لماذا سمي الرجوع إلى الله فرارًا.. ومتى تستطيع بسهولة أن تفر إلى الله؟
تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT
لماذا سُمي الرجوع الى الله فرارًا ؟، سؤال نجيب عنه من خلال استعراض أسرار الآية 50 من سورة الذاريات، حيث يقول تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}، فـ لماذا سمي الرجوع الى الله فرارا؟
لماذا سمي الرجوع الى الله فرارًا ؟ يقول الإمام النيسابوري في قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} أي التجئوا إليه، لا تعبدوا غيره؛ فأمر سبحانه وتعالى بالإقبال عليه، والإعراض عمن سواه.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: «فروا إلى الله» يعني بالتوبة، التوبة من ذنوبكم، وقال: «فروا منه إليه فاعملوا بطاعته».
وكان الحسين بن الفضل رضي الله تعالى عنه يقول: «احترزوا من كل شيءٍ دون الله ؛ فمن فر إلى غيره سبحانه وتعالى فإن الله قادر على أن يُعيده ويستولي عليه» لأنه كيف نخرج من سمائه، أو من أرضه.
وكان أبو بكر الورَّاق رحمه الله يقول: «فروا إلى الله» يعني أولئك الذين فروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن.
وكان الإمام الجنيد سيد الطائفة من أهل الله يقول: «الشيطان داعي إلى الباطل ففروا إلى الله، حتى يمنعكم من كيد الشيطان، وفروا من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الشكر».
وكان عمرو بن عثمان يقول: «فروا من أنفسكم إلى ربكم» يعني توكلوا على الله سبحانه وتعالى، وفروا مما سوى الله إلى الله.
يقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: هذا كله الفرار من النفس إلى الله، من الشيطان إلى الرحمن، من الجهل إلى العلم، من الفقر إلى الناس إلى الغنى بالله سبحانه وتعالى، كل هذه المعاني في كلمة فروا إلى الله.
وتابع: السؤال متى تستطيع وبسهولة ويسر أن تفر إلى الله؟ الإجابة مركوزة في {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} جَمَال من الله، يؤكد كيفية العلاقة بين الله وبين البشر، فإنها مبنية على جمالٍ في جمال ، فإذا آمنت بهذا استطعت أن تفر إلى الله، كيف لا وقد بدأك بجمال، وانتهى معك بجمالٍ أيضًا.
وشدد: فر إلى الله الجميل الذي يحميك ابتداءً ، ويسترها معنا انتهاءً.
يذكر الإمام القرطبي في تفسيره قوله تعالى : ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين لما تقدم ما جرى من تكذيب أممهم لأنبيائهم وإهلاكهم ; لذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد ; أي قل لقومك : ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين أي فروا من معاصيه إلى طاعته . وقال ابن عباس : فروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم . وعنه فروا منه إليه واعملوا بطاعته . وقال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان : ففروا إلى الله اخرجوا إلى مكة . وقال الحسين بن الفضل : احترزوا من كل شيء دون الله فمن فر إلى غيره لم يمتنع منه .
وقال أبو بكر الوراق : فروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن . وقال الجنيد : الشيطان داع إلى الباطل ففروا إلى الله يمنعكم منه . وقال ذو النون المصري : ففروا من الجهل إلى العلم ، ومن الكفر إلى الشكر . وقال عمرو بن عثمان : فروا من أنفسكم إلى ربكم . وقال أيضا : فروا إلى ما سبق لكم من الله ولا تعتمدوا على حركاتكم . وقال سهل بن عبد الله : فروا مما سوى الله إلى الله . إني لكم منه نذير مبين أي أنذركم عقابه على الكفر والمعصية .
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الإمام القرطبي علي جمعة سبحانه وتعالى فروا من لکم من
إقرأ أيضاً:
كيف تنقذ نفسك من الشقاء في الدنيا والعذاب بالآخرة؟.. بعملين
ينبغي علينا جميعًا معرفة حقيقة كيف تنقذ نفسك من الشقاء في الدنيا والعذاب بالآخرة؟، لأن هذا الاستفهام يدلنا على بوابة النجاة، التي لا ينبغي لنا أن نخطئ فيها أو حتى أن نستهين بها، فلا أحد يطيق الشقاء في حياته ولا حتى أن يفكر في عذاب الآخرة ، من هنا تتضح أهمية معرفة كيف تنقذ نفسك من الشقاء في الدنيا والعذاب بالآخرة؟
دعا الإسلام إلى الالتزام بطاعة الله ومرضاته، محذرًا من عواقب المعصية والانحراف عن الطريق المستقيم، حيث إننا في هذه الدنيا الفانية منا من ينقذ نفسه فيربح ومنا من يهلك نفسه فيخسر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (كلُّ الناسِ يغدو، فبائعٌ نفسَهُ فمعتقُها أو موبِقُها).
ويؤكد العلماء أن الالتزام بطاعة الله وطاعة رسوله هو السبيل الوحيد للنجاة في الدنيا والآخرة، ومن يتبع هدى الله فلن يضل ولن يشقى، بينما من يعرض عن طاعة الله فسينال العذاب والشقاء.
فتذكر على الدوام قول الله تعالى : (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ )، فأيَّ طريق تريد أن تسلك وأيَّ هَدي تروم أن تتبع ، منوهًا بأن من يعمل في الدنيا بِطاعة اللَّه وطاعة رسوله فلن يزيغ عن طريق الحق، ولن يشقى في الآخرة.
و قال تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ) الآية 123 من سورة طه، ومن يُعرض عن طاعة الله، ويَحيد عن منهجه ويأبى الخضوع له؛ فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء، لما قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) .
وورد أن هؤلاء نَسُوا اللَّهَ سبحانه وتعالى فَنَسِيَهُمْ تركوا ذكره بِالعِبادة والثناء عليه، فتركهم من توفيقه وهدايته وكرامته، وتركهم يوم القيامة فِي عذابه، فمن أراد أن يكون حصاد زرعه حسنا وعاقبة أمره حميدة فليتمسك بدينه وليثبت عليه.
و قال تعالى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسلِمُونَ) .. فحَافَظُوا عَلَى الْإِسْلَامِ فِي حَالِ صِحَّتِكُمْ وَسَلَامَتِكُمْ لِتَمُوتُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْكَرِيم قد أجرى عَادته بِكرمه أَنَّهُ مَنْ عَاش على شيء مات عليه، وَمن مَات على شيء بُعث عليه.
وجاء أن من أراد السعادة فليطلبها من مظانها ، فقال الله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) .
وقيل: إنك لا تجني من الشوك العنب، وكما تدين تدان؛ فكيف ينغمس غافل في المعاصي ويصر ولا يتوب ثم يرجو النجاة والفوز ومغفرة الذنوب وكيف يقطع عبد صلته بالله فيترك الصلاة وطاعة مولاه، ويريد انشراح صدره وطيب الحياة.
ما هي أسباب الشقاء في الدنياورد عن أسباب الشقاء ، أنه قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه:124] أخبر العاصي يا عبد الله، بقول الله عز وجل: (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً ) [طه:124-125] لإعراضك عن الله عز وجل وابتعادك عن ذكر الله.
وقال تعالى: وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى [الأعلى:11-13]، ومنها عدم الخوف من الله والتكذيب بما جاء في القرآن، فمن أسباب الشقاوة عدم الخوف من الله جل وعلا.
وذلك مثلما يعمل المنافقون تجدهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر والعياذ بالله، الآن يوجد منافقون، لا تظنون أن المنافقين انتهوا؛ وأنه لا يوجد منافقون الآن، إذا جلسوا مع الناس أظهروا التنسك والعبادة، وإذا خلوا برب العالمين بارزوه بالمعاصي فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لذلك الذي هذه حياته أورثه الله سبحانه وتعالى ضنكاً في الدنيا فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيقٌ حرج لضلاله وإن تنعم ظاهره، لبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن الشقي قلبه قلق؛ لأنه لم يَخلص اليقين إلى قلبه فهو في شكٍ وفي ظلمات يتخبط بها، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
وجاء من أسباب الشقاوة التكذيب والإعراض عن اتباع ما جاء القرآن العظيم، قال الله تعالى: مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً [طه:100-101].
وورد أن منها عدم الانتفاع بالأذان وارتكاب الكفر والمآثم والعظائم، فأيضاً من أسباب الشقاوة: عدم الفقه بالقلب، ومن الشقاوة عدم النظر إلى آيات الله والاعتبار، وعدم الانتفاع بالآذان فلما أضاعوا هذه الحواس واستخدموها في غير مرضاة الله توعدهم الله .
وقال الله تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].
وورد من أسباب الشقاوة: ارتكاب الكفر والمآثم والعظائم التي توبق أهلها في نار الجحيم بإعراضهم عن آيات الله، وتكذيبهم بها، قال الله تعالى: أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ [المؤمنون:105] واسمعوا إلى عذرهم وهم في دركات الجحيم.
و قال الله تعالى: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ) [المؤمنون:106] ثم هم ينادون في فجاج جهنم وهم يسحبون في أوديتها: يا ويل أهل الشقاوة، ينادون: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ [المؤمنون:107] يا لطول مكثهم، ويا لكثرة همهم وغمهم، ويا لكثرة بكائهم وارتفاع أصواتهم، وهم ينادون بأعلى أصواتهم.
وقال عز وجل: ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ )[فاطر:37] فأي شقاءٍ أشد من شقائهم؟! وأي عناءٍ أشد من عناهم؟! وهم كما أخبر الله عنهم: (مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) [إبراهيم:16-17] .
وجاء الشرك بالله وارتكاب المعاصي والمحرمات من الشقاوة الإشراك بالله، وقتل النفس وارتكاب الزنا، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-70]، ومن الشقاوة: أكل الحرام، من الشقاوة: الغيبة، ومن الشقاوة: النميمة، ومن الشقاوة: الغش، ومن الشقاوة: أكل الربا، فهل لك على النار جلد يا عبد الله؟
فالحذر الحذر، من نارٍ وقودها الناس والحجارة وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ [الغاشية:2-7] هل يستوي ذلك يا عبد الله؟ ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الغاشية:8-16].