سودانايل:
2025-05-02@15:09:26 GMT
باريس…عاصمة الجمال والنور..والمال والعطور.
تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT
============
د.فراج الشيخ الفزاري
=========
متعة وما بعدها من متعة،وانت تقف وسط( جسر الإسكندر الأكبر) في وسط العاصمة الفرنسية باريس...وعلي يمينك متحف اللوفر..وعلي شمالك مقهي(بلوفر جرمان) ملتقي الفلاسفة والمفكرين والكتاب والشعراء ، حيث كان يجلس (جان بول سارتر) ورفيقة دربه في مشوار الفلسفة( سيمون دي بوفوار).
زرت باريس...أول مرة عام 2007م ..تحقيقا لأمنية دفينة، منذ تخرجي من كلية الآداب,قسم الفلسفة، بجامعة القاهرة،كشهادة إضافية لشهادة الدرسات البيئية بجامعة الخرطوم..حيث كانت الفلسفة شغفي الأول...وزيارة باريس ،حلمي الثاني ..ومسرح موليير..(الكوميديا الفرنسية) أمنيتي الثالثة..
وقد تحققت هذه الأماني تباعا..حيث زرت باريس عبر الحدود الألمانية،فقد كان مقصدي برلين التي مكثت فيها لمدة يومين ولكنني مع بزوغ فجر ذلك اليوم ،تركت الصحاب نياما..وتسللت نحو محطة القطارات ومنها عبر الحدود الي باريس فوصلتها بالقطار السريع بعد ست أو سبع ساعات كانت في غاية المتعة والامتاع..عابرا الحدود بلا تأشيرة دخول اضافية..ولم يسألني احد ، بعد الوصول، عن جواز السفر أو إلي أين مقصدي؟ فقصدت علي الفور شارع( الشانزليزيه) الشهير ثم ساحة(سان جيرمان)، ذات الطابع المعماري المتميز،ثم دلفت الي جادة الطريق المتفرع حيث يوجد مقهي فلور ، الذي بهرني بموقعه الجانبي وقد برزت لوحته العتيقة بذلك الاسم المبهر الخلاب:
CAFE DE FLORE
ولكنني وجدته خال ، تقريبا ، من الرواد..حيث يتقاطرون إليه بعد الرابعة عصرا ، كما علمت من مدير المقهي الذي كان يتابعني من خلف طاولته العتيقه.. فسألته، ايضا،بفضول وعفوية:أين كان يجلس( سارتر )؟ فقد علمت أنه كان يقصد هذا المقهي ، عندما يريد أن يكتب أو يقرأ بعيدا عن صخب المناقشات..
لم يستغرب الرجل سؤالي ،ويبدو أنه معتاد علي السؤال..فأشار بيده الي ذلك الركن القصي من المقهي وقد علقت في أعلي الجدار لوحة زيتية للفيلسوف الفرنسي المشور وتحتها عبارة:هنا كان يجلس سارتر..
لقد كنت في سباق مع الزمن حتي أعود الي برلين ،مكان سكني،قبل نهاية اليوم,فقصدت مسرح موليير...حيث تعرض فيه مسرحيته الشهيرة(البرجوازي النبيل ) منذ مائة وخمسين سنة متوالية، ولم تتوقف عروضها الا خلال جائحة كرونا،التي تعطل بسببها العديد من المناشط الاجتماعية والثقافية ومنها المسرح بطبيعة الحال .
كان حلما لا يصدق وانا أقف أمام احد البوابات الجانبية للمسرح..فقد كان المكان خاليا من الزوار..فنصحي الحارس بأن لا يخدعني المنظر..فإذا اردت مشاهدة المسرحية ، التي ستبدأ بعد اربع ساعات من الآن،فعلي أن احجز بطاقتي في الحال..لأن الأبواب ستغلق قبل ساعة من عرض المسرحية وأن معظم الرواد يحصلون علي بطاقات الدخول من اكشاك البيع داخل المحلات التجارية...وأن هذا هو الحال طيلة عمله في حراسة المسرح منذ عشرين عاما...
كانت تلك هي أحداث رحلتي الأولي لمدينة النور...مدينة السحر والثقافة والملاهي والمقاهي والمتاحف والجمال والعطور...ثم أصبحت أزورها بشكل راتب كل عام واخر ، حتي وهن العظم وعظمت المسؤوليات..توقفت عن الزيارة المكانية عام 2016 وبقيت ذكريات باريس وعطرها الفواح..
هذا هو وجه باريس ..وجمال باريس..وعبق باريس مر بخاطري وقد تجملت و لبست ثوبها الفضفاض..وها هي تتجلي
بوجهها الإنساني النبيل وتستقبل مؤتمر المانحين ..مؤتمر باريس استجابة للكارثة الإنسانية التي لحقت بالسودان..وقد خلص المؤتمر بجمع إثنين مليار دولار في ظرف ساعات معدودة..حبا وتقدير ومحبة ومساعدة للشعب السوداني..
اتمني ، صادقا،أن نتجاوز كل الخلافات السياسية..والجدل السفسطائي حول من جمع الإعانة.. أو من رتب للمؤتمر..دعونا نتجاوز كل تلك الحساسيات وإيصال هذه المنح والمساعدات الانسانية فورا لأهلنا في السودان..فماسأتهم وكارثتهم الإنسانية أكبر وأشد إيلاما من كل الخلافات والمجادلات الغوغائية..
د.فراج الشيخ الفزاري
f.4u4f@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الجمال كوعي.. سارتر في مواجهة الوجود من بوابة الفن.. قراءة لفي كتاب
الكتاب: أنطونولوجيا الوعي الجمالي عند سارترالكاتب: عبد الباسط محمد حاجة
الناشر: تموز ـ ديموزي للطباعة والتوزيع و النشر-دمشق، الطبعة الأولى 2025، (غدد الصفحات 144 من الحجم الوسط).
نشأ المذهب الخاص بالوجودية في النصف الأول من القرن العشرين، وكان الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر(1905-1980)،رائد هذا التيار، وهو الفيلسوف الأكثر جرأة في التعبير عن الفلسفة الوجودية. من الفلاسفة الذين نهل منهم سارتر واشتق أفكاره الغنية عن الفلسفة الوجودية.، نذكر منهم ديكارت أعظم الفلاسفة الفرنسيين المحدثين. وكوجيتو ديكارت الشهير "أنا أفكر، إذن أنا موجود". الفلسفة تبدأ من التأكيد المطلق على الوعي بالنفس. أنا ككائن مفكر، موجود.
ثاني منهل نهل منه سارتر، هو فلسفة الفينومينولوجيا لإدمون هيوسيرل (1859 ـ 1938م)، ومارتن هيدجر (188 ـ -1976م). كلمة فينومينولوجيا، مشتقة من كلمة يونانية تعني الظواهر. أي أن هذه الفلسفة تدرس ظواهر الأشياء. لقد درس سارتر هذه الفلسفة الجديدة بتعمق، عندما كان في المعهد الفرنسي ببرلين.وهناك مارتن هيدجر، الفيلسوف الوجودي الألماني العظيم، الذي كان تلميذًا لهيوسيرل ومساعدًا له، وخليفته في تدريس الفلسفة في جامعة فريبورج بألمانيا. لكنه يختلف عن هيوسيرل في أن هيدجر يركز على وجود الإنسان نفسه.
وجد سارتر أيضا، أفكارا عديدة في فلسفة هيجل وماركس وكيركجار ونيتشه وداروين. الصراع حتى الموت، والعلاقة بين السيد والعبد، والوعي غير سعيد، وموت الرب، والاغتراب، كلها مفاهيم غير غريبة علينا. جاءت في أعمال هؤلاء الفلاسفة السابقين.هذه المواد الفلسفية والعلمية مع خبرته الأكاديمية، ساعدت سارتر على بناء صرح الفلسفة الوجودية الفرنسية. قام بتدعيمها بالقصص القصيرة والروايات والمسرحيات والمقالات السياسية.
يشكل الوعي الجمالي سؤالاً إشكالياً عند فيلسوف إشكالي وجودي مثل سارتر، قدم فلسفته عبر الرواية والمسرح، وتكمن أهمية البحث هنا في محاولة التصدي للسؤال المحوري حول ماهية الوعي الجمالي بأبعاده المختلفة الوجودي والنفسي والفينومينولوجي.في هذا الكتاب الجديد المعنون:"أنطولوجيا الوعي الجمالي عند سارتر"للكاتب عبد الباسط محمد حاجه،المتكون من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، ويحتوي على 144 صفحة من القطع المتوسط، يطرح فيه الكاتب تشكل الوعي الجمالي باعتباره نوعاً من أنواع الوعي الإنساني، وتأتي أهميته بوصفه نظرة إلى الوجود ومحاولة تفسيره، إضافة إلى تداخله في مجالات الحياة الإنسانية كافة.
يشكل الوعي الجمالي سؤالاً إشكالياً عند فيلسوف إشكالي وجودي مثل سارتر، قدم فلسفته عبر الرواية والمسرح، وتكمن أهمية البحث هنا في محاولة التصدي للسؤال المحوري حول ماهية الوعي الجمالي بأبعاده المختلفة الوجودي والنفسي والفينومينولوجي.
لا شك أن الوعي الجمالي يشكل أحد أهم المباحث الفكرية والفلسفية التي كانت ومازالت موضع اهتمام العديد من الفلاسفة والباحثين على مر العصور، سؤال الفلسفة عن الوعي الجمالي ماهيته وبنيته وخصائصه، من اهم الأسئلة التي طرحتها الفلسفة.وتأتي أهمية هذا العمل كمحاولة للتصدي للسؤال المحوري ألا وهو ما خصوصية الوعي الجمالي عند سارتر؟
الوعي الجمالي وخصائصه
حاول الكاتب في هذه الدراسة العودة إلى نصوص الفلسفة السارترية، ليبحث عن فكرة الجمال والوعي الجمالي، وكيف عبر سارتر عن هذا الوعي الجمالي؟ وما علاقة الوعي الجمالي بالخيال؟ وكيف تجلى هذا الوعي عبر الرواية والمسرح؟
بداية التعريف بالوعي الجمالي، الإنسان كائن جمالي، يعني أنه ذو حساسية ذوقية تجاه الظواهر والأشياء، بهذه الحساسية يقبل أو ينفر، أو يستأنس أو يستوحش، إنه كائن ينتج الأدوات والأشكال وفق تصوراته الذهنية والجمالية، الأمر الذي يجعل النزوع الجمالي لديه أشبه بالنزوع الغريزي، فالعلاقة الجمالية مرهونة بما هو اجتماعي عام، بالرغم من كونها فردية الأداء، ومن ثم فالعلاقة الجمالية متعددة العناصر والمستويات منها الحسي... النفسي... الذهني... ومنها الفردي والاجتماعي والإنساني.
وتاريخ النزوع الجمالي هو نفسه تاريخ الإنسان، فقد مر بالكثير من المراحل الحضارية، كما مرت علاقة الإنسان الجمالية بالعالم بمستويات كثيرة ومتباينة، تداخل فيها الجمالي بكل من النفعي والسحري والديني والجنسي على نحو يصعب التمييز أحياناً فيها في ذلك التداخل، لأن هذا التداخل ناتج عن تداخل في الوعي الإنساني نفسه، من هنا استحالة الحديث عن نزوع جمالي صرف.
يقول الكاتب:"إنَّ الجمال يتداخل في جميع مجالات الحياة الإنسانية، كما أننا نصادفه في كل مكان حيث يعد الوعي الجمالي نوعاً من الوعي، وإنّ ولادة علم الجمال لم يكن لها أن تكون لولا التاريخ المديد من رغبة الإنسان بالجمال. غاية الحاجة الجمالية التأمل الجمالي وليس لها أغراض أخرى، وهي حاجة عامة وشاملة وضرورية، وكل شخص منا له نوع من الاتجاه أو النزوع الجمالي وغالباً ما نجعل من الفن الملجأ في سبيل التأمل والإشباع الجمالي لحاجاتنا ولهذا النزوع، فهذه الحاجات تنمو وتتطور مع تقدم السن وبما أن تاريخ النزوع الجمالي هو نفسه تاريخ الإنسان فقد مر بالكثير من المراحل الحضارية التي يصعب معها تحديده علمياً إلا حسب كل مرحلة فقد مرت علاقة الإنسان الجمالية بالعالم بمراحل ومستويات مختلفة يتداخل فيها الجمالي بكل من النفعي والسحري والديني، ودون هذه الجوانب التي تداخلت مع الوعي البشري لأمد طويل من التاريخ يستحيل علينا الحديث عن النزوع الجمالي.
حيث كان الإنسان البدائي أسير الطبيعة، ولم يتطور الوعي إلا بعد مراحل متقدمة، إن انعطاف الفنّ القديم نحو الطبيعة، أي نحو عناصر الجمال في الطبيعة هو دليل على أن الفن القديم لم يكن وسيلة للسحر والاستقرار فحسب، بل كان وسيلة للجمال، ومن الواضح أن مفهوم الجمال لم يكن واحداً في كل العصور وفي كل أطراف الأرض، بل هو مرتبط بالعالم الخاص الذي يعيشه الفنان، وعالم الإنسان القديم هو المغاور والحيوانات التي يصارعها ويحلم بتذليلها والسيطرة عليها هكذا كانت موضوعاته محصورة ضمن نطاقها، ولكن هذا لم يمنعه من تحديد طريقة مستقلة، وقد بدأ بتطوير عمله بعد أن كان سجين الطبيعة" (ص 22).
من الناحية التاريخية لا تنشأ الفنون إلا بالعمل المستمر، والمتحرر من الطبيعة والسيطرة عليها، هنا تنشأ أولى مراحل الوعي البشري وهي الانفصال عن الطبيعة والتحرر من سيطرتها، على ضوء ذلك فإن الفنان القديم لم يكن يستطيع التمييز بين الواقع والخيال وكان إذا أراد رسم الحيوانات على جدران الكهوف، رسمها بطريقة مطابقة للواقع، وبعدها يضع سهماً في جسمها، يعتقد بهذه الطريقة أنه يستطيع السيطرة على الطبيعة واصطياد الحيوان لغاية الطعام وليس لغاية جمالية.
إذا تتمثل أولى مراحل الوعي البشري بالانفصال عن الطبيعة والتحرر منها، بعد ذلك تطور الوعي لدى الإنسان البدائي حيث بدأ بالصيد والصناعة والزراعة، كما بدأ بصناعة الأدوات وعمل على تطوير هذه الأدوات أدوات العمل المطارق والأزاميل ومن ثم حول عمله من العمل الفردي إلى العمل الجماعي، لم يعد يهتم برسم الصور المطابقة للطبيعة، كان كل ما يريده هو الرمز والإشارة، بعد ذلك انتقل عن طريق وعيه المتطور من إنسان مستهلك إلى إنسان منتج، أصبح ينتج كل ما يحتاجه وتأمين غذائه بنفسه ، من هنا أصبح الإنسان القديم في مرحلة متقدمة من مراحل تطور الوعي البشري، فلم يعد يعتمد على الطبيعة وإنما على نفسه، تخلص من ممارسة السحر والصيد الذي كان سائداً في العصر البدائي القديم أصبح المزارع يؤدي دوراً مهماً في هذا العصر، وهو أكثر وعياً، وبالتالي لم يعد الفن تصويراً ومطابقة للواقع، بل رمزاً وإشارة للعمل الفني.
من أهم خصائص الوعي الجمالي أنه يهدف إلى تحليل المفاهيم والتصورات الجمالية، وإلى دراسة المسائل التي يثيرها تأمل موضوعات التجربة الجمالية كالقيم والأحكام والقوانين التي تحدد الجمال وإلى الكشف عن العلاقة بين الذات المتذوقة للجمال وبين الموضوع الجمالي، إذ نشأ وتطور عبر مرحلة طويلة من تطور الوعي الإنساني، وذلك نتيجة تعقد الخبرات الإنسانية عبر التاريخ البشري وانتقالها من البسيط إلى المركب.
الوعي الجمالي لدى الاتجاه الذاتي
تقوم الدراسات الجمالية على مبدأين أساسيين هما الذات والموضوع، فهما مكونان رئيسيان في آية دراسة جمالية، ليس قمة دراسة في غياب أحد هذين المبدأين، إذ لابد من حضورهما.
من خلال القراءة لبنية الوعي الجمالي تبين أنه لا يمكن أن يكون هناك وعياً جمالياً بدون الذات الإنسانية، وكذلك بدون الموضوع المدرك، فالذات والموضوع ثنائية لا غنى عنها في الوعي الجمالي.
ينتقل الكاتب عبد الباسط محمد إلى استعراض راي بعض الفلاسفة المدافعين عن طبيعة الجمال عند الاتجاه الذاتي،فيقول:"نشأ التيار الذاتي للرد على التيار الموضوعي، فإذا افترض أنصار الاتجاه الموضوعي أن الجمال صفة موجودة فقط في الشيء الجميل، فإن أنصار هذا التيار يرفضون ذلك، ويقررون أن الجمال ذاتي وأن التعبير عن الذات يختلف من شخص إلى آخر، وإن كل فرد له المقاييس الجمالية الخاصة به التي يتميز بها عن غيره، فما يراه بعض الأشخاص جميلاً، مثل لوحة فنية أو شجرة، قد يكون غير جميل بالنسبة لشخص آخر لنأخذ المرأة كمقياس للجمال، فهي بصرف النظر عن إحساسات الإثارة التي قد تشعلها في مجموعة من الرجال، فإن كل رجل في هذه المجموعة يعجب لشيء ويعكس فيه نفسيته وذاتيته، لذلك فإن صورة المرأة تتعدد بعدد الرجال الذين ينظرون إليها أي أن هذا الاتجاه يؤكد أن النسبية هي المعيار الوحيد لنظريتهم في الوعي الجمالي، حيث نشأ هذا التيار لتأكيد أهمية الذات في الحكم الجمالي وللتأكيد على أهمية النسبية في طبيعة الجمال (ص26).
من أهم خصائص الوعي الجمالي أنه يهدف إلى تحليل المفاهيم والتصورات الجمالية، وإلى دراسة المسائل التي يثيرها تأمل موضوعات التجربة الجمالية كالقيم والأحكام والقوانين التي تحدد الجمال وإلى الكشف عن العلاقة بين الذات المتذوقة للجمال وبين الموضوع الجمالي، إذ نشأ وتطور عبر مرحلة طويلة من تطور الوعي الإنساني، وذلك نتيجة تعقد الخبرات الإنسانية عبر التاريخ البشري وانتقالها من البسيط إلى المركب.من أنصار هذا الاتجاه الذاتي ليو تولستوي Letoltoy (1828 - 1910م) الذي، يرى أن قيمة الأثر الفني الحقيقية ترجع إلى تأثيره أولاً وأخيراً فيمن يدركونه، وإن جمال الأثر الفني يقوم على أساس تقدير الناس له ، إذاً قيمة الأثر الفني تزداد بازدياد عدد المتذوقين له ؛ الجمال موجود في شعورنا فهو لا يوجد إلا من أجلنا ويرجعون جمال الأشياء وقيمتها إلى الطريقة التي نتصورها بها، أي إن هذه الأشياء ليست جميلة أو قبيحة في ذاتها، لأنها لا تتغير وإنما نحن الذين نضفي عليها صفة الجمال. لذلك فهم يذهبون إلى أن الأشياء قد تفقد قيمتها إذا فصلناها عن ذات الإنسان، فالجمال إنما هو جمال ذاتي، نحن من نعطي العمل الفني صفة الجمال، فما يعجبني قد لا يعجب الآخرين، إذا حكم الجمال الذاتي مختلف من شخص إلى آخر.
أما كانط فنجده يميز بين موضوعين موضوع المعرفة والموضوع الحقيقي الموجود في العالم الخارجي، وقد بين أنّ الثاني مجهول من قبلنا أما الموضوع الأول وهو موضوع المعرفة فإنه مصنوع من قبل الذات العارفة، ومن قبل الموضوع المجهول أو ما يسميه الشيء في ذاته. ومن ثم فإنّ عملية المعرفة الكانطية تقتصر على ما الذات العارفة، وعلى أن الحكم على الجمال حكم ذاتي ويتغير من شخص إلى آخر معتبراً مصدر الشعور بالجمال كامن فينا، في مزاج الروح وليس في الطبيعة، إذا ينكر الوجود الموضوعي لنظرية المعرفة، ويؤكد دور الذات في عملية المعرفة، أي أن المعرفة الكانطية هي من صنع الذات العارفة وحدها، ولا يوجد للموضوعات الخارجية أي دور في عملية المعرفة.
أما الفيلسوف التجريبي (ديفيد هيوم David Home) (1711 - 1776م) فقد حصر الذهن العارف ضمن الحدود التي لا تتعدى دوره السلبي، وبموجب هذا التصور قسم المدركات الحسية إلى انطباعات وأفكار، فالانطباعات هي الإحساسات المباشرة التي تنطبع على الذهن حين يحس شيئاً بأحد حواسه، أما الأفكار فهي الصور الذهنية التي تحفظ في الذهن أو الذكريات التي تخلفها الانطباعات، أي إن الفكرة ليست إلا انطباع بعد أن خفت حدته، وبذلك فإنّ الفرق بين الانطباع والفكرة هو الفرق بين الشيء حين أدركه مباشرة وبين الشيء عندما استعيده بذاكرتي، فالذات وفقاً لتحليل هيوم تصبح ذاتاً سلبية، لا يمكنها أن تسعى إلى خلق أي شيء في عملية المعرفة، وإنما يقتصر دورها على التلقي السلبي لما يمكن أن يرد إليها من موضوعات.