آخر تحديث: 17 أبريل 2024 - 2:51 م لمؤلّفه اللواء الركن علاء الدين حسين مكّي خمَّاس بقلم: صفوة فاهم كامل سعدْتُ جداً عندما أهداني أستاذي وزميلي وصديقي اللواء الركن علاء الدين حسين مكّي خمَّاس مؤلّفهُ الحادي والعشرين وآخر إنجازاته البحثية المتميّزة، فور صدورہ من المطبعة وقبل توزيعه في المكتبات، الموسوم (الجيش العراقي في حرب فلسطين عام 1948… سِفْر خالد وتاريخ مجيد)، أحدث منشورات دار الأكاديميون للنشر والتوزيع في عمّان لعام 2024.

فكنتُ أول من اطَّلع على محتواہ وقلَّب صفحاته وقدَّر الجهد والوقت المبذولين في تأليفه.
يُعَدُّ اللواء الركن علاء الدين حسين مكّي خمَّاس في الوقت الحالي عميد الجيش العراقي إن لم نقل شيخهم النجيب، فهو من مواليد بغداد عام 1937، خريج الكلية العسكرية/ دورة ٣٣ عام ١٩٥٧، والأكاديمية العسكرية الملكية البريطانية (Sandhurst) عام ١٩٥٧، وكلية الأركان العراقية عام ١٩٦٦، وكلية الحرب الفرنسية العليا عام ١٩٧٧. وذو شخصية عسكرية رياضية علمية رصينة وصاحب مؤلفات ودراسات وبحوث مفيدة أغنت المكتبتين العسكرية والمدنية، وما زال يملك في جعبته الكثير من الأفكار والطروحات قيد البحث والتأليف.
وأَكاد أجزم -وهذه قناعتي- أنَّ كتاب اللواء خمَّاس هذا والذي استغرقَ إعداده ثلاث سنوات متواصلة هو قمَّةُ هرم كتبهِ وأنجحها، فقد وضعَ فيه عصارة جهدہِ الفكري والبحثي ناهلاً من خبرته الطويلة وثقافته العالية واطلاعه على الكثير من الكتب العسكرية العربية والأجنبية التي ترجم عدداً منها، ليبرز للعالم العربي والجيل الحالي -بكلِّ وضوح- الدور الحقيقي للجيش العراقي في حرب فلسطين عام 1948 التي سمِّيت (يوم النكبة) أو (عام النكبة) بينما أَسماها العدو (حرب الاستقلال). وإن كان كتابه قبل الأخير الصادر عام 2021 تحت عنوان (دور العراق في حرب عام 1967 … تاريخ وذكريات) لا يقل أهميةً عنه.
وتزامن صدور الكتاب ونحن على أعتاب الذكرى السادسة والسبعين لتلك النكبة المشؤومة وما زال الشعب الفلسطيني المرزوء يمرُّ بظروف قاسية وحزينة، حيث أوجاع الحياة تُثقِل عليه بكل مآسيها في قِطاع غزَّة وبقية الأراضي المحتلة في زمن بات الجيش العراقي -للأسف- بعيداً عن دوره الحقيقي في مجابهة الكيان الصهيوني الغاصب متخلِّياً (مؤقَّتاً) عن قضيته الأساسية وهدفه الأسمى في تحرير كامل تراب فلسطين من النهر إلى البحر، وهو المعوَّل عليه بين الجيوش العربيبة وأهلٌ لها باقتدار…
جيشُ العراق ولم أزل بك مؤمناً
وبأنَّك الأمل المرجَّى والمنـى الكتاب يقع في 684 صفحة من القطع الكبير وبأحرف متوسطة، وأول ما يَلفت نظر القارئ تصميمُ غلافه الذي وضِعتْ عليه خريطة صمَّاء للعراق وبلاد الشام بخلفية خضراء ليخرج من بغداد العروبة سهمٌ ذهبي باتجاه فلسطين الحبيبة وتحديداً القدس فأعطى للكتاب معنىً لامعاً آخر مكمِّلاً لعنوانه الفخم والواضح.
اللواء علاء الدين حسين مكّي خمَّاس أهدى مؤلَّفه وجُهده إلى كل من ناضل ودافع وقاتل واستشهد من أجل الحفاظ على عروبة فلسطين وكذلك إلى الشباب الناهض وإلى الجيش العراقي. ونظراً لكثرة وقائع تلك الحرب وما قبلها ومشاركة جيوش عربية عدَّة فيه فقد ارتأى تبويب الكتاب وتقسيمه إلى 26 فصلاً، بدأها بقرار تقسيم فلسطين عام 1947 والأسباب المؤدِّية له ومشروع التقسيم والكتاب الأبيض الذي أصدرته بريطانيا مع حيثيات القرار وتداعياته العربية مروراً بمعارك الجيش العراقي الذي كان في حينها من أكبر الجيوش العربية المشاركة عدداً، لتنتهي الحرب باتفاقية هدنة وُقِّعت بين (إسرائيل) ودول المواجهة العربية ولم يوقِّعها العراق، إلى نهاية فصول الكتاب بانتهاء الحرب وتسليم الجيش العراقي مواقعه وعودته تباعاً إلى ثكناته في العراق واستقبالهِ عند مدخل مدينة بغداد، وكان على رأس مستقبليه في حينها والدہ أمير اللواء حسين مكّي خمَّاس -رحمه الله- مدير الحركات العسكرية.
في بداية الكتاب تطرَّق الكاتب إلى قوات الجيش الإسرائيلي وأسماء التنظيمات المسلَّحة التي فاجأت العرب إذ كانت تربو على ستين ألف محارب من ذوي خبرات قتالية عالية، لا كما اعتقدوا أنَّها مجرد عصابات مسلّحة، لتتحوّل بين ليلة وضحاها إلى ما بات يعرف بـ (جيش الدفاع الإسرائيلي) تحديداً يوم 15 مايس 1948، يوم انتهاء الانتداب البريطاني وإعلان قيام (دولة إسرائيل) وما تلاہ من تمدّد هذا الكيان تدريجياً واجتياحه مدناً وقرى فلسطينية أخرى، علماً أن الجيش الإسرائيلي لم يكن يملك أي قوة جوية أو طائرات حربية مقاتلة لحظة بدء الحرب.
كان العدو قد بدأ تطبيق خططته المبيَّتة سلفاً للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية التي تؤمِّن دولته المزعومة قبل تاريخ انتهاء الانتداب البريطاني وتسارعت وتيرة الأحداث والاستعدادات فبدأت باغتيال القائد الفلسطيني حسن سلامة ورفاقه ثمَّ الاستيلاء على قرية القسطل واحتلالها وفيها استشهد القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني وتوالى بعدها احتلاله مدن وبلدات دير ياسين وطبرية وحيفا وصفد ويافا وبيسان على التوالي. وفي الساعة الواحدة من صباح يوم 15 مايس 1948، اجتازت الجيوش العربية النظامية الحدود الدولية لفلسطين تنفيذاً لقرار الجامعة العربية وكان في مقدمتها الجيش العراقي الذي كان قد تحشَّد على الضفة الشرقية لنهر الأردن.
أما أهم المعارك التي اشتبك فيها الجيش العراقي مع العدو خلال فترة الحرب وذكر المؤلف مُجرياتها في صفحات الكتاب فهي على التوالي: معركة كيشر، ومعركة جنين الأولى والثانية، ومعارك جبهة كفر قاسم، ومعارك النقب الأولى، ومعارك تل حنيفش وبورين طول كرم، وكان آخرها معركة رامات هاكوفتش، حيث أُعلن بعدها وقف إطلاق النار.
وعلى الرغم من حداثة تشكيل الجيش العراقي وخبرته المتواضعة في القتال آنذاك، إذ كان قد مرَّ على تأسيسه سبعة وعشرون عاماً فقط، زجَّ العراق في هذه الحرب ثلثي جيشه ممَّا يدلُّ على جدِّيته في الالتزام بواجبه القومي تجاه فلسطين، فشارك بقوة آلية وجحفل لواء مشاة وسرب طائرات، وتجمَّعت هذه القوات في مدينة المفَرق الأردنية ومطارها، ثمَّ أُرسلت قوات أخرى لتعزيز الموقف مؤلَّفة من أربعة جحافل ألوية مشاة وفوج آخر وفوجين من قوات الشرطة السيارة. وقد أبرز المؤلَّف تشكيلات هذه القوات والقوات المتجحفلة معها بشكل مفصَّل وكذلك باقي قطعات الجيوش المشاركة الأردنية والسورية واللبنانية والسعودية.
وإذا كان اللواء الركن علاء الدين حسين مكّي خمَّاس قد استذكر بشكل مُسهب دور الجيش العراقي في هذه الحرب، وهو الإنجاز التاريخي الذي يتشرّف أبناؤه به إلى اليوم ويشار له بالبَنان عراقياً وعربياً، فإنَّه افرد صفحات كثيرة عن دور القائد الميداني المقدَّم عمر علي بطل معركة جَنين في هذه الحرب الذي ما زال اسمه محطَّ فخر واعتزاز لكل فلسطيني بينما يتوجَّس منه الصهاينة، مستعيناً بمعلومات تاريخه قيّمة ومهمّة من مصدر حي وقريب، من ابنه المقدَّم الطيار بارز عمر علي، ليعزَّز من عديد مصادر كتابه الثريّة ويُتحفه بمعلومات غير مطروقة سابقاً فضلاً عن مصادر إسرائيلية كَتبتْ عنه ومذكِّرات قادة ضبَّاط شاركوا فعلياً في هذه الحرب.
لقد أمست معركة جَنين الأولى والثانية صفحة فخر واعتزاز وملحمة خالدة سطَّرها الجيش العراقي وعلامة بارزة في سفر تاريخه، دون الانتقاص من المعارك الأخرى، وما المقابر الثلاث الماثلة للعيان إلى اليوم والتي تضمُّ تحت ثراها رفات شهداء الجيش العراقي في مدن جَنين ونابلس الفلسطينيتين والمفرق الأردنية إلَّا شواهد حيَّة على تضحيات أبنائه، وهو الجيش العربي الوحيد الذي يملك مقابر لشهدائه خارج أرضه كانت دماء أجسادهم الطاهرة قد روت أرض فلسطين.
عزَّز المؤلِّف كتابه بكثير من الصور الجوية والخرائط العسكرية التي استعان بها لإيضاح الأماكن والمواقع والنقاط وسير المعارك للقارئ وخرائط أخرى خطَّطها بنفسه وأشَّرَ عليه بيدہ نتيجة خبرته الطويلة التي اكتسبها من اشتراكه في معارك الجيش العراقي واقتدارہ كمدرِّس في الكلية العسكرية وكلية الأركان ومن ثمَّ رئاسته جامعةَ البكر للدراسات العسكرية العليا، وطرَّز صفحات الكتاب أيضاً بصور تاريخية لرجال كانت لهم أدوار بطولية في الحرب وصور أخرى لمواقع وثكنات عسكرية مع أسمائها وتفاصيلها وأسلحة وطائرات ومعدَّات استخدمت في الحرب، وبعض هذه الصور تنشر لأول مرة ممَّا زاد من جمال الكتاب ومن قيمته التوثيقية والتاريخية.
أما أبرز القادة الميدانيين وآمري الألوية الذين شاركوا بشكل مباشر في هذه الحرب هم: اللواء الركن إسماعيل صفوت، أمير اللواء الركن نور الدين محمود، والزعيم طاهر الزبيدي، والعقيد الركن نجيب الربيعي والعقيد الركن صالح زكي توفيق، والعقيد الركن مزهر الشاوي، والزعيم ياسين حسن، والعقيد الركن محمد رفيق عارف، وعشرات الضباط وبضعة آلاف من الجنود الأشاوس ممن كانوا تحت إمرتهم -رحمهم الله جميعاً.
أنهى الكاتب صفحات كتابه بخاتمة طويلة عبَّر فيها عن رؤيته لتلك الحرب بعد خمس وسبعين سنة على انتهائها وعن أسباب فشلها، بدءاً من بداية الحركة الصهيونية والموقف العربي وأدائه السياسي والاستراتيجي والأداء العسكري لكل من القوات العربية والصهيونية علاوة على أهم الدروس البليغة المستنبطة من هذه الحرب. ودوَّن في السطور الأخيرة من هذه الخاتمة آخر رسالة تسلَّمها من زميله وصديقه الفريق الركن محمد عبد القادر الداغستاني -رحمه الله- قبل وفاته بيوم واحد، بيَّنَ فيها رأيه في الكتاب ووجهة نظره في الوضع العربي وفي (إسرائيل).
وبعد أن تنوَّرنا بصفحات هذا الكتاب التاريخي المهم وخرجنا بهذه السطور المتواضعة وقدَّمناها للقارئ الكريم، التمس منه قراءة صفحات الكتاب كاملةً للاطلاع على تفاصيل صفحات الحرب في ساحة العمليات ودقائقها الشائكة وخباياها الصعبة، كي يكون أكثر تعمّقاً في استيعاب الأحداث التي رافقت الحرب، بخاصة العسكريون المتقاعدون من الجيل السابق وضباط الجيش الحالي وعُشّاق التاريخ. وأجد من الضروري جداً أن يوضع هذا الكتاب على رفوف مكتبات مؤسساتنا وأكاديمياتنا العسكرية والمدنية والمكتبات العامة ليكون مصدراً جديداً للباحثين والمؤرخين ونبراساً للأجيال القادمة.
دعاؤنا إلى الباري عزَّ وجل أن يحفظ اللواء الركن علاء الدين حسين مكّي خمَّاس (أبا حسين) وعائلته الكريمة وأن يمدَّ في صحتهِ وعمرہِ ويستمر بإتحافنا بالمزيد من المؤلفات التاريخية المتميّزة التي يتشوَّق القارئ لقراءتها والاستمتاع بمعلوماتها.
ونختم هذه السطور بأبيات من قصيدة عصماء كتبها أحد الضباط الذين اشتركوا في معركة جَنين وهو اللواء الركن محمود شيت خطاب الموصلي -رحمه الله- بتاريخ 26/4/1949، وألقاها بعد مراسم دفن شهداء الجيش العراقي وصدور أوامر بالانسحاب، حينما ألقى نظرة الوداع الأخيرة وبكى… فقال مخاطبًا الجماهير الفلسطينية المحتشدة لوداعهم:
هـذي قبـور الخـالـديـن فقد قَضَوا
شُهداءَ حتـى أنقذوا الأوطانا قـد جـالـدوا الأعداءَ حتـى استُشهدوا
ماتـوا بساحـاتِ الوغى شُجعانـا مـاتـوا دفـاعًا عـن حياضٍ دُنِّسَتْ
بأحطِّ خلقِ الله فـي دنيانا أجنـيـنُ إنَّكِ قـد شهدتِ جهادنا
وعـلـمتِ كـيف تسـاقطتْ قتلانا إنَّ الخلـودَ لـمـن يـمـوت مجاهدًا
لـيس الخلـود لمن يعيش جبانا

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: الجیش العراقی فی فی هذه الحرب فلسطین عام معرکة ج فی حرب

إقرأ أيضاً:

كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» بـذور التطـرف ( 2)

تنشر بوابة «الأسبوع» فصولًا من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» للكاتب الصحفي مصطفى بكري رئيس التحرير، والصادر عن دار كنوز للنشر والتوزيع. وفي الحلقة الأولى من الكتاب، رصد المؤلف تاريخ نتنياهو منذ الطفولة وعلاقته بوالده الذي لقنه الأفكار المتطرفة والمعادية للعرب والفلسطينيين، خاصة وأن جده كان من كبار دعاة الحركة الصهيونية. لقد رباه والده على كراهية أي يهودي يقبل بمصافحة العرب، وكان دائم الترديد على مسامعه «أن العربي إذا مد يده بالسلام، فانظر إلى يده الأخرى.. فإنك ستجد خنجرًا ممدودًا إليك» وإلى الحلقة الثانية

الحلقة الثانية

يحلم باحتلال سيناء وإعلانها عاصمة للدين اليهودى

كان يعاني عقدًا نفسية لازمته طوال حياته

سر الخلاف بينه وبين شقيقه «يوناثان»

يرى أن العرب يجب أن يعودوا إلى مهنة رعي الأغنام وتربية الماشية

فى الحلقة الثانية من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» الصادر عن دار «كنوز للنشر والتوزيع» يرصد الكاتب الصحفى مصطفى بكرى مراحل التطرف فى حياة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو من خلال قراءة مذكراته وأقواله وتصريحاته، ويتوقف الكاتب فى هذه الحلقة عند مقولة نتنياهو عن سيناء حيث يقول: «إنها المكان الذى جاءت فيه رسالة موسى الذى أرسل لبنى إسرائيل، ومن الطبيعى أن يكون لليهود عاصمتهم فى سيناء (كما يزعم).

ويحلم نتنياهو من خلال كتاباته بأن يبنى وسط سيناء المقر الرسمى للحكومة الإسرائيلية تحيط به المعابد اليهودية الكبرى، وأن تكون سيناء عاصمة للدين اليهودي.

ويتناول المؤلف مسيرة نتنياهو فى فترة الشباب وأسباب ارتباطه بالقدس وعقده النفسية التى نتجت من خلال تطرفه ومعاملة الآخرين له.

مثّل مقتل “جوناثان نتنياهو” شقيق بنيامين نتنياهو نقطة تحول خطيرة فى فكر بنيامين، حيث إن “بنيامين” كان يحب أخاه “جوناثان” الذى كان بدوره متشددًا ضد العرب، وكان يرى ضرورة العمل على تقوية دولة إسرائيل، حيث يرى أن ضعفها الأساسى هو فى قلة عدد سكانها، وأنه لابد من العمل على تجميع شتات اليهود فى داخل الدولة، وتوفير كل مقومات الحياة الآمنة لهم. كان “جوناثان” الأخ الكبير لبيبى، وأخوهم الثالث هو “عيدو”، يجلسون سويًا عندما تدور بينهم أحاديث مهمة فى الحديقة الكبيرة التى كانت تتوسط منزلهم الذى استقروا فيه فى الولايات المتحدة الكائن فى ضاحية وينكوت، وهى إحدى الضواحى الأمريكية القريبة من فيلادلفيا، وكان هذا المنزل الذى استقروا فيه منذ عام1963 مكونًا من طابقين، كان إيجاره زهيدًا، حصل عليه “تسيون نتنياهو” “الوالد” من خلال أحد أصدقائه الأمريكيين والذى رشح للعمل كمحاضر للتاريخ فى كلية درونسى، وهى من الكليات غير المشهورة بل كانوا يعتبرونها أشبه بمدرسة، إلا أن “تسيون” قرر أن يقبل العمل بهذه الكلية بعد الضغوط الشديدة التى تعرض لها داخل إسرائيل.

كان عمر “بنيامين” 13 عامًا، ويحكى عن هذه الفترة من خلال أوراقه الخاصة بقوله إنها “كانت فترة مفعمة بالحيوية والنشاط وتكوين الأفكار، ويقول: لقد أحببت إسرائيل جدًا وعندما علمت أننى سأغادرها إلى الولايات المتحدة لم أكن فرحًا مثل غيرى ممن يمكن أن يتلقوا هذا الخبر ومضيت أنا وأخى “جوناثان”، ومررنا على الشوارع والأزقة والمنازل فى القدس، ويضيف أتذكر ذلك اليوم جيدًا على الرغم من أننى كنت صغيرًا وكنت أبكى بشدة وجوناثان يهدئ من روعى، كنت أشعر بأن هناك رباطًا قويًا بينى وبين كل طوبة، وكل رجل وامرأة وطفل، وكان بداخلى إحساس بأننى لن أعود مرة أخرى، وأن هذا الإحساس كان يزيد معاناتى، إلا أننى أقسمت لنفسى أن أعود وأستقر فى هذه المناطق الجميلة، ويقول كانت الحديقة الكبرى فى منزلنا ببينكوت الأمريكية جميلة.. وكنت دائمًا أجلس مع أخواى “جوناثان” و”عيدو”، وعلى الرغم من صغر سننا إلا أننا كنا نتحدث فى مستقبل إسرائيل وكأننا حكومة إسرائيلية نخطط ونقرر وكنا نطلب من “عيدو” أن يكتب ما نقوله، وكان “جوناثان” أكثرنا صوابًا فى الرأى، ودراية بالمسائل والمشاكل التى تعوق نهضة دولة إسرائيل، وأتذكر أنه فى خلال حقبة الستينيات وقبل 1967، كان الرئيس المصرى جمال عبد الناصر يأخذ قدرًا كبيرًا من المناقشات وكانت لدينا رؤية مشتركة فى أن هذا الرجل يجب أن يقتل، وأعددنا خطة على الورق فى 1965 لذلك، وكنا نرى أن قتل جمال عبد الناصر قد يعطى بعض الأمان لإسرائيل لأنه كان شخصية كريهة يتشبث بأفكار كلها تدور ضد إسرائيل، وكان “جوناثان” يقول: إن هذا الرجل لا يمكن التفاوض معه لأنه يعتبر نفسه زعيمًا للعرب بمعاداته لإسرائيل وكان يرى أنه إذا تفاوض معه الإسرائيليون فإنه سيتخلى عن زعامته، كانت خطتنا التى أعددناها على الورق تقوم على أساس تفجير طائرة الرئيس المصرى فى إحدى زياراته الخارجية بوضع قنبلة فيها فى أى من المطارات الدولية، وخططنا لكيفية الاتفاق مع الشخص الذى سيضع القنبلة والذى يجب أن يكون من العاملين بالمطار، وكتبنا فى الخطة أيضًا جزءًا عن كيفية اختراق أى فرد يمثل عائقا أمنيا مفروضا على الطائرة.

ويتذكر “بنيامين” أن والده “تسيون” أطلع على بعض هذه الأوراق وأعجب بخطة قتل الرئيس المصرى، ويومها قال: إنه لو كان هناك جهاز استخبارات قوى فى إسرائيل لكان من الممكن أن ينفذ مثل هذه الخطة و ألقى باللوم على حكومة إسرائيل وسياستها واستخباراتها فى عدم التخلص من جمال عبد الناصر، أيًا كان الأمر فإن “جوناثان” فى جلساته مع “بنيامين” فى المدينة الكبيرة- على حد ما يرى بنيامين نفسه- كان يفكر فى أن تكون إسرائيل دولة عظيمة وكبيرة وأن عظمتها تكمن فى زيادة سكانها وحدودها وأن يكون لها امتداد جغرافى يمكن حمايته فى أى وقت وبأيسر السبل الممكنة، ويقول: كان لدينا تخطيط جيد على ضرورة أن يتجمع كل يهود العالم فى إسرائيل، كنا نحلم بأن تكون إسرائيل العاصمة السياسية والدينية ليهود العالم وأن تكون هناك ثلاثة أيام فى العام يتجمع فيها كل اليهود من أرجاء العالم ليحجوا إلى القدس وزيارة الأماكن الدينية، وأن يعقد مؤتمر قومى ودولى شامل يتم فيه اتخاذ قرارات جوهرية بشأن مستقبل دولة إسرائيل العظمى، ورأينا أن الوسيلة المثلى لذلك هى إنشاء صندوق لجمع التبرعات وأن تكون هناك نسب مقننة ومحددة فى دخل أى شخص يهودى يجب أن تذهب لهذا الصندوق، وأن تكون له فروع فى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ومن الفروع تنشأ إدارات فى المدن والأحياء والضواحى الأمريكية والأوروبية، ثم يتم تسليم هذه الأموال فى كل عام قبل بداية أعمال المؤتمر الشامل إلى سفراء إسرائيل وقناصلها والذين بدورهم ينقلونها إلى الخزانة الإسرائيلية وكانت فكرة “بنيامين”، أن الوظيفة الأولى لهذه الأموال هى إنشاء المستوطنات والمنازل وتشييد دولة عصرية اقتصاديًا.

ولا شك فإن هذه الفترة من حياة بنيامين، وما ورد فى أوراقه توضح أمرين أساسيين: أولهما كرهه الشديد للرئيس عبد الناصر وسنرى بعد ذلك أنه يكن كراهية أيضًا للرئيس السادات، لأنه فى ظنه ضحك على بيجين “كما يرى” وحصل على سيناء وأن هذا الكره متوارث للرؤساء المصريين الذى تشكل فى عقيدة بنيامين منذ صغره وتحديدًا منذ أن كان يبلغ من العمر 13عامًا وهذا يفسر العديد من السياسات التى يتبعها بنيامين حاليًا وأن أكثر شيء يخشاه هو ما عبر عنه فى أكثر من مناسبة وبخاصة فى لقائه مع المستوطنين- هو أن تتوحد المصالح العربية سياسيًا واقتصاديًا وهذا يمثل خطر على إسرائيل.

لقد أكد ذلك فى اجتماع مع بعض المستوطنين فى16 من فبراير1996، حيث أشار فى هذا الاجتماع إلى أن هناك ثلاثة أنواع من السياسات الأولى: سياسات مصيرية ولا يمكن التراجع عنها أو تغيير الموقف بشأنها واعتبر أن سياسات الاستيطان من السياسات المصيرية وأمن إسرائيل وحماية حدودها وأمنها.

الثانى: سياسات إستراتيجية، وهى أيضًا من الصعب تعديلها أو تغييرها مثل رفض الانسحاب من الجولان أو القدس أو إقامة الدولة الفلسطينية.

كتاب نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى «الرؤية والتخطيط»

والثالث: سياسات تكتيكية، وهى نوع من السياسات التى نرفضها فى البداية إلا أننا على استعداد لأن نقبل بها أو نكون مخططين للقبول بها ولكن بعد أن نحصل على ما نريد من العرب، وأن السياسات التكتيكية هى التى يقع فى نطاقها العديد من مسائل عملية السلام أو غالبية الخطط الإسرائيلية فى السلام، وأنه من الممكن إذا رأينا أن السياسات التكتكية فاشلة ولم تحقق أيًا من أهدافها فإننا نسقط بعض السياسات الإستراتيجية ونجعلها تكتيكية، إلا أننا فى النهاية لن نقبل بأى شيء يضر بأمننا أو يغير من نظرتنا إلى المستقبل، وهو يرى هنا أن السياسات التكتيكية لها فوائد كبيرة وأن أهم فائدة يمكن توقعها هو عدم السماح للعرب باتخاذ موقف موحد ضد إسرائيل.

ويرى “بنيامين” أن إسرائيل يجب أن تكون مستعدة اقتصاديًا للتعامل مع الدول العربية، وأن ما يهمه هو تقوية علاقاته الاقتصادية مع الدول الخليجية وأنه لا يهمه أن يكون له علاقات اقتصادية قوية مع المصريين أو المغاربة، ويتوقع أن مسألة التعاون الاقتصادى مع دول الخليج يمكن أن تشكل بداية لنهضة كبيرة فى الاقتصاد الإسرائيلى وأن دخول إسرائيل اقتصاديًا فى مشروعات مع هذه الدول سيجعل إمكانية الاندماج لاقتصاديات الخليج مع اقتصاديات الدول العربية صعبًا الأمر الآخر: أن نتنياهو استقرت فى عقيدته منذ الصغر سياسات الاستيطان والتوسع فى الأراضى العربية وأن فكرة الحدود الآمنة أساسية وضرورية، مضت الأيام ثقيلة فى الولايات المتحدة خاصة بعد أن تقرر نقل تسيون نتنياهو من كلية درونسى إلى جامعة كورنيل، وكان تسيون هو الذى سعى إلى إتمام هذا النقل وبخاصة أنه كان يريد الانتقال إلى جامعة معروفة بالإضافة إلى الانتقال إلى نيويورك، حيث اليهود ذوو النفوذ والمال، وكان تسيون لدية رغبة فى أن ينخرط وسط هذه المجموعة حيث بدأ بعد إقامته فى ضاحية وينكوف يهتم بجمع الأموال وكان يريد أن يؤمن مستقبل أولاده الثلاثة وبخاصة أن محاضراته فى كلية درونسى التى كانت المصدر الوحيد للدخل لم تكن تشعر أولاده الثلاثة بأنهم يعيشون حياة جيدة ومرفهة ولقد كانت لديهم تطلعات مثل أصدقائهم الذين كانوا يتفاخرون بالدولارات والسيارات والأشياء غالية الثمن، وكان بنيامين يرى فى نفسه أنه ليس أقل من هؤلاء، ويقول عنهم: “لقد كانوا أغبياء وكنت أذكى منهم كثيرًا وكان لدى طموح بأننى من خلال ذكائى أستطيع أن أجمع المال وأن أكون أكثر قوة من هؤلاء الأغبياء، وكنت دائمًا أرى أن والدى يجب أن يكون من الأغنياء لأنه مفكر وقادر على ان يكون منظرًا لفلسفات وسياسات إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة، إلا أن احدًا لم يهتم بوالدى كمفكر، ويرى أن السبب فى ذلك قد يعود إلى تشدده فى آرائه وأفكاره وأنه على استعداد لأن يدافع عنها حتى الموت، وهو يرى صواب والده فى ذلك وأنه كان يجب أن يكون محل احترام من الآخرين الذين كانوا يحقدون عليه وكان يجب أن يصفوه بأنه رجل مبادئ ورجل فكر، إلا أن العكس هو الذى حدث، حيث أدى ذلك إلى مطالبتهم له بأن يغير افكاره القديمة ويساير ركب الأفكار الجديدة، وكانت جامعة كورنيل التى تقع فى بلدة إيثاكا الأمريكية فى شمال نيويورك من الجامعات المرموقة التى حصل فيها على دخل كبير استشعر معه بأنه من خلال هذا الدخل يمكن أن يعوض أولاده سنوات الحرمان أو سنوات الكفاح كما يطلق عليها، وعلى الرغم من الحياة الجديدة التى انتقل إليها “بنيامين” إلا أنه كان هناك شيء ما فى شخصيته، حيث كان يلازمه شعور الغربة دائمًا حتى فى ظل حياته الجديدة التى انتقل إليها، لم يكن فرحًا بحياة أكثر راحة وأكثر تألقًا لأن حياته الأساسية كانت القدس كما يقول، كتب ذات مرة إلى أحد أصدقائه فى القدس يقول: “إن الهواء الذى نتنفسه يا صديقى لن تجد له مثيلًا فى أمريكا أو غيرها، إن روعة المكان الذى تسكن فيه أروع من البيت الأبيض، ولو أن الأمر بيدى لأتيت إليك فورًا، وأرجو أن تقبَّل الجدران نيابة عنى حتى أعود، لا تدع رجلك ترتفع من على الأرض الطيبة التى تسير عليها” وطلب إلى صديقه أن يدعو له فى صلواته ليرحمه من الاختناق وأن يعود سريعًا إلى موطنه وأهله، لقد كان هذا الشعور بالغربة واضحًا فى الحياة المدرسية، حيث إن بنيامين وفق ما يصفه مدرسوه و زملاؤه فى المدرسة كان إنسانًا غير مفهوم لكل الآخرين، دائمًا شارد الذهن إلا أنه حاد الذكاء، يفكر فى شيء ويتكلم مع الآخرين فى شيء آخر، كان إنطوائيًا، لا يحب الدخول فى جدال مع الآخرين حول أمر غير مقتنع به، وبالنسبة إلى الأفكار التى تصادف ولو قبولًا غير مؤكد من الآخرين فإنه يعمل على أن يزيدها قوة، ولكنه أيضًا كان حاد الطبع، وكثير المناقشات مع المدرسين، وأنه كان يهوى لعبة الشطرنج، وكان يرى أنها لعبة التخطيط والذكاء، وكان يعتقد أن من لا يعرف الشطرنج فقد خسر نصف عقله، وكان يبدو ماكرًا فى هذه اللعبة، حيث إنه كان يحرص فى البداية على أن يخدع الشخص بأنه يمكنه الفوز، إلا أنه يأخذ زمام المبادرة فى لحظات، ويقول عنه مدرسوه أيضًا: إن أهم ما يميزه أنه سريع التفكير، وأن القرار الذى يتخذه كان لا يعلن عنه، ولكنه يجرى مشاورات مع كل زملائه الذين يعرفونه ليستطلع وجهة نظرهم، إلا أنه لم يكن على استعداد لأن يتنازل عن قراره بعد هذه المشاورات، كان من الممكن أن يحصل على نقاط إضافية تدعم قراره.. وكان زملاؤه لا يثقون به كثيرًا، فقد كان لديهم اعتقاد بأن بيبى يخطط للإيقاع بهم، وأنه ربما يدبر مؤامرات ضدهم وبخاصة أنه كان يهوى تشكيل حركات غريبة فى المدارس التى التحق بها، وكانت لديه القدرة على أن يكوِّن حركة من عدد محدود من التلاميذ، وكانت هذه الحركات تكتسب شهرة واسعة فى المدارس المحيطة، على الرغم من أن شخصيته الانطوائية كانت لا تنم عن قيادته لهذه الحركات، وكان له صديق يدعى “هاشومير هاتسير” كان أيضًا عضوًا فى الحركات اليهودية مثل حركة الفتى الحارس.. وكان هاشومير شخصية مؤثرة فيمن حوله، إلا أنه لم يكن مؤثرًا فى بيبى الذى أثر بدوره على هاشومير.

وكان بيبى أو بنيامين يعد مخططًا لحركة الفتى الحارس دون أن يظهر على السطح، حيث إنه كان يبلغ هاشومير بالمضامين الأساسية لهذه الأفكار والمخططات، وكان الأخير يتولى الدفاع عنها فى الحركة، ويقول عنه مدرسوه أيضًا “إن هناك وقتًا كبيرًا قضاه بنيامين فى الظل، ولكن عرفوا مؤخرًا أنه كان وراء تحريك أحداث مهمة فى المدرسة” وكان الاعتقاد أن زملاءه هم أبطال هذه الحوادث، ويقولون عنه أيضًا: إن رغبته فى أن يكون فى الظل ليست رغبة مستمرة ولكن يجب أن يهيئ الأحداث قبل أن يظهر، فإذا جاءت توقعاته مطابقة لخططه وأفكاره فإنه يعلن عن نفسه، وإذا كان هناك فارقًا ما فإنه ينسب الفشل لغيره، ومع ذلك فإن العديد من أفكاره التى كان يشيعها فى المدرسة، وبخاصة المتطرفة التى كانت تؤدى إلى خلافات ومشاجرات بين التلاميذ وبعضهم، وأحيانًا مع المدرسين، كانت تنتقل بسرعة إلى العديد من زملائه.

تحدث عنه أحد أصدقائه فى برنامج تليفزيونى إسرائيلى وهو أمريكى الأصل قائلًا: لقد كنت مع بيبى فى المدرسة، وكنا أصحابًا، وكان دائمًا يحدثنى عن إسرائيل، ولكن الشيئ الأساسى فى حياته هو كرهه الشديد للحكام العرب، وكان يلعب الشطرنج لفترات طويلة، إلا أنه فجأة قرر أن يلعب كرة القدم، ولما سألته عن السبب فى ذلك قال إن كرة القدم هى الممارسة العملية للعبة الشطرنج، وكان بنيانه قويًا، وفى خلال فترة قصيرة من التدريب والمواظبة على هذه اللعبة استطاع أن يكون من اللاعبين الجيدين جدًا، وأنه حاز إعجاب مدرب فريق النمور لكرة القدم، وكان يشغل مركز الجناح الأيسر وأحيانًا كان يحب اللعب فى خط الوسط، إذا أدرك أن الفريق الذى يلعب أمامه قوى ومتمرس، حيث إنه كان يجيد اللعب أمام الفرق القوية، وكان يدرك أنه يجب أن يكون عقل الفريق، وأداته المفكرة.

ويضيف: أن بيبى مولع بالتحدى وبخاصة تحدى الأقوياء، وأنه على استعداد لأن يلعب فترة طويلة إذا كان خصمه قويًا، حيث إنه لا يحب الهزيمة، وإذا شعر بأن الفريق الخصم ضعيف، ولا يتساهل أن يكون عقلًا مفكرًا للفريق، كان يلعب فى الجناح الأيسر وكان من أمهر اللاعبين فى إحراز الأهداف، وكان مراوغًا جيدًا، ويقول عنه خبراء النفس: إن نتنياهو معتز بشخصيته وبنفسه وبخاصة عقله، وأنه يعتبر نفسه أذكى من الآخرين، وأنه يمكنه الايقاع بهم إذا دخل معهم فى مناقشات، إلا انه من المهم عدم اليأس فى استكمال هذه المناقشات وألا يخالج الآخرين الشعور بالضيق من المناقشة.

وقد أحب لعبتى الشطرنج وكرة القدم لأن هاتين اللعبتين بهما العديد من الخطط، ولم يكن يهوى أى نشاط اجتماعى مع بقية التلاميذ الأمريكيين حيث كان يرفض فى مرات كثيرة الانضمام إلى الرحلات أو الألعاب الأخرى، وكان قليلًا ما يستجيب لهذه الأنشطة وبخاصة الرحلات إذا وافقت على مشاركته فى الرحلة زميلته اليهودية “هاتحياه”، وعلى الرغم من أن هاتحياه كانت عنيفة فى حديثها مع الآخرين، وأن زملاءها كانوا يتجنبون النقاش معها لفترة طويلة، إلا أنها كانت ضعيفة الشخصية مع بيبى، وكان بيبى قد عرفها على صديقه “هاشوير” أحد رواد الحركة اليهودية المتطرفة “الفتى الحارس” وكان الثلاثة دائمًا يذهبون إلى دور السينما، وكان بيبى يهوى مشاهدة أفلام العنف، وكان يحرص بعد عودته على أن يروى تفاصيل هذه الأفلام لأخويه، وكانت “هاتحياه” يهودية متطرفة مثل “هاشومير”، وكان الثلاثة مع بيبى يشكلون فريق عمل مشترك واطلقوا على حركتهم اسم حركة “الأم” إلا أن “هاتحياه” على الرغم من حبها الشديد لبيبى، انقلبت عليه فجأة، حيث اكتشفت أن بيبى بدأ يعشق فتاة أخرى، وهى زميلته فى الفصل الدراسى وهى “زيلداه راين”، وكانت “زيلداه” تستمع كثيرًا إلى بيبى ولا تتحدث إلا قليلًا، وكانت “هاتحياه” تريد إنهاء علاقة بيبى مع “زيلداه”، إلا أن بيبى كان يرى أن “زيلداه” بها شيء غامض، وأنه يريد البحث عن هذا الشيء، وإن كان أحد أصدقائه قد قال: إن بيبى نفسه كان غامضًا، وكان لا يحب أن يكون الآخرون غامضين عليه، وكان من الممكن أن يؤرقه، ويذهب عنه النوم ليلًا إلى أن يكتشف الغموض فى شخصية ما، وأنه كان يهوى تحليل الشخصيات التى أمامه، ويرى أن أفضل دراسة لأى شخص هو جعله يتكلم والنظر من بعيد إلى حديثه جيدًا، وكان بيبى يجيد هذه الطريقة فى التعرف على أصدقائه، حيث تقول عنه صديقته زيلداه: إن بيبى كان يدرك شيئًا واحدًا هو أن إسرائيل دولة الأحلام، وكان على الجميع أن يحلم بالرخاء والازدهار فى دولة إسرائيل، وكان بيبى على غير وفاق مع عدد كبير من التلاميذ الأمريكيين لأنه يتكلم بحماس عن إسرائيل، ومعاركها مع الفلسطينيين والعرب، إلا انهم لم يكونوا متحمسين لسماع هذه القصص، وكانوا أحيانًا يسخرون منه، لذلك فضل أن يكون أصدقاؤه من اليهود، وكان دائمًا يطلب من الآخرين أن يحافظوا على ترابطهم القوى وأن تكون لهم هويتهم التى تميزهم عن غيرهم، وأنه من العار على العالم أن يفكر فى إقامة وطن قومى لليهود، فى حين أن هذا ليس حقًا، بل إنه واجب وهدف، يجب أن يكون العالم على استعداد للحفاظ عليه، لأنهم يدركون أن اليهود هم قادة هذا العالم!!

مقالات مشابهة

  • قراءة في الفكر الاستراتيجي لليهود.. أحدث إصدارات هيئة الكتاب للواء محمد الغباري
  • ما قدمه الجيش السوداني درس عظيم، ولكن ما قدمه الشعب السوداني درس أعظم
  • القضاء الليبي يدين وزير التعليم بالسجن بسبب الكتاب المدرسي
  • رائحة الموت تنبعث من أحد أحياء الخرطوم على وقْع المعارك بين الجيش و«الدعم السريع»
  • خرج القحاتة وفي إطار الحرب النفسية لصالح المليشيا بالدعوة إلي استسلام الجيش السوداني كما استسلمت اليابان
  • «أحمد مستجير.. رائد التكنولوجيا الحيوية».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب
  • أحمد مستجير.. رائد التكنولوجيا الحيوية.. أحدث إصدارات هيئة الكتاب
  • بوركيني .. أحدث إصدارات هيئة الكتاب لـ مايا الحاج
  • كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» بـذور التطـرف ( 2)
  • السودان.. الجيش يسيطر علي مباني ومواقع استراتيجية في الخرطوم