الاستشراق هيمنة مستمرة.. المؤرخ الأميركي بيتر غران ونقد الدراسات المصرية في الغرب
تاريخ النشر: 29th, July 2023 GMT
يبدو الاتجاه الناقد للاستشراق الغربي شائعا في أوساط المثقفين العرب بالعصر الحديث، لكن قلائل من المفكرين والكتاب الغربيين انتقدوا النظرة الاستشراقية للعالم العربي وعموم الاستعلاء الغربي تجاه الشرق لا سيما في الحقبة الاستعمارية، خاصة وأن الاستشراق هدف منذ البداية لصناعة جيل جديد من الباحثين الخاضعين للفكر الاستعماري، كما يقول كتاب جديد.
ويناقش كتاب المؤرخ والباحث الأميركي المعروف بيتر غران الذي عنونه "الاستشراق هيمنة مستمرة.. المؤرخون الأنجلو أميركيون ومصر الحديثة" مصر كموضوع للدراسات الأكاديمية، ومجال للحروب الاستعمارية بدءًا بالحروب الصليبية ومروراً بالحملة الفرنسية والاحتلال الإنجليزي ثم عصر الهيمنة الأميركية.
وهذا الكتاب الذي احتفى به مثقفون مصريون -في لقاءين فكريين قبل أسابيع عقدا بالمركز القومي للترجمة وبيت السناري بالقاهرة التابع لمكتبة الإسكندرية- بمناسبة صدور نسخته العربية حديثاً عن المركز القومي، ترجمته الكاتبة سحر توفيق وراجعه الدكتور عاصم الدسوقي، ويعد مساهمة جديدة ومختلفة في دراسة الكتابات التاريخية الأنجلو أميركية التي تتناول مصر الحديثة، مركزا على الجانب الأميركي الذي لم تتطور أبحاثه بعد كما يقول المؤلف.
ويقول غران أستاذ التاريخ المصري الحديث بجامعة تمبل الأميركية إن الباحثين الأميركيين اعتبروا موضوع مصر جزءا من دراسات الشرق الأوسط، عبر سياسة "فرق تسٌد" لا وفق نموذج البحث العلمي، ويتابع "وبما أن الأولويات السياسية أوائل القرن العشرين كانت حقول البترول وقضية فلسطين، أصبحت مصر حقلا فرعيا ضمن ما أصبح ميدان دراسات الشرق الأوسط".
ويركز المؤلف -الذي ارتبطت كثير من مؤلفاته بتاريخ الثقافة العربية والإسلامية- على تاريخ النمط المنهجي السائد بالدراسات التي تتناول مصر منذ 1890، استنادا لقراءة الأعمال البحثية التي كتبت على مدى القرن الماضي، ويثير قضايا تواجهها الدراسات المصرية، لا سيما تأثر تلك الدراسات بمنظور "الاستشراق" القائم على علاقة المستعمِر بالمستعمَر، مما يجعل تلك المعارف والدراسات معيبة ومعطوبة.
كمفكر ورائد بدراسات ما بعد الاستعمار، نظر الفلسطيني الأميركي الراحل إدوارد سعيد إلى الاستشراق (كنظرائه ميشيل فوكو وآخرين) باعتباره توظيفا سلطويا للمعرفة بالشرق، بعد "شرقنته" وتنميطه تمهيدا لاستعماره والسيطرة عليه.
دراسات موجهة سياسياويشير غران إلى أن "احتلال مصر كان ذروة العصر الكولونيالي حيث انتهجت الحكومة نهجا مازال موجودا حتى اليوم، وهو أن تكون الدراسات الأكاديمية موجهة سياسيا، وأن هذا أكثر فائدة من الخبرة القائمة على اللغة والمنطقة الإقليمية، والتي كان يمتلكها معظم رجال الإرساليات التبشيرية ثم الأساتذة الجامعيين بعد ذلك".
ويرى أن "دراسة الفترة الاستعمارية للمسؤولين البريطانيين في عصر كرومر (المراقب العام البريطاني في مصر خلال حقبة الاستعمار الإنجليزي) وما بعده ممن ألفوا كتبا مؤثرة في تشكيل هذا الميدان العلمي، كانت خلفيتهم كلاسيكية، وكانوا أقرب لرؤية تاريخ العالم باعتباره دورات حلقية تتكرر أو أن التاريخ يعيد نفسه، وليست تجليات جدلية كما نرى في فكرة صعود الغرب وركود الشرق الشائع ارتباطها بالاستشراق".
وكان الباحثون الأميركيون أقرب إلى نظرائهم الألمان وللفيلسوف الألماني هيغل من الباحثين البريطانيين بالحقبة الاستعمارية، حيث كانت ألمانيا وليس إنجلترا هي مركز ثقل الاستشراق منذ القرن الـ 19 وأوائل القرن العشرين، وكانت الدراسة الألمانية للدين هي التي دفعت لقيام درجة عالية من النقد والدراسات السياسية المقارنة، وتطور فقه اللغة والدراسات الشرقية الحديثة.
ويطالب غران بضرورة "مناقشة نموذج الاستبداد الشرقي، وكيف ظهر في الفكر الحديث وما هو تأثيره، وكيف تم تطبيق النمط على مصر؟" معتبرا أن تاريخ العصر الوسيط مثل ما قدمه الجبرتي، وهو المصدر الأساسي للتاريخ المصري أوائل القرن الـ 19 "ليس به ما يدل على أن نموذج الاستبداد كان سائدا وحتميا".
ويشير إلى تبني علماء الحملة الفرنسية إحدى هذه الصيغ في كتاب وصف مصر، وهي صيغة تؤكد أن "الاستبداد الشرقي" يعود إلى الحضارة العتيقة، وإذ نشر الكتاب خلال السنوات التي انتهت بغزو الجزائر، فقد وضع تعريفا لفكرة "الشرق" و"الحضارة" حيث استخدمت فرنسا المصطلح زعما منها بنشر الحضارة لتبرير نهجها الاستعماري.
معارف حقبة الاستعمارويتعرض الكتاب للمجهودات البحثية في مراحل ثلاث، تبدأ الأولى من أواخر القرن الـ 19 حتى أوائل القرن العشرين، وكانت أكثر الأعمال تأثيرا حول مصر الحديثة يقوم عليها مسؤولو الإدارة الاستعمارية البريطانية وأشهرها بالطبع كتاب "مصر الحديثة" للورد كرومر.
والمرحلة التالية تمتد من بين الحربين العالميتين حتى العقد السابع من القرن العشرين، وتتميز بدخول الطبقات الوسطى إلى عالم المجتمع الأكاديمي، حيث انتقل مركز الإنتاج المعرفي من المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة، ومن فقه اللغة إلى التاريخ.
وأما المرحلة الثالثة فقد بدأت من سبعينيات القرن العشرين واستمرت حتى يومنا هذا، وقد خرجت عن الإطار التقليدي للدراسات الغربية بمحاولة كسر النموذج الإمبريالي من خلال كتابات عدد من الباحثين المصريين والأجانب الذين رفضوا المنظور الاستشراقي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: القرن العشرین مصر الحدیثة
إقرأ أيضاً:
هيمنة الشركات الاماراتية على قطاعات الكهرباء والطاقة تسببت بموجة غلاء فاحش ومأساة إنسانية صعبة
يعاني أبناء أرخبيل سقطرى أوضاعا انسانية صعبة ومعاناة لا تقل حدتها عن معاناة أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة في الوقت الذي تشهد فيه الجزيرة احتقانا وتوترا غير مسبوق على خلفية ممارسات القوات الاماراتية والمليشيات التابعة لها الاستفزازية التي حولت الجزيرة إلى ملكية خاصة وعبثت بمقدراتها وثرواتها ما تسبب بخلق واقع مرير واوضاع مأساوية القت بظلالها على حياة المواطنين الذي يفتقرون لابسط مقومات الحياة وخدماتها الأساسية
قضايا وناس / مصطفى المنتصر
ويشهد الأرخبيل حالة من الاحتقان والتوتر القبلي وسط تصاعد تحركات أبوظبي الاستفزازية و الاحتلالية في الآونة الأخيرة على الأرض عبر تعزيز وجودها العسكري والاقتصادي في الأرخبيل والاستحواذ على كل مفاصل الدولة ومؤسساتها بعد أن قوضت العمل في مختلف المجالات الخدمية وتسببت بخلق حالة من القلق والتوتر في أوساط المواطنين من مختلف شرائح المجتمع.
ومن أبرز مظاهر هذا العبث استحواذ شركة “المثلث الشرقي” القابضة الإماراتية مؤخرا على مطار سقطرى، الأمر الذي خلق حالة من التوتر والاعتصام المفتوح من قبل العاملين في المطار الذين أعلنوا رفضهم القاطع لتسليم إدارة المطار لشركة إماراتية.
ووفقًا لمصادر محلية في سقطرى يرفض العاملون هذه الخطوة التي ستمنح الشركة الإماراتية السيطرة الكاملة على المطار، بما في ذلك استبدال الموظفين الحاليين بآخرين تابعين للشركة، وهو ما اعتبروه تجاوزًا لقانون الطيران المدني اليمني وانتقاصاً من سيادة المطار وحقوق الموظفين ويأتي ذلك وسط صمت حكومة المرتزقة الذي يثير تساؤلات حول قدرة مرتزقة الاحتلال التابعين لتحالف العدوان على التعامل مع هذا الوضع في وقت يتصاعد فيه الرفض الشعبي لأبوظبي واستمرار ارتفاع الأسعار نتيجة لاحتكار الشركات الإماراتية في سقطرى ويذكر أن أبوظبي سعت في السابق إلى استثمار الموانئ والمطارات في مناطق استراتيجية حول البحر الأحمر، وهو ما يعكس اهتمامها الواضح بالتحكم في الممرات البحرية والتوسع العسكري في المنطقة.
وسعت الإمارات عبر ادواتها ومليشياتها المسلحة إلى فرض امتيازات خاصة بها والشركات التابعة لها والتي تتمتع بالسيطرة شبه الكاملة على الاقتصاد في الجزيرة ولاسيما في قطاعي الكهرباء والوقود ، حيث تتحكم هذه الشركات في الأسعار والخدمات بشكل صارم، وتحتكر شركة “أدنوك” سوق المشتقات النفطية في الأرخبيل الذي يسيطر عليه عسكريا وإداريا مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي وأدى الاحتكار إلى ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ.
وقد تسبب الاحتكار الإماراتي بالاستحواذ الكامل على سوق العمل بمضاعفة معاناة المواطنين حيث يضطر السكان إلى دفع أسعار مرتفعة مقابل الحصول على السلع الضرورية والخدمات الأساسية بعد أن قامت أبو ظبي بأستخدام سلاح التجويع كوسيلة للضغط على السكان المحليين والقيادات المحلية لصالح أبوظبي، بالتزامن مع موجة الغلاء الفاحش والجرعات السعرية القاتلة التي تشهدها المحافظات المحتلة .
كما ارتفعت أسعار العديد من السلع والخدمات في سقطرى بسبب استحواذ الشركات الإماراتية على القطاع الخاص في الجزيرة.
وتشير بعض التقارير إلى أن الشركات التي تملكها أبوظبي تفرض أسعارًا مرتفعة على السلع الأساسية، وهو ما يزيد من معاناة السكان المحليين الذين يواجهون تحديات اقتصادية مستمرة وتستغل هذه الشركات الوضع الاقتصادي المتدهور في الجزيرة للسيطرة على أسواق السلع الأساسية، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد المالية للسكان وزيادة التوترات الاجتماعية..
وفي ضوء هذه الممارسات يتضح أن هناك استمرارية في عبث أبوظبي في سقطرى، والذي يتخذ أشكالًا متعددة تبدأ بالاستحواذ على المنشآت الحيوية مثل المطار، وتستمر في التدخلات الاقتصادية التي تضر بالسكان المحليين.
وتعمل الإمارات على استخدام أدواتها لتنفيذ مخططات تهدف إلى بسط نفوذها على الجزيرة وافتعال النزاعات بين القبائل لزرع الفتن وتقويض الأمن والاستقرار في الجزيرة والذي تاتي ضمن مخطط استراتيجي يهدف إلى استغلال الموقع الجغرافي الفريد للجزيرة.
وفي ظل هذه التطورات، دعا ناشطون محليون المجتمع الدولي وحكومة المرتزقة إلى اتخاذ موقف حازم لوقف التدخلات الإماراتية، وحماية سيادة اليمن ووحدة أراضيه، وضمان حقوق أبناء جزيرة سقطرى التي تُعدّ إحدى أبرز المواقع الطبيعية والتراثية في العالم.