حرب السودان.. ناجية تروي معاناتها مع النزوح في مدن دارفور
تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT
التغيير- فتح الرحمن حمودة
لم تكن المحامية السودانية «هيام» تظن أن سفرها لقضاء عطلة عبد الفطر المبارك العام 2023م مع أسرتها في مدينة نيالا بجنوب دارفور- غربي البلاد، سيتحول إلى رحلة معاناة ونزوح ولجوء تمتد لأشهر طويلة.
هكذا فجأة ودون سابق إنذار أغلقت حرب 15 ابريل 2023م التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أمامها كل الأبواب وتركتها وأسرتها نهباً لأهوال الحرب وفظائعها، لتتنقل بين مدن إقليم دارفور قبل أن تنجو بنفسها وتغادر إلى خارج البلاد مؤخراً.
«هيام»- وهو اسم مستعار- روت لـ«التغيير» قصة معاناتها جراء الحرب منذ قرّرت السفر إلى نيالا أواخر رمضان العام 2023م وما شاهدته من فظائع خلال رحلة نزوحها.
قالت إنها في صبيحة 15 أبريل 2023م، كانت قد بدأت رحلتها إلى مدينة نيالا، ولم تعلم باندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في العاصمة الخرطوم، إلا عندما وصلت إلى منطقة كأس في جنوب دارفور، إذ تفاجأت بأخبار الاشتباكات العنيفة بين الطرفين عندما أخرجت هاتفها لتصفح الإنترنت.
وأضافت أنها تواصلت بعد ذلك مع شقيقة والدتها التي تسكن في الخرطوم لتتأكد من صحة الأخبار المتداولة عن المواجهات العسكرية وعندئذٍ سمعت أصوات الرصاص بأذنيها مما زاد من قلقها.
وبالرغم من ذلك كانت الفتاة تحاول طمأنة نفسها بأن الاشتباكات سوف تتوقف في العاصمة الخرطوم ويعود الهدوء قريباً- مثل كثير من السودانيين الذين ظنوا أن الحرب لن تطول- لكن عندما وصلت مدينة نيرتتي كانت رقعة الاشتباكات قد توسعت إلى مناطق أخرى بالفعل.
بين نيرتتي وزالنجي«هيام» اعتبرت أن الحظ حالفها خلال رحلتها الطويلة فقد تمكنت من الصعود إلى آخر عربة متحركة من مدينة نيرتتي في اتجاه مدينة زالنجي بولاية وسط دارفور بعد أن توقفت جميع المركبات السفرية عقب اتساع دائرة المعارك في مدن خارج العاصمة.
وأشارت إلى أنه بالرغم من أن الحركة كانت طبيعة داخل مدينة زالنجي إلا أن الخوف والهلع كان بادياً على سكان المدينة عند وصولها وهي تعاني الإرهاق من طول السفر.
وقالت إنها عندما همت بأخذ قسط من الراحة بدأت بسماع أصوات الرصاص، وكانت أصوات أسلحة مختلفة تسمعها للمرة الأولى طوال وجودها في ولايات دارفور.
ووصفت الأمر بأنه كان مرعباً، فقد اضطرت وأسرتها إلى البقاء تحت أسرة المنزل منذ منتصف النهار وحتى مغيب الشمس فيما يحاول والدها طمأنتهم.
وأضافت بأنهم لم يتمكنوا في ذلك اليوم من تجهيز وجبة إفطار رمضان بسبب الاشتباكات المستمرة واكتفوا بأكواب ماء من «الزير» إلى أن توقفت أصوات الرصاص عند التاسعة ليلاً.
مغادرة المنزلوذكرت أنهم اضطروا في فجر اليوم التالي لمغادرة المنزل الذي يقع شرق قيادة الجيش، ورافقهم أغلب سكان المنطقة سيراً على الأقدام حتى وصلوا أطراف المدينة.
لكن ومع شروق الشمس عادت أصوات الأسلحة تعلو من جديد داخل المدينة، ولم يكن لدى هيام وأسرتها في أطراف المدينة طعام أو ماء إلى أن عادوا لمنزلهم بعد يومين بعد أن هدأت الاشتباكات تزامنا مع حلول عيد الفطر.
وتروي هيام أنه بعد انتهاء فترة العيد عادت الاشتباكات مجدداً داخل المدينة من كل الاتجاهات وبدأت المقذوفات تتساقط على بعض المنازل ما دفعهم لمغادرة المنزل من جديد بحثاً عن مكان آخر أكثر أماناً.
ودخلت أسرة هيام ومعظم سكان المنطقة إلى مبنى مهجور «عمارة» بعد أن سقوط «دانات» إحداها على منزلهم عقب مغادرته، ولم يستطيعوا العودة إليه مجدداً بعد أن أصبح الحي كله مرمىّ للنيران المتبادلة.
ومكثت هيام مع أسرتها وآخرين داخل المبنى المهجور ما يقارب الثلاثة أشهر وتوزعت عدد من الأسر الهاربة من المنطقة داخل (بدروم) المبنى المهجور الذي أصبح مكتظاً جداً.
ووسط هذا الرعب وانعدام الأمن، بدأ الوضع الاقتصادي لأسرة هيام يتدهور خاصةً مع انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت، مع تنامي المخاوف من الاستهداف الذي طال الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان داخل المدينة، وقد أصبحت حياتها هي نفسها مهددة بالخطر كونها محامية.
نيالا مرة أخرىهنا قررت هيام مغادرة المدينة بصحبة أخيها نحو نيالا التي اندلعت فيها الاشتباكات أيضاً وتوسعت رقعتها في جميع الاتجاهات، ورغم ذلك مكثت بها ما يقارب الشهر حتى قررت النزوح الى مدينة الضعين في شرق دارفور.
وقالت إن الجثث كانت منتشرة في شوارع المدينة بصورة مرعبة، وقد كانت سبباً في تأخر وصولها إلى موقف المركبات السفرية لنحو أربع ساعات، لتبدأ رحلتها نحو مدينة الضعين.
وفي الضعين بدأت هيام في استعادة حياتها من خلال عودتها إلى العمل لما يقارب الشهرين، لكن الأوضاع انفجرت في المدينة أيضاً لتقرر بعدها مغادرة البلاد بعد أن عانت من حالة الرعب والخوف المستمر لما شاهدته من فظائع في مدن دارفور منذ اندلاع الحرب.
ووقتها كانت قوات الدعم السريع سيطرت على الضعين وبدأت تنشط فيها أسواق الأسلحة بل وتحولت المدينة إلى منطقة عسكرية لا تخلو من السلاح حتى لدى السكان.
هيام ختمت قصتها بأنها تحركت بعد ذلك من مدينة الضعين في رحلة نزوح محفوفة بالمخاطر والأهوال والإرهاق، وتعرّضت للنهب أكثر من مرة خلال سفرها إلى أن وصلت دولة جنوب السودان ومن ثم إلى أوغندا في رحلة البحث عن الأمان.
وتقول إحصائيات منظمات الأمم المتحدة، إن الصراع الجاري منذ عام أجبر أكثر من 8 ملايين سوداني على الفرار من منازلهم، بينهم أكثر من 1.5 مليون لجأوا إلى دول الجوار، وتحديداً نحو تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا.
الوسومأفريقيا الوسطى أوغندا إثيوبيا الأمم المتحدة الجيش الدعم السريع السودان النزوح تشاد جنوب السودان زالنجي سلمى مصر نيالا نيرتتيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أفريقيا الوسطى أوغندا إثيوبيا الأمم المتحدة الجيش الدعم السريع السودان النزوح تشاد جنوب السودان زالنجي سلمى مصر نيالا نيرتتي بعد أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
إيكونوميست: هذه تداعيات تبدل أحوال الدعم السريع في السودان
قالت مجلة إيكونوميست إن قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش النظامي في السودان، كانت قبل عام تبدو في حالة جيدة بعد أن استولت على جزء كبير من العاصمة الخرطوم، وبسطت سيطرتها على كل دارفور تقريبا، واستعد زعيمها محمد حمدان دقلو (حميدتي) للقيام بجولة في العواصم الأفريقية يستقبل خلالها باعتباره الرئيس المنتظر للسودان.
وأوضحت الصحيفة أن الحديث عن نصر عسكري واضح لقوات الدعم السريع في هذه الأيام لم يعد قويا كما في البداية، بل إنها في وضع حرج لأنها شهدت انتكاسات في أماكن عديدة بعد أن توغل الجيش في أجزاء من الخرطوم كانت تسيطر عليها، مع أنها قريبة من الاستيلاء على الفاشر عاصمة إقليم دارفور.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحيفتان بريطانيتان: قرار الجنائية الدولية زلزال هز العالمlist 2 of 2التايمز: هل أدرك ترامب أخيرا محدودية شعاره "الخوف هو المفتاح"؟end of listوقد أدت تلك الأحداث مع انشقاق أحد كبار قادة قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة إلى موجة من الهجمات الانتقامية ضد المدنيين، كانت وحشية للغاية لدرجة أن المراقبين شبهوها بالتطهير العرقي في الأجزاء التي احتلتها قوات الدعم السريع في غرب دارفور العام الماضي.
لا مفاوضاتوذكرت المجلة بأن التفاوض في سويسرا على إنهاء الحرب التي تسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، فشل لأن القوات المسلحة السودانية رفضت الحضور، مشيرة إلى أن قوات الدعم السريع "تعتقد أنه لا يوجد مخرج من هذه الحرب من خلال النصر الكامل لجانب واحد"، ولكن المحللين يشككون في كون طلب المجموعة للمفاوضات حقيقيا.
ورأت الإيكونوميست أن ادعاء قوات الدعم السريع أنها تشن حربا من أجل الديمقراطية غير مقنع، لأنها نشأت من الجنجويد، وهي مليشيات سيئة السمعة، اتهمت باغتصاب المدنيين وذبحهم في دارفور في العقد الأول من القرن الـ21، ولا يوجد ما يشير إلى أنها تغيرت بشكل أساسي.
وهناك أسباب -كما تقول الصحيفة- تدعو إلى أخذ التزام قوات الدعم السريع بوحدة السودان على محمل الجد، لأن دارفور، المنطقة غير الساحلية التي تعاني من ندرة المياه لا تستطيع إقامة دولة مستقلة.
تصور الدعم السريعونقلت المجلة عن القيادي بالدعم السريع عز الدين الصافي قوله إن فكرة قوات الدعم السريع للتوصل إلى تسوية تفاوضية، تبدأ بوقف الأعمال العدائية وتجميد خطوط القتال الحالية، مع انسحاب الجانبين من "المنشآت المدنية".
وذلك إلى جانب احتمال فرض منطقة عازلة منزوعة السلاح من قبل قوات حفظ السلام الأفريقية، ليبدأ "حوار وطني" يضم جميع القوى السياسية في البلاد باستثناء الإسلاميين والحزب الحاكم السابق.
وأكدت المجلة أن معظم القوى الخارجية بما فيها الأمم المتحدة، تعتقد أن القوات المسلحة السودانية تتمتع بشرعية أكبر في نظر معظم السودانيين، مع أن رفض الجيش العنيد الانخراط بجدية في المفاوضات أضعف مكانته الدولية، وخاصة بين الدبلوماسيين الغربيين، ولذلك تحاول قوات الدعم السريع أن تضع نفسها في موقف الشريك الأكثر موثوقية من أجل السلام.