إلى أين تتجه الأزمة في ليبيا في ظل التنافس الدولي وأنانية أطراف الداخل؟
تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT
أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، استقالته بشكل مفاجئ الثلاثاء، مُطلقا موجة من التساؤلات بشأن مستقبل العملية السياسية الهشة في البلاد، خصوصا في ظل الإحباط الذي عبر عنه في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء من "غياب الإرادة السياسية" و"أنانية" القادة.
ويأتي قرار باتيلي بعد 18 شهرا من توليه المنصب، وهو تاسع مبعوث أممي لليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 عقب ثورة شعبية دعمها حلف شمال الأطلسي.
ورسم الدبلوماسي السنغالي للصحفيين، بعد اجتماع لمجلس الأمن الدولي، صورة قاتمة للوضع في ليبيا، التي تشهد حربا أهلية منذ 2011.
وقال إن البعثة الأممية "بذلت الكثير من الجهود خلال الأشهر الـ18 الماضية"، لكن "في الأشهر الأخيرة تدهور الوضع"، منددا "بغياب الإرادة السياسية وحسن نية الزعماء الليبيين السعداء بالمأزق الحالي".
وأوضح أن "تصميم القادة الحاليين بكل أنانية على الحفاظ على الوضع الراهن من خلال مناورات ومخططات بهدف المماطلة على حساب الشعب الليبي، يجب أن يتوقف".
ولفت إلى أنه "في هذه الظروف، ليس لدى الأمم المتحدة أي وسيلة للتحرك بنجاح. ولا مجال لحل سياسي".
ماذا وراء الاستقالة؟وتعليقا على استقالة المبعوث الأممي، قال المحلل والباحث في الشأن الليبي، محمد الجارح، لموقع الحرة إن الاستقالة رسالة تُجسد مدى تعقيد الأزمة الليبية، وتُؤكد عجز الأمم المتحدة عن لعب دور فاعل في حلحلة هذه الأزمة المُستعصية.
وأضاف: "الأطراف الليبية المتصارعة، ومن خلفها الأطراف الخارجية التي تدعمها، أثبتت قدرتها على إفشال وإيقاف أي جهد دولي في اتجاه حلحلة الأزمة المستمرة منذ سنوات".
وتابع الجارح: "الآن هناك 9 من مبعوثي الأمم المتحدة استقالوا منذ 2011، والمبعوث العاشر في الطريق بكل تأكيد، وكما هو الحال لن تكون مهمة سهلة على عملية الاتفاق على مبعوث أممي جديد وذلك بسبب حالة الانقسام الحاد الموجودة داخل مجلس الأمن بسبب الأزمات السياسية المتعددة في المنطقة أو العالم بما في ذلك الحرب في غزة وأوكرانيا".
ولتعيين مبعوث أممي لا بد لمجلس الأمن الدولي أن يوافق على اسم أي مرشح يقدمه الأمين العام.
وعُين باتيلي ممثلا خاصا للأمين العام في ليبيا في سبتمبر 2022، بعد شغور المنصب لأشهر إثر الاستقالة المفاجئة لسلفه يان كوبيش في نوفمبر 2021، وكذلك رفض مجلس الأمن الدولي أسماء أخرى عديدة طرحها غوتيريش.
بدوره، رأى المحلل السياسي، أحمد المهدوي، أن "المبعوث الأممي تعرض لضغوط كبيرة دفعته إلى الاستقالة، خاصة أنه كان متحمسا للاستمرار في المنصب لقيادة مسار المصالحة السياسية في البلاد".
وقال المهدوي، لموقع الحرة، "باتيلي قاد الجهود الحثيثة للتوافق على موعد مؤتمر المصالحة الوطنية الليبية، وهو الحدث الذي كان مرتقبا للتمهيد إلى أفق سياسي جديد بالبلاد، وبالتالي فإن الاستقالة دفُع لها بكل تأكيد".
ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن باتيلي واجه أيضا بعض الانتقادات بسبب عدم التواصل المباشر الكافي مع الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وكذلك مع النشطاء الفاعلين على الأرض، حسب المهدوي.
والثلاثاء، أعلن باتيلي خلال جلسة مجلس الأمن، أن مؤتمر المصالحة الوطنية الليبية الذي كان مقررا عقده في 28 أبريل الجاري، أرجئ إلى أجل غير مسمّى.
وستعيد استقالة المبعوث الأممي الأزمة الليبية إلى "نقطة الصفر"، حسب المهدوي، الذي قال: "أي محاولات مستقبلية للحديث عن تشكيل حكومة أو انتخابات ستستغرق المزيد من الوقت".
بدوره، حمّل الجارح التنافس الإقليمي والدولي مسؤولية فشل مبعوث الأمم المتحدة، قائلا: "مجلس الأمن عجز على تبني موقف موحد تجاه الأزمة، وهذا أضعف أداء البعثة الأممية وجعلها غير قادرة على القيام بدورها بشكل أمثل، خصوصا في ظل الرفض الروسي (فيتو) الجاهز لعرقلة أي جهود باتجاه حلحلة الأزمة".
وأضاف: "بكل تأكيد ستنظر روسيا على أن هذه الاستقالة، ومن قبلها تسمية ستيفاني خوري نائبة للمبعوث الأممي إلى ليبيا، باعتبارها محاولة من الولايات المتحدة للسيطرة على الملف السياسي في ليبيا".
وتابع: "خلال فترة المبعوثة الأممية السابقة في ليبيا ستيفياني ويليامز، رأينا روسيا تعرقل عملية التجديد لتفويض البعثة أكثر من مرة كما كان هناك عرقلة فيما يتعلق بالدعم المالي، وكل هذه بالتأكيد كان لها تداعيات على دورها".
وأكد هذا أيضا المحلل السياسي والعسكري الليبي، عادل عبد الكافي، الذي قال لموقع الحرة إن "روسيا تواصل التوسع العسكري في شرق ليبيا من خلال مرتزقة الفيلق الروسي الإفريقي. فيما تحاول الولايات المتحدة احتواء الوضع من خلال عقد اجتماعات مع بعض القيادات العسكرية في غرب البلاد".
إلى أين تتجه الأزمة؟وغرقت ليبيا في فوضى سياسية وأمنية منذ 13 عاما، حيث يحكم البلاد التي تشهد أعمال عنف وانقسامات، حكومتان متنافستان، إحداهما في طرابلس (غرب) برئاسة عبد الحميد دبيبة ومعترف بها من الأمم المتحدة، وأخرى معقلها في بنغازي في الشرق ويرأسها، أسامة حماد، وهي مكلفة من مجلس النواب ومدعومة من المشير خليفة حفتر.
وأكد المهدوي أن حديث المبعوث الأممي بشأن "الأنانية" وتغليب "المصالح" لم يأت بجديد، خصوصا أن "الجميع يعلم أن النخب السياسية الليبية وأطراف الصراع كلها تمتاز بالأنانية وحب الذات، ولا تريد تسليم السلطة".
وأضاف: "التداول السلمي للسلطة في ليبيا مبدأ مرفوض تماما. واستقالة المبعوث الأممي تخدم رئيس حكومة الوحدة الوطنية الذي رفض تشكيل حكومة جديدة".
وحسب فرانس برس، أبدت حكومة طرابلس "تحفظات" على الدبلوماسي السنغالي، منذ تعيينه مبعوثا إلى ليبيا قبل 18 شهرا.
وقال الجارح خلال حديثه: "للأسف هناك عودة حقيقية لحالة الانقسام المتجذر على المستوى المؤسساتي وعلى المستوى السياسي، وربما على المستوى المالي خلال الفترة المقبلة مرة أخرى كما حدث في الفترة بين 2014 و2019".
وأضاف: "التخوف الحقيقي الموجود الآن أن هناك وجهتين نظر متعارضين، وكل منها في اتجاهات مختلفة فيما يتعلق بمسألة الحكم والسلطة الحاكمة في ليبيا".
وتابع: "في الشرق سلطة حاكمة متمثلة في رجل واحد هو خليفة حفتر. وفي غرب البلاد هناك حكومة لا مركزية إن صح التعبير في ظل التنافس حول السلطة بين المجموعات المسلحة والمجموعات السياسية المختلفة".
ورأى الجارح أن خلافات الأطراف الليبية المتنافسة عميقة لدرجة أنه "من المستبعد التوصل إلى حل وسط يرضي الجميع. وبالتالي، فإن الأزمة في ليبيا مرجحة للاستمرار، بل قد تتفاقم وتؤدي إلى تقسيم دائم للبلاد".
صراع مسلح؟لا يستبعد المهدوي خلال حديثه، إمكانية التصعيد المسلح في ليبيا بين الأطراف المتنافسة، خصوصا الجماعات المسلحة في طرابلس والتي تسعى إلى توسيع مناطق نفوذها الأمنية من حين إلى آخر.
لكنه في نفس الوقت يستبعد أن تحاول قوات حفتر مهاجمة طرابلس مرة أخرى بعد أن "فشلت قبل 4 أعوام"، على حد قوله.
وأضاف: "الصراع قادم لا محالة وهذا هو مصدر القلق، خصوصا أن اللجنة العسكرية (5+5) لم تدعم بشكل حقيقي جهود البعثة الأممية فيما يتعلق بالملف الأمني في البلاد".
وشُكلت اللجنة العسكرية المشتركة "5+5" (خمسة أعضاء من قوات حفتر ومثلهم من قوات حكومة الوحدة) برعاية الأمم المتحدة، وهي الجهة التي تتولى الإشراف على وقف إطلاق النار الدائم الذي توصّل إليه الطرفان في أكتوبر 2020.
وأنهى هذا الاتفاق هجوما عسكريا واسع النطاق، شنّته قوات المشير حفتر للسيطرة على العاصمة طرابلس، استمر لأكثر من عام (من أبريل 2019 وحتى يونيو 2020).
بدوره، يرجح عبدالكافي تفاقم الانقسامات والاشتباكات المسلحة في ليبيا، حتى بين الفصائل المتحالفة في شرقها وغربها.
وفي ظل سعي كل طرف لتعزيز نفوذه ومصالحه، قال عبدالكافي إن "اندلاع الاشتباكات أمر وارد، خاصة مع ازدياد محاولات بعض التشكيلات المسلحة السيطرة على المؤسسات والمواقع".
وأضاف عبدالكافي: "في ظل الأنانية التي تتمتع بها الأطراف المحلية سواء في الشرق أو في طرابلس غربا أو حتى على مستوى المنطقة الجنوبية، فإن اندلاع الاشتباكات أمر غير مستبعد".
ويُشير خلال حديثه إلى وقوع اشتباكات مسلحة بين مجموعات مسلحة في كل من غرب وشرق البلاد، مستشهدا بمواجهة حديثة بين "كتيبة 2020" و"كتيبة 106" للسيطرة على معسكر في بنغازي، على الرغم من كونهما تابعتين لقوات خليفة حفتر.
ويؤكد عبدالكافي أن هذا المشهد الفوضوي بات سائدا على الأوضاع الأمنية والعسكرية في ليبيا، مستبعدا حدوث مواجهة عسكرية واسعة على غرار عام 2019، "لأن قرار شن مثل هذه العمليات يبقى بيد الأطراف الإقليمية والدولية وليس الأطراف المحلية".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: المبعوث الأممی الأمم المتحدة مبعوث الأمم تشکیل حکومة مجلس الأمن إلى لیبیا فی البلاد فی لیبیا مسلحة فی
إقرأ أيضاً:
عودة السوريين وتأثيرات الدعم الدولي.. هل يتحقق الاستقرار في البلاد؟
أكد رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، “التزامه مع الرئيس السوري، أحمد الشرع، بمواصلة التعاون المشترك بين العراق وسوريا في محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي”.
جاء ذلك في لقاء جمعهما على هامش “منتدى أنطاليا الدبلوماسي”، حيث “ناقشا الأوضاع في سوريا وأهمية ضمان حقوق جميع المكونات السورية، مع التركيز على حقوق الأكراد”.
ونشر بارزاني عبر حسابه على منصة “إكس” تفاصيل لقائه مع الشرع، الذي جرى على هامش “منتدى أنطاليا الدبلوماسي” يوم أمس الجمعة، قائلا: “ناقشنا الأوضاع في سوريا، كما استمعت إلى رؤيته لمستقبل البلاد الذي يضمن حقوق جميع السوريين”.
وفي هذا السياق، أعرب بارزاني عن “دعمه الكامل للرؤية التي طرحها الشرع حول مستقبل سوريا، والتي تتضمن حلولاً سياسية عادلة تضمن استقرار البلاد وتحقق السلام بين مكوناتها المختلفة”.
كما تم التأكيد خلال اللقاء على “أهمية تعزيز التعاون بين العراق وسوريا في مواجهة التهديدات الأمنية المتمثلة في تنظيم “داعش” وغيره من الجماعات الإرهابية”.
وناقش الطرفان “آفاق العلاقات المستقبلية بين سوريا والعراق”، مشددين على “ضرورة تعزيز حسن الجوار والمصالح المشتركة بين البلدين”.
وأشار إلى أن “نحو 16.7 مليون شخص داخل سوريا – أي ما يقارب 90% من السكان – يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، بينما لا يزال أكثر من 7.4 مليون سوري نازحين داخليا”.
تعزيز الأمن في درعا
وفي إطار تعزيز الاستقرار في جنوب سوريا، “توصلت إدارة الأمن العام السوري إلى اتفاق مع وجهاء بصرى الشام لتسليم بعض المطلوبين، مع تعزيز الإجراءات الأمنية في المنطقة، هذا يأتي في ظل استمرار الحملة الأمنية التي تستهدف تفكيك الشبكات المسلحة المحلية”.
وأكد المكتب الإعلامي في محافظة درعا “أن الاتفاق يشمل تسليم أربعة مطلوبين متورطين في حادثة اعتداء على أحد المواطنين وعائلته”، مشيراً إلى “أنهم سيُسلَّمون للجهات المختصة”.
كما أعلن عن “تعزيز مفرزة الأمن في بصرى الشام بقوات إضافية لتعزيز الإجراءات الأمنية وضمان الاستقرار”.
إلغاء الرحلات الإسرائيلية إلى سوريا
من جانب آخر، أعلن الجيش الإسرائيلي “عن إلغاء جميع الرحلات المخطط لها إلى المناطق الحدودية داخل سوريا، وذلك بناءً على تقييم الوضع الأمني في المنطقة”.
وأفادت صحيفة “يديعوت أحرنوت” أن “المتحدث باسم الجيش أوضح في بيان رسمي أن القرار جاء “بناء على تقييم الوضع العملياتي”، مشيرا إلى أن “الدخول إلى طرق عبور السياج الحدودي لن يسمح به في هذه المرحلة”.
وبموجب القرار، “تم إلغاء ثلاث مسارات رئيسية تشمل نهر الرقاد، وجسر الهامة على ضفاف نهر اليرموك، ونفق سكة حديد الحجاز في منطقة اليرموك، أما المسار الرابع الواقع على جبل الشيخ، المطل على الحدود اللبنانية، فلم يشمله الإلغاء ويظل مفتوحا في الوقت الراهن”.
يذكر أن “هذه الجولات كانت تتطلب تصاريح عسكرية خاصة نظرًا لحساسيتها الجغرافية قرب الحدود السورية، وقد نظمت في إطار نشاطات تعليمية وتاريخية تستهدف الجمهور الإسرائيلي”.
عودة السوريين إلى ديارهم
على صعيد آخر، كشف تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن “عودة أكثر من 1.4 مليون سوري إلى مناطقهم منذ ديسمبر 2024، وسط تحذيرات من مغادرتهم مجددًا بسبب نقص التمويل والمساعدات الإنسانية”.
وأوضح التقرير أن “اقتراب نهاية العام الدراسي يجعل فصل الصيف فترة حاسمة للعودة الطوعية، مشيرا إلى أنها “فرصة لا ينبغي إضاعتها”.
ولفت التقرير إلى أن “ضمان نجاح هذه العودة واستمرارها يتطلب توفير الدعم للسوريين في مجالات المأوى وسبل العيش والحماية والمساعدة القانونية”، مؤكدا أن المفوضية تمتلك خبرة واسعة في هذه المجالات.
وحذرت المفوضية من أن “نقص التمويل قد يحول دون تحقيق الهدف المتمثل في عودة 1.5 مليون شخص هذا العام، مما قد يدفع العائدين إلى مغادرة بلادهم مرة أخرى”.
وأكد البيان أن “دعم المفوضية والجهات الإنسانية الأخرى يُعد عاملاً أساسيا لتحقيق الاستقرار”، محذرا من أن “التخفيض الكبير في التمويل الذي تواجهه المفوضية يعرّض حياة الملايين للخطر”.