في العمل السياسي بالجامعات، خلال فترة ما بعد 2013 وهي الفترة التي انخرطتُ فيها داخل أروقة العمل السياسي بالجامعة، كانت هناك جدلية مستمرة ما بين الكوادر حول مسألة محتوى الخطاب، حيث يصر الكوادر التنظيمية إلى ضرورة بناء الخطاب بشكل سطحي من أجل اجتذاب الطلاب ومحاولة الترويج للفاعلية السياسية للتنظيم.
كان رفضي واضح لهذا المبدأ وهو أن محاولة صناعة التحشيد عبر زيف سينتج بنية سياسية اولا هشة وتجتذب كوادر فقيرة ثانيا سذاجة الطرح الذي بدل أن يتحول إلى مسألة بناء الطلاب و ثقافتهم السياسية وكانت حجتي تنطلق من أن الفعل السياسي يجب أن يأخذ ملمح من ملامح الجامعة نفسها بأن يصنع وعي سياسي بالمشكلات وسياقاتها الاجتماعية بكل تأكيد لم يكن الغرض هي مسألة نشر الوعي لأن هذا نوع من (العلف ) و القصة أوسع من ذلك.
سنجد أن مسألة هذا الزيف أصبح تشكل بصورة بنيوية في تركيبة الكادر السياسي، خصوصا مع صعود كوادر سياسية من منابر أركان النقاش الطلابية إلى أروقة الدولة و مصير الأمة مما يعني أن هذا الزيف قد تعزز بشكل كبير جداً وهو ما اتضح خلال المسألة السياسية طوال الفترة الإنتقالية فعندما جاء وقت الامتحان تخلصوا من بدلهم السياسية و ظهورا على حقيقة أمرهم حيث قفزوا من على أسطح الطاولات و أخذوا يعيدون هتافهم السمج الذي أصبح تكوين وعيهم السياسي، كلحظات الحشود الطلابية أمام مكاتب عمادة شؤون الطلاب.
وكما يقول أحد المفكرين العرب الذين إلتقيت بهم في إحدى العواصم العربية، أن قوى الحرية والتغيير أدارت الفترة الإنتقالية كما تدار اتحادات الطلاب وصدق حين قال : ” الجماعة عندكم يا زلمة متل الفصائل الطلابية عم يتعاملوا متل طلاب السنة الأولى بالجامعة مع مدير القسم ، من وين الله بعتهم يخرب بيتهم، رح يرحوا في أول شبر مي”
صدق القائل! ولكن يبدو أن نوعاً جديداً من الكوادر التي جاءت في ظلال الحرية و التغيير قد دخلو حيز الغباء السياسي وأعننا الله على هذا الغم، فهؤلاء لم يكونو على عهد بالمؤسسات أو تاريخها أو حتى الأدبيات التنظيمية فهم نواتج التسلق و التملق الذي أنتج في بيئة فاسدة فثقافة (تم الشغل) و (السحلتة) كانت هي ديدن الفترة الانتقالية، ولكنها نشأت في بيئة فساد مالي، على عكس التي كانت تحدث سابقاً، حيث كانت الوجاهة السياسية أو الاعجاب المعرفي.
الفرق بيننا وبينهم رغم فقر مراحلنا السياسية هي أننا قد تعرفنا على بعض التاريخ السياسي و قابلنا شخصيات قد عاصرت أفذاذ الفكر السياسي السوداني، ونوعاً ما كانت هناك بقايا من أوراق أشجار جافة قد عرفتنا على إرث التجمع و الفترة الإنتقالية و تجارب ما بعد سبتمبر 2013، والفترة التي أعقبتها حتى ظهورنا في الساحة السياسية.
لكن الجيل السياسي الذي يعيش الآن كما الخنزير البري في حقول اليقطين، قد قام على هذا السلوك السياسي (عهد الحشوات) – كما يسميه محمد أحمد عبد السلام – ولكن في مناخ فساد مالي واضح لا يمكن أن ينكره إلا أعمى حيث العلاقات السياسية/ الإجتماعية بدلاً من جلسات المقاهي أو الشرب في الداخليات، ويبدوا أن وهم الاستحقاق السياسي أو صناعة الوهم يصاحبه أيضا توهم بأخذ(السيلفي) مع الخواجات.
وكتابة الاقتباسات المقتضبة مثل رؤساء الدول وزعماء سياسيين، مع أن هذا التوهم الجزافي لا يملك صاحبه حق التنشيط اليومي للإنترنت أو حتى حق وجبة خارج الفندق الذي يسكن فيه، بل يدفعه هذا التوهم إلى التعليق على المنشورات في فيس بوك او المداخلات في المحافل العامة بوقاحة تشعرك بأن هذا المُداخل يمكن أن يحرك الأسطول الخامس أو صواريخ التوماهوك، لضرب جزيرة ما في المحيط الهادئ.
عموما اقول لنواتج هذه المرحلة أنكم مثل قشور الموز في حديقة قردة، لا يمكن أن تصنعوا فعلاً و تتوهموا بهذه الصور العابرة، خصوصاً في عصر سيأتي فيه البقاء لجذر الصالح من الكوادر و المؤسسات.
وقولي هذا أو الإشارة لهم ما هو إلا محاولة من أجل عزل هذا الضجيج فلقد رأيت أن جلبة هؤلاء قد زادت وأن جيبوهم ثقلت بوافر المال السياسي الفاسد حتى تأتيهم شجاعة للحديث بكل هذه البجاحة السياسية، ونصيحة لمن يريد استعجال زمانه والقفز على المراحل وتحصيل الثمار قبل النضج : ما تتغابى وتنفعل ( أقعد و اتعلم زي الناس!)
حسان الناصر
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: أن هذا
إقرأ أيضاً:
مسألة حياة أو موت.. ماذا يعني غلق الأونروا بالنسبة للفلسطينيين؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تعد وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) أكبر منظمة تقدم مساعدات إنسانية في الأراضي الفلسطينية، حيث توفر شبكة أمان حيوية تشمل الغذاء، العلاج، والتعليم. لكن هذه الوكالة، التي تأسست قبل 75 عاماً، تواجه تهديداً حقيقياً نتيجة للتشريعات الإسرائيلية التي قد توقف جميع أنشطتها في الضفة الغربية وقطاع غزة في نهاية يناير المقبل.
ووفق تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” كانت اللحظة التي علم فيها سعيد حشاش، أب لأربعة أطفال، بإقرار إسرائيل لقوانين قد تؤدي إلى توقف عمليات وكالة الأونروا، بمثابة صدمة حقيقية له. بينما كان يتلقى علاج غسيل الكلى، أدرك أن خدمات الأونروا، التي يعتمد عليها بشكل كامل في توفير العلاج، قد تختفي بعد شهر من الآن.
يقول سعيد حشاش، الذي يعاني من مرض الكلى، "هذه مسألة حياة أو موت، نحن نعتمد بشكل كامل على الأونروا". وهذه ليست حالة فردية، فالكثير من الفلسطينيين في المخيمات يعتمدون على خدمات الأونروا التي تشمل المدارس والمراكز الصحية والإغاثة الاجتماعية.
تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تصاعدت انتقاداتها للأونروا بعد الهجمات التي نفذتها حماس في 7 أكتوبر 2023، واتهمت الوكالة بتوظيف موظفين مرتبطين بالجماعات المسلحة، وهو ما نفته الأونروا تماماً، مشيرة إلى أنها تتعاون مع السلطات الإسرائيلية بشأن المعلومات حول موظفيها. وفي أكتوبر 2023، أقر البرلمان الإسرائيلي قوانين قد تؤدي إلى منع الأونروا من العمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما يعني فقدان الوكالة لتصاريح الدخول الإسرائيلية إلى غزة والضفة الغربية.
وتحذر الأونروا من أن تطبيق هذه القوانين قد يكون له عواقب مدمرة، حيث سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في الضفة الغربية، وقد يتسبب في انهيار شبكة المساعدات في غزة، مما يجعل توفير الإغاثة الإنسانية أمراً مستحيلاً في ظل الظروف الراهنة.
وفي مخيم بلاطة، حيث يعيش سعيد حشاش وعائلته، يواجه السكان العديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية. يقدر عدد سكان المخيم بنحو 33 ألف نسمة، وتصل نسبة البطالة بين الشباب إلى أكثر من 60%. وتوفر الأونروا تعليم آلاف الأطفال في المخيم، فضلاً عن تقديم الخدمات الصحية لأعداد كبيرة من السكان.
وتعاني السلطة الفلسطينية، التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية، من أزمة مالية خانقة، مما يجعلها غير قادرة على توفير البدائل اللازمة للأونروا. وبدون الدعم المستمر من الأونروا، سيواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة وضعاً مأساوياً، حيث لا يوجد أي بديل معتمد قادر على تحمل المسؤوليات الكبيرة التي تقدمها الوكالة.
وأدى الإضراب الذي استمر ثلاثة أشهر بين موظفي الأونروا العام الماضي إلى انقطاع خدمات الوكالة في العديد من المناطق، ما أسفر عن تراكم القمامة وتدهور الظروف الصحية والتعليمية. وكان هذا الإضراب بمثابة اختبار لما سيحدث في حال تم إغلاق الأونروا بشكل دائم. وقد عبر العديد من سكان المخيمات عن مخاوفهم من المستقبل في ظل هذه الظروف، مؤكدين أن اختفاء الأونروا سيعمق معاناتهم.
وقال الدكتور هيثم أبو عيطة، رئيس مركز صحي بلاطة، "إذا توقفت الأونروا عن العمل، لا أحد يمكنه تولي خدماتنا. لا تملك السلطة الفلسطينية الموارد، ولا الوكالات الأخرى الخبرة اللازمة."
وبينما يستمر النقاش حول دور الأونروا في المستقبل، تظل حياة آلاف الفلسطينيين في خطر إذا تم تنفيذ هذه القوانين. إذا اختفت الأونروا، ستتبدد آمال الكثيرين في الحصول على الخدمات الأساسية التي يعتمدون عليها.