لجريدة عمان:
2025-07-09@07:49:37 GMT

كيف نعيد التفكير الواعي في الديمقراطية ؟

تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT

لا يزال الحديث عن قضية الديمقراطية في الكثير من دول العالم تشوبه الكثير من الارتباكات الفكرية والسياسية، بحسب التوجهات الفكرية والأيديولوجية لكل نظام سياسي قائم، فأصحاب التوجهات الشمولية اليسارية والماركسية، التي كانت تتبع النظام الاشتراكي آنذاك، كانت ترى الديمقراطي في تقدم للشعوب من الكفاية من العيش الكريم بحسب رأيهم، دون النظر لمسألة الحرية السياسية والحياة الحزبية، أو إتاحة الفرص لحرية التعبير أو إعطاء المجال للصحف الفردية بالعمل الحر، كما هو قائم في الغرب الليبرالي الرأسمالي، من حرية التعبير والصحافة الحرة، وغيرها من الحريات الممنوحة بحسب الدساتير القائمة.

لكن التحولات السياسية في المعسكر الاشتراكي، بعد سقوط هذا المعسكر عام 1991، بدأت أغلب دول هذا المعسكر في الدخول في النظام الليبرالي من قيام الأحزاب، والصحافة الحرة، وفي المقابل فإن النظام الليبرالي بدأ يتأزم، وبدأت حركات مناهضة للرأسمالية ونقد النظام الحزبي الذي يقوم على المال وشراء الأصوات، ومن هذه الحركات ما يسمى بـ(الحركة الشعبوية)، وهي أقرب للحركات اليسارية التي كانت في القرن الماضي.

وفي البلدان العربية، فإن التفكير في الديمقراطية، بدأ متأخرًا، بالمقارنة في العالم الغربي، لاختلاف الثقافة التي يراها البعض تجانب قضية الديمقراطية في بعض رؤيتها الفكرية، لكن البعض من الدول تمسكت بالمصطلح الإسلامي المقابل للديمقراطية الغربية، وهو الشورى، والبعض الآخر تماشى مع مصطلح الديمقراطية دون أن يلتزم بما كانت عليه هذه الديمقراطية في الغرب، مع الالتزام بالانتخابات من خلال التصويت، دون أن تكون هذه الممارسة بتلك الرؤية الديمقراطية فيما سار عليه الغرب الليبرالي، وينظر لها نظرة أخرى من حيث إن الفكرة تخضع لكل ثقافة ورؤية ذاتية دون أن نكون نسخة من الغرب في ممارساته لفكرة الديمقراطية.

ولذلك يرى البعض أن القبول بالديمقراطية ونتائجها عبر طريق صناديق الاقتراع، تحتاج إلى تدرج محسوب، وإلى وعي بالممارسة الديمقراطية، والغرب نفسه وهو الذي سبق العديد من الأمم والثقافات من أكثر من قرن ونصف القرن، في إرساء هذه الوسيلة وتفاعلاتها السياسية والفكرية، لم تأت دفعة واحدة في كل الدول، بل إن الديمقراطيات في الغرب، مرت بمراحل وخطوات، وتطبيقات متدرجة، حتى استطاعت المجتمعات أن تتقبل نتائجها بالصيغة التي نعرفها الآن. لذلك فإن فرص تطبيق الديمقراطية في المشهد العربي تواجه صعوبات عدة، علمًا أن هذا الأمر ليس سمة مقتصرة على المنطقة العربية وحدها؛ فللديمقراطية صعوباتها وإخفاقاتها في دول كثيرة كما نجاحاتها.

قد يقول البعض الاهتمام بتطبيق الديمقراطية في الوطن العربي مسألة مهمة للإصلاح السياسي، وإيجاد المناخ السلمي للتعبير، وإبعاد الاحتقان السياسي المتمثل في العنف والإرهاب والتوتر وعدم الاستقرار الذي تعانيه الكثير من المجتمعات العربية بسبب هذه الأزمة وتوابعها العديدة، لكننا نعتقد أن مشروعية تعميم الديمقراطية -مع أهميته- قد لا نجد له تلك الأرضية الحاضنة بسبب رواسب كثيرة، وتمددات عديدة جعلت الديمقراطية تتراجع كثيرا عما شهدته الدولة العربية التقليدية قبل الاستقلال من انفتاح سياسي وتعددية حزبية.

فالممارسة التراكمية للديمقراطية السليمة، هي الضمان من أي تعثرات جانبية، وهي التي ستكسب المجتمع الخبرات والتراكم المعرفي للأسس الصحيحة للحراك الديمقراطي السلمي في الوطن العربي، ومن هذه المنطلقات فإن المشاركة بأي وسيلة من وسائل التعبير تعتبر مجالًا حيويًا للتفاعل -كما يقول د. هادي نعمان- في التأثير: «حيث إن السلوك الفردي يتبادل التأثير مع السلوك الجماعي، وقد يوجه أحدهما الآخر تبعًا لعوامل وظروف متعددة. وفي الأحوال كلها يراد للمشاركة أن تكون فعّالة، والتي يمكن أن تجد لها تحقيقًا في عملية اتخاذ القرارات الاجتماعية عبر فرص متكافئة في التعبير عن الاختيارات.

وهكذا فإن المشاركة، مع أنها تتضمن إشراكا للمواطن إلا أنها تتسع لتشكل منظورًا أو منهجًا في تهيئة الأفراد للتعامل مع الحاضر ومواجهة احتمالات المستقبل بكفاءة، وهذا المنظور يؤلف ما يطلق عليه منهاج العملية الذي يقوم على تمكين المواطن من فهم المشكلات وأسبابها، وإشراكهم في التعامل مع تلك المشكلات التي يحسون بها».

ولا شك أن الحديث عن الديمقراطية وضروراتها الملحة للاستقرار السياسي، يعد من الأحاديث الذي يهتم له الكثير من الباحثين والمهتمين بالفكر السياسي الحديث بمتغيراته الكثيرة، ذلك أن فكرة الديمقراطية، كما طبّقت في الغرب، ومن خلال ما أسهمت فيه من توافقات من الفرقاء، سواء من الدول العربية أو النخب السياسية ورغبة الشعوب في ذلك، كان لها الأثر الإيجابي في جعلها تسهم في الاستقرار، وفي التداول السلمي للسلطة في الغرب، مما قلل من الصراعات والتوترات السياسية التي حصلت في القارة الأوروبية في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، وهذا ما جعل فكرة الديمقراطية تلقى رواجًا كبيرًا لدى العديد من الشعوب الأخرى، التي عانت من التوترات والصراعات الداخلية من خارج القارة الغربية، من جراء الحكم الشمولي، وفي غياب التعددية والرؤية التي تفتح المجال لاختلاف الآراء وتنوعها.

والبعض من الشعوب الأخرى يرى أن فكرة الديمقراطية، فكرة بعيدة عن الواقع الفكري لدى الثقافات الأخرى، فلماذا يتم استيراد هذه الوسيلة من خارج نطاق الجغرافيا؟ لكن هذا القول تبريره ليس واقعًا بصورة عامة، ذلك أن حركة الحياة فيها الأخذ والعطاء، من كل الثقافات والحضارات واقعًا في سنن الحياة البشرية، ففي العصر الإسلامي الأول، أخذ الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الكثير من النظم الإدارية من الحضارات الأخرى التي سبقت حضارة الإسلام في نظمها الإدارية والعسكرية، ذلك أن هذه طرق ووسائل، لا تقترب من الدين أو قيمه وإرثه الفكري، وهذا يتوافق مع الحديث الذي نسب إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء فيه: (الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها).

من هنا فإن الاستفادة من حكم وأفكار خارج من نطاق الدين، لا شيء يمنع من ذلك، وهذا مصداق لهذا الحديث الشريف، وحتى الشيخ الجليل، محمد الغزالي، قال في بعض كتاباته: «إن الديمقراطية وسيلة وطرق لإدارة الاجتماع البشري، وليست دينا يتم مقارنتها به». ولا شك أن الأمة تملك الكثير ما يقابل الديمقراطية في قيمها أو يتفوق عليها، وعبر تاريخها القويم، هناك محطات تستحق الوقوف عليها، لكن الإشكالية أن فكرة الشورى لم تتطور في فترة التراجع والانحطاط من قرون مضت، حيث إن نصوص الشورى عامة، ويمكن تطويرها بما يناسب كل عصر من العصور، وكان بإمكان أهل العقول النيرة من المجتهدين، أن يقوموا باستخراج هذه القيمة العظيمة (الشورى) من مجالها المحدود، إلى آفاق نظم وقوانين، ترتفع بهذه الرؤى الشوروية إلى مستويات ووسائل راقية للتطبيق، بما يحقق للأمة قيمة عظيمة مثل الديمقراطية ووفق قياس هذا المصطلح وأفضل منه، إلى قوانين ولوائح، لكيفية تأسيس شورى تبعد الفردية والاستبداد التي عانت منه الأمة كثيرا، ولا تزال تعاني منه حتى الآن.

والحقيقة أن الكثير من الباحثين العرب والمسلمين، تحدثوا عن هذه القضية وأهمية الديمقراطية لوقف الاحتقان السياسي، بما تتيحه وسيلة الديمقراطية من الاختيار الحر النزيه، لمن يتقدم للعمل العام، وهذه من المسائل التي لاقت قبولا كبيرا من النخب الفكرية والسياسية العربية منذ القرن التاسع عشر؛ لأن ما هو متبع لا يعطي مجالًا رحبًا للانفتاح السياسي، والقبول بالتعددية وفق المناخ الديمقراطي الذي يعكس التوجه المؤسسي للحريات العامة في اختيار من يرشح نفسه -كما أشرنا آنفًا- للعمل العام، والجمهور يختار من هو الأقدر ومن يتم التوسم فيه من القدرات التي تؤهله لهذا الواجب الوطني. فالديمقراطية في كثير من دول العالم لا شك أنها نجحت في أن تتيح المجال للنظم السياسية كما هو في الغرب أن تحقق القبول الكبير من الشعوب؛ لأنها تمس جوهر أحاسيس الناس ورغباتهم واختياراته المتعددة، ولذلك حققت ما كانت تفقده الكثير من الدول في عالم اليوم. صحيح أن الديمقراطية لا تخلو من عيوب ومن سلبيات؛ لأنها منطلقة من نظام سياسي رأسمالي جشع، في بدايات تطبيقها في الغرب، وله خلفية قاسية تجاه حقوق الطبقة الوسطى من حيث الاستئثار بالكثير من الحقوق دون التوازن في التوزيع العادل.

إن بلادنا عُمان بحمد الله سلكت منهج الشورى كنموذج إسلامي، واستفادت من تطورات العصر من حيث الإجراءات التي تتفاعل مع كل التطورات الجديدة، دون أن تخرج عن مواريثها الفكرية، فجمعت من فاعلية التاريخ وقيمه الذاتية، وتفاعلت مع العصر ومستجداته وتحولاته الفكرية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الدیمقراطیة فی الکثیر من فی الغرب دون أن

إقرأ أيضاً:

في زمن بريكس.. هل يبقى العراق رهينة محاور ما بعد 2003؟

8 يوليو، 2025

بغداد/المسلة: مشهد يعكس انقلاباً تدريجياً على مركزية القرار الغربي، وقفت دول مجموعة بريكس في ريو دي جانيرو معلنة على نحو غير مباشر نواياها بتشكيل نظام عالمي جديد، لا يعتمد على ترخيص واشنطن ولا يخضع لمعادلات القوى التقليدية التي أرساها الغرب منذ نهاية الحرب الباردة.

وبرزت خلال القمة إشارات سياسية حادة، لم تخلُ من التصعيد، حملت في طياتها ملامح تمرّد منظم، بدأ اقتصادياً لكنه ما لبث أن اكتسب طابعاً جيوسياسياً واضحاً. فالهجوم العلني على الإنفاق العسكري الغربي، وإدانة الغارات التي طالت إيران، والمواقف المناهضة لإدارة ترامب، بدت كمقدمات لإعادة تموضع عالمي، تسعى فيه دول الجنوب إلى إعادة تعريف موازين القوة والنفوذ.

وشكل التوسّع الأخير للمجموعة، بانضمام خمس دول جديدة، لحظة انعطاف تاريخي في مسار التحالف، إذ أصبحت بريكس تمثل قرابة نصف البشرية وقرابة 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. هذا الحجم السكاني والاقتصادي الهائل، لم يعد قابلاً للإبقاء ضمن أطر المشاورات الرمزية، بل تحول إلى كتلة ضغط دولي، تفرض نفسها كطرف فاعل في صناعة القرار الكوني، وإن لم تملك حتى الآن مؤسسات قادرة على ترجمة هذه القوة إلى سلطة مهيكلة.

وارتسمت على هامش القمة معالم تناقضات داخلية يصعب تجاهلها. فغياب الرئيس الصيني شي جين بينغ، والتوتر المزمن بين نيودلهي وبكين، يشي بأن الانسجام داخل التكتل لا يزال هشّاً. كما أن مواقف بعض الدول، مثل السعودية، ظلت حذرة إزاء الالتزام النهائي، مخافة الاصطدام بمصالحها الاستراتيجية في الغرب، خصوصاً مع ازدياد حدة تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية عقابية.

وتتخذ هذه التفاعلات أبعاداً أكثر خطورة في ظل التلويح الأميركي بسيف العقوبات التجارية، ومحاولات تحجيم صادرات بعض الدول الأعضاء، ما قد يقود إلى مزيد من التصدعات في النظام التجاري الدولي القائم، وربما يفتح الباب أمام فوضى اقتصادية تشبه تلك التي مهدت للحروب الكبرى في القرن العشرين.

ماذا عن العراق؟

وانضمام العراق إلى مجموعة بريكس، إن تحقق، قد يمنحه هامشًا أوسع في تنويع شراكاته الاقتصادية والخروج من أحادية الاعتماد على الغرب، لاسيما في ملف العقوبات والتحويلات المالية.

وتأتي مصلحة بغداد من التكتل في قدرته على توفير بدائل تمويلية عبر “بنك التنمية الجديد”، وإمكانية عقد شراكات طاقوية مع دول مثل الصين وروسيا والهند دون المرور بمنظومة الدولار.

ورغم ذلك، فإن الخطوة لا تخلو من حساسيات سياسية، إذ قد تفسر في واشنطن كميلٍ نحو المحور المنافس، خاصة في ظل تصاعد التوتر بين بريكس والإدارة الأميركية.

ويبقى العراق محكوماً بمعادلة التوازن، حيث العلاقة الأمنية والاقتصادية العميقة مع الولايات المتحدة لا يمكن التفريط بها دون كلفة استراتيجية باهظة.

وقد يختار العراق الانخراط ببريكس بصفة مراقب أو شريك اقتصادي دون العضوية الكاملة، كحل وسط يضمن مصالحه دون استعداء واشنطن.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • الدفاع المدني: السيطرة على الكثير من بؤر النيران في ريف اللاذقية
  • أنماط طرائق التفكير السوداني «4»
  • في زمن بريكس.. هل يبقى العراق رهينة محاور ما بعد 2003؟
  • “إثراء” يحفز التفكير الإبداعي بـ 50 فعالية
  • أنماط طرائق التفكير السوداني «3»
  • ذعر إسرائيل التام مما يحدث في الغرب
  • كلمة حق
  • بعد اجتماعه بحزب الشعوب الديمقراطية.. أوجلان: عملية السلام دخلت مرحلة جديدة
  • نتنياهو: أنجزنا الكثير في غزة وسنوافق على صفقة بشروطنا فقط
  • شبكة مخدرات عالمية في قبضة الشرطة.. والمخابرات السودانية تكشف الكثير