حرب إبريل في السياق التاريخي السليم!
تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT
من السهل أن يمسك الشخص ورقة وقلم ويدون نقاطا حول المطلوب في النظام السياسي في دولة ما، أو أن تأتيه ورقة من دولة أو جهة أخرى للتنفيذ مع وعود وتمويل، ولكن تظل هنالك معادلات وقواعد فولاذية في الواقع لا يمكن تغييرها بالخطط والأوراق، والأولى هو دراسة تركيبة الدولة، وتحليل تاريخها، لأن الدول غير متشابهة وليس سهلا تنفيذ ذات الوصفات فيها.
من الضروري التحقق من تطورات السودان الراهنة بوضعها في السياق التاريخي، حتى نتعرف على تركيبة الدولة السودانية وما يمكن أن تنتجه (بناء على الموجود فعليا فيها وليس المطلوب والمرغوب منها) وأيضا حتى لا نقع في حبس الفترة الزمنية التي نعيشها وما يوجد فيها من توقعات الداخل ورهانات الخارج.
1- على أي أساس قامت السلطنة الزرقاء في السودان واستمرت لأكثر من 300 سنة حتى العام 1820؟ الجواب: كونفيدرالية، يحكمها مزيج صوفي إسلامي عشائري. ولكنها تفككت داخليا بصراعات قبلية وسلطوية داخل الأسر الحاكمة.
سلطنة دارفور كانت مشابهة لها في التراث، مع الفارق أنها كانت مركزية.
كلاهما وضع الأساس لمسار تشكيل الثقافة السودانية ولكن لم يتطور الأمر إلى آصرة قومية، نحن لا نزال في بدايات تشكيل الدولة السودانية.
2- على أي أساس اندلعت الثورة المهدية في الجزيرة أبا النيل الأبيض 1881 وطردت المستعمر و وحدت السودان في أربع سنوات فقط؟ الجواب: مذهب إسلامي جهادي تطور من النسخة الصوفية الموجودة. ولكنها عندما انحدرت الدولة في التسلط الجهوي سقطت. تركت الدولة المهدية -بالرغم من سوء أيامها الأخيرة- أثرا كبيرا ومن نماذجه العاصمة الوطنية والمحضن الثقافي أمدرمان، وكانت خطوة للأمام في صناعة الآصرة القومية السودانية، وظهر نوع جديد من الشعر والغناء وأنماط جديدة في التفكير والثقافة.
3- في فترة النضال من أجل الاستقلال، لماذا قامت الأحزاب السياسية السودانية على أساس طائفي إسلامي؟ بينما تشكلت الأحزاب في الجارة مصر وعدد من الدول في المنطقة على أساس التنوير والتحرير؟ الجواب: السودان دولة قيد التشكيل والتطوير، بينما توجد في مصر حينها دولة حديثة وآصرة قومية قديمة ومستقرة، والتوجه الاسلامي في السودان كان يشكل أساسا للوحدة الوطنية، ولذلك يوجد احتياج له، ليس بفعل فاعل خارجي، ولا صلة له بظهور نسخة الاسلام السياسي، كل له ظروف مختلفة تماما.
4- فشلت فكرة إلحاق السودان بالآصرة القومية المصرية لأن الاستعمار الانجليزي حكم السودان عشائريا (الادارة الأهلية) وأورث الحكم الوطني للأحزاب ثم الجيش، وأنجز الاستعمار تأسيس خدمة مدنية حديثة وتصميم المدن والمشاريع ولكن ظل المجتمع كما هو، في طريق البحث عن آصرة قومية، وهذا يختلف عن شمال الوادي.
التحدي الماثل في السودان، في سياق صناعة الآصرة القومية، هو الإقرار بأنه لا بد من البناء على (الرابط الموجود) وهو التوجه الاسلامي ثم إضافة عناصر عليه.
5- قامت الدولة الشيوعية المعادية للتوجه الاسلامي بنوعيه الحديث المنظم والتقليدي الطائفي في 1969 لمدة سنتين، ونشب داخلها صراع، وانتهت بمذبحة بيت الضيافة ثم بإعدامات قيادات الحزب الشيوعي. كانت تلك فترة سريعة وعاصفة، ولكنها أكدت فشل المشروع الخارجي وضرورة العودة للتركيبة الموجودة.
بل بعد سقوط النميري والذي أعلن الشريعة الاسلامية في 1983، جاءت الديموقراطية وكان برنامج حزب الأمة هو (الصحوة الاسلامية) و نشر الحزب الاتحادي في الانتخابات كتاب (الجمهورية الاسلامية) ثم بعدهم في الحجم (الجبهة الاسلامية القومية).
6- قامت الانقاذ في 1989 على توجه إسلامي جهادي لعشر سنين، ثم إسلامي براغماتي لما بعدها، ولكن اعترت الانقاذ ردة جهوية (ارجع لسلسلة مقالاتي في 2012 هل المؤتمر الوطني حزب فاشل؟) بدأت مراكز القوي و (الشلليات) تحارب بعضها وأفضى هذا إلى عمالة وارتزاق وحكم فرد وسقطت الانقاذ مثل سنار والمهدية والأحزاب الطائفية، ولكن استمرارها لفترة طويلة 30 عاما يؤكد أن الاصرار على الاعتماد على التركيبة الموجودة في السودان يعزز فرص الصمود.
7- جاء التغيير في 2019 مؤسسا على مبدأ (سقوط التجربة الاسلامية يعني سقوط التوجه الاسلامي) وبالتالي كان يجب أن يدين السودان لسيطرة البديل التحرري التنويري المقبول خارجيا (قحت). لكنها كانت فترة مضطربة لتناقض مكونات البديل داخليا، وتضارب الاستقطاب الخارجي، و وصل الأمر لصناعة قوة استعمارية استيطانية بدعم من دول اختطفت جزءا من البديل، وكان رأسمالها الدولي هو رفض التوجه الاسلامي في السودان، لكن الحقيقة أنها ترغب في تشكيل الدولة السودانية لتكون تابعة لها ومنفصلة عن محيطها وبالذات مصر في توافق كامل مع الأهداف الاسرائيلية، وكان هذا أسوأ مشروع استعماري يمر على السودان.
الخلاصات:
أولا: التوجه الاسلامي في السودان عامل تأسيس وصمود مهم جدا، وذلك لعدم وجود آصرة قومية مستقرة، إذ يعتبر (الرابط البديل) لتتشكل حوله عناصر الوحدة الوطنية، تماما مثل المذهب البروتستانتي في تأسيس المستعمرات الأمريكية إلى حين الاستقلال من بريطانيا وصناعة الدستور، ومثل الكالفينية التي قامت عليها أول جمهورية في أوربا في هولندا.
ثانيا: ثبت أن أخطر أدوات تقويض مسيرة تشكيل الدولة السودانية هي الجهويات والمشاريع الخارجية وحكم الفرد وليس التوجه الاسلامي.
ثالثا: الحديث عن تشكيل الدولة السودانية الحديثة ليس منقصة في حق السودان، ولا يناقض وجود مجتمعات سودانية (غالبها) يتميز بسمعة دولية في الأمانة الاخلاق والتكافل، ولذلك تأسيس الدولة لا يعني البداية من الصفر الاجتماعي، ولا يعني عدم وجود للوطن، بل هو الوعاء الذي يشمل هذا المجتمعات السودانية المترابطة.
رابعا: باعادة النظر للحرب في السودان نجد أنها تطور في ذات السياق، لأنها أكدت فشل (مشروع جهوي – خارجي) كبير جدا، ورغم أن الثمن باهظ، ولكن النتيجة ستكون لصالح تشكيل الدولة السودانية الحديثة بناء على المكونات الداخلية وعلى رأسها (التوجه الاسلامي) فهو ليس صناعة تنظيمية، أو سلاح مؤقت ضد المليشيا، بل هو عامل ملازم في كل العهود إلى حين إكتمال الآصرة القومية على الوجه المطلوب.
مكي المغربي
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی السودان
إقرأ أيضاً:
رفض تشكيل حكومة موازية في السودان.. تفاصيل لقاء السيسي ورئيس أنجولا
اليوم السابع: تلبيةً لدعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، قام الرئيس جواو مانويل جونسالفيش لورينسو، رئيس جمهورية أنجولا، بزيارة رسمية إلى جمهورية مصر العربية استمرت 3 أيام، وذلك في الفترة من 28 إلى 30 أبريل 2025، تأتي هذه الزيارة الرسمية في إطار الروابط التاريخية العميقة من الأخوة والتضامن التي تجمع بين جمهورية مصر العربية وجمهورية أنجولا، وهي روابط تعود جذورها إلى كفاح أنجولا من أجل الاستقلال. كما تهدف الزيارة إلى تعزيز الشراكة بين البلدين ودعم التعاون بين دول الجنوب.
ورافق الرئيس جواو مانويل جونسالفيش لورينسو وفد رفيع المستوى ضم عددًا من الوزراء وكبار المسؤولين في حكومة أنجولا.
وخلال الزيارة، أجرى الرئيس عبدالفتاح السيسي و الرئيس جواو لورينسو مباحثات موسعة اتسمت بروح المودة والاحترام المتبادل والتفاهم المشترك، عكست عمق ومتانة وطبيعة العلاقة الاستراتيجية والثقة المتبادلة بين البلدين.
وأعرب الرئيس السيسي عن خالص تهانيه لحكومة وشعب أنجولا بمناسبة الذكرى الخمسين لاستقلالهم الوطني في نوفمبر 2025، وكذلك لرئاسة الرئيس لورينسو للاتحاد الأفريقي. واستعرض الرئيسان سبل تعزيز التعاون في مختلف المجالات بما يخدم المصالح المشتركة ويؤسس لأطر جديدة للشراكة الاستراتيجية.
وأكد الرئيسان على ضرورة تعميق التعاون الاقتصادي، واتفقا على تكثيف الجهود المشتركة لتعزيز الاستثمار والتجارة، لاسيما في القطاعات التي تسهم في تنويع الاقتصاد في كلا البلدين. ويساهم هذا التوجه المشترك في دعم أهداف التنمية المستدامة، وتعزيز بناء القدرات المؤسسية، وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات تحقيقًا لمصلحة شعبيهما.
وفي هذا الإطار، جدّد الجانبان التأكيد على أهمية استمرار الحوار بين البلدين، واتفقا على عقد جولة المشاورات السياسية المقبلة في لواندا قبل نهاية العام الجاري.
وبصفتهما عضوين حاليين في مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، تبادل الرئيسان وجهات النظر حول القضايا الملحّة المتعلقة بالسلم والأمن في القارة الأفريقية، مع التركيز على الأوضاع السياسية والأمنية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية السودان، وجنوب السودان، وجمهورية الصومال الفيدرالية. وأكد الرئيس لورينسو التزام أنجولا الراسخ، في ظل رئاستها الحالية للاتحاد الأفريقي، بدعم التنمية المستدامة والسلام والاستقرار عبر تنفيذ أجندة الاتحاد الأفريقي 2063 «أفريقيا التي نريدها» ومبادرة «إسكات البنادق».
وفيما يتعلق بالأوضاع في السودان، أعرب الزعيمان عن قلقهما البالغ إزاء الصراع المستمر وتبعاته الإنسانية، ودعيا إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية واستئناف حوار وطني شامل يحفظ وحدة السودان وسيادته ويخفف من معاناة شعبه. كما أعربا عن دعمهما للمبادرات الإقليمية والدولية الرامية إلى التوصل إلى حل سلمي للأزمة، مؤكدين أهمية دور الاتحاد الأفريقي في جهود حل النزاعات والوساطة. وعبّرا كذلك عن رفضهما لأية محاولات لتشكيل حكومة موازية في السودان.
بشأن جنوب السودان، أعرب الرئيسان عن قلقهما إزاء التطورات الأخيرة، مما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات السياسية والأمنية. وأكدا على ضرورة الحوار وبناء التوافق، والاستمرار في تنفيذ اتفاقية حل النزاع في جمهورية جنوب السودان المجددة (R-ARCSS).
فيما يتعلق بالصومال، جدّد الرئيسان تأكيدهما على دعم وحدة واستقرار وأمن الصومال، وأدانا تصاعد الأنشطة الإرهابية، بما في ذلك محاولة الاغتيال الغاشمة التي استهدفت الرئيس الصومالي مؤخرًا.
وبخصوص الوضع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، جدّد الرئيسان إدانتهما لكافة أعمال العنف التي تقوّض السلم والاستقرار. وأشاد الرئيس السيسي بالجهود التي بذلها الرئيس لورينسو لمعالجة الأزمة ضمن إطار عملية لواندا. وأكد الزعيمان التزامهما الراسخ بوحدة وسيادة وسلامة أراضي جمهورية الكونغو الديمقراطية، وشددا على أهمية مواصلة الحوار بين جميع الأطراف المعنية للوصول إلى تسوية سلمية للأزمة.
كما رحب الجانبان بتعيين الرئيس فاور إسوزيمنا جناسينجبي، رئيس جمهورية توجو، وسيطاً جديداً في عملية السلام، وأكدا الدور الأساسي للاتحاد الأفريقي في دعم المبادرات الإقليمية لتعزيز السلم والأمن.
ناقش الرئيسان قضية الأمن المائي والتعاون عبر الأنهار الدولية، لاسيما في ظل ندرة المياه، وأكدا على ضرورة إدارة الموارد المائية العابرة للحدود وفقاً للقانون الدولي بطريقة شاملة تحقق المنافع المشتركة، مع احترام مبدأ «عدم الإضرار»، وشدد الرئيسان على ضرورة الامتناع عن الإجراءات الأحادية التي تثير النزاعات بين الدول المشاطئة.
كما أعرب الرئيسان عن قلقهما العميق إزاء تصاعد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وجددا التأكيد على ضرورة التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني دون عوائق، ودعمهما للخطة العربية/ الإسلامية للتعافي وإعادة الإعمار. وأشاد الرئيس لورينسو بالدور البناء والرؤية الاستراتيجية لمصر في جهود إعادة إعمار غزة ومساعي الوساطة لتحقيق السلام والأمن المستدامين وفقاً لقرارات الأمم المتحدة وحل الدولتين.
جدّد الرئيسان تأكيدهما على الدعم المتبادل لترشيحات البلدين في المحافل الدولية، واتفقا على مواصلة المشاورات الدورية بشأن الأجندة الإقليمية والقارية والدولية. وأكدا أهمية توحيد الصوت الأفريقي لتعزيز تمثيل القارة في مؤسسات الحوكمة العالمية. وفي هذا السياق، أعاد الرئيسان تأكيد التزامهما التام بقرارات الاتحاد الأفريقي لتأييد ترشيح الدكتور خالد العناني، مرشح مصر والاتحاد الأفريقي، لمنصب مدير عام منظمة اليونسكو.
أبدى الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، دعمه لاستضافة أنجولا لقمة الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي السابعة في لواندا، وأبدى الرئيس «جواو مانويل جونسالفيش لورنسو»، رئيس جمهورية أنجولا، دعمه لاستضافة مصر لاجتماعات الدورة التاسعة والأربعين للمجلس التنفيذي والقمة التنسيقية الثامنة لمنتصف العام للاتحاد الأفريقي في يوليو 2026.
وفي ختام الزيارة، أعاد الجانبان تأكيد التزامهما بتعزيز العمل متعدد الأطراف، وشددا على الحاجة الملحة لإصلاح المؤسسات الدولية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لضمان أن تكون أكثر شمولاً وتمثيلاً وديمقراطية، بما يتيح مشاركة أوسع للدول النامية في عملية صنع القرار العالمي.