يبدو الاتجاه الناقد للاستشراق الغربي شائعا في أوساط المثقفين العرب بالعصر الحديث، لكن قلائل من المفكرين والكتاب الغربيين انتقدوا النظرة الاستشراقية للعالم العربي وعموم الاستعلاء الغربي تجاه الشرق لا سيما في الحقبة الاستعمارية، خاصة وأن الاستشراق هدف منذ البداية لصناعة جيل جديد من الباحثين الخاضعين للفكر الاستعماري، كما يقول كتاب جديد.

ويناقش كتاب المؤرخ والباحث الأميركي المعروف بيتر غران الذي عنونه "الاستشراق هيمنة مستمرة.. المؤرخون الأنجلو أميركيون ومصر الحديثة" مصر كموضوع للدراسات الأكاديمية، ومجال للحروب الاستعمارية بدءًا بالحروب الصليبية ومروراً بالحملة الفرنسية والاحتلال الإنجليزي ثم عصر الهيمنة الأميركية.

وهذا الكتاب الذي احتفى به مثقفون مصريون -في لقاءين فكريين قبل أسابيع عقدا بالمركز القومي للترجمة وبيت السناري بالقاهرة التابع لمكتبة الإسكندرية- بمناسبة صدور نسخته العربية حديثاً عن المركز القومي، ترجمته الكاتبة سحر توفيق وراجعه الدكتور عاصم الدسوقي، ويعد مساهمة جديدة ومختلفة في دراسة الكتابات التاريخية الأنجلو أميركية التي تتناول مصر الحديثة، مركزا على الجانب الأميركي الذي لم تتطور أبحاثه بعد كما يقول المؤلف.

المؤرخ المصري عاصم الدسوقي (يمين) والمؤلف بيتر غران ومترجمة الكتاب سحر توفيق (الجزيرة) "فرق تسد"

ويقول غران أستاذ التاريخ المصري الحديث بجامعة تمبل الأميركية إن الباحثين الأميركيين اعتبروا موضوع مصر جزءا من دراسات الشرق الأوسط، عبر سياسة "فرق تسٌد" لا وفق نموذج البحث العلمي، ويتابع "وبما أن الأولويات السياسية أوائل القرن العشرين كانت حقول البترول وقضية فلسطين، أصبحت مصر حقلا فرعيا ضمن ما أصبح ميدان دراسات الشرق الأوسط".

ويركز المؤلف -الذي ارتبطت كثير من مؤلفاته بتاريخ الثقافة العربية والإسلامية- على تاريخ النمط المنهجي السائد بالدراسات التي تتناول مصر منذ 1890، استنادا لقراءة الأعمال البحثية التي كتبت على مدى القرن الماضي، ويثير قضايا تواجهها الدراسات المصرية، لا سيما تأثر تلك الدراسات بمنظور "الاستشراق" القائم على علاقة المستعمِر بالمستعمَر، مما يجعل تلك المعارف والدراسات معيبة ومعطوبة.

كمفكر ورائد بدراسات ما بعد الاستعمار، نظر الفلسطيني الأميركي الراحل إدوارد سعيد إلى الاستشراق (كنظرائه ميشيل فوكو وآخرين) باعتباره توظيفا سلطويا للمعرفة بالشرق، بعد "شرقنته" وتنميطه تمهيدا لاستعماره والسيطرة عليه.

دراسات موجهة سياسيا

ويشير غران إلى أن "احتلال مصر كان ذروة العصر الكولونيالي حيث انتهجت الحكومة نهجا مازال موجودا حتى اليوم، وهو أن تكون الدراسات الأكاديمية موجهة سياسيا، وأن هذا أكثر فائدة من الخبرة القائمة على اللغة والمنطقة الإقليمية، والتي كان يمتلكها معظم رجال الإرساليات التبشيرية ثم الأساتذة الجامعيين بعد ذلك".

ويرى أن "دراسة الفترة الاستعمارية للمسؤولين البريطانيين في عصر كرومر (المراقب العام البريطاني في مصر خلال حقبة الاستعمار الإنجليزي) وما بعده ممن ألفوا كتبا مؤثرة في تشكيل هذا الميدان العلمي، كانت خلفيتهم كلاسيكية، وكانوا أقرب لرؤية تاريخ العالم باعتباره دورات حلقية تتكرر أو أن التاريخ يعيد نفسه، وليست تجليات جدلية كما نرى في فكرة صعود الغرب وركود الشرق الشائع ارتباطها بالاستشراق".

وكان الباحثون الأميركيون أقرب إلى نظرائهم الألمان وللفيلسوف الألماني هيغل من الباحثين البريطانيين بالحقبة الاستعمارية، حيث كانت ألمانيا وليس إنجلترا هي مركز ثقل الاستشراق منذ القرن الـ 19 وأوائل القرن العشرين، وكانت الدراسة الألمانية للدين هي التي دفعت لقيام درجة عالية من النقد والدراسات السياسية المقارنة، وتطور فقه اللغة والدراسات الشرقية الحديثة.

ويطالب غران بضرورة "مناقشة نموذج الاستبداد الشرقي، وكيف ظهر في الفكر الحديث وما هو تأثيره، وكيف تم تطبيق النمط على مصر؟" معتبرا أن تاريخ العصر الوسيط مثل ما قدمه الجبرتي، وهو المصدر الأساسي للتاريخ المصري أوائل القرن الـ 19 "ليس به ما يدل على أن نموذج الاستبداد كان سائدا وحتميا".

ويشير إلى تبني علماء الحملة الفرنسية إحدى هذه الصيغ في كتاب وصف مصر، وهي صيغة تؤكد أن "الاستبداد الشرقي" يعود إلى الحضارة العتيقة، وإذ نشر الكتاب خلال السنوات التي انتهت بغزو الجزائر، فقد وضع تعريفا لفكرة "الشرق" و"الحضارة" حيث استخدمت فرنسا المصطلح زعما منها بنشر الحضارة لتبرير نهجها الاستعماري.

معارف حقبة الاستعمار

ويتعرض الكتاب للمجهودات البحثية في مراحل ثلاث، تبدأ الأولى من أواخر القرن الـ 19 حتى أوائل القرن العشرين، وكانت أكثر الأعمال تأثيرا حول مصر الحديثة يقوم عليها مسؤولو الإدارة الاستعمارية البريطانية وأشهرها بالطبع كتاب "مصر الحديثة" للورد كرومر.

والمرحلة التالية تمتد من بين الحربين العالميتين حتى العقد السابع من القرن العشرين، وتتميز بدخول الطبقات الوسطى إلى عالم المجتمع الأكاديمي، حيث انتقل مركز الإنتاج المعرفي من المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة، ومن فقه اللغة إلى التاريخ.

وأما المرحلة الثالثة فقد بدأت من سبعينيات القرن العشرين واستمرت حتى يومنا هذا، وقد خرجت عن الإطار التقليدي للدراسات الغربية بمحاولة كسر النموذج الإمبريالي من خلال كتابات عدد من الباحثين المصريين والأجانب الذين رفضوا المنظور الاستشراقي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: القرن العشرین مصر الحدیثة

إقرأ أيضاً:

أضف لمعلوماتك..أكثر الحيوانات والطيور التي شاركت في الحروب العالمية

كثيرًا ما لجأ البشر إلى مملكة الحيوان لتساعدهم  الحروب، وكان أول من استخدم الحيوانات في الحروب هم الآشوريون والبابليون حيث كانت  كلاب الحرب مساعد لهم ضد العدو، ولكنهم لم يكونوا الأخيرين. بل خلال الحرب العالمية الثانية ،حول السوفييت أفضل صديق للإنسان إلى لغم فروي مضاد للدبابات.

كما لعبت الخيول دورًا محوريًا في الحرب حتى النصف الأول من القرن العشرين. لكن هناك بعض من الحيوانات والطيور لا يمكن أن تتخيل أن تطوع وتكون أحد أذرع الجانيبن المحاربين وتنجح في ذلك ويكون لها دورًا فعال، موقع “britannica” البريطانى رصد العديد منهم ونستعرضهم في هذا التقرير:

الدلافين

في ستينيات القرن العشرين، استعانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بهذه الحيوانات الذكية كجزء من سباق التسلح في الحرب الباردة. وظلت “الدلافين القتالية” التي دربتها القوات البحرية في البلدين على اكتشاف الألغام والغواصين الأعداء قيد الاستخدام حتى القرن الحادي والعشرين. وعندما احتلت روسيا جمهورية القرم الأوكرانية المستقلة وضمتها في مارس 2014، كان من بين الغنائم برنامج الدلافين العسكرية للبحرية الأوكرانية .

الفئران

لقد كانت الفئران تاريخياً رفيقاً غير مرغوب فيه بالنسبة للجيوش العالمية، وإن كان لا مفر منه إلى حد كبير. فقد كانت تدمر المؤن على متن السفن الحربية، وتنشر الأمراض بين المعسكرات، وتتغذى على جثث الموتى غير المدفونين. وخلال الحرب العالمية الأولى، كانت الفئران مصدر إزعاج شديد لدرجة أن القادة اضطروا إلى تبني قواعد ضد إطلاق النار على هذه المخلوقات، خوفاً من استنزاف مخزونات الذخيرة.

ولكن في القرن الحادي والعشرين، تم تدريب الفئران على تمشيط ساحات المعارك السابقة بحثاً عن الألغام الأرضية. حيث تودي هذه البقايا القاتلة من الحرب بحياة المئات كل عام، وتسمح حاسة الشم القوية لدى الفئران لها بالكشف حتى عن تلك الألغام التي تتجنب الكشف الإلكتروني.

الشمبانزي

تتمتع القردة بنسبة عالية من الذكاء، وإعطاء سيف أو بندقية لحيوان يتمتع بذكاء قريب من ذكاء الإنسان وقوة متفوقة بشكل كبير يبدو وكأنه فكرة سيئة جدا. ومع ذلك، لعبت الشمبانزي دورا بارزا في سباق الفضاء. في حين أجرى الاتحاد السوفييتي ما يعادل برنامجا للقتل الرحيم للكلاب في المدار، و مهدت الولايات المتحدة الطريق للشمبانزي الذي حقق رحلة دون مدارية وأصبح نوعا من التميمة لبرنامج الفضاء الأمريكي. توفي الشمبانزى هام في عام 1983، بعد أن أمضى بقية حياته في الأسر، ودُفنت بقاياه الجزئية في متحف نيو مكسيكو لتاريخ الفضاء في ألاموجوردو، نيو مكسيكو. وواجهت “شمبانزي فلكي” أخرى مصائر أسوأ، حيث تم تأجيرها لمختبرات الأبحاث الطبية بعد أن أنهت القوات الجوية الأمريكية برنامجها الفضائي للشمبانزي في سبعينيات القرن العشرين.

الحمام

الحمامة التي تعتبر رمزًا للسلام، كانت بمثابة رسول في ساحة المعركة منذ غزو قيصر لبلاد الغال في القرن الأول قبل الميلاد حيث استُخدمت الحمامة لنقل الرسائل الحيوية من وإلى خطوط المعركة.

وأنقذت الحمامة الزاجلة “شير آمي” حياة ما يقرب من 200 جندي أمريكي من خلال توصيل رسالة مفادها أن وابلاً من المدفعية الموجهة بشكل خاطئ كان يسقط على القوات الصديقة.

وخلال الحرب العالمية الثانية، أدركت هيئة الاستخبارات البريطانية إم آي 5 إمكانية إجراء اتصالات سرية عبر الحمام، كانت رئيس قوات الأمن الخاصة النازية هاينريش هيملر، في الواقع، رئيسة الجمعية الوطنية الألمانية للحمام، فجندت فريقاً من الصقور لدوريات في سماء بريطانيا. ووفقاً لتقرير ما بعد المعركة الذي تم رفع السرية عنه، فشلت الصقور في إسقاط حمامة عدو واحدة، ولكن تم أسر حمامتين واعتبارهما “أسرى حرب”.

اقرأ أيضاًالمنوعاتالمملكة تختتم مشاركتها في معرض سيئول الدولي للكتاب

القطة

استخدمت وكالة الاستخبارات الأمريكية “CIA” في ستينيات القرن الماضى  قطة  لتتجسس على الاتحاد السوفيتى، حيت زودتها بكاميرات وأجهزة للتصنت وأطلقتها في صفوف العدو لمعرفة ما يخطط له .

الفيلة

كان الاستخدام الأول للفيلة في الهند لبث الرعب في نفوس الأعداء كما كان يتم تدربيها على  جر الأحمال الثقيلة في المعارك.

الثعابين

كان البيثينيون وزعيمهم هانيبال يفتقرون إلى القوة البشرية اللازمة للانتصار على الأرض، لذلك نقل هانيبال المعركته إلى البحر. لم يكن الوضع أفضل كثيرًا، لكن هانيبال كان بارعًا في العمل بالأدوات المتاحة. وكانت الأدوات التي بحوزته عبارة عن ثعابين. أمر رجاله بجمعها ووضعها في أواني فخارية. ثم أمطر هانيبال  كومة عملاقة من الثعابين على سفينة العدو الرئيسية .

إن الحرب البيولوجية تُشن عادة باستخدام كائنات حية لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، ولكن هانيبال لم يكن رجلاً يتسم بالبساطة. ولقد تحقق سيناريو “الثعابين على متن قارب” كما كان متوقعاً، وحقق الانتصار.

مقالات مشابهة

  • فعالية تراثية لكوكب الشرق «أم كلثوم» في متحف الحضارة المصرية السبت المقبل
  • أضف لمعلوماتك..أكثر الحيوانات والطيور التي شاركت في الحروب العالمية
  • محمد رمضان يختتم الدورة 19 لمهرجان موازين
  • مساعد وزير الخارجية: الدولة المصرية تركز على منطقة القرن الأفريقي (فيديو)
  • صلاح بيصار ناعيًا محمد حاكم: أحد أعمدة المدرسة المصرية الحديثة في الكاريكاتير
  • أزمة الكهرباء.. مصر تعلن استيراد كميات من الغاز وشركات أسمدة تلجأ للغاز الأميركي
  • رحلة تطور العلاجات النفسية من العصور القديمة إلى العصر الحديث
  • حول الأوضاع في السودان ونقد موقف حكومة الأمر الواقع
  • السوداني:لنْ نحيد عن مهمة استكمال السيادة العراقية
  • سننتصر لنكتب التاريخ، تاريخ جيش زلزلت القوى الاستعمارية الأرض تحته لكنه انتصر بشعبه