د. محمد بشاري يكتب: الدين العقلي الكوني.. عقيدة أخلاقية!
تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT
اتفقت أتباع الملل والديانات كل في وجدانه العميق، على تأييد ذاتها، والميل لنزعتها الذاتية التي كثيراً ما تحاول إخفاءها، ولكن هل اتفقت يوماً على عقيدة واحدة؟
إن الاتجاه الكانطي -نسبة للفيلسوف إيمانويل كانط- في قراءة الدين من منظور عقلي، حين اتجه لدين عالمي، أو ما يسميه ب"الدين العقلي الكوني" وطفق مروجاً بفكره لاتحاد الدين بين البشر، يبدو وكأنه يسعى لجمع الإنسانية على مشترك واحد، بدليل شجبه للنزاعات الواقعة بين البشر، والسعي للتجمع على المحبة والتوافق والتوائم والتناغم، ولهذا نجده يضع "الأخلاق" لبنة أساسية، ومستقلة بحد ذاتها من حيث عدم حاجتها لدين يوجدها، فهي مشبعة بإرهاصات وجودها طالما العقل هو موجود، حتى وإن احتاجت الأخلاق الحالة الشعورية بما هو أسمى (الله).
وفي ذات السياق فإن هذه الفحوى تتفق مع حال الكثير من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي تغير بإسلامهم الشعائر التعبدية لا الأخلاق، فالأخلاق موجودة ومتسقة من أصالة الفطرة ولكنها تممت بالإسلام ولم تتغير. وهذا موافق لحديثه عليه الصلاة والسلام حين سُئِلَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ أيُّ النّاسِ أكْرَمُ؟ قالَ: أكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أتْقاهُمْ قالوا: ليسَ عن هذا نَسْأَلُكَ قالَ: فأكْرَمُ النّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابنُ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ، قالوا: ليسَ عن هذا نَسْأَلُكَ، قالَ: فَعَنْ معادِنِ العَرَبِ تَسْأَلُونِي قالوا: نَعَمْ، قالَ: فَخِيارُكُمْ في الجاهِلِيَّةِ خِيارُكُمْ في الإسْلامِ إذا فقِهُوا". فعلى الرغم من قدرة الدين على تطوير الذات الإنسانية وتنمية القيم والأخلاق وتوجيه السلوك الإنساني على المدى الطويل، إلا أن هذا لا يأتي بمجرد نطق الشهادتان، بل هو بحاجة لجهاد نفسي وصبر وتقوى واتصال صادق بين العبد وربه.
وأخيراً، فلطالما ارتبط الدين بمعاني الخير، والمقاصد الطاردة لأشكال الشر والظلم أياً كانت، إذ هو صوت الإله في الأرض، والإله عدل خيّر، وفي طبيعة الدين العالمي الذي يدعو له كانط، فإنه يأبى تقييد الدين ليكون مقتصراً على الدين الطقوسي المرتكز على تقليد الشعائر والابتهالات، والحركات، وجر الإنسان نحو زوبعة من الغيبيات والخوارق (الميتافيزيقيات) ليصدقها ويؤمن بها فيحكم ذلك الدين سطوته على العقل البشري ويخرجه من حيز الفعالية، بل يدعو لتثبيت وترسيخ معنى الدين الأخلاقي المبني على عقل الإنسان وتصالحه مع ذاته، باعتباره أساس أكثر سلامةً للحياة الإنسانية، وبالتالي فالإنسان بوعيه الأخلاقي وانعكاس ذلك على سلوكه لا ينتظر إصلاح رباني، ومساندات ملائكية منقذة، وخوارق لا يتحمل تبريرها وتفسيرها العقل، أو كرامات إنسانية (تقديس الإنسان) بل يرقى ليكون أهلاً بالإعانة والمساندة الإلهية.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
كل فلسطيني هدف يجب تدميره.. كاتب إسرائيلي يفضح عقيدة قوات الاحتلال
أثار الكاتب الإسرائيلي روغل ألفر في مقال ناري نشرته صحيفة "هآرتس" تساؤلات لاذعة حول المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في رفح جنوبي قطاع غزة ليلة 23 مارس/آذار الماضي، عندما أطلقت النار على قافلة إغاثة فلسطينية تضم سيارة إسعاف وعددا من سيارات الدفاع المدني، ما أدى إلى استشهاد 15 من عمال الإغاثة.
وأكد الكاتب أن جيش الاحتلال لن يقدم على الاعتراف بهذه الجريمة علنًا، لأن ذلك سيقيد عمله، كما أن ثقافته التي تتطابق مع ثقافة المجتمع الإسرائيلي ترى أن الفلسطيني هدف يجب تدميره.
جريمة حرب وعقيدة متوحشةويقول ألفر إن ما حدث في تلك الليلة لم يعد محل جدل أو رواية متضاربة، بل أصبح من "الحقائق المتفق عليها عالميا"، مشيرا إلى أن القافلة كانت تتحرك بأضواء الطوارئ الساطعة عندما اقتربت من جنود الجيش الإسرائيلي، الذين أطلقوا النار عليها وقتلوا من فيها.
ويضيف "بعد أيام قليلة، تم العثور على الجثث والسيارات المحطمة مدفونة في الرمال"، وهو ما يعد دليلا على محاولة التستر على الجريمة، حسب وصفه.
وبررت قوات الاحتلال الجريمة بالقول إن المركبات كانت تتحرك بشكل مريب، وإن معظم القتلى ينتمون إلى حركة حماس، زاعمة أن الجنود دفنوا الجثث مؤقتا حتى لا تلتهمها الكلاب والضباع.
إعلانبَيد أن هذه الادعاءات، بحسب ألفر، لم تصمد أمام شهادات شهود عيان فلسطينيين وصور ومقاطع فيديو نشرتها وسائل إعلام أميركية وبريطانية، أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن القافلة كانت تحمل علامات واضحة لمركبات الطوارئ، وأن "الضحايا أُعدموا بإطلاق النار من مسافة قريبة، وبعضهم عُثر عليه مكبل الأيدي أو الأقدام".
وسلط ألفر الضوء على الفيديو الذي عُثر عليه في هاتف أحد المسعفين القتلى، ونشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، وهو يوثق لحظة إطلاق النار قبل أن يُعثر عليه -لاحقا- قتيلًا برصاصة في الرأس. وعلق على ذلك بقوله "تشير الشهادات إلى وقوع مذبحة بحق عمال الإغاثة. جريمة حرب. لكن جيش الدفاع الإسرائيلي يواصل إنكاره".
ويُحمل الكاتب مسؤولية هذه الجريمة لِلواء غولاني، الذي أُسندت إليه مهام تنفيذ العملية، مشيرا إلى أن قائد كتيبة في هذا اللواء قال لجنوده عشية دخولهم إلى غزة: "كل من تقابلونه هو عدو. تحديد شخصية – تدميرها."، وهي عبارة يرى فيها ألفر تعبيرا واضحا عن العقيدة القتالية المتوحشة التي تحكم سلوك الجنود في الميدان.
الجيش الإسرائيلي لن يعترفورغم إعلان رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير عن فتح تحقيق في الحادث، يشكك الكاتب في قدرة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على الاعتراف بالجريمة علنا، متسائلا "هل يستطيع المتحدث باسم الجيش الظهور على شاشة التلفزيون والقول بالعبرية أو بالإنجليزية إن الجيش يعتذر عن مقتل 15 من عمال الإغاثة الأبرياء؟ هل يستطيع الاعتراف بأن بعضهم أُعدموا من مسافة قريبة؟ هل هو قادر على الاعتراف بأن الجنود كذبوا؟".
ويضيف ألفر أنه في حال صدور مثل هذا الاعتراف، فإنه سيجبر الجيش الإسرائيلي على التوقف عن التعامل مع فرق الإغاثة كأهداف عسكرية، وسيقيد حرية تحركه الميداني.
ويتابع "مثل هذا الاعتراف سيصعّب كثيرا على رئيس الأركان أن يتصرف كما فعل في ليلة 18 مارس، حين أمر بقصف جوي مكثف أسفر عن مقتل مئات الفلسطينيين الأبرياء، من نساء وأطفال ورجال، دون تمييز".
إعلانولم يكتف ألفر بتوجيه اللوم للجيش، بل وسع دائرة الاتهام لتشمل المجتمع الإسرائيلي بأكمله، الذي يرى فيه "شريكا في الجريمة"، إذ يرى أن "الرأي العام الإسرائيلي مستعد دوما لتبرير الفظائع، ولن يحتمل فكرة تقييد حرية الجيش تحت أي ذريعة قانونية"، مستشهدا بردود الفعل التي حدثت في قضية الجندي إيلور عزاريا، الذي أعدم شابا فلسطينيا جريحا عام 2016.
سكان غزة وحوشويذهب ألفر إلى أبعد من ذلك في تشريحه للموقف الإسرائيلي من سكان غزة، "بحسب الرؤية الإسرائيلية فإن جميع سكان غزة هم وحوش. حتى أولئك الذين يعملون في منظمات الإغاثة. وأطفالهم أيضًا. يستحق الجميع رصاصة في الرأس من مسافة قريبة، أو صاروخًا في غرفة المعيشة".
ويضيف "بما أن الجيش يزعم أن حماس تستخدم مركبات الإنقاذ لنقل المسلحين، فإن كل مركبة إنقاذ هي تلقائيا هدف يجب تدميره، سواء كانت مزودة بأضواء ساطعة أم لا. لا يوجد أي تعاطف مع أهل غزة".
ويختم الكاتب مقاله باعتراف شخصي يعكس حجم القطيعة الأخلاقية بين الإسرائيليين وسكان غزة، حيث يقول "لم يجرؤ أحد على تصديق أن المسعف كان يعمل بالفعل في منظمة إغاثة، وأن ساقيه كانتا مقيدتين بالفعل، وأنه تعرض لإطلاق نار في رأسه من مسافة قريبة بينما كان يصلي من أجل حياته!".
ويقول "المشكلة العميقة، والتي لن يحلها أي تحقيق، هي أن المجتمع الإسرائيلي لا ينظر إلى المذبحة باعتبارها جريمة حرب، بل باعتبارها دفاعا عن النفس".