بيت الزبير يحتفي بالمفكر الراحل الدكتور حسين غباش
تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT
احتفت مؤسسة بيت الزبير بالمفكر الراحل الدكتور حسين غبّاش، في أمسية استضافت فيها الكاتبة الدكتورة رفيعة غباش، وأدارتها الدكتورة منى السليمية، بحضور عدد من المثقفين والمهتمين بالتاريخ والأدب.
واستهلت الدكتورة رفيعة غبّاش الأمسية بقصيدة في ذكر الراحل المفكر الدكتور حسين غباش، وانطلقت بعدها للحديث عن ذكرياتها معه ابتداء من الطفولة حتى وفاته، متناولة اهتماماته ومناقبه وفكره وآثاره التي استلهم فيها السياسة العمانية والتوجه الديمقراطي فيها والتي أثرت في شخصية الكاتب وتوجهاته.
وقالت الدكتورة رفيعة غباش عن أخيها: إنه كان محبوبًا، ومتفردًا في طباعه، ولم يكن بالشخص الهيّن، فلا يمكن أن نجامله، إما أن نكون صادقين في حضرته، أو لا نحاوره. وأدركت بأن أخي خرج من هذه الدنيا بمحبة الناس، وبمحبة الله فأعطاه حسن الخاتمة. وتستذكر غباش أيام الطفولة مع انفصال أمها عن والدها، حيث انتقلت من البيت في سوق الذهب في ديرة بدبي، ولم تذهب بعيدًا بل سكنت قرب البحر. وكنا في ذلك الوقت برغم فارق السن بيني وبين حسين، لا نعرف لماذا كان شديدًا، ودائم الخلاف مع والدتي. كان يأتي بصور ثائرات يحملن كلاشنكوف ويقول هؤلاء هن النساء ولستن أنتن، وكان عمري حينها عشرة أعوام، وأذكر أنه ذات مرة تحدث إلى والدتي وبكى ثم غادر، وبعدها حرقت والدتي الكتب، وكنا نساعدها، ولا نعلم لماذا كانت تفعل ذلك، وطلبت مني رمي الكتب. وذهب حسين ولا نعرف إلى أين، وبعد سنوات تغيرت البيئة السياسية في الخليج، وتم استدعاؤه من قبل الحكومة الإماراتية الحكيمة التي استعادت شبابها واحتضنتهم، وكان حسين بين هؤلاء الشباب في عام 1972. وحين عاد واستقر، التحق بالسلك الدبلوماسي، وكان يردد لم يعد للثورة ضرورة ولم يعد للثوار أن يثوروا بوجود قائد حكيم، وهذه الكلمة أعطتني ومضة عن فكر أخي الذي كان دائما منطقيا، ولم يغب عن الوطن بقلبه.
وكل هذه الكتب خرجت وعددها أربعة عشر كتابا، وغيرها من المقالات في الصحف لم ينشر حسين فيها مقالا يحتوي على مجاملة أو تقرب إلى أي من الجهات.
وتبين غباش أن المفكر الراحل في آخر أيامه أحس بضربات قلب شديدة وجلس مع الأطباء، وطلب من زوجته الدكتورة منى أن تحضر له «الكمبيوتر»، وكان آخر اهتماماته التصوف في عهد الخلفاء الراشدين، وعادت زوجته بالحاسوب إلا أنه كان في العملية الجراحية، وعندما استيقظ طلب رفيعة (أخته)، فتحاملت على نفسي أن أراه بكل تلك الأسلاك، وكنت معه على خلاف بسبب بعض الآراء السياسية، فذهبت وكان مبتهجا، وقال لي: لم أكن في غيبوبة، وإنما كنت في صفاء مع الرب، كنت أردد الوِرد تحت هذه الأجهزة. وبدأ يناقش في الأمور السياسية وقلت له: بأن هذا ليس وقت الحديث، إلا أنه أجابني بأن الموضوعات لا تنسى. وكان جل اشتغال فكره حول التركيبة السكانية والتقارب غير المقبول، وبعد ساعتين من حديثنا طلب أن أقدم كتابه الأخير «محمد.. قراءة حديثة في سيرة رسول النور والسلام» إلى الشيخ محمد بن راشد لأن يكون مقررا في المناهج، معللا أن الأجيال لو تأسست على سلوك النبي -صلى الله عليه وسلم- لما وُجد في المجتمع مختل أو إرهابي، وحتى عندما كان يصارع الموت كان وعيه السياسي والديني حاضرا ولم يفقد أهليته.
وتوضح الدكتورة رفيعة غباش: كنت أقرب أخواته إليه وبيننا مشترك كثير، بالرغم من الهدوء عندي والحركة عنده في طباعنا. ومنذ نعومة أظافري رأيت فيه التحول العقلاني، وكانت كتبه في صباه عن الماركسية والروايات سياسية التوجه، ثم اختفى بين العراق وسوريا واليمن ثم ظفار ثم انتقل إلى الحياة الدبلوماسية، وكان همه الأكبر التركيبة السكانية، مشيرا إلى أن قضيتنا ستكون أصعب من القضية الفلسطينية، واستمر الحوار بيننا 30 سنة، وفي آخر عشر سنوات بدأ يهدأ ويتأمل، وأخذ يفكر فيمن يمر بأزمة قلبية وينتقل إلى عالم الملكوت ثم يعود، وهي حالة طبية تحدث مع بعض الأشخاص، وكان مهووسا بها لمدة سنة ونصف، ويرسل لي؛ لأني أخته وكوني طبيبة، وسألته: لماذا أنت مهووس بلحظة الموت؟ فقال لي: أود أن أرى ما بعد الموت، وكان معظم الكتب التي يقرأها تتناول جانب الموت، وبعدها بدأ يقرأ عن التصوف ثم يكتب عنه ويرسل لي، ومع كل حبه للفن والجمال في روحه ووحي تصميمه لبيته، بدأ يغير الديكور ويكتب في بيته سورة النور عوضًا عن الديكور. وقد أخبرته مريم لوتاه ابنة خالتي وصديقتي أنها رأت في المنام، شخصا يخرج من البحر، وصوت يتردد «الله نور السماوات والأرض» وكان ذلك الحلم قبل حديث التصوف في سنة 1992. وبرغم الفكر اليساري والمادي البعيد عن الروحانية كانت لديه روحانية لم يكن يدركها، وكان مشغولا ليلا ونهارا بالديمقراطية في الإسلام، وبالإمامة نموذجا لها، وكان يذكر سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ممتنا للدعم الذي وجده منه في إنجاز كتابه، وكان مشروع حياة بالنسبة له.
وتضيف غباش: في حديثي مع الإعلامية سميرة رجب في البحرين، كانت تحدثني عن الإحباط التام الذي يشعر به المثقف فأخبرتها عن كتاب حسين عن الديمقراطية التي وصفت بدقة أكثر من ألف عام، وموضوع الشورى والوعي السياسي الذي حكم لسنوات وصد الاعتداءات لهذا البلد الحبيب. وكانت لأخي ميزة، أنه إذا أراد أن يحقق شيئا فإنه يتفرغ له ويعطيه كل اهتمامه وبدقة. وكان لديه توجه لدراسة بحثية، فتعلّم من خلالها لغة جديدة ليصل إلى مراده، بل وكتب بها، وتوجهه إلى التصوف لم يكن فكريا وإنما سلوكيا، برغم كونه دبلوماسيا في واشنطن والعديد من الدول الأوروبية، وكان قبل وفاته لا يملك إلا مشروعات الفقراء، لذلك أراه عند الله قد نال حسن الخاتمة، وقبل وفاته بشهر رأى في منامه وأخبرنا: رأيت بأني أطير بـ «كندورتي» البيضاء، واتصل بصديق ذكر له الحلم، وقال له الصديق: استعد أنت مغادر. ودخل بعدها في غيبوبة ولم يعد. وهناك رواية صدرت بعنوان «عشبة مطر» لوداد خليفة النابودة، عن قصة امرأة، في صراع من أجل المجتمع، وبطلة القصة متمسكة بأرضها، وأخذت الجريدة وقرأت خبرا ثم ماتت، شعرت حين قرأتها بموت حسين في هذه الرواية.
وتشير الدكتورة رفيعة غباش بأن أي وعي في حد ذاته دينيا، أم إسلاميا، أم تاريخيا يؤهل الإنسان لأن يكون قادرا على الفهم والاستيعاب، وفي طفولتنا كان الحس القومي لأمي شديدا، وكانت تقرأ وتحصل على المجلات التي تأتي من مصر في ذلك الزمان، وشباب الخليج بدأ يدرك شيئا اسمه استعمار في تلك الحقبة، وكان الناس يشعرون بالخوف من انقسام القبائل، أما الشباب حينها فكانوا متنورين، وكان العلماء مسيّسين، وكانت هناك لجان بأمر من عبد الناصر أن تنتقي معلمين يحملون رسالة وليس فقط لتعليم القراءة والكتابة، وحسين كان له ذلك، فاقتنى كتبا يسارية، وكان الوعي المبكر لديه عن المستعمر وأطماع الدول الأخرى في المنطقة وفيما بعد كانت له كتبه.
انتقلت بعدها الدكتورة رفيعة غباش للحديث حول تجربتها عن كتابة السيرة موضحة أنها بالرغم من كونها طبيبة وأكاديمية، استهوتها كتابة السيرة، وتوضح: بدأتها من حسين بن ناصر لوتاه جدي، وكنت رئيسة جامعة الخليج وفي أيام الخميس والجمعة أذهب لزيارة كبار السن في المنطقة أجالسهم وأستقصي أخبار جدي، وحسنا فعلت؛ لأنهم غادروا عالمنا بعد سنتين، وجمعت منهم كتابا جيدا. وبعدها كتبت سيرة عوشة بنت خليفة السويدي، وفي رحلة البحث وجدت في أوراق أمي رسالة من عبدالله الطائي لعوشة، يشجعها بأن تعمل في الإذاعة العمانية، وأريتها لعائلتها التي فرحت كثيرا بها. كما أنهيت موسوعة تناولت سيرة سبعمائة امرأة من نساء الإمارات كانت لهن بصمة، وكتبت عن أمي كتاب «امرأة سبقت عصرها»، وكتبت عن نساء أخريات، والآن تفرغت لكتابة الرواية. وطلبت مني الدكتورة منى زوجة أخي الدكتور حسين غباش أن أكمل بعض أوراقه وأكتب عنه، إلا أنني لست مستعدة في الوقت الحالي، ومشروعات حسين سأعرفها حين أتفرغ لأوراقه.
تخلل الأمسية قصائد في رثاء المفكر الراحل الدكتور حسين غباش، بمشاركة الشيخ محمد الخليلي، والمهندس سعيد الصقلاوي، كما قدم كل من الدكتور محمد الحجري والدكتور علي العبري كلمة ذكرا فيها مناقب الراحل.
وفي ختام الأمسية وقّعت الكاتبة الدكتورة رفيعة غباش كتابها «حضر بعد رحيله» وكتاب أخيها الدكتور حسين غباش «عمان الديمقراطية الإسلامية.. تقاليد الإمامة والتاريخ السياسي الحديث 1500-1970».
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
قرار تعيين شيخنا الفاضل الدكتور عمر بخيت وزيرا للأوقاف هو قرار موفق
قرار تعيين شيخنا الفاضل الدكتور عمر بخيت وزيرا للأوقاف هو قرار موفق وصادف الرجل المناسب للمكان المناسب حسب ما أرى.
شيخنا عمر هو صاحب فضل علي كبير،فقد تربينا على يديه وعلى دروسه وخطبه،وعرفته من وقت مبكر،فكان نعم الشيخ ونعم الرجل فقد حببنا في الدين و المسجد منذ صغرنا،وأذكر أن الوالد رحمه الله تعالى كان يحب صوته وتلاوته لجمالها ونداوتها،فالشيخ هو أول من جعلني أتقدم الناس و أتكلم وأخطب فيهم،و أول من وجهني وصوبني على ذلك،وقد انتفعت به انتفاعا عظيما،في القرآن الكريم،و في الخطابة و استفدت منه في سعة صدره ورحابة نفسه،وسداد رأيه ،و بُعد نظره، والشيخ يحب الخير لغيره و لا يحتكره على نفسه وهذه صفة نادرة وعظيمة،فقد كان السبب في ظهوري على التلفاز لأول مرة بعد ترشيحه لي ،وكان كثيرا ما يرشحني لبرامج دعوية جزاه الله خيرا.
والشيخ مع حفظه للقرآن ؛الحفظ المتقن؛فقد صلينا وراءه التراويح والتهجد دهرا من الزمان،ومع إلمامه بالتفسير وفنونه،والفقه ومسائله،ومع ذلك فهو صاحب نظرة مقصدية،وأفق بعيد،وقد رزقه الله عزوجل بصيرة وحكمة،فالعلم قد يحصله الإنسان لكن الحكمة لا يوفق إليها كل أحد،فالشيخ من الحكماء العقلاء،يعرف كيف يكسب قلبك،ويعرف كيف يلم الشمل بعد تفرقه،ويعرف كيف يدرأ الفتن في جحرها،وأذكر أنه كان محل استشارة الناس كلهم،فالتاجر يستشيره في تجارته،والزوج يستشيره في مشاكل بيته،والطالب يستشيره في دراسته،وهذا غير تفوقه الأكاديمي فهو صاحب الدكتوراه في التفسير و هو الأستاذ بالجامعات السودانية و شغل منصب رئيس قسم الثقافة بجامعة الخرطوم فترة من الزمان،مع ظهوره في برامج الإفتاء على شاشات التلفزيون المختلفة،وقد زار دولا عديدة وولايات كثيرة داعيا إلى الله ومعلما،والشيخ مع ذلك رزقه الله عزوجل تواضعا عجيبا،فهو مع الكبير كالابن و مع الصغير كالأب و مع من فوقه منزلةً كالطالب،ومع أقرانه نعم الأخ.
والشيخ في ظني لن تغيره الوزارة و لا المناصب،ولا هو بذلك الرجل الذي تغره زخرف الدنيا ، فالشيخ اللهم بارك مع مشيخته فقد كان تاجرا حصيفا ذكيا ماهرا،اشتغل بعرق جبينه و كون نفسه بنفسه حتى بلغ مبلغا في التجارة،ولا هو بالرجل الذي يعتمد على هبات الناس أو ما في أيديهم ،بل الشيخ يصدق فيه أنه كان صاحب اليد العليا منفقا متصدقا.
ولا أقول هذا الكلام بقصد التهنئة له على تعيينه وزيرا للأوقاف، فإن الوزارة ما سميت بذلك إلا من الوزر فهي أمانة وخزي وندامة يوم القيامة إلا من أداها بحقها،وليست التهنئة بالمناصب من شأن السلف،ولا أقول ذلك تملقا حاشا لله ،لكنني أقول هذه الكلمات من باب التعريف بقامة من قامات بلادي،و أقول هذا الكلام من باب من صنع إليكم معروفا فكافئوه،والشيخ قد صنع إلي معروفا كبيرا وعظيما.
والشيخ ماشاء الله تبارك الله مع أن تعينه لم يتم أسبوعين إلا وهو كل يوم من مدينة إلى مدينة ومن فعالية إلى فعالية
ونرجو من الله عزوجل أن يوفق شيخنا في هذه الوظيفة و أن يعينه على أدائها حق الأداء،و نسأل الله أن يوفقه ليكون له أثر كبير في هذه الوزارة العظيمة،و أن يضع بصمته فيها ويبقى أثره فيها مدة من الزمان
مصطفى ميرغني
إنضم لقناة النيلين على واتساب