عجائب الأوطان البديلة في الكون
تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT
هناك سؤال وجودي لا يفتأ يترك عقل البشرية منذ آلاف السنين، لكننا ربما -في المستقبل القريب- قد نكون على وشك الإجابة عليه، وهو، هل الأرض هي الواحة الوحيدة الفريدة في هذا الكون التي اختصها الله بالحياة عليه؟ أم أن الحياة هي أمر شائع ومنتشر في الكون كانتشار النجوم والسدم والمجرات؟ وللإجابة على هذا السؤال كان لنا في البداية أن نجيب على سلسلة طويلة من الأسئلة الوجودية التي تتعلق بأصل الحياة ومنشأها ومنتهاها وظروف احتضانها.
وبعد أن تطور علم الفلك وعلوم الأحياء والكيمياء وغيرها، استنتج البشر أن الحياة لا يمكن أن تكون موجودة في الكون -تقريبا- إلا على واحات نسميها بالكواكب، أو أقمار هذه الكواكب، لكن كان هناك جدل كبير حول الحد الأدنى من الشروط التي يجب أن تكون متوفرة في الكواكب التي نبحث عنها حتى يمكن القول أنها ملائمة لاحتضان الحياة من عدمها، وبعض العلماء -لنقل المتساهلين- قالوا إن عدد هذه الشروط لا يتجاوز العشرات، وتشمل الأساسيات كحجم الكوكب ومقدار الحرارة التي تصله من نجمه ومجاله المغناطيسي وغيره، ويعللون ذلك أن الحياة معقدة جدا وتستطيع التأقلم مع الكثير من الظروف القاسية التي قد نجدها حتى هنا على الأرض، فيمكنك العثور على بعض أنواع الكائنات التي تعيش بالقرب من النوافير الحارة، والبحيرات الكبريتية، والصحاري القاحلة الجافة أو المتجمدة.
لكن هناك فريق أكثر صرامة من العلماء يقول بأن الحياة لا يمكن أبدا أن تنشأ إلا بوجود المئات من الشروط المحددة بشكل دقيق كتلك التي تتمتع بها الأرض، سواء كان في ذاتها أو في محيطها، ويشمل ذلك طبيعة الشمس ونوعها والكواكب التي تدور حولها وغيره، أي أن الحياة الفريدة على الأرض يصعب أن تتوفر في كواكب أخرى لكثرة العوامل المطلوبة لوجودها، يكفي أن نتصور أن هذا الفريق من العلماء يقول إن الأرض اعتمدت في تاريخها بشكل كبير على كوكب المشتري العملاق في صدّه لكثير من الكويكبات والمذنبات التي كان يمكن أن تكون في طريقها للاصطدام بها، وتدمير الحياة عليها بشكل متواصل كما حدث للديناصورات قبل 65 مليون سنة تقريبا، لذلك يجب للكواكب التي تحتضن الحياة أن تتمتع أيضا بحماية كوكب عملاق يرافقها في نظامها النجمي يصد عنها هذه المخاطر.
لكن قبل ذلك كله، وحتى قبل 30 عاما تقريبا، كان هناك سؤال آخر، وهو، هل الكواكب منتشرة في الكون أم أنها ظاهرة فريدة تتعلق بنظامنا الشمسي؟ لأن العلماء كانوا لا يعرفون عن أي كوكب آخر سوى تلك الثمانية التي نعرفها جميعا وتدور حول شمسنا، والسبب في ذلك أن الكواكب لا تبعث ضوءا من ذاتها وإنما تعكس فقط جزءا بسيطا من الضوء الذي يصلها من نجمها الذي تدور حوله، لذلك هي تختفي خلف ذلك الوهج الساطع للنجم الذي تدور حوله، فكان يجب البحث عن حيلة مناسبة لاكتشاف هذه الكواكب.
وللتبسيط، تخيل أنك ترى عمود إنارة بعيد وهناك حشرة صغيرة تطير حوله، سيكون من المستحيل تقريبا اكتشاف وجود تلك الحشرة، لكن الحيلة الأشهر التي طبقها علماء الفلك لهذا الغرض هي مراقبة ضوء النجوم البعيدة بشكل مستمر وبكاميرات حساسة للغاية، ومراقبة ما إذا كان هناك أي خفوت متكرر للضوء الصادر منها باتجاهنا، والذي ينتج عن مرور كوكب أمام هذا النجم بالنسبة لمنظورنا من الأرض، وهذا الخفوت في أحيان كثيرة لا يتعدى 1% من كمية الضوء التي تصل إلينا من ذلك النجم.
هذه الحيلة وغيرها من الطرق، كالتي تسمى بعدسات الجاذبية، ومراقبة توقيت النجوم النابضة، وكذلك تأرجح النجوم، كشفت عن وجود عدد هائل من الكواكب خلال الثلاثين سنة الماضية، وهو أمر كان مفاجئا، فقد انفتحت لنا نافذة واسعة لعوالم أخرى لم نكن نتصور بوجودها أصلا، ويصل عدد الكواكب المكتشفة في اللحظة التي نكتب فيها هذا المقال إلى أكثر من 10 آلاف كوكب. ولذلك، تقول بعض الدراسات إن هذه الاكتشافات تشير إلى أن مجرتنا لوحدها فيها ما لا يقل عن 100 مليار كوكب، أي على الأقل كوكب واحد لكل نجم.
ورغم أننا لا نملك ولا صورة واحدة واضحة لمعالم تلك الكواكب، لكن بحسب القوانين الفيزيائية والخصائص التي اكتشفناها عنها عرفنا بشكل عام كيف تبدو. وهنا دعنا نحكي بعض قصص تلك الكواكب الغريبة. فأحدها يدور حول نجمين، والآخر حول ثلاثة، وغيرها يدور حول أربعة نجوم، أي تصور أنك عندما تمشي في نهار هذا الكوكب سترى في السماء أكثر من شمس في الوقت نفسه بدلا من شمس واحدة، وهو مشهد لم يتصوره البشر إلا في فيلم الخيال العلمي «حرب النجوم» في سبعينيات القرن الماضي ليفاجئوا بأنه حقيقي وموجود في الكون.
أما الكوكب الآخر فربما هو الذي سيفضله محبو النفائس، فبحسب تحليل الطيف الذي يمتصه من نجمه عند مروره أمامه، اتضح أن مكونه الأساسي هو الكربون، وبسبب قربه من نجمه بشكل كبير فهو يتعرض لحرارة شديدة، ومع الضغط الناتج عن كتلة الكوكب على باطنه، فالعلماء يقولون أن ثلث كربون هذا الكوكب تحول إلى ألماس! تصور، كمية ألماس ربما تعادل كتلة كوكب الأرض كله، ولكن للأسف، إذا فكرنا في تعدينه، يجب أن نعلم أنه يبعد عنا مسافة 40 سنة ضوئية، وبالكيلومتر تعادل المسافة الرقم 378 وعلى يمينه 12 صفر !
واختلاف مشارب الكواكب لا يتوقف على سمائها ومكوناتها، وإنما أيضا على طريقة سير الأيام والسنين عليها، فهناك كوكب يكمل دورة كاملة حول نجمه فيما يعادل 10 ساعات، أي أن هذا هو طول السنة عليه.
وعند البحث عن المكون الأساسي والأهم للحياة في الكون كله، الماء، فهناك بعض الكواكب التي يوجد فيها الماء بشكل أوفر حتى عن الأرض، فقد وجد العلماء أدلة في بيانات أحد الكواكب تشير إلى أن سطحه على الأغلب مغطى بالكامل بالمحيطات، فتصور كيف شكل هذه المحيطات، وما هو المناخ الذي يسيطر على كوكب رطب كهذا، وما هي الكائنات التي قد تكون موجودة في أعماق هذه المحيطات الهائلة التي إن بدأت بالإبحار عليها فإنه سيتمثل فيك فعلا الوصف القائل أنك أبدا لا ترسو على بر!
والكوكب الآخر المثير للاهتمام هو ما يسمى بالكوكب المظلم، حيث إن سطح هذا الكوكب يتشكل من مادة لا يزال يدور حولها نقاش علمي حول طبيعتها، وهي تجعله داكنًا جدًا ولا يعكس سوى أقل من 1% مما يصله من ضوء نجمه الذي يدور حوله.
هذه الكواكب وغيرها مئات المليارات التي لا نعرف عنها شيء حتى الآن تجعلك قبل كل شيء تسرح حول مكنونات هذا الكون واحتمالات وجود كائنات فيه، وتفكر فعليا في أن جوابي السؤال «هل نحن لوحدنا؟» كلاهما مخيف -كما يقول أحدهم- وتتصور أنك لو أعطيت قدرة للتجول في هذا الكون فإن المشاهد ستكون غير منتهية وغير منقطعة، وصدق قول ربنا تعالى «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ» صدق الله العظيم
عيسى سالم آل الشيخ ، مؤسس مبادرة ناسا بالعربية، عضو مجلس إدارة الجمعية الفلكية العمانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أن الحیاة فی الکون یدور حول من نجمه
إقرأ أيضاً:
“فلكية جدة”: كوكب الزهرة اعتلى السماء فجر اليوم وكان أحد أبرز معالم فجر الصيف
شهدت السماء في أنحاء الوطن العربي ومع الساعات الأولى من فجر اليوم السبت واحدة من أجمل المشاهد الفلكية الصيفية حين اعتلى كوكب الزهرة السماء الشرقية في أعلى نقطة له خلال هذا الظهور الصباحي.
وأوضح رئيس الجمعية الفلكية بجدة المهندس ماجد أبو زاهرة أن الاستطالة العظمى الغربية أي أبعد زاوية بين الزهرة والشمس كما ترى من الأرض، حدثت بالفعل في مايو الماضي وأن الكوكب واصل ارتفاعه في السماء تدريجيًا حتى وصل فجر اليوم إلى أقصى ارتفاع زاويّ له فوق الأفق الشرقي في هذا الموسم كما يشاهد من خطوط العرض الوسطى.
وبين أن كوكب الزهرة ظهر واضحًا وساطعًا قرب الأفق الشرقي قبل شروق الشمس ببضعة ساعات بقدر ظاهري يصل إلى -4.1 ما جعله أكثر الأجسام لمعانًا في السماء بعد القمر، وبدا لكثير من الراصدين كأنه “نجم” منفرد يشق ظلام الفجر ويتلألأ بثقة فوق خط الأفق وباستخدام منظار أو تلسكوب صغير تمت رؤيته في طور الأحدب وهي علامة على موقعه في مداره.
أخبار قد تهمك فلكية جدة: كوكب الأرض يبلغ أبعد نقطة عن الشمس غدًا ويُعرف علميًّا بـ”الأوج” 2 يوليو 2025 - 9:02 مساءً بيان رسمي من فلكية جدة حول رصد بقعة وردية في سماء شمال غرب المملكة. 2 يوليو 2025 - 2:17 مساءًومثل الذروة البصرية لزهرة الفجر هذا العام وكان في أعلى موقع له فوق الأفق منذ ظهوره الصباحي في أوائل الربيع، ومع أنه سيبدأ لاحقًا بالانخفاض تدريجيًا في الأسابيع القادمة إلا أن تلك اللحظة كانت الأنسب لرصده وتصويره، إلى جانب الزهرة الذي كان بالإمكان محاولة رصد كوكب أورانوس الذي وجد على مقربة زاوية منه في السماء، ورغم أن أورانوس لا يرى بالعين المجردة فإن منظارًا متوسطًا يكفي لرصد لونه المزرق.