علم الفروق.. واشتداد الحاجة له في الأزمات
تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT
ما هو علم الفروق؛ وما أهميّته؟
من أكثر الفنون التي يحتاجها الباحث في الأحكام الشرعيّة والنّاظر في المسائل -لا سيما المستجدة منها في زمن الأزمات- هو فنّ الفروق الفقهيّة الذي أوصله بعضهم إلى مرتبة العلم المستقلّ بذاته.
والمقصود بعلم الفروق الفقهيّة هو: قدرة الفقيه أو الباحث على التّفريق بين المسائل المتشابهة في ظاهرها المختلفة في حكمها، والجمع بين المسائل المختلفة في ظاهرها المتّحدة في حكمها.
وقد وصل البعض بهذا المعنى لما له من خطورة بالغة إلى تعريف الفقه كلّه به، كما بيّن الزرّكشي ذلك في كتابه "المنثور" وهو يبيّن المجال الثاني من مجالات الفقه: "معرفة الجمع والفرق؛ وعليه جلّ مناظرات السّلف حتّى قال بعضهم؛ الفقه فرقٌ وجمعٌ".
قدرة الفقيه أو الباحث على التّفريق بين المسائل المتشابهة في ظاهرها المختلفة في حكمها، والجمع بين المسائل المختلفة في ظاهرها المتّحدة في حكمها
ولا يكون الباحث قادرا على القول في أيّة مسألة من المسائل حتى يحيط بهذا الفنّ ويتقنه ويتبحّر فيه ويمتلك أدواته؛ ممّا يجعله قادرا على التّنزيل الصّائب للنّصوص على الوقائع التي تشابهت صورتها، واحتاجت نظرة فاحصة للتفريق بينها من حيث الزّمان والمكان والظروف المحيطة بكلّ منها.
وقد أبدع السّيوطي في تحرير معنى هذا الفنّ في كتابه "الأشباه والنّظائر" إذ قال: "هو الفنّ الذي يذكر الفرق بين النّظائر المتّحدة تصويرا ومعنى؛ المختلفة حكما وعلّة".
وقد بيّن الجويني مثل ذلك أيضا فقال: "فإنّ مسائل الشّرع ربما تتشابه صورها، وتختلف أحكامها لعلل أوجبت اختلاف الأحكام، ولا يستغني أهل التّحقيق عن الاطّلاع على تلك العلل التي أوجبت افتراق ما افترق منها، واجتماع ما اجتمع منها".
الحاجة إلى علم الفروق في الأزمات
وفي زمن الأزمات تتشابك الوقائع وتتشابه في مظهرها العامّ بين الماضي والحاضر وبين البيئات والأقاليم المتباعدة في الجغرافيا لكنّها تتّحد في الخضوع لأزمات متشابهة؛ ممّا يدفع كثيرا من العلماء والباحثين إلى إطلاق الأحكام نفسها على وقائع كثيرة بحكم تشابهها في الظّاهر والصّورة.
وقد تتّحد المصطلحات في الزّمن الواحد أو الأزمنة المختلفة، لكنّ مدلولاتها تختلف من مكان إلى آخر أو من زمان إلى سواه؛ فيتمّ تعميم الرّؤى والأحكام والتقييمات عليها جميعا دون تبيّن أو إدراك لكُنْهها وحقائقها.
وإنّ معرفة تفاصيل الوقائع وحقائقها، لا مجرّد صورها ومظاهرها هو الذي يتيح للنّاظر فيها إلحاق بعضها ببعض، والإفادة من وقائع سابقة في فهم وقائع حاليّة والتّعامل معها، والحكم عليها والإفادة منها.
ولئن كان العلم بالفروق ضروريّا للحكم في مستجدّات الفقه ومسائله الاعتياديّة؛ فإنّه يكون أشدّ ضرورة وأعظم خطرا في التعرّف على مستجدات الوقائع السياسيّة والنّوازل التي تداهم النّاس في هذا العالم المتغيّر الذي تتشابك مسائله وتتداخل الصّورة فيه، ممّا يجعل الكثيرين يعمّمون الأحكام دون دراية أو تمحيص.
إنّ التّدقيق فيما وراء الصّورة سيجعلنا نرى الاختلاف في حقيقة كلّ واقعة عن الأخرى، واختلاف ظروفها المحيطة بها على الرّغم من كونها وقائع في بيئة جغرافية متّحدة، كما سيدفع البحث فيما وراء المظهر الخارجيّ للوقائع إلى جمع كثير مما اختلف منها ظاهريا في حكم واحد؛ بناء على اتحادها في الحقائق والعلل وإن باعدت بين أماكنها البيئات الجغرافيّة.
تطبيقات على واقع الأزمات
إنّ كثيرا من المشكلات التي يقع فيها الباحثون اليوم؛ سببها الجهل بهذا الفنّ وأدواته في التّعامل مع وقائع الأزمات؛ ممّا تسبّب في دخول النّاس في متاهات، كان ثمنها يصل إلى دماء تراق ونفوس تزهق وحرماتٌ تنتهك وحريّاتٌ تستباح
فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ لا يمكن للنّاظر في أحوال الفلسطينيين أن يعطي حكما واحدا للعمل المقاوم بين الأراضي المحتلّة عام 1948م والضّفة وغزّة؛ فهذه المناطق الثّلاث رغم اجتماعها في بقعة جغرافيّة واحدة صغيرة متّصلة، واتّحاد المحتلّ الصّهيوني، والمظلوم الفلسطيني؛ إلّا أنّ هناك فروقا حقيقيّة متعلّقة بطبيعة الصّراع، وتوصيف الحالة، ممّا ينعكس على التكييف السياسي والحكم الشّرعي للعمل المقاوم في كلّ منها.
فإذا كانت هذه الحالة التي يتّحد فيها الزّمان والمكان تفرض علينا التّفكّر في الفروق الدقيقة بين الوقائع حتّى لا نعمّم الأحكام السّياسيّة أو الشرعيّة؛ فهذا يفرض علينا أن نتريّث أكثر عند اختلاف الزّمان أو المكان.
فلا ينبغي إسقاط وتنزيل حادثة تاريخيّة على حادثة معاصرة بالكليّة دون النّظر الدّقيق في تفاصيل الحادثتين وظروفهما المحيطة وسياقاتهما السياسيّة والاجتماعيّة.
وكذلك لا ينبغي أن يتمّ تقييم تجربة ثوريّة أو شعبيّة لشعب ما في ضوء تجربة ثوريّة لشعب آخر دون إدراك الفروق الجوهريّة بين التجربتين في الحقائق والمضامين والظّروف المحيطة.
إنّ تفكيك الوقائع وفهم الفروق فيما بينها يتيح للباحث فيها نظرة موضوعيّة قبل إطلاق الأحكام أو تعميم التّجارب.
وإنّ كثيرا من المشكلات التي يقع فيها الباحثون اليوم؛ سببها الجهل بهذا الفنّ وأدواته في التّعامل مع وقائع الأزمات؛ ممّا تسبّب في دخول النّاس في متاهات، كان ثمنها يصل إلى دماء تراق ونفوس تزهق وحرماتٌ تنتهك وحريّاتٌ تستباح؛ فهلّا من صحوة تعيد لكثير من المتصدّين لوقائع الأزمات رشدهم بعد كلّ هذا التّيه البحثيّ الممنهج؟!
twitter.com/muhammadkhm
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأزمات العلم الفقه أزمات العلم الفقه الواقع سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المختلفة فی بین المسائل فی ظاهرها فی حکمها على الت
إقرأ أيضاً:
قبلان: البلد يعيش في قعر الأزمات وإمكان النهوض به من دون تضامن وتعاون وطني أمر صعب
ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، حذر فيها من "أن البلد يعيش في قعر الأزمات، وإمكانية النهوض به دون تضامن وتعاون وطني أمر صعب مستصعب، وميثاقية البرامج أهميتها كميثاقية الدستور، والأولويات السيادية والاجتماعية رأس مصالح لبنان".
وقال:" أما والآن قد أكملت السلطة - كقوة وطنية - عدّتها، فالمطلوب العمل دون كلل وملل، والحكومة في هذا المجال مطالبة بتأكيد قدرتها العملية على إدارة الملفات الساخنة وحلِّها، كملف إعادة الإعمار وهيكلة المصارف وملف الأمن والاستشفاء والتغطية الاجتماعية والتعليم وفرص العمل وحماية الأسواق واليد العاملة اللبنانية. كذلك من أهم واجباتها ضرب أوكار الجريمة وملاحقة العصابات بشدة".
تابع:"أما المحنة السيادية للحكومة فهي اليوم على الحافّة الأمامية، فلا شيء أهم من وضع حدّ للعربدة الإسرائيلية على الحدود، والترويكا الأميركية لإدارة البلد خطيرة ولا ثقة بها، واللعبة الدولية لا تريد راحة لبنان، وأوروبا شريكة واشنطن باستنزاف لبنان وتطويقه، والمصلحة الوطنية لا تقبل الفرز السياسي، وبعض الرؤوس الحامية في الحكومة تتصرّف بخلفية حزبية مقيتة، تتعارض بشدة مع مواقعها الوطنية".
وشدّد على أن "أرض الواقع ينتظر الحكومة ومؤسساتها وأجهزتها المختلفة، بخاصة أن أدواتها في مختلف القطاعات جاهزة، وحساب الخزينة التابع للدولة اللبنانية بالمصرف المركزي كذلك جيّد، ولذلك يمكن للحكومة القيام بالكثير واللحظة لإعادة توظيف لبنان بالقوّة المحليّة والإقليمية".
واعتبر ان "الاحتلالات والغارات التي يقوم بها كيان العدو في سوريا كارثة سيادية ونكبة إقليمية، ومن هنا من دون مصالحة إيرانية سعودية تركية ستبقى المنطقة ميداناً للعربدة والإرهاب الإسرائيلي".
وختم مؤكدا أن "ما يجري في الشرق الأوسط مشروع أميركي خطير، سيطال بنية كل دول الشرق الأوسط، والحلّ بتسوية واتفاق إيراني وسعودي وتركي، ودون تفاهمات وتوافقات شرقنا الأوسط من خراب إلى خراب".
مواضيع ذات صلة منيمنة: لا بأس من حوار وطني لتحصين أمننا الوطني باستراتيجية تفعل كافة أدواتنا السياسية والدبلوماسية وغيرها Lebanon 24 منيمنة: لا بأس من حوار وطني لتحصين أمننا الوطني باستراتيجية تفعل كافة أدواتنا السياسية والدبلوماسية وغيرها 14/03/2025 12:45:35 14/03/2025 12:45:35 Lebanon 24 Lebanon 24 الياس بو صعب: أجدد مطلبي بدعوة الجميع إلى حوار وطني حقيقي ومصارحة ومصالحة Lebanon 24 الياس بو صعب: أجدد مطلبي بدعوة الجميع إلى حوار وطني حقيقي ومصارحة ومصالحة
14/03/2025 12:45:35 14/03/2025 12:45:35 Lebanon 24 Lebanon 24 الخارجية الروسية: السوريون أنفسهم يجب أن يقرروا مستقبل بلادهم عبر حوار وطني واسع Lebanon 24 الخارجية الروسية: السوريون أنفسهم يجب أن يقرروا مستقبل بلادهم عبر حوار وطني واسع
14/03/2025 12:45:35 14/03/2025 12:45:35 Lebanon 24 Lebanon 24 قبلان لرئيس الجمهورية : نعوّل وطنياً عليك ويمكنك أن تكون رمزاً في عالم العائلة الوطنية Lebanon 24 قبلان لرئيس الجمهورية : نعوّل وطنياً عليك ويمكنك أن تكون رمزاً في عالم العائلة الوطنية
14/03/2025 12:45:35 14/03/2025 12:45:35 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً
دارة ميقاتي تحتضن لقاء موسعاً: نرفض التطبيع وأحداث الساحل السوري مُدانة
Lebanon 24 دارة ميقاتي تحتضن لقاء موسعاً: نرفض التطبيع وأحداث الساحل السوري مُدانة
06:07 | 2025-03-14 14/03/2025 06:07:01 Lebanon 24 Lebanon 24 تأجير الأرحام في لبنان ينتشر سرا.. تجارة تؤمن الملايين والسوق "يتوسع"!
Lebanon 24 تأجير الأرحام في لبنان ينتشر سرا.. تجارة تؤمن الملايين والسوق "يتوسع"!
05:30 | 2025-03-14 14/03/2025 05:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 عيتاني مكرَّماً من موظفي مرفأ بيروت: تشغيله مسؤولية وطنية بامتياز
Lebanon 24 عيتاني مكرَّماً من موظفي مرفأ بيروت: تشغيله مسؤولية وطنية بامتياز
06:40 | 2025-03-14 14/03/2025 06:40:15 Lebanon 24 Lebanon 24 نصار: ملف انفجار المرفأ يعود إلى مساره الصحيح وسيستكمل حتى نهايته
Lebanon 24 نصار: ملف انفجار المرفأ يعود إلى مساره الصحيح وسيستكمل حتى نهايته
06:31 | 2025-03-14 14/03/2025 06:31:15 Lebanon 24 Lebanon 24 فضل الله نوه بالموقف الرسمي الرافض للتطبيع
Lebanon 24 فضل الله نوه بالموقف الرسمي الرافض للتطبيع
06:25 | 2025-03-14 14/03/2025 06:25:48 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة
حزن واسع.. وفاة تيكتوكر شهيرة بعد تعرّضها لضيق في التنفس!
Lebanon 24 حزن واسع.. وفاة تيكتوكر شهيرة بعد تعرّضها لضيق في التنفس!
11:04 | 2025-03-13 13/03/2025 11:04:01 Lebanon 24 Lebanon 24 هذه السيرة الذاتية لقائد الجيش رودولف هيكل
Lebanon 24 هذه السيرة الذاتية لقائد الجيش رودولف هيكل
08:03 | 2025-03-13 13/03/2025 08:03:32 Lebanon 24 Lebanon 24 قصة اغتيالات "قادة حزب الله".. رسائل نفسية وعسكرية
Lebanon 24 قصة اغتيالات "قادة حزب الله".. رسائل نفسية وعسكرية
12:30 | 2025-03-13 13/03/2025 12:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 جنبلاط: لا أُريد أنّ يأتي هؤلاء في 16 آذار
Lebanon 24 جنبلاط: لا أُريد أنّ يأتي هؤلاء في 16 آذار
10:25 | 2025-03-13 13/03/2025 10:25:17 Lebanon 24 Lebanon 24 ملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت "يتحرّك" من جديد.. ماذا تغيّر؟!
Lebanon 24 ملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت "يتحرّك" من جديد.. ماذا تغيّر؟!
13:30 | 2025-03-13 13/03/2025 01:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان
06:07 | 2025-03-14 دارة ميقاتي تحتضن لقاء موسعاً: نرفض التطبيع وأحداث الساحل السوري مُدانة 05:30 | 2025-03-14 تأجير الأرحام في لبنان ينتشر سرا.. تجارة تؤمن الملايين والسوق "يتوسع"! 06:40 | 2025-03-14 عيتاني مكرَّماً من موظفي مرفأ بيروت: تشغيله مسؤولية وطنية بامتياز 06:31 | 2025-03-14 نصار: ملف انفجار المرفأ يعود إلى مساره الصحيح وسيستكمل حتى نهايته 06:25 | 2025-03-14 فضل الله نوه بالموقف الرسمي الرافض للتطبيع 06:22 | 2025-03-14 سلام ترأس إجتماعاً موسّعاً في السرايا حول شبكات الأمان الإجتماعي في لبنان فيديو بث مباشر لحدث فلكي نادر.. إليكم مشاهد خسوف القمر
Lebanon 24 بث مباشر لحدث فلكي نادر.. إليكم مشاهد خسوف القمر
04:22 | 2025-03-14 14/03/2025 12:45:35 Lebanon 24 Lebanon 24 "أحب شعبها".. ترامب يشرح "لماذا لا ينبغي لكندا أن تبقى دولة" (فيديو)
Lebanon 24 "أحب شعبها".. ترامب يشرح "لماذا لا ينبغي لكندا أن تبقى دولة" (فيديو)
02:26 | 2025-03-14 14/03/2025 12:45:35 Lebanon 24 Lebanon 24 صور مذهلة ومثيرة.. اكتشاف كائنات بحرية غير معروفة في حملة استكشافية عالمية
Lebanon 24 صور مذهلة ومثيرة.. اكتشاف كائنات بحرية غير معروفة في حملة استكشافية عالمية
05:00 | 2025-03-12 14/03/2025 12:45:35 Lebanon 24 Lebanon 24
Download our application
مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد رمضانيات عربي-دولي فنون ومشاهير متفرقات
Download our application
Follow Us
Download our application
بريد إلكتروني غير صالح Softimpact
Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24