منخفض المطير الجارف
تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT
سارة البريكية
sara_albreiki@hotmail.com
كان جارفًا للأحلام والطموحات الكبيرة وكان آتياً ليحمل معه أرواحا كانت تطلب العلم والسلام والأمل والحب وكان عدائيًا لدرجة أنه أخذ أطفالا في عمر الزهور من بيت واحد وكانت تسع جنائز تزف إلى الجنة في مشهد استثنائي في عمان لتتوالى بعدها لحظات الغرق ومشاهد الإنقاذ والبحث عن المفقودين والطفل والجدة والشيخ الذي فارق الحياة برفقة صديق عمره وقصص أخرى لا يعلمها إلا منخفض المطير.
كانوا أربع عشرة نفسًا ورغم التحذيرات بعدم المجازفة قرر ولي الأمر أخذهم سريعًا إلى المنزل ولكنه أخذهم إلى مثواهم الأخير اختيار الأسماء كان عجيبًا فهي أسماء مسجلة ومدونة بعناية استقلوا السيارة خارجين من المدرسة وبقي من بقي في المدرسة ذهبوا محملين بأحلامهم بوصول آمن وسريع قبل الجميع كانت مشاعر الفرح في البداية تسيطر عليهم لأنه سيسبقون زملائهم، ولكن بعد مرور دقائق كان الوادي في المرصاد تقدم نحوهم بسرعة البرق ولم يترك لهم خيارا هنا اختلط فرحهم بحزن وخوف ودموع وكان الفراق بينهم فأربعة نجوا وعشرة قضوا وكان الخبر الصعب على أبناء عمان والمدرسة التي أتوا منها محاولين الإسراع إلى المنزل والقرية والولاية والوطن بأسره وعند العثور عليهم وبعد محاولات كثيرة في البحث عن بصيص أمل أو بصيص حياة إلا أنهم صعدوا إلى السماء واحدا تلو الآخر فارقوا مقاعد الدراسة وأحضان الأمهات وخوف الآباء ذهبوا من هذه الحياة كلها ونحسبهم شهداء فهم غرقى ولأنَّ الغريق شهيد ولأنهم أطفال سبقونا إلى الجنة.
لكن الواقع كان شديدًا والمصاب جللا والحادثة التي لن تنساها الذاكرة البشرية والتعازي بالمصاب والأحلام المؤجلة وملابس العيد المعلقة على شماعات التعليق وأحذية أول عيد وعطر كانوا يتناوبون عليه ولعبة البلايستيشن وسجادة الصلاة وقلب أم وإخوة وأخوات وأب وجد وحزن مطبق.. كيف للحياة أن تعود كما كانت في أيام العيد وكيف لنا أن نعيد الساعات لنختصر ما حدث وكيف يجب أن يكون القرار بعد صدور التحذيرات وكيف لي أن أقرر بكلمة واحدة: لا مدرسة اليوم!
لكن الساعات والأيام والشهور والدقائق لا تعود ولكن القدر كان حاتما أمره ولأنَّ السيارة البيضاء المتحطمة كانت لها كلمة الفصل الأخيرة ولأنَّ المطير كان جارفاً بكل معنى الكلمة ولأن الحكاية قد تحكى لطفلة صغيرة تحاول أن تنام على شكل قصة قصيرة وهي كان يا ماكان في حديث الزمان وكان هناك أسرة مكونة من أربع عشرة روحا تلاشت في الكتب المنسية وفي دواوين الشعراء وقصائد الرثاء وفي دمعات الأطفال الذين سيضطرون أن يذهبوا إلى المدرسة ولا يجتمعون بزملائهم مجدداً ماذا عن الغصة التي لن تفارقهم زمنا طويلاً ماذا عن الدمعة التي ستسقط وماذا عن كسرة القلب وهم يتأملون كراسي زملائهم الذين رحلوا !! اه كم الموقف صعب وحزين وكم هي كبيرة على أطفال غصة القلب.
ما حدث في النهاية قضاء ولكن يجب على كل المسؤولين مراجعة أنفسهم واتخاذ القرارات اللازمة لحل مشاكل تصريف المياه والأودية فلو كان هناك تصريف وشوارع مهيئة لما حدثت كل تلك الخسائر لذا فلننظر لما حدث ولنعتبر ليست المشكلة الآن بالإجازة ولكن المشكلة تكمن في التصريف الصحيح وفي الشوارع المهيئة والمدن الحديثة ولو كلفنا الأمر للبناء مجددا فلنبنِ ولنقم دولة عصرية بكل المقاييس فالأنفاق والسدود والتصريف الآمن والعمل لخدمة عمان وأبناء عمان ليس لمرة واحدة وإنما عمل دائم ولنفكر في الخلل جيدا ومحاولة إصلاح المشكلة من جذورها فهذه المشاهد تتكرر باستمرار لم لا نصل لنقطة النهاية ونحد من تلك المشاهد ونبني ونفكر ونعمل ونجتهد فأبناء عمان قادرون على إحداث الفارق.
حفظ الله عمان وجلالة السلطان والعزاء كله لأسر الضحايا الشهداء.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لا حق للدول في الوجود ولكن الحق للشعوب
ترجمة: أحمد شافعي -
في واشنطن التي تغلي اليوم بالتناحر الحزبي، يتفق الديمقراطيون والجمهوريون على هذا الأمر في الأقل: لإسرائيل حق في الوجود. وقد تأكد هذا الحق على لسان رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسن وخصمه الديمقراطي زعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز وعلى لسان أنطوني بلينكن وزير الخارجية في إدارة بايدن وخلفه الجمهوري ماركو روبيو، وعلى لسان بيت هيجسيث وزير الدفاع الجديد في حكومة ترامب، وزعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر. وفي عام 2023 أكد مجلس النواب حق إسرائيل في الوجود بتصويت 412 في مقابل 1.
وما بهذه الطريقة يكون حديث ساسة واشنطن بعامة عن البلاد الأخرى. فهم في الغالب يبدأون بحقوق الأفراد، ثم يتساءلون عن نصيب دولة معينة من حسن تمثيل الشعب الذي تسيطر عليه. ولو كانت أمريكا تبالي بحياة من يعيشون في ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، لتبين بوضوح أن التساؤل عن حق إسرائيل في الوجود هو السؤال الخاطئ. وخير منه هذا السؤال: هل تحسن إسرائيل، بما هي دولة يهودية، حماية حقوق جميع الأفراد الخاضعين لسيطرتها؟
والإجابة هي لا.
وتأملوا هذا السيناريو: إذا انفصلت أسكتلندا قانونيا، أو أنهى البريطانيون الحكم الملكي، فلن تصبح الممكلة المتحدة مملكة أو متحدة. وسوف تنتهي بريطانيا التي نعرفها من الوجود، وسوف يقبل روبيو وشومر وزملاؤهما هذا التحول ويرونه شرعيا لاعتقادهم أن الدول ينبغي أن تقوم على رضا المحكومين.
وهذه نقطة يؤكدها الزعماء الأمريكيون قطعيا وهم يتناقشون مع أعداء أمريكا. وهم كثيرا ما يدعون إلى أن تُستبدل بأنظمة الحكم القمعية دول تتحقق فيها الأعراف الديمقراطية الليبرالية على نحو أفضل. في عام 2017، ذهب جون بولتن ـ الذي أصبح لاحقا في إدارة ترامب الأولى مستشارا للأمن الوطني ـ إلى أن «سياسة الولايات المتحدة المعلنة ينبغي أن تطيح بنظام الملالي في طهران». وفي 2020، وصف وزير الخارجية مايك بومبيو جمهورية الصين الشعبية بأنها «نظام حكم ماركسي لينيني» وبأنها «ّذات أيديولوجية استبدادية مفلسة». وحثَّ كلا المسؤولين الأمريكيين كلا البلدين لا على استبدال قائد بقائد وحسب، وإنما على تغيير نظاميهما السياسيين، وذلك يعني في جوهره إقامة الدولة من جديد. فيكون معنى ذلك في حالة جمهورية الصين الشعبية ـ الخاضعة لسيطرة الحزب الشيوعي، أو في حالة جمهورية إيران الإسلامية التي تتبع حكما إسلاميا، تغيير اسم البلد الرسمي نفسه على الأرجح.
في 2020، أعلن الوزير بومبيو في خطبة له أن مؤسسي أمريكا كانوا يؤمنون بأن «الحكم يوجد لا لتقليص حقوق الأفراد أو إلغائها وفق أهواء من يتولون السلطة، وإنما يوجد الحكم لضمان هذه الحقوق. فهل يكون للدول التي تنكر على الأفراد حقوقهم «حق وجود» بالشكل الراهن؟ ما يوحي به كلام الوزير بومبيو أن هذا الحق لا يكون لها.
ماذا لو تكلمنا عن إسرائيل بمثل تلك الطريقة؟ قرابة نصف البشر الخاضعين لسيطرة إسرائيل فلسطينيون. وليس بوسع أكثرهم ـ من المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة ـ أن يصبحوا مواطنين في الدولة التي تفرض عليهم سلطة الحياة أو الموت. وقد فرضت إسرائيل هذه السلطة في غزة حتى قبل غزو حماس في السابع من أكتوبر سنة 2023، بل منذ أن سيطرت على المجال الجوي للقطاع، والساحل، والسجل السكاني، وأغلب الممرات البرية، فجعلت من غزة بحسب وصف هيومان رايتس ووتش «سجنا مفتوحا».
وحتى أقلية الفلسطينيين الخاضعين للسيطرة الإسرائيلية ممن يحملون المواطنة الإسرائيلية ـ ويوصفون أحيانا بـ’عرب إسرائيل’ ـ تعوزهم المساواة القانونية. فالصندوق الوطني اليهودي، الذي قصر التزاماته على «اليهود» وأكد أنه لا يعمل «من أجل نفع جميع مواطني الدولة»، فيحوز قرابة نصف مقاعد جهاز الدولة المسؤول عن تخصيص أغلب أرض إسرائيل.
في الشهر الماضي، وعد الوزير بلينكن بأن الولايات المتحدة سوف تساعد السوريين على إقامة دولة «احتوائية غير طائفية». بينما إسرائيل الموجودة اليوم فعليا فاشلة في هذا الاختبار.
ومع ذلك، فبالنسبة لأغلب قادة المجتمع اليهودي الأمريكي المنظم، لا مجال للتفكير في بلد احتوائي غير طائفي في هذه الأرض. ولليهود حق الغضب حينما يدعو القادة الإيرانيون إلى محو إسرائيل عن الخريطة. لكن هناك فارق حاسم بين دولة ينتهي وجودها بغزو من جيرانها لها، ودولة ينتهي وجودها بتبنِّيها شكلا في الحكم أكثر تمثيلا.
ولا يكتفي القادة الأمريكيون اليهود بإصرارهم على حق إسرائيل في الوجود، إنما يصرون على حقها في الوجود بوصفها دولة يهودية، ويتشبثون في فكرة أنها يمكن أن تكون يهودية وديمقراطية معا برغم التناقض الأساسي بين التفوق القانوني لمجموعة عرقية دينية ومبدأ المساواة الديمقراطي في ظل القانون.
إن الإيمان بأن لدولة يهودية قيمةً مطلقة ـ بغض النظر عن أثرها على الشعب الذي يعيش فيها ـ مناقض لطريقة الأمريكيين في الحديث عن البلاد الأخرى. وهو مناقض أيضا للتراث اليهودي الذي لا يرى أن للدول حقوقا، بل ينظر إليها في ارتياب عميق. ففي الإنجيل أن شيوخ الإسرائيليين يطلبون من النبي صمويل أن يجعل لهم ملكا يحكمهم. فيأمر الرب صمويل بأن يحقق للشيوخ رغبتهم على أن يحذرهم من أن حاكمهم سوف يرتكب انتهاكات شنيعة. ويقول لهم صمويل إن «يوما سيأتي فيبكون فيه بسبب الملك الذي اختاروه بأنفسهم».
والمعنى واضح، وهو أن الممالك ـ أو الدول بموجب اللغة المحدثة ـ ليست مقدسة. فإن هي إلا أدوات تحمي الحياة أو تدمرها. ولقد كتب الناقد الاجتماعي الإسرائيلي الأورثوذكسي يشعياهو ليبوفيتز سنة 1975 يقول «إنني أنكر بشدة أن تكون للدولة أي قيمة في ذاتها على الإطلاق». ولم يكن ليبوفيتز أناركيا. وبرغم أنه كان يعد نفسه صهيونيا، فقد أصر أن تحاكَم الدول ـ ومنها الدولة اليهودية ـ بناء على معاملتها للبشر الخاضعين لسيطرتها. فلا حق للدول في الوجود وإنما هذا الحق للشعوب.
يخاطر بعض أعظم أبطال الإنجيل ـ ومنهم موسى ومردخاي وغيرهما ـ بحياتهم إذ يرفضون معاملة الحكام الطغاة بوصفهم آلهة. وبرفضهم عبادة سلطة الدولة، فهم يرفضون الوثنية، وذلك الرفض من ركائز الديانة اليهودية حتى لقد وصفه الحبر يوحنان في التلمود بأنه التعريف الجوهري للمؤمن باليهودية.
غير أن هذا الشكل من الوثنية ـ أي عبادة الدولة ـ يبدو اليوم مستشريا في الحياة اليهودية الأمريكية السائدة. وتبجيل أي كيان سياسي أمر خطير. لكنه يصبح خطيرا بصفة خاصة حينما يخص كيانا يصنف بعض الناس باعتبارهم أرقى أو أدنى قانونيا بناء على انتمائهم القبلي. وحينما تصر أهم الجماعات اليهودية الأمريكية ـ شأن الزعماء الأمريكيين ـ مرارا وتكرارا على أن لإسرائيل حقا في الوجود، فهي تقول عمليا إن إسرائيل لا يمكن أن تأتي بعمل ـ مهما بلغ إيذاؤه للشعب الخاضع لسيطرتها ـ فيستوجب إعادة التفكير في طبيعتها كدولة.
ولقد فعلت ذلك حتى حينما تزايدت انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان بصورة صارخة. فعلى مدار قرابة ستة عشر عاما، منذ أن رجع بنيامين نتنياهو إلى السلطة سنة 2009، خضعت إسرائيل لحكم زعماء يتباهون بمنع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من تأسيس بلدهم، وإجبارهم بالتالي على الحياة بوصفهم (لامواطنين) على الدوام، بلا أي حقوق أساسية في ظل الحكم الإسرائيلي. في عام 2021، اتهمت جماعة حقوق الإنسان الإسرائيلية الكبرى (بيتسليم) إسرائيل بممارسة الفصل العنصري. وأورد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية هجمات للمستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية في 2024 تتجاوز هجماتهم في أي عام منذ أن بدأ الرصد قبل قرابة عشرين عاما.
غير أن القادة اليهود الأمريكيين ـ والساسة الأمريكيين ـ مستمرون في إصرارهم على أن التشكيك في شرعية الدولة اليهودية أمر غير مشروع، بل ويندرج في عداد معاداة السامية. وبذلك جعلنا من إسرائيل مذبحا مقدسا. وتحققت مخاوف ليبوفيتز: «عندما تكون أمة وبلد ودولة قيما مطلقة، فأي شيء حينئد يستساغ».
كثيرا ما يقول القادة اليهود الأمريكيون إن وجود دولة يهودية ضروري لحماية حياة اليهود. فلا يمكن أن يأمن اليهود دونما حكم يهودي. وإنني أتفهم ما يجعل كثيرا من اليهود الأمريكيين ـ وهم بصفة عامة يؤمنون أنه لا ينبغي للدول التمييز بناء على الدين أو العرق أو العنصر ـ يستثنون إسرائيل. فذلك ناجم عن آلام تاريخ شعبنا. لكن برغم معاداة السامية العالمية، يبدو أننا معشر يهود الشتات ـ الذين نعلق الأمن على مبدأ المساواة القانونية ـ أشد أمنا من يهود إسرائيل.
وليس هذا من قبيل الصدفة. فالبلاد التي يكون لكل فرد صوت في حكمها تنزع إلى أن تكون أكثر أمنا للجميع. وقد تبين لدراسة أجريت سنة 2020 على مئة وست وأربعين حالة صراع عرقي في العالم منذ الحرب العالمية الثانية أن الجماعات العرقية التي أقصيت من سلطة الدولة كانت أكثر احتمالا بثلاث مرات لأن تحمل السلاح مقارنة بالجماعات الممثلة في الحكم.
ويمكن أن نرى هذه الآلية حتى في إسرائيل نفسها. ففي كل يوم، يضع اليهود الإسرائيليون أنفسهم وهم في أضعف حالاتهم بين أيدي الفلسطينيين، أي على طاولات العمليات. وذلك لأن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يمثلون 20% من أطباء إسرائيل، و30% من ممرضاتها، و60% من صيادلتها.
لماذا يجد اليهود الإسرائيليون أن الفلسطينيين من مواطني إسرائيل أقل خطورة من الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة؟ يرجع سبب ذلك إلى حد كبير إلى أن الفلسطينيين من مواطني إسرائيل يمكن أن يصوتوا في الانتخابات الإسرائيلية. ولذلك، وبرغم أنهم يواجهون تمييزا شديدا، فإن لديهم على الأقل بعض السبل السلمية والقانونية لإسماع صوتهم. قارنوا ذلك مع الفلسطينيين في غزة، أو في الضفة الغربية، ممن يعدمون سبيلا قانونيا للتأثير على الدولة التي تقصفهم وتسجنهم.
فمن ينكر على شعب حقوقه الأساسية، يعرضه لعنف هائل. وعاجلا أم آجلا، يكون هذه العنف خطرا على الجميع. لقد حدث في عام 1956 أن رأى طف صغير عمره ثلاث سنوات اسمه زياد النخالة جنودا إسرائيليين يقتلون أباه في مدينة خان يونس بقطاع غزة. وبعد قرابة سبعين سنة، يرأس جماعة الجهاد الإسلامي وهي جماعة أصغر من حماس ولكنها تنافسها في التشدد.
وفي السابع من أكتوبر، قتل مقاتلو حماس والجماعة الإسلامية قرابة ألف ومائتي شخص إسرائيلي واختطفوا مائتين وأربعين. وردت إسرائيل على ذلك بمجزرة عبر هجوم على غزة تقدر مجلة لانسيت الطبية البريطانية قتلاه بأكثر من ستين ألفا، ودمرت أغلب مستشفيات القطاع ومدارسه وزراعته. ويمثل دمار غزة دليلا مريعا على فشل إسرائيل في حماية وكرامة جميع البشر الخاضعين لسلطتها.
والفشل في حماية أنفس الفلسطينيين في غزة يمثل في النهاية خطرا على اليهود. ففي هذه الحرب، قتلت إسرائيل في غزة بالفعل أكثر بمائة مرة ممن قتلت في المجزرة التي أودت بحياة والد زياد النخالة. فكم من ولد في الثالثة من العمر الآن سوف يطلب الثأر بعد سبعة عقود من الآن؟
ومثلما حذر عامي أيالون، رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) حتى قبل نشوب الحرب الراهنة في غزة بقوله «إننا لو استمررنا في نشر الإذلال واليأس، فسوف تزداد شعبية حماس. وإذا تمكنا من إبعاد حماس عن السلطة، فسوف نواجه القاعدة، وبعد القاعدة داعشا، وبعد داعش ما لا يعلم إلا الله».
ولكن، باسم سلامة اليهود، يبدو أن المنظمات اليهودية الأمريكية تتسامح مع أي شيء تفعله إسرائيل في الفلسطينيين وإن يكن حربا تعتبرها الآن منظمة العفو الدولية إبادة جماعية، شأنها في ذلك شأن عمر بارتوف الباحث البارز في الهولوكوست المولود في إسرائيل. ولكن ما لا يستطيع الزعماء اليهود والسياسيون الأمريكيون أن يقبلوه هو المساواة بين الفلسطينيين واليهود ـ لأن من شأن هذا أن ينتهك حق إسرائيل في الوجود بوصفها دولة يهودية.
بيتر بينارت كتاب الرأي المشاركين نيويورك تايمز وأستاذ في كلية نيومارك للصحافة في جامعة مدينة نيويورك، ومحرر في مجلة (جويش كارنتس)، وكاتب نشرة (بينارت نوتبوك) الأسبوعية.
خدمة نيويورك تايمز