نوف الموسى (دبي)
عفوية التمازج الإبداعي بين الأقمشة والخشب والحديد وغيرها من المواد اليومية المستخدمة في حياتنا المُعاشة، وتداخلها مع الحكايا والقصص الإنسانية البسيطة في تشكلاتها العابرة، تمثل جوهر الممارسة الفنية المتعددة للفنان السعودي محمد الفرج، الذي يبحث في صناعة الأفلام، والتصوير الفوتوغرافي إلى جانب الأعمال التركيبية والكتابة الشعرية، عن حالة شبيهة بالأداء الفني الحيّ المستمر في الانبعاث تجاه تقديم معنى موازٍ لمضامين تجربتنا الإنسانية وارتباطها بالأرض والآخر بوصفه مقابلاً لذات الإنسان، ويكاد يكون حافزاً رئيساً لإعادة اكتشاف المبدعين لأنفسهم.

وجميعها محاور ترتبط في حاجة الإنسان المستمرة للتعبير عن نفسه من خلال محيطه الثقافي، أشار إليها الفنان محمد الفرج، عبر حواره لـ«الاتحاد»، أثناء حديثه حول ما تقدمه المملكة العربية السعودية من مساحات فنية متعددة الاستخدام، فهي بمثابة فضاءات عرض للمبدعين، وبيئات تعليمية تدعم المجتمع الفني الناشئ، وأيضاً فرص الإقامات الفنية، التي تلعب دوراً جوهرياً نحو إنتاج قراءات فنية نقدية، ومبحث معرفي وجمالي، مبيناً أن الفعل الإبداعي بطبيعته يستدعي أن يتاح للأشخاص دائماً خيارات واسعة لكيفية تطوير رؤيتهم للحياة، المرتبطة بخيط ممتد من تجليات الذاكرة والهوية والانتماء. 

أخبار ذات صلة عفراء المرر: أوثق بالصور سعادة الأطفال بالعيد

عوالم متداخلة
ممارسة التصوير الفوتوغرافي، إلى جانب إنتاج الأفلام الوثائقية، من خلال الاشتغال على تصميم الديكور، واختيار الملابس، ودراسة الألوان في بنية كل مشهد، وملاحظة أداء الممثلين، تمثل برمتها كما لفت الفنان محمد الفرج، عوالم متداخلة في الفن، ولا يُمكن التعامل معها بشكل منفصل أو ضمن تصنيف معين، مبيناً أن هناك دائماً تساؤلات من قبل المهتمين في القطاع الفني والثقافي، بما أنك تكتب وترسم وتصور، فأيهما بطريقة معينة يعبر عن الكل، وبالنسبة له فإن الأفلام والفوتوغرافيا تحديداً الأقدر على استيعاب جّل الأشكال التعبيرية في المجال الإبداعي، لأنها قريبة من طريقة عمله للمجسمات الفنية، المبنية على القصص وشاعرية اللحظة الإنسانية. 
يقول حول ذلك: «عندما تهدي للقصة المكتوبة أبعاداً ثلاثية، فإنها بالضرورة تتوسع داخل المساحة التعبيرية، وقد تصبح فيلماً وفوتوغرافية وعملاً تركيبياً، مثلما هو عملي على الكولاج، أبدأ بقص الصور وألصقها مع بعضها بعضاً، بهدف إحداث حالة من التداخل بين الحيوات، وهو بالضبط ما يحدث عندما نتحدث عن استخدامنا للقماش والحديد، فأغلب المواد التي استخدمها جُمعت من الأماكن العامة أو من الأرض، والأمر ليس متعلقاً فقط بمسألة البيئة، ولكنه أيضاً يحمل بعداً روحانياً، فعندنا أجد قميصاً مرمياً قد ارتداه شخص، وأضعه مع غرض آخر مستخدم من شخص مختلف، فإني بطريقة ما أجعل من العمل شاهداً على حيوات مختلفة من خلال المادة». 

إعادة البناء
شارك الفنان محمد الفرج في بينالي الدرعية للفن المعاصر لعام 2024، بعمل فني تحت عنوان ««همسات اليوم ستسمع في حديقة الغد»، موضحاً أن العمل يبحث في مسؤولية فعل الإنسان وما تبنى عليه من ردات فعل وحصاد يتجلى مع الوقت، والعمل يتوسع في تناول الموضوع إلى ثلاثة أجزاء، تبدأ بالصور الفوتوغرافية، التي أطلق عليها «أحافير الوقت»، مبيناً أنه يرى الفوتوغرافيا مكتشفاً أحفورياً وآثارياً، خاصة بعد أن تُطبع الصورة، فالأخير نتاج تجواله وبحثه بين الحقول الزراعية في مسقط رأسه بمحافظة الأحساء.  
وتابع: «بينما أمشي بين حقول الأحساء، دائماً ما أجد الكثير من النخل المحترق، الذي أجمع منه الفحم، وفي اللوحة المرسومة في بينالي الدرعية، يرى المشاهد رسمه لنخلة مكتملة ومثمرة، قد رسمتها بالفحم، وهنا أود طرح التساؤلات حول كيف يُمكن لهذه المادة الناتجة عن موت النخلة نفسها، قد تكون سبباً في إحداث ولادة جديدة لها، وهي مقاربة لمدى القوة التي يمتلكها الإنسان لمجابهة الدمار، وإعادة البناء، وهي سمة إنسانية عظيمة، نجدها في مختلف البلدان والحضارات والثقافات، وتستحق منّا التأمل والقراءة والبحث الإبداعي». وأضاف الفنان محمد الفرج أن الجزء الثالث من العمل يتكون من مجسمات لفسائل، نابتة من خصر الشجرة الأم، مبيناً كيف أن بعضها يصبح يابساً ويموت، فيقوم ويجمع تلك الفسائل الميتة، ويربطها مع بعضها بعضاً، دلالة على كيف أن هناك الكثير من الأطفال يمرون بظروف صعبة، ولا يعيشون الحياة المكتوبة لهم. 

معارض ومهرجانات
يذكر أن أعمال الفنان السعودي محمد الفرج عُرضت في حي جميل في جدة عام 2023، وبينالي ليون عام 2022، ومؤسسة الشارقة للفنون عام 2019، ولو موراتي باك في فلورنسا عام 2019، وأثر غاليري في جدة عام 2018، وفنون جدة عامي 2017 و2019، ومهرجان أفلام السعودية في الدمام عام 2015، ومهرجان دبي السينمائي الدولي عام 2014.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الصور الفوتوغرافية التصوير الفوتوغرافي فن التصوير التصوير

إقرأ أيضاً:

في عصر السرعة.. الإنسان البدائي يعود في غزة

خانيونس - خــاص صفا

يستخدم الطفل إبراهيم أبو شقرة الكرسي المتحرك الخاص بجدته السبعينية المريضة، لنقل بعض أنواع المواد الغذائية من خيمته إلى زاوية من الرصيف بمواصي خانيونس جنوبي قطاع غزة؛ ليبيعها من أجل إعالة أسرته النازحة.

ففي الوقت الذي تكاد تنعدم فيه المواصلات بسبب توقف معظم المركبات عن العمل بفعل منع إدخال الوقود ضمن الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، فإن المواطنين لجأوا للوسائل البدائية من عربات تجرها الدواب، للتنقل أو نقل احتياجاتهم من مكان لمكان.

لكن آخرين استخدموا وسائل أخرى غير مسبوقة، منها الكرسي المتحرك الخاص بذوي الإعاقة، أو صناعة صندوق بلاستيكي أو خشبي موصول بحبل يجرون عليه احتياجاتهم لنقلها لمسافات بعيدة، بدلًا من حملها.

كرسي الجدة

وتعد المياه أكثر حمولة تثقل كاهل النازحين، ولاسيما وأنه يتم شراؤها أو تعبئتها من شاحنة أو عربة من مسافات بعيدة، إضافة لبضائع باعة البسطات الذين أصبحوا ظاهرة شائعة في كل أماكن النزوح، في ظل انعدام مصادر الدخل.

وينتهز الطفل  أبو شقرة "9 أعوام" فترات الراحة والنوم التي تستلقي فيها جدته، ليستخدم الكرسي المتحرك الخاص بها.

ويبتسم في حديثه لوكالة "صفا" قائلًا: "أستخدمه في الصباح والمساء فقط، وبعض الأحيان حينما يشتري والدي بضاعة".

ويحافظ إبراهيم على مشاعر جدته، كما يقول، إذ "لا أطلبه (الكرسي) منها وهي جالسة عليه، وأحافظ عليه".

لكن ثقل وزن مياه الشرب التي ينقلها الشبل محمد حجي ويجرها بصحبة أصدقائه في المخيم، على الكرسي المتحرك الخاص بوالده ذو الإعاقة، تسبب بتمزق بعض أجزائه.

وربط محمد الأجزاء الممزقة بقطعة من القماش، ويقول إن والده لم يغضب، لأن "الأهم هو أن تعبئة الماء والعودة".

عربات التسوق

ويستخدم النازح شادي عويضة (49 عاما)، عربة حديدية من تلك التي كانت تستخدم في المولات للتسوق.

ويقول عويضة لوكالة "صفا": "منذ سبعة أشهر وأنا أمشي أو أدفع مواصلات بسعر جنوني للسيارة أو حتى الحمار الذي أركبه".

ويضيف "نزحنا أكثر من مرة ومشينا كثيرًا، وطالما أنني أمشي فأنا أستخدم هذه العربة وأجرّها لأنقل احتياجاتنا عليها".

وفي الوقت الذي تكاد تنعدم فيه السيارات داخل منطقة المواصي قرب مدينة حمد، يجد محمد شاب "22 عامًا" مصدر دخله في نقل المواطنين على عربة حماره، لكنه يقول إنه "لا يستغل الناس كغيره".

الإنسان البدائي

ويعيش النازحون حياة الإنسان البدائي، حيث لجأ الحطابون منهم، وهم كُثر، لصناعة عربات بدائية يجرونها بحبل، لنقل الأخشاب التي يشترونها أو يلتقطونها من المناطق الزراعية والأماكن المدمرة، لاستخدامها في طهي طعامهم، في ظل أزمة الغاز.

ويقول النازح بمنطقة مواصي خانيونس رائد قديح لوكالة "صفا"،: "السيارات شحّت والمواصلات سعرها نار، حتى الحمير أصبحت أجرة ركوبها مرتفعة".

ولهذا فإن قديح يجر أغراضه على عربة صنعها من الخشب على شكل مستطيل، وربط فيها حبل متين، متحملًا مشقة السير تحت أشعة الشمس والجو الحار.

وفصل الاحتلال محافظات قطاع غزة عن بعضها منذ بدء العدوان على القطاع، ودمر آلاف المركبات التي كانت تقل المواطنين على خط السير.

وإضافة لذلك فإن أزمة الوقود التي تعصف بالقطاع منذ بدء العدوان تزداد يومًا بعد يوم، بسبب احتلال معابر غزة، ومنع إدخال الوقود اللازم للمواطنين، ما جعل وسائل المواصلات شبه معدومة في الكثير من المناطق.

وظهرت صور النازحين الذين ما زال جيش الاحتلال يرغمهم على المزيد من النزوح، وهو يتنقلون مشيًا على الأقدام، حاملين أمتعتهم على ظهورهم.

واستشهد في العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة منذ 7 أكتوبر العام الماضي، ما يزيد 38 ألف فلسطيني، إلى جانب عشرات آلاف الجرحى، وآلاف المفقودين تحت الأنقاض.

مقالات مشابهة

  • الصور الأولى من حفل زفاف الفنان ناصيف زيتون ودانييلا رحمة
  • في عصر السرعة.. الإنسان البدائي يعود في غزة
  • عمرو سعد يشارك صورا من كواليس تحضيرات برنامج بيت السعد
  • وزير الثقافة: وضع خطة عمل مرحلية ترتكز على حلول غير نمطية للنهوض بالقطاع الثقافي
  • وزير الثقافة يوجه الشكر للدكتورة نيفين الكيلاني ويُعلن خطة النهوض بالقطاع الثقافي
  • آل حزام يتأهل إلى أولمبياد باريس 2024
  • لطيفة بنت محمد تبحث مع قنصل عام اليابان تطوير الشراكة بمجال الصناعات الثقافية والإبداعية
  • محمد جحفلي لسلمان الفرج: شكراً على كل شيء
  • لطيفة بنت محمد تبحث سبل تطوير الشراكة في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية
  • حسن الرداد يحيي ذكرى وفاة شقيقه بكلمات مؤثرة.. هفضل فاكرك يا حبيبى