هيمن الهجوم الإيراني على دولة الاحتلال على كل المنابر الإعلامية العالمية لكنه هيمن هيمنة شبه مطلقة على الرأي العام العربي الرسمي منه والشعبي بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي. فوقف العرب من الهجوم العسكري موقفين أساسيين يرى أولهما أن الهجوم كان نصرا عظيما لمحور المقاومة والممانعة وفوزا باهرا للجمهورية الإسلامية لم يجرؤ عليه أحد من العرب.
إن أهم ما نبحث عنه في قراءة الحدث من وجهة نظر عربية ثلاثة مطالب أساسية سنحاول تبيّن مستوياتها فيما يلي: ما هي الحجج والبراهين التي قدمها الفريقان لإسناد الحكم على الحدث؟ وما هي خلفية كل حجة مقدمة ومدى موضوعيتها؟ ماذا حقق كلا الفاعلين أي إيران ودولة الاحتلال من الحدث؟ ما هي علاقة الحدث وأثره بالساحة العربية ومختلف الفواعل فيها وخاصة ارتباطها بالمذبحة الجارية في غزة؟
الحدث ومكوناته
قامت طهران بتوجيه عدد من الطائرات المسيرة والصواريخ إلى دولة الاحتلال في ردّ فعل انتقامي لقصف سفارتها في دمشق ومقتل عدد من قادتها العسكريين في العملية. وحسب تصريح القادة الإيرانيين فإن هذا الفعل منصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة ويدخل في إطار حق الدفاع عن النفس باعتبار السفارة أرضا إيرانية.
تم حسب المصادر الصهيونية إسقاط 99% من الصواريخ والمسيرات قبل دخولها الأجواء الإسرائيلية بمساعدة القوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة وبدعم قوي من الأردن الذي عبرت الطائرات والصواريخ أرضه وكذلك العراق ودول عربية أخرى لم يُكشف بالتدقيق عن حجم مشاركتها. لم يتبق لجيش الاحتلال إلا التعامل مع 01% من الهجوم الذي لم يخلف ضحايا بشرية واكتفى بخسائر مادية لا تذكر.
إعلاميا وسياسيا صُوحب الحدث بحشد إعلامي كبير سواء في الغرب أو في دولة الاحتلال وخاصة داخل إيران وفي مناطق نفوذها العربية مشرقا ومغربا، حيث راوحت الرواية الإيرانية بين اتجاهين أساسيين : الاتجاه الرسمي من خلال تصريح وزير الخارجية الذي حصر الهجوم في الردّ على قصف السفارة الإيرانية مؤكدا على ثلاث نقاط أساسية: إعلام الولايات المتحدة والدول المجاورة بتوقيت الهجوم وحجمه وأهدافه. الحرص على استهداف أماكن خالية من السكان لتفادي أية خسائر بشرية. لا هدف لإيران في توسيع المعركة ولا نية لها في ذلك.
أما الاتجاه الثاني فمثله الإعلام الإيراني من جهة ووكلائه العرب خاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وهو اتجاه لا يذكر تقريبا قصف السفارة بل يؤكد على أن العملية جزء من حرب محور المقاومة على الكيان الصهيوني حليف الشيطان الأكبر تضامنا مع شعب فلسطين أمام المذبحة الجارية.
أنصار "الضربة الإيرانية"
لا يعنينا في هذا المقام موقف الداخل الإيراني الشعبي أو النخبوي ولا غيرها من المواقف بل ما يعنينا فقط هو موقف الشارع العربي والنخب العربية من التصادم الصهيوني الإيراني الأخير. أهمية الموقف العربي دون غيره إنما تتأتي من حساسية السياق بحدثيه الأكبرين : حرب الإبادة في غزة والقمع الوحشي لثورة سوريا.
لماذا تسارع إيران إلى الإعلان عن نهاية الهجوم الذي لم تتجاوز مدته ساعات قليلة؟ ولماذا يؤكد وزير خارجيتها في مؤتمر صحفي أن الأهداف كانت مدروسة بدقة ولم تصب أي مكون مدني في حين سقط لها أكثر من قائد عسكري في هجوم السفارة وحتي قبلها؟اعتبر هذا الفريق أن إيران قد حققت نصرا استراتيجيا كبيرا بأن تحولت لأول مرة في تاريخ مواجهتها مع الكيان المحتل إلى القصف الصاروخي المباشر واضعة حدا لخيار "الصبر الاستراتيجي" الذي طبع ردود أفعال طهران أمام سلسلة الاغتيالات ضد قادتها العسكريين. كما أن طهران ترد لأول مرة بنفسها انطلاقا من أراضيها بعد أن كانت تكتفي سابقا بتحريك ميليشياتها في لبنان وسوريا واليمن والعراق ضد الاعتداء عليها.
كما روّج أنصار إيران إلى أن استهداف الكيان المحتل لا ينفصل عن إسناد غزة ودعم المقاومة فيها وهو السبب الذي رفضت القيادات السياسية والمذهبية الإيرانية التعبير عنه بما في ذلك المرشد الإيراني الذي أكد على أن الهجوم ردّ شرعي على استهداف السفارة الإيرانية فقط.
أنصار "المسرحية"
قسم هام من الشارع العربي العام والنخبوي سخر من الهجوم الإيراني واعتبره مسرحية سيئة الإخراج فكيف يمكن لدولة تهاجم أخرى أن تخبرها بموعد الهجوم توقيتا وأهدافا ؟ بل إن البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة قد أعلنت عن انتهاء الهجوم قبل أن تصل المسيرات والصواريخ إلى أهدافها والتي لم تصل إليها أبدا باعتبار التصريحات الصهيونية.
لماذا تسارع إيران إلى الإعلان عن نهاية الهجوم الذي لم تتجاوز مدته ساعات قليلة؟ ولماذا يؤكد وزير خارجيتها في مؤتمر صحفي أن الأهداف كانت مدروسة بدقة ولم تصب أي مكون مدني في حين سقط لها أكثر من قائد عسكري في هجوم السفارة وحتي قبلها؟
لماذا يبدو الردّ خجولا باهتا مقابل تصريحات نارية منذ حرب الإبادة ضد غزة تهدد بمحو إسرائيل من الخارطة؟ ألم يصرح قائد الحرس الثوري الإيراني بأن طهران تنتظر أن تقدم لها تل أبيب سببا واحدا لتمحوها من الخارطة ؟ فهل هناك أقوى سببا من قصف سفاراتها؟
ليلة الهجوم توقع العرب أن تطبّق طهران شعاراتها التي احتلت بها العقل العربي منذ الانقلاب الخميني على نظام الشاه في 1979 وهي شعارات تأسست على فكرة محاربة الصهيونية وتحرير القدس الذي أنشأت لأجله فيلقا خاصا سمّي "فيلق القدس". بل إنها سمّت إحدى طائراتها المسيّرة "غزة" وهي الطائرة التي لم تحلق في أجواء غزة ولا شاركت المقاومة المسلحة فيها.
صراع الحجج والأجندات
على واجهة ثانية انبرى أنصار إيران إلى مهاجمة كل الآراء التي سخرت من الضربة العسكرية ووصفتها بالمسرحية لأنها لم توقع قتيلا واحد من الجانب الإيراني. وكانت ردودهم تتأسس على الحجج التالية :
أولا ـ لا يمكن مقارنة الهجوم الإيراني وإن كان شكليا أو مسرحيا بالصمت العربي الرسمي المتواطئ مع المذبحة وهو ما دفع كثيرا من المحللين إلى رفع شعار "افعلوا مثلها أو التزموا الصمت".
ثانيا ـ الهجوم الإيراني لم يكن فقط ضربة عسكرية بل كان أساسا فعلا رمزيا ضد الجيش الذي لا يقهر ولم تجرؤ دولة عربية واحدة على مهاجمته. فقيمة الهجوم رمزية نفسية قبل كل شيء.
ثالثا ـ اعتبر العرب من أنصار إيران أن القول بالمسرحية قول يدخل ضمن نظرية المؤامرة فكل من يشكك في نجاعة الهجوم مهووس بالمؤامرة.
رابعا ـ إن من ينكر نجاعة الضربة الإيرانية ليس إلا طائفيا يواصل تشتيت المسلمين ويمنع وحدتهم في الصراع مع الصهاينة وفي لحظة تكون فيها الأمة أحوج ما تكون إلى الوحدة العقائدية. بل إنهم ذهبوا إلى اعتبار التشكيك في الضربة الإيرانية انتصارا للعدو الصهيوني.
إيران العربية
يقتضي الإنصاف الاعتراف بالحقائق التالية:
أولا نجحت إيران في شق العالم العربي لا فقط من خلال العواصم التي سيطرت عليها أو عبر مليشياتها المسلحة في أكثر من مكان بل خاصة من خلال ما خلقته من وعي بديل لدى كثير من النخب العربية التي تراها اليوم باب خلاص العالم الإسلامي. وهو الأمر الذي يؤكده انقسام الشارع العربي من هجومها الأخير على تل أبيب رغم آثاره المنعدمة تقريبا.
مرة أخرى يستفيق الشارع العربي على درس جديد بضرورة الوعي أن حلّ الخلاص من هذا الانحدار الحضاري لن يكون إلا عربيا خالصا ينبع من داخل الأمة وبإرادة شعوبها ونخبها أما دون ذلك فلن نكون إلا أرضا خصبة لمشاريع الآخرين ومسرحياتهم.ثانيا لا يمكن اعتبار الهجوم مسرحية من وجهة النظر الإيرانية لا العربية لأن طهران نجحت في إعادة نفسها إلى الواجهة في قلب الصراع العربي الصهيوني رمزا للمقاومة بقطع النظر عن فعاليتها. وهو ما يسمح لها بضخ مزيد من الحياة في شرايينها الممتدة من بغداد إلى دمشق مرورا بلبنان وصولا إلى البحر الأحمر مع مليشيات الحوثي. استفادت إيران من غياب العرب وتخاذلهم في نصرة غزة فحققت مزيدا من اختراق الوعي الجمعي وصولا إلى القدرة على التأثير القوي في حركة المقاومة على الأرض في فلسطين.
ثالثا لم يكن هدف طهران إلحاق الضرر بالصهاينة ولا المشاركة في إيقاف المذبحة بل كان هدفها الأساسي مزيد التوغل في المجال العربي وإنقاذ صورتها التي تضررت بعد أشهر طويلة من جرائم الإبادة. أما القول بالعداء الإيراني الاسرائيلي فكلام لا أسس منطقية له لأن تاريخ التعاون بين الكيانين قديم قدم انقلاب الخميني وفضيحة "إيران كونترا" وصولا إلى التنسيق في إسقاط بغداد وتدمير سوريا بحجج لا تقبل النقض.
رابعا إن ما يجمع طهران مع تل أبيب أكبر مما يفرقهما لأن الكيانين يتحركان داخل المجال العربي ويتخاصمان النفوذ داخله بما يخدم مصلحة الطرفين. فليست قضية فلسطين بالنسبة لطهران إلا مجرد ورقة من الأوراق التي تلعبها على الساحة العربية وإلا لما تركت قرابة أربعين ألفا من أهل غزة يموتون دون تدخل صريح لكنها تدخلت بخجل ثأرا لمسؤولين عسكريين في سفارتها بدمشق.
الهجوم الإيراني لم يكن مسرحية من وجهة نظر إيرانية بل خطة رمزية مدروسة بعناية فائقة زمانا ومكانا وأهدافا وسياقا. وهو نفس الأمر بالنسبة للكيان المحتل الذي استفاد من الحدث استفادة كبيرة باستعادة دوره المفضل دوليا وهو دور الضحية وبالحصول على مزيد من الدعم المالي والعسكري من الغرب.
والعرب اليوم في أضعف أطوارهم الحضارية فإن مشاريع القوى الاقليمية وحدها هي التي تتحرك قُدما على أرضهم وليس المشروع الصفوي إلا الوجه الآخر للمشروع الصهيوني سواء بعدد العواصم العربية التي تسيطر عليها إيران أو بحساب عدد من قتلتهم مليشياتها في سوريا واليمن والعراق.
مرة أخرى يستفيق الشارع العربي على درس جديد بضرورة الوعي أن حلّ الخلاص من هذا الانحدار الحضاري لن يكون إلا عربيا خالصا ينبع من داخل الأمة وبإرادة شعوبها ونخبها أما دون ذلك فلن نكون إلا أرضا خصبة لمشاريع الآخرين ومسرحياتهم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الهجوم الإيراني الرأي الإسرائيلية إيران هجوم إسرائيل رأي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الهجوم الإیرانی دولة الاحتلال الشارع العربی من الهجوم إیران إلى
إقرأ أيضاً:
هل تسعى أوروبا لتفعيل آلية الزناد مع إيران؟
طهران- على عكس الأجواء الإيجابية التي سادت مباحثات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي خلال زيارته الأخيرة إلى إيران، أصدر مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أمس الخميس، قرارا ينتقد رسميا طهران بسبب "عدم تعاونها بما يكفي" في برنامجها النووي.
وجاء في نص القرار أنه "من الضروري والعاجل أن تقدم إيران ردودا فنية موثوقة فيما يتعلق بوجود آثار غير مفسرة لليورانيوم في موقعين غير معلنين قرب طهران، هما تورقوز آباد وورامين".
ورغم مساعي الخارجية الإيرانية الحثيثة لتجنب الانتقاد في اجتماع مجلس المحافظين عبر مباحثاتها مع الوكالة الذرية والترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) والدول الأعضاء الأخرى في المجلس، لكن مشروع القرار الأوروبي حظي بتأييد 19 دولة من أصل 35، في حين عارضته روسيا والصين وبوركينا فاسو، وامتنعت الدول الـ12 الباقية عن التصويت.
في المقابل، ردت طهران بتشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة ومتطورة، وذلك تنفيذا لتهديدها بالرد "وفق ما يقتضيه الوضع وعلى نحو مناسب في حال تجاهل الجانب الغربي حسن نية إيران".
العصا والجزرةوقد يفسر ما ورد في أحد التقريرين السريين اللذين قدمتهما الوكالة الذرية المقصود الإيراني بـ"حسن النية"، إذ ذكرت وكالة "رويترز" أن طهران عرضت عدم زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء تصل إلى 60%، وقد بدأت بتنفيذ التدابير التحضيرية لذلك.
كما كشف مصدر إيراني مطلع، للجزيرة نت، أن بلاده قطعت تعهدا بالتعاون بقدر أكبر مع الوكالة، ومنها السماح بتفقد عدد من المنشآت النووية التي ترغب بتفقدها، مقابل تخلي القوى الغربية عن مساعيها لإصدار قرار ضد الجمهورية الإسلامية.
وترى الباحثة السياسية برستو بهرامي راد أن المساعي الإيرانية لمنع الجانب الأوروبي من إصدار القرار جاءت متأخرة، وأن إدانة بلادها كانت متوقعة في ظل الفتور الذي خيّم على علاقات طهران مع العواصم الأوروبية خلال السنوات الثلاث الماضية، وأن الجانب الغربي لم يعر سياسة الترغيب والتهديد الإيرانية اهتماما، لأنه كان قد قرر مسبقا استغلال فرصة اجتماع مجلس المحافظين لترجمة التدهور الطارئ على علاقاته معها.
واعتبرت، في حديثها للجزيرة نت، أن رد إيران الفوري بتشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة وتأكيدها عزمها مواصلة تعاونها الفني مع الوكالة الذرية مؤشر على استمرار سياسة العصا والجزرة خلال الفترة المقبلة، وأنه لا تغيير في توجّه حكومة الرئيس مسعود بزشكيان الرامي إلى إبقاء باب التفاوض مفتوحا لحلحلة القضايا الشائكة حتى قبيل الاجتماع المقبل للمجلس.
وحسب بهرامي راد، تمر علاقات بلادها مع العواصم الأوروبية بأحلك مراحلها، وتوقعت استمرار التوتر بينهما خلال العام المقبل وصولا إلى تفعيل آلية الزناد، إيمانا من الجانب الغربي بجدوى سياسة أقسى الضغوط الأميركية على إيران واستنزاف طاقاتها.
ويبدو أن الجانب الأوروبي يعمل من أجل الاحتفاظ بملف طهران النووي بحوزته مع عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ومن المتوقع أن يزداد الشرخ بينهما خلال الفترة المقبلة، كما تقول. وتتوقع أن تبذل الحكومة الإيرانية جهودا أكبر للتعاون خلال الأشهر القليلة المقبلة مع الوكالة الذرية، لكنها استبعدت خروج اجتماع المجلس المقبل بنتيجة مرضية للجانبين الإيراني والأوروبي.
سيناريوهات محتملةوعلّق النائب في هيئة رئاسة البرلمان الإيراني بدورته السابقة، سيد نظام الدين موسوي، على قرار مجلس المحافظين، وكتب على منصة إكس "يبدو أنه من المقرر العودة مجددا إلى الدوامة الباطلة المتمثلة في إصدار الوكالة قرارا ضد إيران وتراجع الأخيرة. لا ينبغي تكرار تلك التجربة المريرة خالية النتائج. الخيار الصائب ليس سوى الرد بخطوة مماثلة مقابل أي خطوة يتخذونها إلى الأمام".
من ناحيته، يرى أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الملف النووي الإيراني محسن جليلوند أن القرار الأخير يضع طهران أمام طيف من الخيارات والسيناريوهات، بدءا من أقصى حد للاستسلام حتى أقصى حد للتمرد، مستدركا أن المجال ما زال مفتوحا أمام إيران حتى الربيع المقبل، حيث ستقدم الوكالة الذرية تقريرا كاملا عن برنامجها النووي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد جليلوند أن الجانب الغربي يتحرك وفق خارطة طريق تبدو شبه محكمة لتفعيل آلية الزناد حتى قبل 18 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وهو "يوم النهاية في الاتفاق النووي المبرم عام 2015″، معتبرا أن "أحلى الخيارات المطروحة أمام طهران مر".
ورأى أن السيناريو الأول، المفضل لدى الجانب الغربي والذي يبدو قبوله مستحيلا على الجانب الإيراني، هو النموذج الليبي بأن تقبل خلاله طهران بتفكيك برنامجها النووي أو التخلي عن قدراتها النووية وفقا للإملاءات الغربية، وقد تناهز احتمالات تطبيقه الصفر بالمائة.
أما السيناريو الثاني والأكثر احتمالية وفق جليلوند، فهو تزايد التوتر بين إيران من جهة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية والترويكا الأوروبية بدعم الولايات المتحدة من جهة أخرى، وتفعيل آلية الزناد وعودة العقوبات الأممية قبيل يوم النهاية في الاتفاق النووي.
لغة القوةويصف الباحث جليلوند السيناريو الثالث لمستقبل برنامج بلاده النووي بـ"نموذج كوريا الشمالية"، انطلاقا من سياسة أقصى التمرد، موضحا أنه ثمة شريحة في بلاده تعتقد أن الجانب الغربي لا يفهم سوى لغة القوة، وأن صناعة القنبلة النووية وإعلانها رسميا كفيلة بوضع حد للضغوط الغربية وكبح جماح المغامرات الإسرائيلية ضد المنشآت النووية في إيران.
وكانت أوساط إيرانية قد هددت بذلك خلال الفترة الماضية، ويؤكد المتحدث نفسه أن طهران تمتلك بالفعل القدرات الفنية لصناعة هذه القنبلة.
وقد يكون الاستهداف الإسرائيلي، الشهر الماضي، لمجمع "بارتشين" النووي شمال شرقي طهران بمثابة إرسال رسالة حول قدرته على تكرار المغامرة وتجاوز خطوط إيران الحمراء، ولا يستبعد جليلوند استهداف جزء من برنامجها النووي خلال الفترة المقبلة، قائلا إنه من شأن هذا السيناريو أن يضرم النار في المنطقة.
وخلص إلى أن شدة عمليات "الوعد الصادق" الثالثة التي تحضر إيران لتنفيذها ردا على الهجوم الإسرائيلي الأخير قد تخرج التطورات عن مسارها الطبيعي، وقد تشهد المنطقة حربا شاملة قد تكون المنشآت الحيوية الإيرانية والإسرائيلية جزءا منها، مستدركا أن طهران تأخذ أسوأ السيناريوهات بعين الاعتبار في سياساتها، وأنه لا يمكن القضاء على برنامجها النووي بسبب الجغرافيا الواسعة لديها.