هكذا يولد الهلال .. وهكذا نراه!
تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT
يُعرف القمر بأنهُ جسـم كروي تابـع للأرض، يـدور في مـدار بيضاوي حولها، ويميـل مداره على محـور مدار الأرض بمقدار خمس درجات، ويكمل دورته الاقترانية كل شهر تقريبا. فعندمـا يكـون القمـر في نقطة المحـاق فإن جزأه المقابل للأرض يكون مظلما بشـكل تـام، ولكن ذلك لا يـدوم طويلا، لأن القمـر في حركـة دائمة في مداره بسرعة تساوي 3680 كم في الساعة، أي أنه يقطع كيلو مترا واحدا كل ثانية تقريبا، لذلك فعندما يتحرك القمر قليلا تختلف زاوية النـور الساقط عليه من الشمس فيطل القمر على هيئـة هـلال رفيع على أهل الأرض معلنا بدايـة الشـهر القمري الجديـد.
ثم لا يـلبث أن يـزداد أتسـاعا ونورانية، سـاعة بعـد سـاعة ويـوما بعـد يـوم، أي أن زاوية نور الشمس الساقطة على سطحه تزداد بمعدل 13.2 درجة يوميا، علما» بأن القمـر يتـأخر في موعـد شـروقه أو غروبه بمقـدار (52) دقيقة يوميـا.
قمرٌ واحد .. تواقيت متفاوتة
وفي الوقت الذي يستطيع فيه العلماء إنزال إنسان على سطح القمر أو إنزال مركبة فضائية على بعض كواكب المجموعة الشمسية، وحساب أوقات الخسوف والكسوف بدقة، وحساب أوقات المد والجزر التي تعتمد عليها الملاحة البحرية في العالم أجمع وبدقـة عالية جـدا، وحسـاب أوقات شروق وغروب الشمس والقمر، فأنهم يستطيعون وبلا أدنى شك حساب لحظة ولادة الهـلال وخروجه من نقطة الاقتران بين الأرض والشـمس بدقة عالية جدا أيضًا وبمقدار خطأ لا يتجاوز (1 /100000 ) جزء من الثانية.
ولادة الهلال هي حادثـة عالمية وليست محلية، كونه يولـد في اللحظة ذاتها على الأرض كلها، إلا أن توقيتات هـذه اللحظة تختلف من بلد إلى آخر حسب مواقع تلك البلدان على خطوط الطول والعرض الجغرافية، وتحسب هذه اللحظة من الناحيـة العلميـة الفلكية بدقـة بالاسـتعانة بالمعادلات الرياضية الفلكية ثم تحـول إلى توقيتـات الـدول المختـلفة المطلوبـة.
إن ظاهرة اختلاف المطالع هي أحد الأسباب التي قد تؤدي إلى اختلاف يوم الصيام أو الإفطار بين الدول الإسلامية أحيانًا، فتقوم بعض الدول بإتباع أخرى في الصيام أو الإفطار، بينما نجد بعض الدول الإسلامية الأخرى لا تأخذ بهذا المبدأ وتعتمد على رؤية الهلال في البلد نفسه.
وقد جرت العادة أن تشكل في الدول الإسلامية هيئات عليـا لإثبات رؤية الأهلة وفي هذه الهيئات يكون رجال الدين هم الغالبية فيها إضافة إلى وجـود فلكي واحـد أو أثنين في مثل هـذه الهيئات يستأنس بأفكارهم وحساباتهم الفلكية العلمية وآرائهم حول الهلال، إلا إن هذه الهيئات لا تأخـذ بهـذه الحسابات بصورة قطعيـة بل تستعين بها للتأكد من شهادات الشهود. ففي سلطنة عُمان تستأنس الجهات المختصة برؤية الأهلة بالحسابات الفلكية مع الاعتماد على لجان المراقبة والرؤية الشرعية بالعين المجردة المنتشرة بكل مناطق وولايات السلطنة وترد الشهادة في حالة كون علم الفلك يحدد استحالة رؤية الهلال (أي عندما يغرب الهلال قبل غروب الشمس أو مع غروب الشمس).
آليات الرصد الفلكية
ويعتمد التقويم الهجري على الشهر القمري الاقتراني، حيث قال الله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)، والشهر الاقتراني عادة يحـدد بالمدة الزمنية التي يسـتغرقها القمر في دورانه حول الأرض من محاق إلى محاق آخـر، ومن المعروف أن مـدة الشـهر القمـري الاقتراني يكون في أقصـاه (29 يوم و19 سـاعة) وفي أدنـاه (29 يوم و5 سـاعات) ويكون معدلـه
(29 يوم و12 سـاعة و44 دقيقة و2.9 ثانية ). وعادة ما تحدد بداية الشهر الاقتراني برؤية الهلال الرفيع بعد خروجه من طور المحاق في الجهة الغربية بعد غروب الشمس في يوم المراقبة.
هناك عدة عوامل تتدخل في عملية رصد الأهلة لإعلان بداية الشهور الهجرية، ومن أهمها، العوامل الجغرافية الثابتة التي تعتمد على اختلاف خطوط الطول والعرض الجغرافية من بلد لآخر ومدى تأثيرها على مواقيت غروب الشمس والقمر في المواقع المختلفة مما يؤدي ذلك إلى سهولة رؤية الهلال في بلد وصعوبة رؤيته أو استحالة رؤيته في بلد آخر.
وهناك العوامل المناخية المتغيرة، كوجود الغيوم في السماء أو مقدار درجة احمرار الأفق وضوئه المتأثر بالجزيئات الغبارية العالقة في الجو والتي قد تسبب الانعكاس الانتشاري للضوء أو استطارته، إضافة إلى الرطوبة ودرجات الحرارة المختلفة التي تؤثر جميعها على مدى إمكانية رؤية الهلال الوليد في يوم المراقبة، وذلك إضافة إلى العوامل الفلكية الثابتة الأخرى كعمر الهلال ومدة مكثه فوق الأفق بعد غروب الشمس ومقدار ارتفاعه الزاوي فوق الأفـق ومقـدار بعده الزاوي عن الشمس، وشدة استضاءة الجزء المرئي من القمر، إضافة إلى معلومات أخرى كثيرة مثل شكل قوس الهلال (اتجاه فتحة قوس الهلال) وعمر الهلال ساعة غروب الشمس ومنطقة وجود الهلال في السماء على يمين أو يسار موقع غروب الشمس، وغيرها من الأمور الأخـرى التي يمكن حسـابها بدقة من خلال اسـتخدام المعادلات الفلكية العلمية ذات الدقة العالية.
هذه المعلومات الفلكية عن الهلال في يوم مراقبته تكون مفيدة جدا، لمساعدة المراقبين والراصدين في البحث عن الهلال وتحري رؤيته، كما أنها مفيدة للجان المتخصصة بإعلان ثبوت الرؤية الشرعية من خلال التحقق من شهادات الشهود ومدى مطابقة رؤيتهم لمواصفات الهلال الفلكية الدقيقة التي يقدمها علماء الفلك. حيث يمكن على سبيل المثال رد شهادة الشهود إذا كانت الحسابات الفلكية تؤكد عدم ولادة الهلال أو أن الهلال يغيب قبل غروب الشمس في يوم المراقبة (حالة الاستحالة) حيث يمكن حساب لحظة الولادة بدقة لا يتسرب إليها الشك على الإطلاق كما يمكن حساب مواصفات الهلال في يوم المراقبة أو في أي يوم آخر مطلوب.
وقد مكننا التطور التقني في هذا القطاع من استخدام أجهزة الرصد الفلكية، والتلسكوبات البصرية (التلسكوب الكاسر والتلسكوب العاكس والمنظار (الدربيل)) لرؤية الهلال الوليد بسهولة ويسر وبوضوح كامل في حالة توفر شروط الرؤية التي سنذكرها لاحقًا، فإذا كانت السماء صافية أمكن توجيه التلسكوبات البصرية إلى المكان المتوقع وجود الهلال فيه للتحقق من رؤيته بسهولة، أما إذا كان الجو غائما و«مغبرا» وغير مناسب لرؤيته بالتلسكوب البصري يمكن استخدام التلسكوبات الفلكية الراديوية وتوجيهها نحو منطقة وجود الهلال للتحسس به ورؤيته.
إن أقل عمر للهلال (من لحظة الاقتران) تمت رؤيته بالعين المجردة هو (14 ساعة) وباستخدام الأجهزة كالمناظير والتلسكوبات كان (12 ساعة)، إلا أن عمر الهلال لوحده لا يمكن اعتماده كمعيار للرؤية لأن العوامل الأخرى مثل ارتفاع الهلال عن الأفق، وبعد الهلال الزاوي عن الشمس وغيرها، لها دور فاعل في إمكانية الرؤية أيضًا، علما بأن عمر الهلال هو المدة الزمنية بين حدوث الاقتران وغروب الشمس في يوم المراقبة.
د. صبيح الساعدي خبير فلكي
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی یوم المراقبة رؤیة الهلال غروب الشمس الهلال فی إضافة إلى الشمس فی
إقرأ أيضاً:
«برنامج الأمل».. معهد البحوث الفلكية والجيوفيزيقية يحتضن جيل المستقبل
استضاف المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية الدورة السادسة عشرة من «برنامج الأمل»، تحت رعاية وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور أيمن عاشور، وبإشراف الدكتور طه توفيق رابح، القائم بأعمال رئيس المعهد، وتأتي هذه الاستضافة في إطار توجيهات الدكتور عاشور لتكثيف تدريب الباحثين والطلاب في المجالات العلمية والتكنولوجية الحديثة، بهدف تأهيلهم بمهارات تواكب متطلبات سوق العمل.
واحتضن مرصد المسلات المغناطيسي بشمال الفيوم التابع للمعهد معسكر تدريب شباب «برنامج الأمل»، الذي تنظمه الجمعية الجيوفيزيقية المصرية. تضمن التدريب تطبيقات عملية شملت القياسات الحقلية ومعالجة البيانات باستخدام طرق الجيوفيزياء المغناطيسية والسيزمية والكهربية الأرضية، إلى جانب قياسات الرادار الأرضي.
تأهيل شامل لخريجي الجامعات المصرية للاندماج في الشركات العالميةكما أتاح المعهد أحدث أجهزة القياس الجيوفيزيقية للمتدربين، بهدف تأهيلهم لسوق العمل المحلي والإقليمي والدولي في مجال الجيوفيزياء، بإشراف نخبة من كوادر المعهد.
وفي ختام المعسكر التدريبي، قدم شباب الأمل 16 عرضًا حول ما اكتسبوه من معرفة تطبيقية. يهدف برنامج الأمل إلى إعداد الخريجين من الجامعات المصرية للانضمام إلى الشركات العالمية في مجال البترول، عبر برنامج نظري يتم بإشراف خبراء من الشركات المختلفة، إلى جانب مشروع عملي ينفذه الخريجون
كما يسعى البرنامج لتطوير المهارات المطلوبة لسوق العمل، بما يشمل القيادة والعمل الجماعي ومهارات الاتصال والعرض.
ويختار البرنامج الـ15 الأوائل من أقسام كليات العلوم بالجامعات المصرية الحكومية، بما فيها علوم الأرض، الجيولوجيا، الجيوفيزياء، جيولوجيا الكيمياء، جيولوجيا البترول، وجيوفيزياء البترول. وقد نسق البرنامج الجيوفيزيقي سمير عبد المعطي، رئيس مجلس إدارة الجمعية الجيوفيزيقية، والدكتور طارق عرفة، مدير مرصد المسلات المغناطيسي.
ويعد البرنامج منذ انطلاقه في عام 2007، أحد أبرز مبادرات الاستثمار المجتمعي، ويهدف لدعم الكوادر الشابة ليصبحوا قادة في قطاعات البترول والطاقة مستقبلاً.