د. أحمد جمعة صديق
كتب محمد فضل علي 16 April, 2024 في (سودانايل) عن رد الفعل علي الاعتراض الذي أبدته حكومة الامر الواقع السودانية، علي مجهودات المجتمع الدولي والدوائر الاقليمية العربية والافريقية من أجل وقف الحرب السودانية، وآخر هذه المجهودات مؤتمر باريس، الذي ييدف الي انقاذ مايمكن انقاذه علي صعيد الكوارث الانسانية المترتبة علي الحرب السودانية.
وكانت وزارة الخارجية السودانية قد اصدرت بيان عدائي حول مؤتمر باريس قالت فيه : انها تعبر عن بالغ دهشتها واستنكارها أن ينعقد هذا المؤتمر حول شأن من شؤون السودان؛ الدولة المستقلة وذات السيادة والعضو بالأمم المتحدة، دون التشاور أو التنسيق مع حكومتها وبدون مشاركتها ".
ونتيجة لنجاح هذه المجهودات الضخمة التي قادتها الدبلوماسية الشعبية المدنية السودانية الهادئة بقيادة (تقدم) ورئاسة حمدوك، فقد سقط أول ضحايا سياسة وزارة الخارجية الفاشلة، وزير الخارجية علي الصادق. فكما أورد تلفزيون السودان حسب الخبر الذي ورد عن رئيس التحرير طارق الجزولي اليوم 17-4-2024 في صحيفة سودانيل الالكترونية ذائعة الصيت. فقد أفاد التلفزيون السوداني، الأربعاء، بإنهاء تكليف وزير الخارجية علي الصادق، وتكليف حسين عوض علي بمهام الوزير.
ما وراء هذا الخبر لا يحتاج الى اجتهاد لاثبات أن الدبلوماسية الرسمية ممثلة في وزارة الخارجية قد فشلت فشلاً ذريعاً في وضع خطوط واضحة للتعامل مع العالم فيما يفيد مصلحة الوطن اولاً، وليس مصلحة الجهات السيادية التي تأتمر بامرها وزارة الخاجية. فعندما تتقاطع مصالح (الاوليجاركية) مع المصالح العامة؛ علي العاملين في وزارة الخارجية إعمال الموازانات التي تفيد الوطن. فقد فشلت الدبلوماسية السودانية الرسمية في تسويق مشكلة السودان حتى بين الاشقاء الافارقة، فبدلاً من استثمار مجهوداتهم لخدمة مصالح السودان كانت الخارجية السودانية تؤلبهم للوقوف في عداء للسودان لارضاء الحاكمين. لقد أفلحت الخارجية في منح الوسطاء الافارقة العذر في عدم الحماس لكل قضايا السودان.
وفي مقاله الضافي في 17-4-24 في (سودانايل) تناول الاستاذ زهير عثمان حمد سيرة وزارة الخارجية السودانية باعتبارها محوراً رئيسياً في تشكيل السياسة الخارجية للبلاد. ولكنها – كما قال - واجهت تحديات جمة بسبب تأثيرات الأنظمة الشمولية ونفوذ الإسلاميين. وفي السياق السوداني، غالباً ما تُطرح تساؤلات حول مدى استقلالية الخارجية السودانية وتأثرها بالتوجهات الإيديولوجية للأنظمة المتعاقبة. ويواصل الاستاذ زهير فيقول إن الخارجية قد (تغافلت) عن الهم الوطني والمصالح العليا للسودان، متأثرة بقرارات تخدم مصالح قادة الأنظمة الشمولية. هذه الأنظمة، التي حكمت بالحديد والنار، لم تُقّدر الدور الحقيقي للدبلوماسية السودانية كأداة لخدمة السودان دبلوماسياً.
ونعود لتصريح الرئيس الفرنسي ماكرون في عدم اعترافهم بحكومة الخرطوم مما ادى لتغييبها وعدم تقديم بطاقة (العزومة) لحضور مؤتمر باريس الاخير، فهذا التصريح - في الواقع - لا يعبر عن موقف فرنسا فقط؛ بل هو رأي جميع الدول التي رعت المؤتمر، بما فيها دول الاتحاد الاوربي. وقد عبر الاستاذ صلاح الباشا في 17-4-2024 بصحيفة (سودانايل) بقوله (لقد لاحظنا كثافة الهجمة الشرسة والنقد الذي فاق حد التصور للدول والمنظمات المشاركة -27 منظمة عالمية ومجموعة دول الاتحاد الاوربي في مؤتمر باريس تجتمع لدعم الجهود ولتوفير العون اللازم للاحتياجات الإنسانية للمتضررين من الحرب في السودان. فالأمر لاعلاقة له بالحكومة أو بالمعارضة.. بل هو لبذل عمل سريع وكبير لإنقاذ الشعب السوداني. ومبدئياً سيتم تخصيص 2 مليار يورو عاجلة للبدء في تجهيز المساعدات من مواد
غذائية وأدوية وخلافه. لذلك فإن الهجمة الحالية (شايتة ضفاري) ساي. مرحب بالعون الإنساني أكثر وأكثر. والجمرة بتحرق الواطيها).
وذكر الاستاذ محمد الربيع في مقال له في نفس الصحيفة، أن المؤتمر كان مطلبياً بحتاً لوضع حدٍ للكارثة الإنسانية والمخاطر الجيوسياسية التي تهدد الإنسان السوداني، وقد شارك فيه كل قطاعات الشعب السوداني وممثلين حتي لأطراف النزاع ….لقد كان في المؤتمر الدكتور عبدالله حمدوك رئيس وزراء الثورة علي رأس وفدٍ من قادة تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية "تقدّم" كما كان في المؤتمر المحامي نبيل أديب عبدالله (محامي الفريق البرهان الخاص)!! وكان في المؤتمر الأستاذ محمد ذكريا (الأمين السياسي) لحركة العدل والمساواة برئاسة دكتور جبريل "وزير مالية البرهان" وقد كان في المؤتمر الأستاذ حسين أركو مناوي (الرجل الثاني) لحركة تحرير السودان جناح مناوي، وكان في المؤتمر الدكتور التجاني السيسي والدكتور خالد التجاني وجميعهم حزب (المؤتمر الوطني) ! وقد كان في المؤتمر الأستاذ المحبوب عبدالسلام الإسلامي المعروف (المؤتمر الشعبي) وقد كان في المؤتمر الدكتور الوليد مادبو، الأكاديمي وخبير الحوكمة المستقل (شخصية وطنية) مؤثرة وآخرين يمثلون الإعلام والثوار ومنظمات المجتمع المدني الخ...
والشاهد في الأمر أن البلابسة وداعمي الحرب من جماعة بل بس وسدنة السفارة في باريس حاولوا كالعهد بهم التخريب والصبيانية (حاولوا إقتحام المؤتمر) بدون أي دعوة أو صفة فقط بنية التخريب وإثارة الفوضي وبعضهم إحتالوا علي الدخول وتم طردهم شرّ طردة. وهذا شاهد آخر على قوة الفعل الشغبي ان صلحت النيات.
ولكن في مقاله في سودانايل في 16-4 يقول الدكتور عبد الحميد أن قائمة المدعوين من منسوبي ما (يُسمى) بالمجتمع المدني مثيرة للريبة وهم في معظمهم سياسيون لم تسبق لهم خبرات عملية في ميدان العمل الإنساني لا من ناحية مهنية ولا من ناحية عملية ولا معرفية ولم تضم القائمة أسماء معروفة في محيط العمل الإنساني ممن كان يمكن أن يكون لهم اساهم حقيقي في جعل عملية التدخل الإنساني أكثر فعالية و التوصل لعملية إغاثة تنقذ أهل السودان من سرادق العذاب الذي ضربته عليهم الحرب موتاً وخوفاً ومرضاً وجوعاً وتشريداً وإملاقاً.) ومع احترامنا لوجهة النظر هذه فان القائمة ان كانت كما ذكرت بهذا الطيف فهذه محمدة بأن السودان كله قد مثل. ولكن في رأي ليس في الامر ريبة أو شك لان مخرجات اللقاء في باريس كانت على صفحات الصحف ولا تغيب عنا تصريحات السيد رئيس الوزراء نفسه بما حققوه من انجازات في هذا المؤتمرفما الذي يريب؟ والمؤتمر كما فهمنا بانه كان (مطلبياً بحتاً لوضع حدٍ للكارثة الإنسانية والمخاطر الجيوسياسية التي تهدد الإنسان السوداني)،كما ذكر الاستاذ محمد الربيع في 17-04-2024 بصحيفة (سودانايل).
نخلص من كل ذلك أن الدبلوماسية الشعبية بقيادة حمدوك قد أنجزت ما يمكن ان نسميه (إختراقاً) في أن تصل الى جمع ومخاطبة ما يزيد عن 27 دولة ومنظمة اقليمية في باريس. هذا المجهود لم يكن وليد الصدفة اذ كان وراءه مجموعة من أبنائنا وبناتنا الذين حذوقوا العمل السياسي والدبلوماسي، وأصبحوا يتكلمون بفصاحة لغة المجتمع الدولي، كنظراء وليسوا متسولين. فقد نجحت االدبلوماسية الشعبية فيما فشلت فيه وزارة الخارجية في مخاطبة العالم بقضايا السودان. وقد استمع العالم لهم رغم انشغاله بقضايا أخرى في فلسطين واوكرانيا.
وقد لخص الاستاذ زهير موقف وزارة الخارجية (بان المشهد الذي لا يريد عباقرة خارجية كرتي أن نراه على حقيقته، وهو أن المجتمع الدولي يتعامل مع القوي المدنية "تقدم" كجهة محترمة و موثوقة؛ اذ خصصوا وقتاً كافٍ لها في مؤتمر في قلب باريس العاصمة الأوربية، ذات الثقل السياسي الكبير، وسط انشغال أوربي محموم بالحرب في أوكرانيا). ويردف الاستاذ زهير بالقول بانه ( متي نجد العلاج الناجع لهؤلاء الاسلاميين الذين يسطرون علي الخارجية نقول إن غداً لقريب، اذ أن الامل معقود في شباب الثورة والقوي الحية، لإنهاء هذا الغيبوبة واستعادة وزارة الخارجية لتكون صوت السودان الخارجي الذي يمثل السودان بقيمه الراقية).
ما تم في باريس – يا سادتي - يتوافق علي تسميته في علم وفن الدبلوماسية (بالاختراق) وهو ان تصل الى مبتغاك باسلوب مبسط يحفظ حقك وكرامتك ويحقق ما تريد بقل جهد وتكاليف ممكنة. وهذا ما فعلته الدبلوماسية السودانية اذ اخترقت الدبلوماسية الشعبية المدنية الحصار الذي يفرضه عليها النظام الحاكم وحققت الوصول - رغم العوائق - الى مخاطبة العالم، بل والنجاح في الحصول على وعود بمساعدات لوجستية ومالية تعدت ال 2 مليار يورو.
هذا الانتصار رد حقيقي على بطلان المماراسات التي يمارسها النظام لاعاقة السلام في السودان، وليس آخرها القائمة المشينة التي أصدرها النائب العام التي (تجّرم) هؤلاء الدبلوماسيين السودانيين الشعبيين وتمنعهم من لعب أدوارهم الطبيعية في خدمة أوطانهم. ولقد استنكر المجتمع السوداني هذا (العبط)، ولم يقف العالم أيضاً مكتفياً بالنظر الى ذلك، فقد شجب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك،النمط المستمر للاعتقالات والاحتجاز التعسفي، فضلاً عن الترهيب والتهديدات التي يواجهها ممثلو المجتمع المدني والمدافعون عن حقوق الإنسان والصحفيون، من بين آخرين. وشدد على أنه“ لا يمكن أن يكون هناك مسار مستدام للمضي قدماً في السودان دون مشاركة منظمات المجتمع المدني".
ما نريد أن نؤكده في هذا المقال أن (تقدم وقحت) اثبتت انهما حقاً برلمانات سودانية كاملة الدسم، والمأمول أن تلعب ادواراً حاسمة على الارض، فقد بلغ السيل الذبي وضاقت الارض على السودانيين رغم براحتها ووصلت الحلقوم. لابد من استنفار كل الجهود الدولية وكل وكالات الامم المتحدة ومواثيقها لتفعيل القوانين التي تحمي الارض والعرض والروح. وفي نظري أن هذا التجمع (مفوّض) بصورة جلية من قبل السودانيين في استدعاء وعمل كافة الحيل التي تطفئ نيران هذه الحرب العبثية الى الأبد.
والأمر الآخر الذي نريد أن نؤكده بأن لا أحد بعد اليوم يملك الحق في التشكيك أو المزايدة في جدوى جهود الدبلوماسية الشعبية السودانية، بل ونضجها في خدمة قضايا الوطن. كما نؤكد أيضاً بأن حواء السودانية بخير، فهي لن تتوقف عن انجاب العلماء والأدباء والدبلوماسيين والوطنيين الحادبين على مصلحة بلادهم من كل المهن والسحن.
كسرة،،،
لم لا يباشر (حمدوك) اعماله كرئيس للوزراء فهو لا زال الرئيس الشرعي في السودان؟؟؟
aahmedgumaa@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدبلوماسیة الشعبیة الخارجیة السودانیة وزارة الخارجیة المجتمع المدنی کان فی المؤتمر مؤتمر باریس فی السودان فی باریس
إقرأ أيضاً:
مرور عامان: تقرير خاص عن الحرب السودانية وتداعياتها الإنسانية
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، غرق السودان في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث. ووفقًا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة، تجاوز عدد القتلى المدنيين 24,000 شخص حتى الآن، مع نزوح أكثر من 5.7 ملايين شخص داخليًا وخارجيًا (الأمم المتحدة - نوفمبر 2024). ولم يقتصر عدد الضحايا
خاص – سودانايل
مقدمة
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، غرق السودان في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث. ووفقًا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة، تجاوز عدد القتلى المدنيين 24,000 شخص حتى الآن، مع نزوح أكثر من 5.7 ملايين شخص داخليًا وخارجيًا (الأمم المتحدة - نوفمبر 2024). ولم يقتصر عدد الضحايا على القتل الناتج عن تبادل النيران العشوائية، بل تصاعدت الانتهاكات في الآونة الأخيرة لتشمل القتل العمد، واستهداف الأفراد على أساس قبلي وهوياتي، وهو ما يزيد من تعقيد النزاع وتأجيجه.
انتهاكات جسيمة تستهدف الهوية
تشير تقارير حقوقية، منها ما صدر عن منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إلى أن عمليات القتل العمد بحق المدنيين والأسرى تستند غالبًا إلى خلفياتهم الإثنية أو القبلية، مما يُنذر بتفاقم الانقسامات العرقية وتعميق جراح المجتمع السوداني. وذكرت منظمة العفو الدولية أن عددًا كبيرًا من حوادث القتل موثقة على أنها جرائم حرب، حيث تُرتكب دون أي مراعاة للقوانين الدولية الإنسانية (العفو الدولية - ديسمبر 2024).
أبعاد الكارثة الإنسانية
يتجاوز النزاع القتل المباشر ليشمل تداعيات إنسانية كارثية. ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، يعاني أكثر من 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في السودان، مع تحذيرات من مجاعة واسعة النطاق إذا استمرت الحرب دون تدخل دولي فاعل (برنامج الأغذية العالمي - نوفمبر 2024). وفي الوقت نفسه، وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) حالات اغتصاب وعنف جنسي متزايدة، مع تسجيل أكثر من 200 حالة مؤكدة في المناطق المتأثرة بالنزاع منذ بداية الصراع.
انتهاكات قوات الدعم السريع واستهداف المدنيين على أسس عرقية وقبلية
على الجانب الآخر من النزاع، ارتكبت قوات الدعم السريع انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، اتسمت بالقتل الممنهج والاستهداف المباشر على أسس عرقية وقبلية وجنسية. ووفقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، فإن قوات الدعم السريع استهدفت بشكل منهجي مجموعات سكانية تنتمي إلى قبائل محددة، حيث تم توثيق عمليات قتل واغتصاب ونهب في المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات (العفو الدولية، نوفمبر 2024؛ هيومن رايتس ووتش، ديسمبر 2024).
استهداف النساء والفتيات
تشير تقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات قد أصبح سلاحًا حربياً تستخدمه قوات الدعم السريع لترهيب المجتمعات المحلية وإجبارها على النزوح. وتم توثيق أكثر من 200 حالة اغتصاب في المناطق التي سيطرت عليها القوات، مع توثيق شهادات مباشرة من الناجيات تؤكد أن هذه الجرائم كانت موجهة ضد فئات عرقية معينة. (UNFPA، ديسمبر 2024)
استهداف القرى والأحياء السكنية
في المناطق الريفية تحديدًا، قامت قوات الدعم السريع بحملات عنف شديدة استهدفت القرى التابعة لقبائل معينة، حيث تم تدمير المنازل ونهب الممتلكات وقتل المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال. وفي بعض الحالات، تم إجبار الناجين على النزوح تحت تهديد السلاح، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وارتفاع أعداد النازحين داخليًا إلى أكثر من 5.7 ملايين شخص (مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA، نوفمبر 2024)
انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ود مدني بعد دخول الجيش السوداني
في أعقاب دخول الجيش السوداني إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة الأسبوع الماضي، تواترت تقارير عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بحق المدنيين. وأفادت منظمة العفو الدولية باندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في ود مدني، مما أثار مخاوف جديدة على سلامة المدنيين (العفو الدولية، ديسمبر 2024).
من جانبه، أعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، عن قلقه البالغ إزاء التقارير المتعددة التي تفيد بوقوع تجاوزات واسعة النطاق وارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ود مدني خلال الأيام الأخيرة من القتال. وأشار إلى أن الحالة الإنسانية في ولاية الجزيرة، التي تستضيف ما يقرب من نصف مليون نازح داخليًا، "رهيبة ومروّعة" (مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ديسمبر 2024).
في هذا السياق، ندد الجيش السوداني بما وصفه بـ "التجاوزات الفردية" التي حدثت في بعض مناطق ولاية الجزيرة عقب استعادة مدينة ود مدني، مؤكدًا التزامه بالقانون الدولي الإنساني وحرصه على محاسبة كل من يثبت تورطه في أي تجاوزات (الجزيرة نت، يناير 2025).
هذه التطورات تسلط الضوء على التحديات المستمرة التي تواجه المدنيين في مناطق النزاع، وتؤكد الحاجة الملحة لحماية حقوق الإنسان وضمان المساءلة عن أي انتهاكات تُرتكب.
أدوار الكتائب والمليشيات المرتبطة بحزب المؤتمر الوطني المنحل
تشير التقارير الميدانية إلى أن العديد من هذه الانتهاكات تُرتكب على يد كتائب ومليشيات مسلحة، في الغالب ذات توجهات إسلامية أو تدّعي تبنيها لقيم الإسلام، مع انتمائها إلى قيادات الحزب الحاكم المحلول، حزب المؤتمر الوطني. من بين هذه الكتائب، تبرز كتائب البراء المعروفة، التي تنشط في مناطق النزاع وتتحمل مسؤولية انتهاكات جسيمة ضد المدنيين. تعمل هذه الكتائب غالبًا تحت مظلة دعم بعض قادة الجيش السوداني أو على الأقل تحت مرأى ومسمع من القيادات العسكرية دون اتخاذ إجراءات واضحة لردعها أو محاسبتها. وقد أعربت منظمات حقوقية دولية عن قلقها من أن هذه الكتائب، واللتي تسهم في تأجيج النزاع عبر ممارساتها التي تنتهك حقوق الإنسان، وتفاقم الانقسامات العرقية والسياسية في البلاد (العفو الدولية، ديسمبر 2024؛ هيومن رايتس ووتش، نوفمبر 2024).
توثيق الانتهاكات عبر وسائل التواصل الاجتماعي
في سياق توثيق هذه الجرائم، نشر عشرات الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر بوضوح انتهاكات جسيمة تُنسب إلى كتائب البراء وغيرها من المليشيات المشابهة. تُظهر هذه الفيديوهات عمليات قتل متعمد وتعذيب للمدنيين ونهب للممتلكات في المناطق التي شهدت نزاعًا مسلحًا. وقد أثارت هذه المقاطع موجة من الإدانات الدولية والمحلية، حيث تمثل دليلًا مباشرًا على الانتهاكات التي تُرتكب بجرأة وعلانية. ورغم ذلك، لا تزال هذه الجرائم تُرتكب دون محاسبة جدية أو تدخل دولي فاعل لوقف هذه الممارسات التي تهدد الأمن والاستقرار في السودان.
القتل العرقي وتداعياته على السودان
تقوم هذه الجرائم على أساس القتل العرقي والممنهج، مما يشير إلى نقل الحرب إلى مربعات جهوية وعرقية وإثنية خطيرة. وما حدث مؤخرًا في ولاية الجزيرة يمثل دليلًا موثقًا لهذه الانتهاكات، حيث تعرضت مجموعات معينة للاستهداف على أسس إثنية واضحة. هذا التصعيد يهدد بنقل البلاد إلى مرحلة الحرب العرقية، وهي مرحلة قد تطول نتيجة التعدد القبلي الكبير والتنوع الثقافي في السودان.
في ظل هذه الظروف، فإن عدم تدخل السلطات بشكل حاسم يُعد إشارة ضمنية إلى مباركة هذه الجرائم، خاصة في ظل الصمت أو التأييد غير المباشر من رئاسة الدولة ممثلة في مجلس السيادة الانتقالي. هذا الوضع يضع السودان أمام سيناريوهات خطيرة، حيث تتعمق الانقسامات العرقية وتُزرع بذور حروب أهلية طويلة الأمد، ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الانتهاكات ومعالجة جذور الصراع.
مسؤولية القيادات وتفاقم الانقسامات
تعتمد قوات الدعم السريع في عملياتها على قيادات ميدانية تنتمي إلى شبكات قبلية متداخلة، ما يجعل من الصعب فصل الممارسات الفردية عن التوجهات العامة التي تُنفذ بتوجيه أو بغطاء ضمني من القيادة العليا. وقد أدت هذه الانتهاكات إلى زيادة الانقسامات العرقية وتأجيج الصراعات داخل المجتمعات المحلية، مما يُنذر بتفكك النسيج الاجتماعي في السودان.
تداعيات مستمرة وخطر الحرب الممتدة
إن استمرار هذه الممارسات من قبل قوات الدعم السريع، إلى جانب الانتهاكات الموثقة التي ترتكبها القوات المسلحة السودانية والمليشيات المتحالفة معها، يعمّق الانقسامات العرقية والقبلية في البلاد. ومع غياب أي مساءلة دولية أو محلية جادة، تتزايد المخاوف من أن تتحول هذه الحرب إلى صراعات طويلة الأمد على أسس عرقية، مما يجعل التوصل إلى أي حل سياسي شامل أكثر تعقيدًا.
تصاعد الضغوط الدولية: عقوبات أمريكية تطال حميدتي والبرهان
في تطور لافت، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قائد قوات الدعم السريع السودانية، محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، في 7 يناير 2025، متهمة إياه بارتكاب جرائم إبادة جماعية خلال الصراع المسلح مع الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من السودانيين (فرانس 24، 7 يناير 2025).
وفي 16 يناير 2025، أعلنت الحكومة السودانية رفضها للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، معتبرة إياها استخفافًا بالشعب السوداني (سودان تربيون، 16 يناير 2025).
هذه الإجراءات تعكس تصاعد الضغوط الدولية على القيادات العسكرية السودانية بسبب الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في البلاد.
دور الإعلام في مواجهة الحرب ومخاطر الانزلاق العرقي
في خضم الأزمة السودانية المتفاقمة، يلعب الإعلام دورًا محوريًا في توجيه الرأي العام نحو نبذ خطاب الكراهية ومواجهة الانتهاكات التي ترتكبها الأطراف المتنازعة. تقع على عاتق الإعلاميين والصحفيين مسؤولية كبيرة في تسليط الضوء على هذه الجرائم، وتحديدًا الانتهاكات ذات الطابع العرقي أو القبلي، والتي قد تؤدي إلى تقسيم المجتمع السوداني وإشعال فتيل حرب لا تبقي ولا تذر.
مناشدات للإعلاميين والنشطاء
يجب على الإعلاميين والنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة الناشطين المؤثرين الذين يمتلكون أعدادًا كبيرة من المتابعين، الالتزام بخطاب يدعو إلى التهدئة وتجنب تأجيج الصراعات القبلية. هؤلاء الناشطون، بمنصاتهم الواسعة الانتشار، لديهم القدرة على تغيير مسار الخطاب العام من التحريض إلى تعزيز قيم التعايش السلمي ونبذ العنف.
دور الصحفيين ووسائل الإعلام
من جهة أخرى، يجب على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، سواء عبر الصحف الإلكترونية أو القنوات الإعلامية التقليدية، الإقليمية منها، والدولية التطرق إلى هذه الانتهاكات بموضوعية ومصداقية. على الإعلام أن يكشف الحقيقة ويوثق الجرائم التي تُرتكب، مع التركيز على الأبعاد الإنسانية لهذه الكارثة. يجب أن يكون الإعلام صوتًا للضحايا، وأداة للضغط على الأطراف المتنازعة والمجتمع الدولي للعمل على وقف هذه الحرب.
حماية النسيج الاجتماعي
الإعلام مسؤول أيضًا عن التذكير بأهمية حماية النسيج الاجتماعي للسودان، وضرورة عدم السماح بتحويل النزاع إلى صراع قائم على العرق أو الجنس أو القبيلة. عليه أن يواجه محاولات بعض الأطراف التي تسعى لتأجيج الفتنة القبلية لتحقيق مكاسب قصيرة المدى على حساب وحدة السودان ومستقبله.
هذا الدور الإعلامي الحساس يجعل من الصحفيين والإعلاميين شركاء أساسيين في مجابهة هذه الحرب اللعينة، ومنعها من التدهور إلى صراعات قبلية طويلة الأمد، قد تستنزف السودان لعقود قادمة.
الخاتمة
في ظل هذه الأزمات المتفاقمة، يتطلب الوضع في السودان تحركًا جماعيًا من كافة الأطراف، بدءًا من القيادات السياسية والعسكرية إلى المجتمع المدني والإعلام. لا يمكن للسودان أن يتحمل استمرار هذا النزاع الذي يهدد مستقبل أجياله ويُدمر نسيجه الاجتماعي. إن الحل الوحيد يكمن في وقف فوري لإطلاق النار، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، والالتزام بتسوية سياسية شاملة تضمن تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان.
على الإعلام، كسلطة رابعة، أن يستمر في نقل الحقيقة بموضوعية وشجاعة، وأن يكون صوتًا للضحايا ومنبرًا للمصالحة الوطنية. فلا يمكن تحقيق السلام دون مواجهة حقيقية للجرائم والتحديات، ودون خطاب إعلامي يوحد السودانيين بدلًا من تقسيمهم.
فهرس المراجع
العفو الدولية: تقرير حول انتهاكات حقوق الإنسان في السودان، ديسمبر 2024
هيومن رايتس ووتش: تقارير موثقة عن الانتهاكات الجسيمة من قبل الأطراف المتنازعة، نوفمبر وديسمبر 2024
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA): تقارير حول أعداد الضحايا والنازحين، 2024
صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA): تقرير عن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في مناطق النزاع، ديسمبر 2024
برنامج الأغذية العالمي: تقرير عن أزمة انعدام الأمن الغذائي في السودان، نوفمبر 2024
فرانس 24: إعلان العقوبات الأمريكية على قائد قوات الدعم السريع، 7 يناير 2025
سودان تربيون: تقرير حول العقوبات الأمريكية على عبد الفتاح البرهان، 16 يناير 2025
مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: تقارير النزوح الداخلي والخارجي في السودان، 2024
تصريحات مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك: حول الانتهاكات في ولاية الجزيرة، ديسمبر 2024
الجزيرة نت: تغطية للتصريحات والتطورات السياسية في السودان، يناير 2025