فيلم «وداعا جوليا» محاولة جديدة للتصالح والتعافي بين السودانيين في البلدين
تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT
فيلم «وداعا جوليا» محاولة جديدة للتصالح والتعافي بين السودانيين في البلدين
* د. ضيو مطوك ديينق وول
أثار فليم “وداعًا جوليا” للكاتب والمخرج محمد الكردفاني، وهو أول فيلم سوداني يعترف بالمظالم التاريخية للجنوبيين، أثار ضجة كبيرة بمدينة جوبا، عشية دخول الحرب في السودان عامها الثاني، وهي حرب ينظر لها كثير من المحللين أنها ذات أبعاد إثنية، ربما تتطور إلى حرب أهلية تقصم ظهر الدولة، وخاصة إذا لم يتم تداركها بالسرعة، ويعد هذا الفيلم ثاني عمل فني توثيقي جريئ، يقوم به مثقفو شمال السودان، بعد كتاب “مذبحة الضعين” للأستاذين سليمان بلدو وعشاري محمد محمود في القرن الماضي.
رغم أن هذا الفيلم تناول قضية العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين الجنوب والشمال في أواخرها، أي في نهاية آخر حكومة للسودان الموحد بعد دخول قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى الخرطوم، حيث كان هناك توزان في ميزان القوى على الأقل، إلا أنها تشير إلى جزئية هامة وهي الظلم الاجتماعي واستعباد أبناء الجنوب.
إن السكوت أو عدم التحدث في هذه القضية الحساسة يهدد الأمن والسلام الاجتماعيين، وربما يعكر صفوة العلاقات الثنائية بين جوبا والخرطوم في شتى المجالات، رغم أن الشعب بجنوب السودان قد تجاوز هذا الأمر باللجوء إلى الشمال بعد اندلاع الحرب الأهلية في جنوب السودان، ووجد الاستقبال من أبناء الشمال، وكذلك استقبالهم لإخوانهم الشماليين الذين لجأوا إلى جنوب السودان نتيجة للحرب الدائرة الآن بين القوات المسلحة والدعم السريع في بلادهم منذ العام الماضي، إلا هناك بعض الشوائب والرواسب لدى بعض السياسيين والمثقفين يجب أن تزال بمثل هذه الأفلام والكتابات. هو أمر مهم جداً لتجاوز محطة الاحتقان التي ترويها القصص والحديث عنها بسلبياتها وهذا يساعد كثيراً في التعافي الاجتماعي وتقوية أواصر العلائق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وبالتأكيد هو حديث ذو بعدين، المظلوم يحكي والظالم يبرر بكل شفافية وبدون تهديد.
ولذلك نتمنى أن لا يحدث لأستاذنا المبدع محمد الكردفاني ما حدث للأستاذين سليمان بلدو وعشاري محمد محمود من مضايقات وتحرشات من قبل الحكومة نتجة لقيامهما بنشر كتاب عن مذبحة الضعين العام 1987، مما جعلهما يخرجان من السودان بلا رجعة حتى يومنا هذا.
فيلم “وداعا جوليا” لم يتطرق لاختطاف الآلاف من الأطفال والنساء في شمال بحر الغزال من قبل المراحيل في عهدي رئيس الوزراء الصادق المهدي “الديمقراطية الثالثة” وعمر البشير حيث يقال بأن الأعداد الكبيرة من النساء والأطفال المخطوفين ما يزالون متواجدين في السودان.
أيضا الفيلم لم يتطرق إلى المجازر التي راح ضحيتها الآلاف من أبناء جنوب السودان الأبرياء مثل مجازر 1965 في بور وواو وجوبا ومجزرة بابنوسة 1974 والضعين 1987 ومرة في جوبا 1992.
ورغم الاضطهاد والمعاناة والأوجاع التي تعرض لها المواطن الجنوبي في السودان، إلا أن الجنوبيين طووا الصفحة الماضية والآن يكنون كل الحب والود للسودانيين، طالما هذه المعاناة والاضطهاد نتج عنها الحرية والاستقلال.
* وزير الاستثمار بدولة جنوب السودان
الوسومالسودان الصادق المهدي الضعين بابنوسة جنوب السودان جوبا سليمان بلدو ضيو مطوك عمر اليشير محمد كردفاني واو وداعا جولياالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: السودان الصادق المهدي الضعين بابنوسة جنوب السودان جوبا ضيو مطوك محمد كردفاني واو وداعا جوليا جنوب السودان وداعا جولیا
إقرأ أيضاً:
مآلات الصراع على السلطة في جنوب السودان .. هل ينجح سلفاكير في إقصاء مشار من المشهد؟
يبدو أن القوى المهيمنة على السلطة فعلياً في جنوب السودان، وهي قبيلة الدينكا ومجلس سلاطينها، قد قرروا التخلص كلياً من أبرز الرموز التي يمكن أن تشكل منافساً حقيقياً على خلافة الرئيس سلفا كير، في حال جرت في جنوب السودان إنتخابات حرة ونزيهة، فالدكتور رياك مشار، المنحدر من قبيلة النوير يمكن أن يقود تحالفاً من قبائل النوير والقبائلالاستوائية وبعض قبائل بحرالغزال لفك هيمنة الدينكا على مقاليد السلطة في الدولة الأحدث في العالم.
ففي السابع والعشرين من مارس الماضي، جرى اعتقال رياك مشار، النائب الأول لرئيس جنوب السودان، بعد دخول كل من وزير الدفاع ورئيس الأمن الوطني بالقوة إلى مقر إقامته، حيث سلماه مذكرة اعتقال، وتم منع زيارته حتى من قبل المبعوثين الإقليميين والدوليين، الذين زاروا جوبا في سياق الجهود المتصلة لنزع فتيل الأزمة المتفجرة في جنوب السودان، على خلفية الصراع المسلح الذي تصاعد في ولاية أعالي النيل بين جيش جنوب السودان وقوات غير نظامية تسمى “الجيش الأبيض” قوامها من أبناء قبيلة النوير التي ينتمي إليها رياك مشار، وهو الصراع الذي أدى لمقتل قائد منطقة الناصر العسكرية وهو من أبناء الدينكا.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت التخلص من نائبه رياك مشار، والتحفظ عليه، مما أسهم في مخاوف عديدة من انفجار الصراع في جنوب السودان مجدداً وتزايد إحتمالات أن يؤدي إلى مواجهات دامية تلقي بظلالها على دول الجوار.
ففي يوم 24 يوليو 2013، أقال سلفاكير، نائبه رياك مشار و أعضاء حكومته، وأحال أمين عام الحركة الشعبية لتحرير السودان، أنذاك، باقان أموم للتحقيق الأمر الذي قاد إلى خروج رياك مشار من جوبا خلسة بعد مواجهات مسلحة داخل المدينة، واندلعت إثر ذلك حرب أهلية بين الدينكا والنوير استمرت خمس سنوات وقالت الأمم المتحدة أنه ارتكبت فيها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولم تتوقف إلا بعد دخول الخرطوم على خط الوساطة التي رعتها منظمة الإيغاد، على عهد الرئيس عمر البشير.
وعلى الرغم من أن محاولات السلطة الفعلية في جوبا لم تتوقف عن عزل مشار بشتى الطرق وإبعاده من المشهد السياسي في جنوب السودان، إلاّ أن المحاولة هذه المرة أخذت منحى جديداً شرعت من خلاله جوبا لإحداث إنقسام داخل صفوف الحركة الشعبية – في المعارضة التي يتزعمها مشار، فبعد أن تم إعتقال مشار وعدد من الوزراء في حزبه، سعت السلطة الحاكمة لاستمالة بعض المتطلعين من أبناء النوير ودعمتهم لتشكيل “قيادة بديلة” أسموها “القيادة المؤقتة”، وخلال الأيام الماضية التقى وفد من هذه القيادة المؤقتة للحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة، بقيادة وزير بناء السلام استيفن فار كول، بالرئيس سلفا كير ميارديت في جوبا، لمناقشة “سُبل دفع عجلة تنفيذ اتفاق السلام المُوقع في عام 2018″، وهو الاتفاق الذي كان قضى بدمج المجموعات المسلحة في الجيش الوطني، وإجراء إنتخابات عامة ورئاسية، وفجر عدم تنفيذه الصراع الكامن على السلطة.
هذا الاجتماع مع سلفاكير أتى بعد أيام قليلة من إعلان مجموعة من كبار أعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان – في المعارضة بجوبا، تكليف استيفن فار كول، كرئيس مؤقت للحركة، خلفا للرئيس الحركة رياك مشار الذي بقي قيد “الإقامة الجبرية”،. وأوضح كول أنه سيشغل هذا المنصب إلى حين إطلاق سراح مشار، في محاولة لتخفيف وقع إنحيازه ضد رئيس الحركة، النائب الأول مشار.
وأدى هذا التطور إلى انقسام داخلي عميق داخل الحركة الشعبية – في المعارضة، حيث قاطع الاجتماع الذي تم فيه تأسيس القيادة المؤقتة عدد من كبار المسؤولين في الحركة بينهم وزيرة الداخلية أنجلينا تينج، ووزير التعدين مارتن أبوشا، والأمينة العامة للحزب رجينا كابا.
وفي المقابل يضم الفصيل الداعم للوزير كول، شخصيات بارزة مثل وزير الشؤون الفيدرالية لاسوبا وانغو، ورئيس مجلس الولايات دينق دينق أكون، ونائب وزير المالية السابق أقوك ماكور.
وكان دينق لام وآخرون، بمن فيهم استيفن بار كول، قد عُلِّقَت عضويتهم من قبل نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة أويت ناثانيل، وهو القائم بأعمال رئيس الحركة “قيد الإقامة الجبرية”، وقد رفضوا قرار التعليق، ووصفوا قرار “أويت” بأنه غير قانوني، مشيرين إلى أنه خارج البلاد.
خلافة سلفا كير
ونظراً لتراجع صحة الرئيس سلفا كير، وكبر سنه، بدأ الصراع على خلافته يأخذ أكثر من منحى، فمن ناحية يدور صراع غير معلن داخل مكون قبيلة الدينكا، التي تهيمن على الجيش وأجهزة المخابرات ، ومن الواضح أن الممسكين بملفات المخابرات والاستخبارات، شرعوا في إبعاد “الحرس القديم”، من قادة الجيش الشعبي، أمثال كول مانيانق، وإبراز قيادة جديدة من أبناء الدينكا، ومن ناحية أخرى تحاول قيادات القبيلة القضاء على أي تحالف قد ينشأ بين النوير والقبائل الأخرى سواء من القبائل الاستوائية، التي تشكلت لها مليشيات مسلحة، أو قبائل بحر الغزال من غير الدينكا .
ضغوط أمريكية
محاولات سلفاكير بعزل مشار نهائياً تواجه بضغوط إمريكية، حيث دعت الولايات المتحدة، رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت إلى إطلاق سراح نائبه الأول رياك مشار، من الإقامة الجبرية، وحثت قادة البلاد على إظهار التزامهم بالسلام.
وقال مكتب الشؤون الأفريقية الأمريكي على حسابه في موقع التواصل الإجتماعي -إكس- “نشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بأن رياك مشار، النائب الأول لرئيس جنوب السودان، قيد الإقامة الجبرية، ونحث الرئيس كير على التراجع عن هذا الإجراء، ومنع المزيد من تصعيد الوضع”.
وأضاف “لقد حان الوقت لقادة جنوب السودان لإظهار صدق التزاماتهم المعلنة بالسلام”.
الرئيس لا يتحدث مع نائبه الأول!!
وكانت العلاقه بين الرئيس سلفا كير ونائبه الأول قد تدهورت منذ بداية العام، حتى أن التواصل المباشر بينهما تعثر فاضطر مشار أن يبعث برسالة مؤرخة في 27 فبراير 2025، أكد فيها على الحاجة الملحة للحوار لمنع المزيد من العنف وعدم الاستقرار. وطلب تحديدا عقد اجتماع مع الرئيس كير لمناقشة تدهور الأوضاع الأمنية، وخاصة في أعالي النيل وغرب الاستوائية، لكن الرئيس سلفا كير لم يستجب لطلبه.
وجاءت في الرسالة “أكتب مجددا لطلب مقابلة مع سعادتكم لمناقشة تدهور الوضع الأمني في ولايتي أعالي النيل وغرب الاستوائية، على وجه الخصوص”.
وتضيف الرسالة “في 20 فبراير 2025، كتبت إلى سعادتكم لمناقشة استبدال قوات دفاع شعب جنوب السودان في مدينة الناصر، التي أصبحت نقطة اشتعال مؤخرا”.
وحذر مشار من أن الانتهاكات في هذه الولايات خطيرة بما يكفي لتبرير تدخل الضامنين لاتفاقية السلام لعام 2018.
وأضاف “الانتهاكات في هذه الولايات خطيرة لدرجة أنني مضطر لإثارة هذه القضايا مع الضامنين، حتى يتمكنوا من التدخل واقتراح حلول ودية لكسر الجمود”.
وتشهد مقاطعة الناصر بولاية أعالى النيل، تدهورا للأوضاع الأمنية، على خلفية القتال بين قوات دفاع شعب جنوب السودان، والمدنيين المسلحين “الجيش الأبيض”.
إلى أين تتجه الأمور ؟
يتضح من سياق الأحداث، أن الأمور بين الرئيس سلفا كير ونائبه الأول رياك مشار وصلت مرحلة اللاعودة، بدليل أن الجيش الأوغندي هو الذي نزل إلى ساحة المعركة، ووصلت طلائعه حتى قرب الحدود مع السودان، وأن مشار إن لم يتنازل عن طموحه الرئاسي، فقد يتم تغييبه عمداً من المشهد، إما بمحاكماه وسجنه أو حتى بتصفيته، وبغض النظر عن رجحان هذا السيناريو من عدمه، فإن الوضع في جنوب السودان مرشح لمزيد من التصعيد، وأن الحدود مع السودان مرشحة أن تصبح نقطة ساخنة، إن لم يكن بسبب القتال، فبسبب التدفقات المحتملة للاجئين.
المحقق – طلال إسماعيل
إنضم لقناة النيلين على واتساب