???? تداعيات مؤتمر فرنسا كشفت المستقبل المظلم الذي ينتظر القحاتة
تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT
أعادت الهتافات المناوئة والمناهضة التي حاصرت وفد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية ” تقدم” المشارك في مؤتمر باريس، من قبل سودانيين غاضبين في فرنسا، أعادت إلى الذاكرة المواكب التي كانت تخرج في الخرطوم في أواخر فترة حكم القحاتة بقيادة دكتور عبد الله حمدوك.
وكان سودانيون غاضبون في العاصمة الفرنسية، حملوا شعارات مناوئة لتنسيقية ” تقدم” رددوا خلالها هتافات ضد ممثلي تنسيقية تقدم وفي مقدمتهم دكتور عبد الله حمدوك وعمر مانيس وياسر عرمان وخالد سلك ومريم الصادق المهدي وغيرهم.
مؤشر خطير:
وتعتبر حادثة التنديد التي واجهتها تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية ” تقدم” في العاصمة الفرنسية، بحسب مراقبين مؤشراً خطيراً يحكي الوبال الذي ينتظر مستقبل هذه القوى السياسية ووجودها في المشهد السياسي السوداني في مرحلة ما بعد الحرب، حيث تقول القرائن والأدلة والبراهين إن تقدم تأمرت على الوطن، ومارست العمالة والارتزاق في أبشع صورها بالارتهان إلى قوى أجنبية ذات أجندة ومطامع في السودان، فنسقت مع ميليشيا الدعم السريع، لتنفيذ مخطط الإطاحة بالقوات المسلحة وإبدالها بميليشيا آل دقلو، على أن يستعيد القحاتة كراسي الحكم في السودان.
بي كم بي كم بي كم
قحاتة باعوا الدم:
وأما القحاتة فهم تحالف قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي ” قحت” والذي لا أدري هل تأخر هذا التحالف أم تقدم عندما تحول إلى تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية ” تقدم”؟!، وأما الدم فهي دماء الشباب الذين مهروا ثورة ديسمبر بأرواحهم في سبيل تحقيق مبادئ وقيم الحرية والسلام والعدالة، وهي أيضاً دماء أهل السودان من المواطنين الأبرياء والعزل الذين راحوا ضحية حرب الخامس عشر من أبريل التي أوقدت نيرانها ميليشيا الدعم السريع بتمردها على القوات المسلحة، بدعم وإسناد القحاتة أنفسهم الذين كانوا يمنّون أنفسهم بالعودة إلى سُدة الحكم محمولين على أكتاف بنادق ميليشيا آل دقلو.
خيبة وردة فعل:
والواقع أن هتاف “بي كم بي كم بي كم، قحاتة باعوا الدم”، كان ردة فعل عنيفة لخيبة شباب ثورة ديسمبر تجاه مركزية قوى الحرية والتغيير الذين نصبّوا أنفسهم حاضنة رسمية للثورة، ولكن الواقع الذي ثبت فيما بعد بالأدلة والبراهين أن القحاتة اختطفوا الثورة من بين يدي هؤلاء الشباب واتخذوها مطية للوصول إلى مبتغاهم وتحقيق غاياتهم، وبالفعل تصدرت مركزية قوى الحرية والتغيير المشهد فحكموا وتحكموا في مقاليد البلاد، وأُوتوا بسطةً في الجاه والمال، ولكنهم افتقدوا إلى بسطةٍ في العلم والحكمة والمنطق، فطغوا وتجبروا وبغوا، وإعادوا سيرة الإنقاذ الأولى بالتهميش والإقصاء، وتعاطوا مع شباب الثورة وفق ما تهوى أنفسهم فجعلوهم شيعاً يستضعفون طائفةً منهم، ويقربون طائفة أخرى.
عدم خبرة وضعف قدرة:
لقد تخلت مركزية قوى الحرية والتغيير عن الشباب الذين كانوا وقوداً لثورة ديسمبر بذلوا فيها أرواحهم ودماءهم رخيصة في سبيل تحقيق مقاصد وأهداف نبيلة، فلم يولي القحاتة هؤلاء الشباب الاهتمام الذي يستحقون، لقد وضح جلياً ومنذ المائة يوم الأولى من حكم القحاتة بقيادة رئيس وزرائهم دكتور حمدوك، أنهم يفتقدون إلى الخبرة، ويعانون من ضعف في القدرة على التعاطي الإيجابي مع مطلوبات الحكم، فالسلطة ليست ” بِدَل وأربطة عنق، وعطور فاخرة” وإنما مسؤولية واجبة الأداء، يتحقق بالتزامها النجاح المطلوب في القيادة والإمساك بمفاصل السلطة وتوظيفها باعتدال لصالح تحقيق مرامي وأهداف مبادئ الثورة في الحرية والسلام والعدالة.
فشل ذريع:
وعلى مدار فترة حكمهم التي امتدت أربع سنوات حسوما، كان عدم الخبرة منهاجاً واضحاً في تعاطي مركزية قوى الحرية والتغيير مع مطلوبات الحكم، فقد افتقدوا مهارة التواصل والارتباط بالشارع السوداني، واختزلوا كل السودان في العاصمة الخرطوم، فلم يفتح الله على رئيس الوزراء السابق دكتور عبد الله حمدوك سوى زيارة ثلاث أو أربع ولايات، رغم أنه معني بترشيح ولاة الولايات ومتابعة أدائهم وفقاً للوثيقة الدستورية، فمارس القحاتة حكم السودان من العاصمة الخرطوم، فخلق هذا الأمر جفوة واضحة بين القحاتة وجماهير الشعب السوداني المنتشرين في ولايات البلاد المختلفة، هذا فضلاً عن امتعاض شوارع الخرطوم وتحفظها على شكل إدارة القحاتة لدولاب الحكم في البلاد.
صدمة وفقدان أمل:
لقد أحاط القحاتة أنفسهم بتعمية والتباس شديد، وجلس معظم وزرائهم في قصور وبروج عاجية، فضربوا على أنفسهم عُزلة باعدت بينهم وبين الشارع الذي كان سبباً في وجودهم على سُدة الحكم، حيث لم يتكرموا حتى بتفقد أسر وذوي الشهداء من الشباب الذين تساقطوا قبل وأثناء الثورة، فصدم ذلك أسر الشهداء قبل أن يصدم رفقاء دربهم من الشباب الذين كانوا يأملون في حمدوك ورهطه خلاصاً من كل الأسقام التي كان يشكو منها جسد الوطن خلال فترة انتقالية اتسمت بالفوضى والارتباك جراء حالة من الكراهية والاحتقان بفعل الاستقطاب الحاد والاستقطاب المضاد.
تغافل وتجاهل:
ولم تكتفِ مركزية تحالف قوى الحرية والتغيير بإعمال فشلها الذريع في ممارسة الحكم، وتجاهل وقود الثورة من الشباب الذين كانوا ينتظمون في لجان مقاومة داعمة وحامية لمشروع الثورة، بل مضى القحاتة أبعد من ذلك بالتغافل مع سبق الإصرار والترصد عن الاستجابة لرغبة الثوار الشباب في تحقيق العدالة الانتقالية بمحاكمة رموز نظام الإنقاذ السابق على ما ارتكبوه من جرائم في حق الوطن، كما لم يُلقِ القحاتة بالاً أو اهتماماً بالوصول إلى غايات التحقيقات بشأن معرفة الجناة والضالعين في جريمة فضِّ اعصام المتظاهرين من أمام القيادة العامة للقوات المسلحة فجر الثالث من يونيو 2019م.
إجراءات 25 أكتوبر:
وكانت القشة التي قصمت ظهر بعير علاقة شباب الثورة بمركزية تحالف قوى الحرية والتغيير حاضرة عقب الإجراءات التي اتخذها الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 م، وأنهى بموجبها الشراكة مع القحاتة، وهي إجراءات شابتها الكثير من الاتهامات والاتهامات المتبادلة بشأن ضلوع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ومعرفته المسبقة بهذه الإجراءات ليتخلص من عبء بعض القحاتة الذين كانوا يشكلون “خميرة عكننة” ويقفون حجر عثرة أمام تنفيذ سياسات حكومته القائمة على الانفتاح على المجتمع الدولي واسترضاء مؤسساته الاقتصادية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، والتعاطي الإيجابي مع بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان يونيتامس.
مواكب مناوئة لحمدوك:
ومنذ الحادي والعشرين نوفمبر 2021 م، بدأ شباب الثورة يغيرون نظرتهم المتفائلة تجاه رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك، الذي كان قد وقع اتفاقاً سياسياً مع رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، عاد بموجبه حمدوك رئيساً للوزراء، حيث شهدنا مواكب من شباب الثورة تخرج إلى الشوارع مطالبة برحيل حمدوك، وملوحة بشعارت مناوئة لمركزية قوى الحرية والتغيير، وصادحة بهتافات على شاكلة بي كم بي كم بي كم قحاتة بعتو الدم، وحلها تسقط يا قحاتة، وغيرها من الهتافات التي قطعت شعرة معاوية الرابطة ما بين معظم شباب الثورة من لجان المقاومة، وبين مركزية قوى الحرية والتغيير.
استقالة وعمالة:
وتحت ضغوط الشارع، وفشله في التعاطي مع الواقع الجديد، أعلن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في الثاني من يناير 2023 م استقالته من منصبه بسبب ما وصفه ” محاولة تجنيب السودان الانزلاق إلى الكارثة” ولكن الحقيقة التي اتضحت لاحقاً أن قوى الحرية والتغيير قادت السودان إلى أكبر كارثة تشهدها دولة في المحيط الأفريقي والعربي خلال العصر الحديث، عندما تأمر القحاتة وخططوا مع ميليشيا الدعم السريع للانقلاب على القوات المسلحة، بحيث تحلّ ميليشيا الجنجويد محل الجيش، ويعود القحاتة إلى حكم البلاد مسنودين ببنادق ميليشيا آل دقلو، ولكن خاب فألهم، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
تقرير إسماعيل جبريل تيسو
الكرامة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الشباب الذین رئیس الوزراء الذین کانوا شباب الثورة
إقرأ أيضاً:
مفاهيم الإصلاح والتغيير في الرؤية الإسلامية.. مشاتل التغيير (13)
تحيط بفكرة الإصلاح الإسلامي غيوم كثيرة أحدها تتعلق بالطروحات الإسلامية في هذا المقام، وأغلبها نشأت من التوجه العلماني في العالم العربي والذي خاض حربا ضروسا مع التوجهات الإسلامية؛ وبعضهم انتقل من المتدينين الى الدين ذاته، وبدا لهؤلاء أن يهيلوا التراب على كل ما هو إسلامي فيهجمون على الأصول كما يهجمون على التراث. من دون هوادة بدا لهؤلاء الذين يعتنقون العلمانية الفجة أن كل ما هو ديني وجب علينا لو أردنا تقدما وحداثة وتحديثا أن نعلن في بيان عام للأمة قطيعة واضحة شاملة فاصلة مع الدين وحتى مظاهر التدين العام؛ وقالها البعض أن الدين سبب تخلفكم؛ فاطرحوه أرضا يخلو إليكم طريق نهضتكم وتقدمكم.
يقول الدكتور عبد الوهاب الطريري: "تبقى عبارة الإصلاح الديني حمالة وجوه، ولفظة مجملة يمكن تفسيرها بأكثر من معنى بحسب من يستخدمها، فإذا أردنا الإصلاح الديني بمعناه العام وهو "إعادة الناس إلى الدين الصحيح منـزها عما لحقه من انحراف في الفهم، وما تراكم من أخطاء في حياة المسلمين خلال عصور الركود والانحطاط"، فسنجد مجالات الإصلاح الديني في الإصلاح العقدي لتطهر العقائد من المظاهر الوثنية والعبادات من غنوصية الغلو الصوفي، وإصلاح علمي يبث الحياة في فقه الأمة وفكرها بحيث يستوعب التلاحق السريع لإيقاع الحياة المعاصرة، وإصلاح الوعي والفكر بحيث نفتح الآفاق للتألق والإبداع.
والإصلاح بهذا المعنى عملية واسعة ضخمة، ومنجز كبير وهدفه أكبر من العبور إلى الحضارة بل استصلاح عام لواقع المسلمين، وهذا معنى تجديد الدين وحقيقة عمل المجددين في تاريخ الأمة، وسيكون المنجز الحضاري إحدى نتائجه، فإن الإسلام دين حضارة وبالتالي لم ولن يقع في صدام مع الحضارات، وهو بالنسبة لحضارة الغير مهذبٌ أخلاقي. وهذا السر في أن المسلمين في فجر إسلامهم استوعبوا أعظم حضارتين في وقتهم بصورة مذهلة، وكانت بوابة الإسلام أوسع بكثير من الحضارات التي مرت عبرها، ولم يكن بين الإسلام والحضارة جدلية ممانعة، بل علاقة صحيحة ممكنة لصناعة الإسلام داخل الحضارة أو صناعة الحضارة داخل الإسلام".
ويواصل حجته في فهم الإصلاح: "لو أن قُطرا إسلاميا ممثلا في قيادته الفكرية والسياسية أراد العبور إلى طريق الحضارة، فهل سيجد في فهمه لدينه ما يمنعه من إصلاح سياسي يعطي الناس حرية التعبير والمشاركة في الحكم والالتزام بحكم القانون، ومن الأخذ بما هو لازم للدولة الحديثة من مؤسسات اقتصادية وإعلامية وتربوية وإدارية، وهل سيجد ما يمنعه من إقامة علاقات مع دول إسلامية وغير إسلامية يرى من مصلحته إقامة العلاقة معها، ومن الإفادة من كل أنواع العلوم التقنية وتوطينها في قطرهم، هل سيجد ما يمنعه من الاجتهاد لإيجاد حلول لمشكلات عصره لا تتنافى مع الكتاب والسنة بحسب الفهم المُجمع عليه (أما ما لا إجماع عليه فلا إلزام فيه). إن الإجابة عن ذلك ستكون بالنفي، وستكتشف أن الصدام لن يقع في منجز الحضارة العلمي ولا التقني ونحوه، ولكن سيقع الصدام بين الدين وما هو من أهواء الحضارة الغريبة التي صاحبت نهضة الغرب مجرد مصاحبة ولم تكن من أسبابها ولا شرطا لنهضتها، ولا هي مما يُلزم البشرية به عقل ولا خلق وإن رآها البعض من شروط التقدم والمعاصرة".
ومن هنا، وجب علينا أن نتحرك صوب مفهومين يرتبطان لزوما ألا وهما مفهوما "المعاصرة" ومفهوم "التنوير الإسلامي"؛ ضمن رؤية تأسيسية تستند إلى المعايير الكلية في هذين المضمارين وغيرهما. إن الأخذ بكل أسباب الحضارة ممكن إسلاميا، وذلك أن العقل جزء لا يتجزأ من الدين، وأن هذا الدين بهدفه الأسمى يحقق "تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها"، وهو دين لا يُلزم الناس إلا بما هم قادرون عليه في ظروفهم الزمانية والمكانية: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسا إِلَّا وُسْعَهَا" (البقرة: 286)، ولأنه دين إنساني لا يأمر ولا ينهى إلا بما هو متعلق بالإنسان بما هو إنسان لا بكونه ابن هذا الزمان أو ذاك المكان أو تلك الثقافة. بل إن هذه المفاهيم العمرانية المتعلقة بالبناء الحضاري هي من صميم الرؤية الإسلامية بناء ومعيارا، وهي في كل الحضارات لا تقتصر على حضارة بعينها؛ أرادت أن تفرض مركزيتها وهيمنتها وشروط أن تكون وتستمر غالبة مهيمنة، ومن تلك المفاهيم الحضارة، والثقافة والمدنية المجتمعية والعمرانية.
في يوم ما التقيت أحد هؤلاء من العلمانيين الأخف درجة في مستويات العلمانية والعلمنة؛ وكان يعرف توجهي وأنني حتى أكاديميا أعتبر نفسي جزءا من المشروع الإسلامي ومهتما بدراساته ومستقبله؛ وطفق يملي علي محاضرة حول عورات الخطاب الإسلامي ومطالبا في النهاية بتجديده. ورغم أنني كنت مقتنعا بضرورة تجديد الخطاب الإسلامي والديني وملحقاته لدواع تختلف عن تلك الدواعي التي ألقاها ضمن حواري معه؛ ولكن ألقيت عليه سؤالا يبدو أنه لم يتوقعه؛ مفاده أنكم ألقيتكم علينا بعضا من ضرورات تجديد الخطاب الإسلامي؛ فهل من الممكن أن تعطيني في حديثكم طرفا من ضرورات تجديد الخطاب العلماني الذي يبدو مقلدا لإرث استشراقي أو يجتر دولة بين العلمانيين نفس الحجج وذات الأساليب، بل محاكاة وبحرفية الأسئلة بنصها وفصها.
إن نقد المفاهيم الشائعة بما يسوغ عملية التغيير، يمكن إجمال هذا الموقف في التحفظ على مفاهيم مثل: اليقظة والصحوة والنهضة والبعث، وهي وإن اقترنت في الغالب بوصف "الإسلامية"، فإنه من الأصلح اعتبارها تمثيلا لمرحلة تاريخية لا مستغرقة لمفهوم التغيير بكافة امتداداته وشموله كما ورد شرعا، كما أنها لا تعطي نفس الدلالات المهمة لمفاهيم شرعية مثل: التغيير، التجديد، الإحياء، الإصلاح؛ وجب التوقف عليها وعندها، صحيح أن هذه المفاهيم الشرعية قد تجد لها منافسا من خلال البدائل المطروحة في كتابات علم السياسة المعاصرة مثل: التحديث (الخطأ لغويا والصحيح الإحداث أو الحداثة)، والتنمية، والتقدم، والتطور، والتصنيع والتقنية، وبناء الأمة والمعاصرة والعصرية، إلا أن النظر العميق والبصير وعيا وسعيا لتلك البدائل يستبطن بل ويستظهر مفهوم العلمانية كإطار فكري لفهمها مما يجعلها غير صالحة، كما أنها تستند إلى مقاييس غربية مما يجعل التقليد لها بلا بينة يقع في إطار حركة التغريب، وهو ما يتطلب ضرورة إعادة النظر في استخدامها جميعا.
وخلاصة القول، إن المفاهيم الشرعية مثل: التجديد والتغيير والإصلاح والإحياء؛ هي الأولى بالاستخدام، بل يحق لها أن تنفرد بذلك عما عداها من مفاهيم أخرى؛ حيث تكفّل الكتاب بحفظها محددا إياها في مجمل نصوصه وآياته، ومن ثم يمكن ضبط الانحراف عنها فكرا وحركة أو تلبيسا وتشويها، ذلك أن تلك المفاهيم كلمات الله، "وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (الأنعام: 115)، كما أن تبني هذه المفاهيم الغربية دون مراجعتها يفرض اتخاذ مواقف سلبية من الدين والتراث والسلف.. إلخ، هذا من جانب، ومن جانب آخر يؤدي إلى عدم وضوح أساسي للسعي وللحركة ومقاصدها؛ وبناء مشروع حضاري للمستقبل يتخذ من الغرب القدوة والبوصلة في كل ذلك.
كما أن تبني تلك المفاهيم؛ كالتغيير: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد: 11)؛ والنهوض: "كفعل يشكل منظومة الارتقاء والرقي وينتقد مفهوم النهضة المحمل بحمولات الغرب وتاريخه"، والإصلاح: "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ" (هود: 88) كمفاهيم مظلة، والتجديد: "إن الله يبعث في هذه الأمة على رأس كل مئة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها"، والإحياء: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ" (الأنفال: 24)، والانبعاث: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ" "التوبة: 46"؛ كمفاهيم داعمة ضمن منظومات التغيير والإصلاح والنهوض؛ يؤكد على الأبعاد المنظومية التي تدعو تلك المفاهيم بعضها بعضا؛ فهي كالجسد الواحد أو البنيان يشُد بعضه بعضا.
ومن هنا يبدو لنا أن الوعي بالإصلاح الإسلامي ومنظوماته والسعي الحركي بمقتضاهما؛ إنما يعبر عن إمكانات الوعي والسعي في مسار مشاتل التغيير من وجل أو خوف ومن دون خلل في الرؤية أو وهن، فمشاتل التغيير كما يعلمنا مفهوم الإصلاح الإسلامي إنما تعبر عن أشواق الأمة في التغيير وتحرك الطاقات صوب مشروع إصلاحي مكين ورصين واعٍ وبصير.
x.com/Saif_abdelfatah