صحيفة الاتحاد:
2024-10-01@22:53:53 GMT

«أحاديث الجوى».. في اقتفاء أثر القاهرة

تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT

إيهاب الملاح
ستظل «القاهرة» بتاريخها الذي يتجاوز الألف عام ويضعها في مصاف المدن الألفية على وجه الكرة الأرضية، المدينة المغوية الساحرة، المدينة التي يصفها صلاح جاهين في واحدة من رباعياته الساحرة بقوله:
أوصيك يا بني بالقمر والزهور .. أوصيك بليل القاهرة المسحور وهي التي يقول فيها شاعر العامية الكبير سيد حجاب أيضاً:
يا أجمل مدينة.

. يا ضحكة حزينة.. يا طايشة ورزينة! وفي السنوات العشر الأخيرة تحديداً، اجتذبت «القاهرة» بتاريخها وآثارها وطبقاتها المتداخلة والمتراكبة من العصور التي تعاقبت عليها عديداً من عشاقها المخلصين الذين اجتمعوا في حبها والغرام بها وأخذ كل منهم يترجم عشقه إلى أعمال وكتابات وصور وأفلام.. إلخ. إذن، يمكن القول، إن للقاهرة عشاقاً وحراساً يتشبثون بكل ما يمكن التشبث به من تراث وتاريخ المدينة العملاقة الهائلة أو المدينة «الحوت»، كما يشبهها صاحب كتاب «أحاديث الجوى» الذي نتحدث عنه اليوم.

1-
من بين أبرز عشاق القاهرة وخططها صيدلي عاشق مغروم اسمه حامد محمد حامد، في الأربعين من عمره تقريباً، نشر كتابه الأول في 2007 بعنوان «حدوتة مصرية» قص فيه بأسلوبه الممتع السلس فصولاً من تاريخ مصر منذ الحملة الفرنسية وحتى ثورة 1919. وبعد 2011 أخذ ينشر مجموعة من الحكايات الرائعة المشوقة الغريبة الساحرة عن «القاهرة» (ألح عليه صاحب هذه السطور إلحاحاً شديداً في أن يجمعها بين دفتي كتاب لسنوات)، أخذ يلملم خيوطها، ويتقصى تفاصيلها من بطون كتب التاريخ والتراجم والطبقات، والحوليات والسير، ويتنصت لهمسها خلف الأحجار، وشواهد القبور التي تعود إلى أكثر من ألف سنة، وفي ظلال الأقبية ودهاليز العمارة، وفي صحراء المماليك، وخلف الأسوار.. وهكذا أخرج حامد محمد حامد كتابه الأول «خريدة القاهرة.. شيء من سيرة الأماكن والأشخاص» في 2019 عن دار الرواق للنشر. وتريث حامد قرابة السنوات الخمس حتى أخرج مجموعته الثانية من حكايات المكان في كتابه الجديد الممتع «أحاديث الجوى في اقتفاء أثر القاهرة».

أخبار ذات صلة بوتين يدعو الشرق الأوسط إلى الابتعاد عن اشتباك كارثي تغرم الزمالك لـ «إخفاء الكرات»!

2-
ينطلق حامد في كتابه من فكرة تبدو «مقنعة» ولها وجاهتها في ضوء ما جمعناه وما توصلنا إليه عن المدينة الألفية الممتدة في الزمان والمكان، القاهرة عبر العصور، التي لا نكاد نعرف عنها إلا ما تُسفر لنا [هي] عنه، أما ما تخفيه عنا فحدِّث ولا حرج!
ولذلك «فدعنا نتفق أنك لم تر أيّا من الأماكن التي سيرد ذكرها في هذا الكتاب من قبل، والمؤسف أنك على الأغلب لن تستطيع أن تراها أبداً! هكذا يصدمنا مؤلف الكتاب ومن البداية بأنه يحكي لنا عن أماكن لها تاريخ، لكن لم يعد لها وجود! وإن دل عليها شاهد رخامي، أو لافتة معلقة باسم حارة صغيرة من حواري الأزهر، أو درب من دروب الإمام الحسين، أو طريق طالته يد التغييرات الديموجرافية والعمرانية.
فهذا الكتاب «يتحدث عن طبقة من طبقات القاهرة لم يعد لها وجود فعلي اليوم.. طبقة بادتْ كوردةٍ جفت أوراقها، وتساقطت، ولم يبقَ منها سوى بقية من عبقها القديم مبثوثة في بطون الكتب، وعلى ألسنة الرواة هنا وهناك».

3-
يثبت حامد -عبر فصول كتابه الـ 26 أن المشكلة الحقيقية في مطالعة التاريخ والإقبال عليه والشغف به ليست في أن الناس لا تقرأ أو منصرفة عن ذلك كما يحلو للبعض أن يرددوا، أبداً، إنما المشكلة في ماذا يقدَّم لهم ليقرأوه، أولاً، وكيف يقدم لهم وبأي طريقة، ثانياً.
يلعب حامد الآن دوراً رائعاً في هذا الصدد، يكتب مادته التاريخية بلغة جديدة وعرض مبتكر وتوظيف ممتاز للوسائط الحديثة في عرض وتيسير المادة التاريخية، أشبه بما كان يفعله بدرجةٍ ما الأديب الراحل جمال الغيطاني، أو بصورةٍ أخرى بما كان يكتبه ويقدمه الكاتب الصحفي الراحل جمال بدوي في مساحاته الجماهيرية الذائعة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
لكن هناك مساحات للاختلاف من دون شك! فعناية حامد تنصب بالأساس على «روح المكان» الذي يعتقد أنه ينادي أصحابه، ويناجيهم، ويهمس لهم ويوحي إليهم بسر مستغلق أو بإشارة خفية على متلقيها أن يبدأ فوراً في السعي خلفها! يحتذي حامد خطى المؤرخ الأشهر تقي الدين المقريزي، يقول:
«إن هذا الكتاب يستلهم روح الخِطط، أو هذا ما أتمناه على الأقل!».. هكذا يكتب حامد في مقدمته كتابه «الخريدة»، وأظن أن العبارة تنطبق حرفياً على كتابه «أحاديث الجوى» أيضاً. و«الخطط» هي نوعٌ من الكتابة يُعنى أساساً بالجغرافيا التاريخية، وببعض التجاوز يمكن أن نقول: إن موضوع الخِطط الأساسي هو«تاريخ الأماكن».

4-
وهكذا يتصيد ويقتنص المؤلف حامد 26 حكاية مجهولة لأشخاصٍ مروا من هنا، ارتبطت أسماؤهم ببيوتٍ ودروبٍ وحارات وخوخات وأبواب ومقابر! بأضرحة ومقامات وجوامع، منها ما بقي منه شاهد رخامي يحمل عبارة مثيرة تكون مفتاحاً للبحث، ومنها ما دلت عليه عبارة «عابرة» كتبت بالخط العربي في ترجمة ضمن ترجمات التفت لها حامد وتوقف عندها فاستقصى أثرها فأحسن الاستقصاء.
مسرح الأحداث في أحاديث الجوى هو فضاء القاهرة منذ التأسيس قبل ما يزيد على الألف سنة بنصف القرن تقريباً! على يد الفاطميين وحتى العثمانيين، يتنقل بينها حامد بيسر وسهولة ومن دون حواجز ولا حدود، فحكاية تدور في عصر المماليك وأخرى في عصر الأيوبيين، ومنها إلى حكاية أخرى في عصر المماليك، ثم عودة إلى حكاية أو اثنتين أثناء حكم الفاطميين وهكذا!
يبرر حامد هذه الحرية مخاطباً قارئه «لذا، فستلاحظ أن حكايات الكتاب ليست مُرتَّبة تاريخيّاً، فكما أنك لا تجد في القاهرة شارعاً فاطميّا وآخر مملوكيّاً وثالثاً عثمانيّاً، فلن تجد كذلك مثل هذا التقسيم في الكتاب، وما ستجده هو تجليات الزمن على المكان الواحد، والخيط الدقيق الذي يجمع شتات الكتاب هو روح الأماكن وحياتها، فكُن واثقاً بأن بطل الكتاب الأوحد هو المكان، ولا شيء سوى المكان».

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: القاهرة مصر

إقرأ أيضاً:

«الثقافة» تصدر كتاب «دم النار.. توقيعات على جدران غزة» بهيئة الكتاب

أصدرت وزارة الثقافة من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، ضمن إصدارات سلسلة الإبداع العربي، كتاب نصوص بعنوان «دم النار.. توقيعات على جدران غزة» للكاتب المتوكل طه.

وذكرت الوزارة: في مدينة تكاد تشبهها المعجزات، بينما ينهشها الخوف، يلتهمها الفقد وتتجدد فيها الفجيعة لا تزال تمارس الصبر، تهدهد الحزن وتربي الأمل.. مشاهد من الوجع الكثيف، يوثقها الشاعر الفلسطيني المتوكل طه في هذه النصوص، ويخلد عبرها وحشية الحرب، وما تتجرعه غزة منذ اندلاعها من قتل، وخراب، وجوع، وخذلان في عالم لا يزال يلتزم الصمت، ويذعن لقانون الغاب.

وتابعت: فضلا عما اكتست به نصوصه من صبغة سردية، وما انتهجه من لغة تصويرية، استطاع عبرهما تجسيد مشاهد من القصف العنيف، الجثث المحترقة واللهو الدموي الذي تجاوز أسوأ الكوابيس؛ فقد عمد الشاعر إلى السخرية لفضح نفاق الغرب ترهاته عن السلام، وادعاءات الإنسانية، التي دحضها تغافله عن عربدة جيش الاحتلال، وما يمارسه من إبادة جماعية، ورغم كل ما رصده من خراب كان الافتتان بغزة جسرا شيده نحو الأمل، فحتما ستسقط نبتة لا جذور لها لا سيما وقد سقطت صورة الضحية، وانكشف الجزار.

معلومات عن المتوكل طه:

وحسب بيان هيئة الكتاب: المتوكل طه، من مواليد مدينة قلقيلية - فلسطين عام 1958 (دكتوراه في الآداب)، صدر له أكثر من 50 كتابا في الشعر والسرد والنقد والفكر والإعلام، حاز العديد من الجوائز، منها: «جائزة الدولة التقديرية»، وجائزة «الحرية» و«القدس» و«إحسان عباس» و «زهرة المدائن» و«الإبداع المقاوم» وجائزة «عبدالرحيم محمود للشعر».

ومن بين إصداراته رمل الأفعى (سيرة كتسيعوت، معتقل أنصار 3)، عباءة الورد (نصوص الانتفاضة والشهداء)، طهارة الصمت (عن الكتابة وهموم الثقافة)، وقد صدرت الأعمال النثرية المذكورة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت العام 2003، سرديات الجنون – نصوص، كشكول الذهب- نصوص.

مقالات مشابهة

  • معارض الكتاب ودور النشر .. حُماة “الكتاب الورقي” من الاندثار
  • عبدالله آل حامد: “اليوم الإماراتي للتعليم” يجسد المكانة التي يحظى بها العلم في فكر محمد بن زايد
  • عبدالله آل حامد: اليوم الإماراتي للتعليم يجسد المكانة التي يحظى بها العلم في فكر محمد بن زايد
  • المفتي يبحث استعداد الإفتاء للمشاركة في الدورة 55 لمعرض الكتاب
  • «الثقافة» تصدر كتاب «دم النار.. توقيعات على جدران غزة» بهيئة الكتاب
  • الثقافة تصدر «دم النار.. توقيعات على جدران غزة» بهيئة الكتاب
  • المدينة التي لا ترحم: ارتفاع الإيجارات يدفع البغداديين نحو المجهول
  • الاحتلال يعتقل 10 مواطنين من رام الله
  • بعد أحاديث عن عودتها.. الجزائر تؤكد طي صفحة الانضمام لـبريكس
  • كيفية تحسين سرعة الإنترنت عبر وضع الراوتر الشبكي في المكان المثالي