
ومنذ ذلك الحين لم تتأثر العلاقات الأوروبية ـ الأمريكية عبر تاريخها كما تأثرت أسس شراكتها اليوم مع وصول دونالد ترامب، حيث يرى العديد من متتبعي السياسة الأمريكية، أن الموقف الأوروبي المعادي لفلاديمير بوتين من الحرب في أوكرانيا، والعقوبات المفروضة على روسيا من قبل الاتحاد الأوروبي، قادرة على إعاقة استراتيجية دونالد ترامب الهادفة إلى إفشال عملية التقارب بين الصين وروسيا. في الوقت نفسه ترى الإدارة الأمريكية في طبيعة الموقف الأوروبي المعادي للأهداف الروسية في أوكرانيا، العامل المساعد في ولادة كتلة روسية ـ صينية، قد تُفشل تحقيق الأهداف المرسومة في جعل القارة الأمريكية الأكبر في العالم. وهذا ما يجعل من طبيعة وجود الهيكل السياسي الأوروبي القائم على مجموعة من الدول المختلفة والضعيفة، ومن خلال رؤية لا تعطي الأهمية لهوية الشعوب وفصل الحدود، بمثابة القبول بولادة تكتل صيني ـ روسي، وبدعم من دول “البريكس” هدفه مجابهة خطط الإدارة الأمريكية الجديدة. لا شك أن نجاح جهود الرئيس الأمريكي ترامب في إيجاد حل لوقف الحرب في أوكرانيا وإهمال الدور الأوروبي، في إعادة تقييم العلاقة مع روسيا، للوصول إلى وقف سريع لإطلاق النار في أوكرانيا وعودة موسكو إلى دائرة الكبار، يهدف إلى منع موسكو من التقارب المفرط مع بكين، ويضرب من خلاله عرض الحائط أسس التحالف الاستراتيجي، الذي وحّد الغرب على مدى ثمانين عاماً، وينهي علاقة الحلفاء الأوروبيين من دائرة الأهداف المشتركة، ويبعد استراتيجيتهم في العديد من القضايا والمعادلات الدولية في بقاع العالم.
من هنا يبدو واضحا أن أمريكا الترامبية لا تتفق مع رؤية وأسس تكوين الاتحاد الأوروبي بصيغته الحالية، كممثل ومسؤول ضعيف لتجمع من الدول، ما قد يدفعها إلى تحجيم أهمية دور المجموعة الأوروبية، الضعيف سياسيا وعسكريا، مقارنة بالدول العظمى كالصين وروسيا والهند. أن ما يأمل في تنفيذه الرئيس الأمريكي الجديد من خلال شعار “أمريكا أولا” هو تغيير الشكل والمضمون لعالم متعدد الأقطاب وجعله قابلا للهيمنة الأمريكية، يسمح للولايات المتحدة الأمريكية التحكم والتوافق مباشرة مع القوى المهمة في العالم، وعلى حساب القارة الأوروبية. ومن خلال بيئة جيوسياسية، تفصل الغرب الأوروبي عن الغرب الأمريكي، وتنهي التوافق النسبي لدول الحلف الأطلسي الشريكة لواشنطن في تمثيل العالم الغربي في علاقات الغرب الأمريكي السياسية والاقتصادية مع العالم.
ان رغبة الإدارة الأمريكية بحصر التفاوض المباشر مع روسيا، ورفضها لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، ومطالبة الأوروبيين برفع عقوباتهم الاقتصادية المفروضة على روسيا، إذا أرادوا المشاركة في المحادثات، قد يعيد للنخبة الفرنسية تقييمهم لموقف الجنرال ديغول الواضح، ورغبته في الانسحاب من القيادة العسكرية للحلف الأطلسي، ومن ثم معرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة، لا تزال الحليفة الدائمة للمصالح الفرنسية وسياستها في العالم. إن إعادة رسم مفهوم العلاقة الأوروبية من خلال العودة إلى فكرة الجنرال ديغول، للمفهوم السياسي والتاريخي لأوروبا، وأهمية الحفاظ على السيادة الوطنية لفرنسا في علاقتها مع الأمم، هي رؤية تتمثل في أهمية أوروبا من “المحيط الأطلسي حتى جبال الأورال” كأمم مستقلة عن بعضها بعضا، حرة في تعاملها مع العالم، تضمن لها سيادتها في أن تكون في الوقت نفسه، حليفة لأمريكا ورافضة للانحياز لسياسة إدارة دونالد ترامب وشعارها المتمثل في أمريكا أولاً.
المصدر: القدس العربي