صحيفة الاتحاد:
2025-04-30@21:15:28 GMT

«أحاديث الجوى».. في اقتفاء أثر القاهرة

تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT

إيهاب الملاح
ستظل «القاهرة» بتاريخها الذي يتجاوز الألف عام ويضعها في مصاف المدن الألفية على وجه الكرة الأرضية، المدينة المغوية الساحرة، المدينة التي يصفها صلاح جاهين في واحدة من رباعياته الساحرة بقوله:
أوصيك يا بني بالقمر والزهور .. أوصيك بليل القاهرة المسحور وهي التي يقول فيها شاعر العامية الكبير سيد حجاب أيضاً:
يا أجمل مدينة.

. يا ضحكة حزينة.. يا طايشة ورزينة! وفي السنوات العشر الأخيرة تحديداً، اجتذبت «القاهرة» بتاريخها وآثارها وطبقاتها المتداخلة والمتراكبة من العصور التي تعاقبت عليها عديداً من عشاقها المخلصين الذين اجتمعوا في حبها والغرام بها وأخذ كل منهم يترجم عشقه إلى أعمال وكتابات وصور وأفلام.. إلخ. إذن، يمكن القول، إن للقاهرة عشاقاً وحراساً يتشبثون بكل ما يمكن التشبث به من تراث وتاريخ المدينة العملاقة الهائلة أو المدينة «الحوت»، كما يشبهها صاحب كتاب «أحاديث الجوى» الذي نتحدث عنه اليوم.

1-
من بين أبرز عشاق القاهرة وخططها صيدلي عاشق مغروم اسمه حامد محمد حامد، في الأربعين من عمره تقريباً، نشر كتابه الأول في 2007 بعنوان «حدوتة مصرية» قص فيه بأسلوبه الممتع السلس فصولاً من تاريخ مصر منذ الحملة الفرنسية وحتى ثورة 1919. وبعد 2011 أخذ ينشر مجموعة من الحكايات الرائعة المشوقة الغريبة الساحرة عن «القاهرة» (ألح عليه صاحب هذه السطور إلحاحاً شديداً في أن يجمعها بين دفتي كتاب لسنوات)، أخذ يلملم خيوطها، ويتقصى تفاصيلها من بطون كتب التاريخ والتراجم والطبقات، والحوليات والسير، ويتنصت لهمسها خلف الأحجار، وشواهد القبور التي تعود إلى أكثر من ألف سنة، وفي ظلال الأقبية ودهاليز العمارة، وفي صحراء المماليك، وخلف الأسوار.. وهكذا أخرج حامد محمد حامد كتابه الأول «خريدة القاهرة.. شيء من سيرة الأماكن والأشخاص» في 2019 عن دار الرواق للنشر. وتريث حامد قرابة السنوات الخمس حتى أخرج مجموعته الثانية من حكايات المكان في كتابه الجديد الممتع «أحاديث الجوى في اقتفاء أثر القاهرة».

أخبار ذات صلة بوتين يدعو الشرق الأوسط إلى الابتعاد عن اشتباك كارثي تغرم الزمالك لـ «إخفاء الكرات»!

2-
ينطلق حامد في كتابه من فكرة تبدو «مقنعة» ولها وجاهتها في ضوء ما جمعناه وما توصلنا إليه عن المدينة الألفية الممتدة في الزمان والمكان، القاهرة عبر العصور، التي لا نكاد نعرف عنها إلا ما تُسفر لنا [هي] عنه، أما ما تخفيه عنا فحدِّث ولا حرج!
ولذلك «فدعنا نتفق أنك لم تر أيّا من الأماكن التي سيرد ذكرها في هذا الكتاب من قبل، والمؤسف أنك على الأغلب لن تستطيع أن تراها أبداً! هكذا يصدمنا مؤلف الكتاب ومن البداية بأنه يحكي لنا عن أماكن لها تاريخ، لكن لم يعد لها وجود! وإن دل عليها شاهد رخامي، أو لافتة معلقة باسم حارة صغيرة من حواري الأزهر، أو درب من دروب الإمام الحسين، أو طريق طالته يد التغييرات الديموجرافية والعمرانية.
فهذا الكتاب «يتحدث عن طبقة من طبقات القاهرة لم يعد لها وجود فعلي اليوم.. طبقة بادتْ كوردةٍ جفت أوراقها، وتساقطت، ولم يبقَ منها سوى بقية من عبقها القديم مبثوثة في بطون الكتب، وعلى ألسنة الرواة هنا وهناك».

3-
يثبت حامد -عبر فصول كتابه الـ 26 أن المشكلة الحقيقية في مطالعة التاريخ والإقبال عليه والشغف به ليست في أن الناس لا تقرأ أو منصرفة عن ذلك كما يحلو للبعض أن يرددوا، أبداً، إنما المشكلة في ماذا يقدَّم لهم ليقرأوه، أولاً، وكيف يقدم لهم وبأي طريقة، ثانياً.
يلعب حامد الآن دوراً رائعاً في هذا الصدد، يكتب مادته التاريخية بلغة جديدة وعرض مبتكر وتوظيف ممتاز للوسائط الحديثة في عرض وتيسير المادة التاريخية، أشبه بما كان يفعله بدرجةٍ ما الأديب الراحل جمال الغيطاني، أو بصورةٍ أخرى بما كان يكتبه ويقدمه الكاتب الصحفي الراحل جمال بدوي في مساحاته الجماهيرية الذائعة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
لكن هناك مساحات للاختلاف من دون شك! فعناية حامد تنصب بالأساس على «روح المكان» الذي يعتقد أنه ينادي أصحابه، ويناجيهم، ويهمس لهم ويوحي إليهم بسر مستغلق أو بإشارة خفية على متلقيها أن يبدأ فوراً في السعي خلفها! يحتذي حامد خطى المؤرخ الأشهر تقي الدين المقريزي، يقول:
«إن هذا الكتاب يستلهم روح الخِطط، أو هذا ما أتمناه على الأقل!».. هكذا يكتب حامد في مقدمته كتابه «الخريدة»، وأظن أن العبارة تنطبق حرفياً على كتابه «أحاديث الجوى» أيضاً. و«الخطط» هي نوعٌ من الكتابة يُعنى أساساً بالجغرافيا التاريخية، وببعض التجاوز يمكن أن نقول: إن موضوع الخِطط الأساسي هو«تاريخ الأماكن».

4-
وهكذا يتصيد ويقتنص المؤلف حامد 26 حكاية مجهولة لأشخاصٍ مروا من هنا، ارتبطت أسماؤهم ببيوتٍ ودروبٍ وحارات وخوخات وأبواب ومقابر! بأضرحة ومقامات وجوامع، منها ما بقي منه شاهد رخامي يحمل عبارة مثيرة تكون مفتاحاً للبحث، ومنها ما دلت عليه عبارة «عابرة» كتبت بالخط العربي في ترجمة ضمن ترجمات التفت لها حامد وتوقف عندها فاستقصى أثرها فأحسن الاستقصاء.
مسرح الأحداث في أحاديث الجوى هو فضاء القاهرة منذ التأسيس قبل ما يزيد على الألف سنة بنصف القرن تقريباً! على يد الفاطميين وحتى العثمانيين، يتنقل بينها حامد بيسر وسهولة ومن دون حواجز ولا حدود، فحكاية تدور في عصر المماليك وأخرى في عصر الأيوبيين، ومنها إلى حكاية أخرى في عصر المماليك، ثم عودة إلى حكاية أو اثنتين أثناء حكم الفاطميين وهكذا!
يبرر حامد هذه الحرية مخاطباً قارئه «لذا، فستلاحظ أن حكايات الكتاب ليست مُرتَّبة تاريخيّاً، فكما أنك لا تجد في القاهرة شارعاً فاطميّا وآخر مملوكيّاً وثالثاً عثمانيّاً، فلن تجد كذلك مثل هذا التقسيم في الكتاب، وما ستجده هو تجليات الزمن على المكان الواحد، والخيط الدقيق الذي يجمع شتات الكتاب هو روح الأماكن وحياتها، فكُن واثقاً بأن بطل الكتاب الأوحد هو المكان، ولا شيء سوى المكان».

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: القاهرة مصر

إقرأ أيضاً:

تكريم 6 دور نشر عربية قضت 520 عامًا في خدمة صناعة الكتاب

 


 

أبوظبي- خاص

كرَّم مركز أبوظبي للغة العربية أمس ست دور نشر عربية عريقة، قضت ما مجموعه 520 عاماً في خدمة صناعة النشر، ضمن المرحلة الأولى من مبادرة "تكريم رواد صناعة النشر في العالم العربي"، وذلك في حفل أقيم ضمن فعاليات الدورة الـ34 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب.

وتهدف المبادرة إلى تعزيز حضور الثقافة العربية، وترسيخ صناعة النشر، وتسويق الكتاب العربي، ودعم انتشاره، وتشجيع القراءة، وتسليط الضوء على دور النشر المكرمة في إثراء المشهد الثقافي العربي، ودورها التاريخي في الحفاظ على حضور المحتوى العربي، والمشاركة في التطور المستمر للمعرض.

وكرّمت المبادرة هذا العام دور النشر العربية التالية: "صادر" – لبنان، التي تأسست في العام 1863، ومؤسسة دار المعارف للطباعة النشر والتوزيع – مصر، التي تأسست في العام 1890. و"الفكر للطباعة والتوزيع والنشر" - سورية، التي تأسست في العام 1957. و"مكتبة دبي للتوزيع" - دولة الإمارات، التي تأسست في العام 1969. و"ذات السلاسل" - الكويت، التي تأسست في العام 1972. و"الشروق للنشر والتوزيع" – الأردن، التي تأسست في العام 1979.

ويأتي هذا التكريم تقديراً لجهود أوائل دور النشر العربية، التي أمضت 50 عاماً أو أكثر في القطاع، ولا تزال مستمرة في النشر، وتثميناً لإسهاماتها المتميزة في صناعة الكتاب العربي وتسويقه وتطويره، ويبرز المعرض تجاربها الملهمة، والمراحل التاريخية التي عاصرتها، والتحديات التي واجهتها خلال مسيرتها، ما يرسخ مكانته واحداً من أكثر معارض الكتب تنوعاً في المنطقة، ويبرز دور إمارة أبوظبي محركاً لنمو صناعة النشر الإقليمية، والتزامها بتعزيز الأعمال العالمية المتعلقة بصناعة الكتاب ، واستدامة قطاع النشر على المدى الطويل.

وقال سعادة سعيد حمدان الطنيجي، المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية، مدير معرض أبوظبي الدولي للكتاب: "ينسجم التكريم مع إستراتيجية مركز أبوظبي للغة العربية في دعم حراك النشر الذي يعد الركيزة الأساسية للعمل الثقافي، ويهدف إلى الاحتفاء بالتجارب الملهمة، والمبدعة، ومما لا شكّ فيه أن تكريمنا لهذه الصروح يسهم في تعزيز حضورها، ويحفزها على تقديم المزيد من الجهود، والمشاريع التي تخدم إثراء معارف القارئ، وترفد المكتبات العربية بكلّ ما هو جديد ونوعي".

 

وأضاف سعادته:" تم وضع معايير دقيقة لاختيار هذه الدُّور بناء على تاريخها، وسنوات عطائها، وما قدمته من جهود تخدم النهوض بالثقافة العربية، إلى جانب الأخذ في الاعتبار إسهاماتها الواضحة التي أثرت الفكر العربي بالكثير من المنجزات إذ دعمت هذه الصروح خلال رحلتها العديد من الأدباء، والمفكرين، ومهدت أمامهم الطريق نحو الإبداع، وهذا ما يجعلنا على يقين بأن دعم هذه الدور يلعب دوراً مهماً في تحقيق أهداف هذه المبادرة الرامية إلى تعزيز مكانة تلك الدور، وتكريس حضورها ذي الأثر الملموس". 

وأوضح سعادته:" تستكمل هذه المبادرة المسيرة الرائدة للمعرض، وجهوده، وتوجهاته الشاملة للاحتفاء بالمؤسسات الثقافية التي أسهمت في تشكيل الوعي العربي، وتقديم كافة سبل الدعم الممكنة لاستدامة قطاع النشر، وتطوير المحتوى العربي، إذ سيعمل عبر دوراته المقبلة على تقديم المزيد من الدعم لدور النشر، ونأمل في أن تواصل دور النشر عطاءها، وتكون قادرة على نقل رسالتنا الثقافية والحضارية للعالم بأسره".

وحرص المعرض على أن يكون التكريم إضاءة شاملة على تاريخ كل دار نشر، من خلال جلسات حوارية، واستضافات "بودكاست" مع إدارات دور النشر المعنية لاستعراض تجاربها الملهمة، والحديث عن التحديات التي واجهتها وأهم ما قدمته في المجال، وأوائل مطبوعاتها، إلى جانب تقديم سرد متكامل يتناول مسيرتها في صناعة الوعي العربي، وتعزيز حضور الثقافة العربية.

واعتمد المعرض على آليات محددة في اختيار دور النشر المكرمة، تستند إلى تاريخ الدار ونشاطها في مجال النشر، والمحتوى الثقافي والأدب الهادف، الذي يؤسس لفكر واع ومتزن، وقدرتها على الاستمرارية والتكيف مع التغيرات التي طرأت على القطاع، وعدد الإصدارات الجديدة، واحترام الدار لحقوق النشر والتأليف، وعدم وجود أي مخالفات أو تعديات في مشاركاتها السابقة في المعرض، وأي مما يخالف قوانين دولة الإمارات وتوجهاتها، إضافة إلى معايير المحافظة على التوزع الجغرافي للعارضين، بحيث تضمن مشاركة أكبر عدد ممكن من الدول.

ويسعى مركز أبوظبي للغة العربية عبر مبادراته المبتكرة، لإحياء الموروث الثقافي العربي، واستدامة صناعة النشر، وتكريم روادها ليبقى اسمها شاهدًا على إرثٍ ثقافي ممتد، ومسيرة حافلة بالعطاء، تؤكد أن الكتاب العربي لا يزال حاضراً بقوة، وقادراً على المنافسة على الرغم من تحديات العصر الرقمي، لما تتميز به اللغة العربية من مرونة وقدرة على الإبداع والتكيف.

وسيعمل المعرض في دوراته اللاحقة إلى مواصلة تكريمه للمبدعين في النشر والمعرفة ليحتفي في دورة العام 2026 بالمترجمين وفي العام الذي يليه بالمحرر الأدبي، وليخصص العام 2028 للاحتفاء بمصممي الأغلفة، وأما العام 2029 فسيخصص لتكرم المطابع المتميزة.

مقالات مشابهة

  • ماذا بعد معرض الكتاب؟!
  • هل نحتاج الكتاب اليوم؟
  • بداية تأثير المنخفض الجوى الخماسيني اليوم
  • مصر للطيران للشحن الجوي معتمدة بشهادة دولية لشحن الأدوية شديدة الحساسية
  • الترجمة مدخل لفهم العالم العربي ونصرة فلسطين.. ميشيل هارتمان: الأدب المكان الذي يمكننا أن نجد فيه المزيد من التقارب
  • البرهان في القاهرة… دلالة الزيارة ومآلاتها والرسائل التي تعكسها
  • مصدران مصريان: المحادثات التي تستضيفها القاهرة بشأن غزة تشهد تقدما كبيرا
  • حين تُزهِر الكلمة.. "معرض الكتاب" بوابة نحو وعيٍ جديد
  • تكريم 6 دور نشر عربية قضت 520 عامًا في خدمة صناعة الكتاب
  • حميد برادة يكشف أسراره في لقاء في معرض الكتاب بمناسبة صدور كتابه "انطولوجيا الحوارات الصحافية"