ألهم سلوك القطيع في النظم البيئية الطبيعية باحثين من جامعة تكساس الأميركية، لتصنيع "أسراب ذكية" من الروبوتات المجهرية يمكن أن تعمل بشكل جماعي في أداء مهام محددة، من بينها التوصيل الدوائي داخل الجسم.

ويمنح سلوك القطيع أسراب الأسماك وخلايا النحل ومستعمرات النمل أفضلية في الاستجابة للتهديدات والتحديات مما لو كانت تتحرك بشكل فردي أو عشوائي، وهو ما نجح الباحثون في محاكاته بالروبوتات عبر تصميم تفاعلات اجتماعية بين هذه الآلات متناهية الصغر، ومن ثم يمكنها العمل كمجموعة واحدة منسقة لتقوم بتأدية المهام بشكل أفضل.

أسراب الروبوتات بِسِمة جديدة

وعرض الباحثون هذا الابتكار لأول مرة في ورقة بحثية نُشرت في دورية "أدفانسد ماتريالز" العام الماضي، لكنهم أخذوا الأمور خطوة أخرى إلى الأمام في ورقة بحثية جديدة نُشرت مؤخرا في دورية "ساينس أدفانسز"، وذلك بإعطاء أسراب الروبوتات سمة جديدة تسمى "التأخير الزمني التكيّفي"، وهو مفهوم يُعدل فيه توقيت الإجراءات أو الاستجابات ديناميكيا بناء على الظروف البيئية المتغيرة.

وفي سياق الروبوتات أو السلوك الجماعي، تسمح هذه السمة لكل روبوت صغير داخل السرب بتكييف حركته مع التغيرات في البيئة المحلية المحيطة، ومن خلال هذا التفاعل أظهر السرب زيادة كبيرة في الاستجابة السريعة لأي تغير بيئي مع الحفاظ على سلامة السرب.

ولتقريب المفهوم؛ تخيّل سربا من الطائرات دون طيار مكلفا بمراقبة منطقة كبيرة بحثا عن التهديدات المحتملة، وبفضل التأخير الزمني التكيّفي يمكن لكل طائرة دون طيار تعديل مسار رحلتها في الوقت الفعلي لتجنب العوائق مثل التضاريس الوعرة، أو الاستجابة للتغيرات في البيئة مثل هبوب الرياح المفاجئة. وهذا يسمح للسرب بالحفاظ على كفاءته الجماعية أثناء التنقل في البيئات المعقدة والديناميكية، وهي الفكرة نفسها التي سعى الباحثون لتحقيقها في "أسراب الروبوتات".

"التأخير الزمني التكيّفي" (وهي سمة تسمح لكل روبوت داخل السرب بتكييف حركته مع التغيرات في البيئة المحلية المحيطة) ساعد أسراب الروبوتات على إكساب سلوكها الجماعي مزيدا من الدقة والفعالية (شترستوك) سر"التأخير الزمني التكيفي"

ويكمن سر نجاح تنفيذ تلك التقنية في الطريقة التي صُنعت بها الروبوتات، إذ تكاملت عملية تصنيع الروبوتات من كرات السيليكا المغلفة بمواد معينة تجعلها تستجيب للضوء والحرارة مع تقنيات أخرى نفذها الباحثون، وذلك لتنفيذ تأخير زمني تكيفي وفق الخطوات التالية:

يسمح طلاء وتحضير كرات السيليكا بمواد محددة تستجيب للمحفزات الخارجية -مثل الضوء والحرارة- في دفعها بشكل متحكم فيه، وتشكل هذه الآلية للدفع الأساس لحركة الروبوتات واستجابتها. عندما تتحرك الروبوتات فإنها تتفاعل مع بيئتها، وتوفر آليات التغذية الراجعة -مثل استشعار التغيرات في درجة الحرارة أو اكتشاف العوائق- معلومات في الوقت الفعلي عن المناطق المحيطة بكل روبوت. يقوم برنامج بتحليل بيانات التعليقات الواردة من البيئة بشكل مستمر، ويحدد هذا البرنامج الأنماط أو التغيرات في البيئة التي تتطلب استجابة من الروبوتات. يقوم برنامج التحكم في ردود الفعل بضبط وقت استجابة كل روبوت ديناميكيا بناء على البيانات التي حُللت، وإذا تغيرت البيئة بسرعة أو بشكل غير متوقع فقد تؤخر الروبوتات استجاباتها لضمان رد فعل منسق. من خلال دمج التأخير الزمني التكيفي تشارك الروبوتات في اتخاذ القرار الجماعي، وبدلا من أن يتصرف كل روبوت بشكل مستقل، فإنه يزامن استجاباته لتحسين سلوكه الجماعي. تساعد ميزة تأخير الوقت التكيفي على تحسين أداء سرب الروبوتات، فهي تسمح لهم بالاستجابة بفعالية لمختلف الظروف البيئية مع الحفاظ على التماسك والكفاءة كمجموعة. تقوم الروبوتات باستمرار بتكييف أوقات استجابتها بناء على ردود الفعل المستمرة من البيئة، وتضمن هذه القدرة على تكييف التنقل بكفاءة عبر الظروف الديناميكية وغير المؤكدة. التجارب المعملية أثبتت أن الروبوتات التي تتحرك في أسراب يمكنها العمل بفعالية في البيئات الصعبة والمعقدة مثل مجرى الدم (شترستوك) ماذا بعد إثبات المفهوم؟

نجح الباحثون في إثبات مفهوم عمل الروبوتات كسرب في المختبر، والخطوة التالية التي سيعملون عليها هي تنفيذ التجارب في محلول سائل ثابت، وبعد ذلك سيحاولون تكرار السلوك في السائل المتدفق، ومن ثم سيتحركون لتكراره داخل الكائن الحي.

ويقول الأستاذ ببرنامج علوم وهندسة المواد بجامعة تكساس "زيهان تشن" في بيان نشره الموقع الإلكتروني للجامعة: "نتطلع إلى تحقيق نجاح يساعد على تجاوز مشاكل الروبوتات النانوية المنفردة، والتي تكافح من أجل التنقل بفعالية في البيئات الصعبة والمعقدة مثل مجرى الدم".

ويضيف أن "الحركة الجماعية يمكن أن تساعدهم على التنقل بشكل أفضل في بيئة معقدة، والوصول إلى الهدف بكفاءة وتجنب العقبات أو التهديدات".

وبمجرد تطوير هذه الأسراب الذكية بشكل كامل، يمكن أن تكون بمثابة قوى متقدمة قادرة على التنقل في الجسم البشري والتهرب من دفاعاته لإيصال الدواء إلى هدفه، ولكن هذا سيتطلب دراسات مستفيضة تجيب على عدة أسئلة حددها رئيس قسم الصيدلانيات والصيدلة الصناعية بجامعة المنيا (جنوب مصر) أشرف فرغلي، وهي:

أولا: هل يستطيع الجسم التخلص من الروبوتات النانوية الحاملة للدواء والمصنعة من السيليكا، أم سيمتصها ويؤدي تراكمها إلى مشكلة؟ فبعض التقنيات العلاجية لم تأخذ خطوات إلى الأمام، لأنه ثبت أن الجسم يواجه صعوبة في التخلص من مكوناتها مثل تقنية علاج السرطان بجزيئات الذهب النانوية. ثانيا: ما هي الأدوية التي ستصل إلى داخل الجسم باستخدام تلك التقنية؟ فمثلا إذا كانت ستُستخدم لتوصيل أدوية السرطان بشكل مستهدف للخلايا السرطانية أو ستستخدم لعلاج مشاكل بالدماغ عبر نجاحها في عبور الحاجز الدموي للدماغ، فعندها ستكون لها قيمة مضافة كبيرة. ثالثا: ما هو معدل انطلاق الدواء الموجود بالروبوتات النانوية؟ إذ يجب تحقيق ما يسمى بـ"النافذة العلاجية" والتي تشير إلى نطاق الجرعات التي يمكن للدواء من خلالها علاج حالة طبية بشكل فعال مع تقليل مخاطر الآثار الضارة. رابعا: هل يمكن حدوث تفاعل بين مادة السيليكا المستخدمة في تصنيع الروبوتات والمادة الدوائية؟ إذ ينبغي التأكد من عدم حدوث أي تفاعل كيميائي أو فيزيائي بين السيليكا والمادة الدوائية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات من الروبوتات التغیرات فی فی البیئة

إقرأ أيضاً:

الأول من نوعه بالشرق الأوسط.. اتفاقية لإنشاء مختبر الموائع الدقيقة في مسقط

◄ متوقع افتتاح المختبر في النصف الثاني من 2026
مسقط- الرؤية
وقعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار اتفاقية حق انتفاع بأرض مخصصة بمجمع الابتكار مسقط، مع شركة مزن للطاقة، بهدف إنشاء مشروع مختبر الموائع الدقيقة (الميكروفلويدك) كأول مختبر من نوعه في الشرق الأوسط.
وقع الاتفاقية عن الوزارة سعادة الدكتور سيف بن عبد الله الهدابي وكيل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار للبحث العلمي والابتكار، فيما وقعها عن شركة مزن للطاقة الدكتور فهد بن ناصر الحارثي رئيس مجلس الإدارة.
وتمثل تكنولوجيا الموائع الدقيقة تطورا لافتاً في فهم سلوك تدفق وحبس الموائع في القنوات الدقيقة على المقياس الميكرومتري، وتستخدم هذه التقنية الرائدة في العديد من التطبيقات في علم نقل السوائل في الوسائط المسامية وبشكل رئيسي في صناعة النفط والغاز والهندسة البيولوجية والتقنيات المتعلقة بالطاقة وغيرها. 
وسيمثل المشروع علامة فارقة في تطوير حلول فعالة ومستدامة لدعم شركات النفط والغاز في اختبار الطرق المختلفة لعمليات الاستخلاص المعزز للنفط والغاز وتحسينها لزيادة الإنتاج وكفاءة العمليات من خلال نهج متكامل بدءا من المقياس الميكرو متري من خلال تجارب الغمر المختبرية وربطها بدراسات تطوير الحقول والاستشارات الهندسية على مستوى نطاق المكامن النفطية. 
ويعتبر المختبر كذلك منصة هامة للبحث والتطوير لتصميم وتطوير سوائل وأنماط الحقن المبتكرة لزيادة كفاءة الاستخلاص المعزز للنفط والغاز؛ مما يساعد على زيادة الإنتاج بسعر تنافسي، وبالتالي مواجهة الأسعار العالمية المتقلبة، وبما يعظم الفائدة لسلطنة عمان توافقا مع رؤية عمان 2040.
يشار إلى أنَّ شركة مزن للطاقة ترتكز على تمكين الاقتصاد المحلي وتعزيز القيمة المحلية المضافة في قطاع الطاقة، معتمدة على نخبة من المختصين العمانيين وتواجدها في بيئة علمية وابتكارية في مجمع الابتكار مسقط، حيث تقدر قيمة المرحلة الأولى للمشروع حوالي 2 مليون ريال عماني ومن المتوقع افتتاحه في النصف الثاني من عام 2026.
 

مقالات مشابهة

  • كاساس: يجب الفوز على الكويت وفلسطين من الدقيقة الأولى للتأهل لكأس العالم
  • المطلوب من أمريكا، التعامل مع مصدر الأسلحة التي تقتل الشعب السوداني
  • تقديم 120ألف خدمة علاجية بالمحافظات خلال خطة التأمين الطبي لاحتفالات عيد الميلاد
  • ميرومي: روبوت فروي جديد يسرق القلوب في CES 2025
  • وزير الخارجية: مصر تواصل تقديم كافة أشكال الدعم للبنان في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها
  • أطباء يكشفون: هذه هي الطرق التي يمكن بها إطالة العمر
  • ينظف ويرتب!.. فيديو لأول روبوت مكنسة بذراع
  • الأول من نوعه بالشرق الأوسط.. اتفاقية لإنشاء مختبر الموائع الدقيقة في مسقط
  • "هنو" يكشف التحديات التي تواجه وزارة الثقافة
  • بمساعدة «روبوت».. إجراء أول عملية جراحية عبر «الأقمار الاصطناعية»