صحيفة التغيير السودانية:
2024-11-22@11:24:45 GMT

صور المفارقة المفزعة في زمن الحرب

تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT

صور المفارقة المفزعة في زمن الحرب

صور المفارقة المفزعة في زمن الحرب

خالد فضل

الدكتور (ق)، قريب وصديق وزميل وحبيب يحمل أرفع درجة علمية في القرية، ما فوق الدكتوراة، وهو أستاذ جامعي مرموق وخبير عالمي يشار إليه بالبنان وتطلبه كل المنتديات والمراجع البحثية عبر القارات، أفنى ردحاً من عمره في الدروس والبحث العلمي الرفيع والتحصيل حتى بلغ شأواً ذا شأن في مضمار تخصصه الزراعي المرغوب والمطلوب عالمياً…

قرر عساكر السودان، الذين تحددت معارفهم ومداركهم في سقف الأوامر والنواهي للجنود، قرروا تدمير ما تبقى من أفق إصلاح للبلاد، فأطلقوها حرباً مدمرة وقودها الناس ومستقبل البلاد واستطاع بعض عناصر الإسلاميين من استثمار تغلغلهم في قيادة القوات المسلحة بصورة خاصة وأشعلوها حرباً ضروساً يعلم خبرها القاصي والداني، ويصطلي بنيرانها وتبعاتها الإنسان السوداني في أي صقيع ومن أي منحدر، وهي حرب خسران مبين كما يعلم حتى راعي الضأن في الخلاء البعيد فما هي القيمة المضافة التي يجنيها هذا الطرف أو ذاك من أطراف الحرب، غير الخزي والعار وصفات الذم واللعنات صباح مساء.

ذلك العالم والخبير المرموق طردته الحرب من داره قرب جامعة في الخرطوم، انطلق بأطفاله وأمهم المريضة توفاها الله في غضون الحرب- لها الرحمة والغفران- يمم صوب الجزيرة حيث أهله وعشيرته، ولكن في الجزيرة طاردته الحرب ولعنتها، فقد زوجه في ظروف إنسانية بالغة الأسى، مع كل تلك الأهوال والمفارقات دهمه داهم من عسكر الدعم السريع، سلبوه السيارة التي هي إحدى أدوات عمله ولم يجزع ثم واصل حياته في القرية، فانقطعت الكهرباء والماء وانعدم غاز الطبخ طبعاً وانقطعت شبكة الاتصالات تماماً، صار العالم بالنسبة لذلك العالم الكبير منحصراً في حكاوي الدكاكين وثرثرة القرية، أين منصات المؤتمرات وورش العمل ومختبرات البحث العلمي المهني التي أمضى فيها عشرات السنين؟ أين صالات المطارات في كل القارات تلك التي مشت عليها خطواته الواثقة المبدعة؟ أين قاعات الدرس والمحاضرة، أين حقل التجريب، وشلة الطلبة والدارسين والباحثين الذين كان فيهم يحاضر ويناقش ويصوب ويزيد ويستزيد، أين وأين وأين وهو مضطر لحمل إناء الماء وجلبه من الجيران ليتوضأ أو يستحم، هو مضطر لجر العود ليحرقه فحماً على طريقة الكمائن البدائية وهو من يحاضر حول أحدث الطرق والتكنولوجيا الحيوية وسلامة البيئة.

تُرى كم من عقل جهيز أهدرته هذه الحرب الرعناء، كم من خبير ومبدع وفنان وعالم وطبيب ومفكر فقدنا تحت قذف البراميل المفخخة ولهب المدافع المصوبة لتصيب عقل الوطن في مقتل، وتصيب فؤاد الوطن بالحزن المقيم، إنها لعنة الحرب يا صاحب، فلا تحزن ولا تيأس.. إن غداً موجود رغم الغيوم، وأشد ساعات الليل عتمةً تلك التي تسبق الفجر بقليل إن شاء الله.

لا للحرب.. نعم للسلام..

الوسومالإسلاميين الجامعة الجزيرة السودان القوات المسلحة الكمائن خالد فضل طبيب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الإسلاميين الجامعة الجزيرة السودان القوات المسلحة الكمائن خالد فضل طبيب

إقرأ أيضاً:

الحرب في السودان: تعزيز فرص الحل السياسي في ظل فشل المجتمع الدولي

بروفيسور حسن بشير محمد نور

نعم، أزمة التهجير القسري والنزوح التي يشهدها السودان هي الاسوأ في العالم، كما ان الانتهكات والجرائم المرتكبة هي الاشد قسوة وبشاعة من نوعها، خاصة في صراع بين أطراف تنتمي لنفس البلد، هذا بالطبع إذا استثنينا الأبادة الجماعية التي تقوم بها اس رائ يل ضد الشعب الف ل سطي ني في الاراضي المحتلة والدمار الممنهج في لبنان (وهذا بالطبع لا يحتاج لتأكيد وزير الخارجية البريطاني، لانه وحسب المثل السوداني "ما حك جلدك مثل ظفرك"). الصراع بين القوى الكبرى في العالم لا يعرف الرحمة ولا يعبأ بمصالح الشعوب، خاصة مثل الشعب السوداني المغلوب علي أمره المبتلى بحكام و(قادة) لا يتمتعون بأي درجة من الرشد وإلا لما تسببوا في أزمة توصف بأنها الاسوأ في العالم.
سبق ان نبهنا مع غيرنا بأن الانقسام بين الاقطاب الكبرى في العالم لا يسمح بتمرير قرارات عبر مجلس الامن، وان الدعوات للتدخل الاممي هي صرخات في (وادي عبقر), كما ان مثل هذا التدخل يجد معارضة لا بأس بها، ليس فقط من الأطراف المؤيدة للحرب في السودان، وانما من قوى سياسية واجتماعية مؤثرة. في هذا الاطار يأتي (الفيتو) الروسي ضد مشروع القرار البريطاني حول السودان في مجلس الامن يوم الاثنين 18 نوفمبر 2024. وهو موقف متوقع من روسيا بحكم العداء المستفحل والتاريخي بين روسيا وبريطانيا، الذي اشتد منذ ان اعلن ونستون تشرشل صيحته حول الجدار الحديدي (ما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكي) وتدشينه للحرب الباردة مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية. يظهر ذلك العداء بجلاء في اشعال الحرب في اوكرانيا وتأجيجها والدفع بها نحو منزلق خطير يبشر بيوم قيامة قريب ينهي العالم الذي نعيش فيه، ذلك لسبب بسيط هو ان هذه اللعبة الخطرة تتم ضد دولة تمتلك اكبر ترسانة نووية في العالم من حيث الكم والنوع، فاذا كنت تلعب بالنار بين براميل من البارود شديد الانفجار فإن (لفيتو) يعتبر نثارة ثانوية باردة.
يضاف لذلك ان روسيا لن تنسي خديعة القرار الاممي الذي وافقت عليه بشأن ليبيا، والذي كان في ظاهره يهدف لحماية المدنيين وقام حلف التاتو باستغلاله ثم (حدث ما حدث في ليبيا) ونتائجه ماثلة أمام العالم. يبقى إذن، اذا إراد (الغرب الاستعماري الجماعي حسب وصف الدبلوماسية الروسية)، فيما نرى أن يتدخل في الصراع السوداني فعليه اتباع نهح ما حدث في العراق وافغانستان (وهذا انتهي بالهروب الكبير لجيش بادن العظيم مسلما مفاتيح كابول لطالبان بعد عشرين عاما من التدخل العسكري المباشر) ويوغوسلافيا السابقة، ذلك النهج الذي تم خارج (الشرعية الدولية) وبالتالي علي من يفعل ذلك تحمل العواقب لوحده، دون الاستناد علي قرار اممي يظهر غير ما يبطن حسب فهم الكثيرين من غير المستندين لحلم ان (المجتمع الدولي) بالشعوب (رؤوف رحيم).
في ظل الصراع الوجودي بين روسيا و(الغرب الجماعي) لن يمر قرار عبر مجلس الامن بسهولة، خاصة اذا كان يحمل طابعا لتدخل خارجي قد يؤدي لفرض نظام معين. في هذا السياق من المفهوم ان أي تحول يؤدي الي وصول حكم (مدني ديمقراطي) بدعم غربي في السودان سيجعل من هذه البلاد في شراكة طويلة الامد مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة، بريطانيا والاتحاد الاوربي، وان أي نظام شمولي او انقلابي سيكون مقاطعا من (الغرب الجماعي) وسيتوجه لا مناص نحو روسيا والصين. هذه معادلة بسيطة ليس من الصعب فهمها ووضعها في الحسبان في التعامل مع (المجتمع الدولي).
أما فيما يتعلق بازمة التهجير والنزوح والانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين فيمكن التذكيرببعض الاثار المترتبة عليها ومالاتها وما يمكن فعله مع فشل العالم بوضعه الراهن في معالجة مثل هذه الازمات الكبرى،علما باننا قد تطرقنا بشكل متواصل للتكاليف الاقتصادية والاجتماعية للحرب واثارها، في العديد من المقالات والمشاركات منذ اشتعال هذه الحرب الكارثية. وفي رأيي ان ما يجري في السودان رغم بشاعته يعتبر متواضعا قي المنظور العالمي مع خطر وقوف عالم اليوم علي حافة حرب عالمية نووية لم يشهد العالم لها مثيل، ولن يشهده مرة اخرى بالطبع في حالة اندلاعها.
ما يجري في السودان له اثار بالغة الخطورة اقتصاديا واجتماعيا وديمغرافيا، أهم مظاهر ذلك باختصار هي:
اقتصاديا: تدهور قطاعات الانتاج الحقيقي في الزراعة والصناعة والخدمات المنتجة، تأثر البنية التحتية وتدمير معظمها وهي بنية متواضعة بدون حرب، فقدان مصادر الدخل وتفشي البطالة، التراجع الخطير للايرادات الحكومية، وقد فصلنا في تلك الموضوعات ووضحنا اثرها علي مجمل النشاط الاقتصادي وعلي المؤشرات الاقتصادية الكلية.
اجتماعيا: الاثار علي الخدمات العامة خاصة الصحة والتعليم ومن نتائجها توطين الاوبئة، الاصابات والاعاقات الجسدية والنفسية، أضافة لتعطل الدراسة لتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، وفقدان التمدرس لملاين الاطفال السودانيين وبطالة الخريجين ونزيف العقول.
ديمغرافيا يؤدي التهجير القسري والنزوح الجماعي الي تغيير التركيبة الديمغرافية للباد، خاصة وان التهجير لم يقتصر علي العاصمة والمدن فقط وانما شمل مناطق ريفية واسعة، كما جرى مؤخرا في ولاية الجزيرة. اتجه معظم النازحين الي مناطق حضرية مما ادي لاختلال كبير في التوزيع السكاني والضغط علي الموارد والخدمات اضافة لمشاكل الاكتظاظ السكاني.
سيؤدي كل ذلك لاثار خطيرة علي النشاط الاقتصادي بانهيار القطاعات الانتاجية الرئيسية وسيادة الريعية الاقتصادية والانتاج المعيشي والقطاع غير الرسمي. كما سيؤدي ذلك لتدهور الاستقرار النقدي وانهيار الثقة في النظام المصرفي وتراجع سعر الصرف والقوة الشرائية. كل ذلك سيفاقم معدلات الفقر والبطالة والاخلال الخطير بالامن الاجتماعي لامد طويل.
في ظروف الخلاف الحاد في المجتمع الدولي لابد من العمل في رأينا في عدة اتجاهات منها:
• علي القوى الوطنية العمل بشكل جماعي او حتي بمكونات منفردة علي تعزيز فرص الحل السياسي للازمة وتفعيل دور المجتمع المدني والمجتمعات المحلية، بدلا عن الركض خلف سراب المجتمع الدولي او حتي الاقليمي وذلك يتضمن عدد من الخطط والبرامج الاجراءات الهادفة الي:
- التركيز علي بناء مشروع وطني جامع لدولة المواطنة السودانية القائمة علي الحرية والسلام والعدالة والتنمية المتوازنة ووضع تصور واضح للحل السياسي علي هذا الاساس. وبالتأكيد هذا المشروع يصطدم بالصراع علي السلطة وطموح الاطراف المتحاربة، اضافة لعقبة تحقيق المحاسبة وعدم الافلات من العقاب، وهنا تبدو قضية شائكة.
- وضع استراتيجيات تنموية لما بعد الحرب تشمل اعادة الاعمار، اعادة بناء البنية التحتية والانتاجية والتأسيس لنظام عادل لقسمة الموارد. هذا يمكن ان يكون مشجعا لدمج بعض الاطراف في جهود الحل خاصة حركات الكفاح المسلح غير المنخرطة في الحرب بين الجيش والدعم السريع.
- العمل علي تعبئة واستقطاب الموارد المحلية والخارجية لاعادة بناء المناطق المتضررة واعادة التوطين وتوجيه الموارد نحو المناطق الريفية والتنمية المحلية لتخفيف الضغط علي الحضر.
- تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص في برامج اعادة الاعمار
- وضع برامج عملية للتعامل مع التحديات الصحية وايجاد برامج لرعاية المصابين جسديا ونفسيا واعادة تأهيلهم ورعايتهم
- العمل علي ايجاد بدائل للتعليم الرسمي خاصة في مناطق النزوح مع الغياب لدور الولة او الدعم الدولي الفعال.
بالتأكيد كل ذلك لا يعني اغفال الضغط علي المجتمع الدولي والاقليمي، في ايجاد حلول سلمية لهذا النزاع الذي يتسع نطاقه ليصبح تهديا علي المستوى الاقليمي والدولي. وبما ان هذه الحرب تمثل تحديا وجوديا يهدد وجود الدولة السودانية ومستقبل الاجيال المقبلة فان الوضع يتطلب طرق جميع السبل للضغط والتدخل، حتي اذا تم ذلك خارج الاطر التقليدية لعمل الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي. وقد يكون من المفيد تفعيل اليات مجلس السلم والامن الافريقي، بحكم انه يمكن ان يكون منظمة اقليمية تحظي بقبول واسع بما في ذلك الصين وروسيا، مما يمكن من ايجاد وسائل واليات عملية للدفع نحو الحل السياسي للنزاع.

mnhassanb8@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • زيلينسكي يعلق على الضربة التي شنتها روسيا بصواريخ "أوريشنيك"
  • سفير سلطنة عمان يناشد العالم وقف الحرب في غزة
  • مجلس الأمن الذي لم يُخلق مثله في البلاد!
  • رئيس الوزراء يتفقد القرية التراثية بالخارجة ومعرض أيادي مصر
  • الحرب في السودان: تعزيز فرص الحل السياسي في ظل فشل المجتمع الدولي
  • "حُرُوب اليوم".. ليْسَت عَالميَّة
  • المبعوث الأمريكي للسودان: الولايات المتحدة تؤيد إنهاء الحرب والجرائم التي ترتكب في حق الشعب السوداني
  • قتلى باشتباكات بولاية الجزيرة ونزوح الآلاف من الفاشر
  • الجزيرة نت تكشف عن حصاد لقاءات المبعوث الأميركي ببورتسودان
  • بعد مرور 1000 يوم.. ما حجم الخسائر التي تكبدتها أوكرانيا بسبب الحرب؟