لجريدة عمان:
2025-11-09@01:29:06 GMT

التشفير في عصر ما بعد الكوانتم

تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT

التشفير في عصر ما بعد الكوانتم

شهدت الحوسبة الكوانتمية -منذ سنوات قليلة- تطويرات تشدّ الأذهان العلمية ومؤسساتها؛ إذ توفر هذه التطويرات الصاعدة إمكانيات هائلة لحل المشكلات المعقدة بطرق لم تكن ممكنة بواسطة استعمال الأنظمة الحاسوبية الكلاسيكية، ومع ذلك، يأتي هذا التقدم مع تحديات كبيرة خاصة في مجال أمن البيانات الذي يُعد وقود الأنظمة الرقمية المتطورة وسرّ تقدمها، وهنا يتدخل التشفير الذي يُعدّ العمود الفقري لأمن البيانات في العالم الرقمي، ومع هذا التقدم؛ فإن التشفير ذا الأنظمة التقليدية يواجه تهديدات جديدة بسبب القدرات الحاسوبية الكوانتمية.

يحاول هذا المقال أن يستكشف معنى التشفير الكوانتمي والتقنيات المصاحبة وآلية عملها، والحلول التي يمكن أن تقدمها لهذه التحديات، والزوايا الأخلاقية للممارسة التقنية في هذا الحقل الكوانتمي المعني بالتشفير وأمن البيانات، ويبحث في آفاقه المستقبلية واستشفافته التي تلمح إلى عصر رقمي ما بعد الكوانتم، وقبلها لابد من أن نفهم واقعنا الماضي والحاضر الذي يتعلق بعصر ما قبل الكوانتم؛ إذ لا يمكن الادعاء أننا نعيش عصرنا التقني الذهبي؛ فنحن ما نزال على عتبات البوابة الرقمية المتقدمة، ولم ندخلْ بكل قوتنا إلى الفضاء الرقمي المعقد الذي يحمل في طياته الكثير من المفاجآت غير المفهومة وغير المحتملة.

التشفير في عصر ما قبل الكوانتم

يعتمد التشفير التقليدي على بروتوكولات -تقليدية- مثل نظام التشفير ذي مفتاح عمومي «(RSA) Rivest-Shamir-Adleman»، وخوارزمية تشفير المنحنى الإهليلجي «Elliptical Curve Cryptography (ECC)»، وهذا البروتوكول الأخير معنيٌّ بشكل كبير بحل مشكلات رياضية معقدة مثل تحليل الأعداد الصحيحة الكبيرة إلى عواملها الأولية بالنسبة للحواسيب الكلاسيكية، ومع ذلك توفر هذه البروتوكولات الأمن الرقمي -بشكل نسبي- نظرا إلى الوقت الطويل الذي تتطلبه الحواسيب التقليدية لكسر التشفير، إلا أنه مع تطور الحوسبة الكوانتمية أصبحت هذه البروتوكولات التقليدية غير كافية، وتتطلب المزيد من التصعيد التقني الخارج من دائرة المألوف، وهنا الإشارة إلى مرحلة ما بعد الكوانتم.

الأسس النظرية للتشفير الكوانتمي

لفهم كيف يمكن للتشفير الكوانتمي توفير مستوى أمان غير مسبوق، من المهم استكشاف الأسس النظرية التي يقوم عليها. تقدم الفيزياء الكوانتمية مفاهيم مثل الحالات المتشابكة وعدم اليقين، التي تُستعمل بشكل رئيس في التشفير الكوانتمي؛ فعلى سبيل المثال، في التوزيع الكوانتمي للمفاتيح «Quantum Key Distribution (QKD)» يُستعمل تشابك الجسيمات؛ بحيث تؤدي أيّ محاولة لاعتراض المفتاح إلى تغيير في النظام الذي يمكن اكتشافه بواسطة المستخدمين المخولين بالولوج إلى النظام، وكذلك استعمال التشفير الكوانتمي لمبادئ ميكانيكا الكوانتم مثل التشابك الكوانتمي وعدم اليقين؛ كون التشفير الكوانتمي -بشكل عام- يسهم في تأمين البيانات وحمايتها؛ إذ يمكن لجزيئين متشابكين -وفقا لمبدأ ميكانيكا الكوانتم- أن يظلا مرتبطين بغض النظر عن المسافة بينهما -وسبق شرح هذه الظاهرة في مقالات سابقة نشرتها في جريدة عُمان-، وهو ما يمكن استعماله لإرسال المفاتيح الأمنية بطريقة تجعل أيّ تدخل خارجي مرئيًّا على الفور. تحقق هذه الخصائص الكوانتمية أمنا لا يمكن تحقيقه بواسطة الوسائل الكلاسيكية (التقليدية).

اعتماد التشفير الكوانتمي حلا

يمكن اعتماد التشفير الكوانتمي ليكون حلا لمواجهة تحديات استعمال التشفير التقليدي لغرض تأمين البيانات، ويعتمد هذا النوع من التشفير المتقدّم على خصائص ميكانيكا الكوانتم نفسها، وكما ذكرنا آنفا فإن إحدى الأمثلة البارزة هو التوزيع الكوانتمي للمفاتيح الذي يستعمل خصائص مثل عدم اليقين الكوانتمي وتشابك الجسيمات؛ لتمكين تبادل المفاتيح الآمن بين الأطراف دون خطر الاعتراض والاختراق السيبراني. رغم التحديات، يستمر المجتمع العلمي والصناعي في التقدم لجعل التشفير الكوانتمي واقعًا عمليًا. مع تطور التكنولوجيا، من المتوقع أن تصبح الأنظمة الكوانتمية أكثر استقرارًا، وأن تزداد قدرتها على التواصل عبر مسافات أطول، وسيفتح هذا الباب لتطبيقات جديدة، وسيعزز أمن البيانات في عصر ما بعد الكوانتم. بينما يتجه العالم نحو تبني الحوسبة الكوانتمية، يبرز التشفير الكوانتمي حلا واعدا منسجما مع تعقيدات العصر الرقمي لمواجهة التحديات الأمنية المتطورة؛ فتقدم تقنيات مثل التوزيع الكوانتمي للمفاتيح آلية يمكن بواسطتها تحقيق تبادل المفاتيح بطريقة تجعل أيّ محاولة للاختراق مرئية للمستخدمين، وتستند هذه التقنية إلى مبادئ ميكانيكا الكوانتم -المذكورة سابقا- التي يمكن أن تضمن أن أيّ قياس لنظام كوانتمي سيغير حالته؛ مما يوفر وسيلة لاكتشاف الاختراقات.

الانتقال من النظرية إلى التطبيق

التحدي الرئيس الذي يواجه التشفير الكوانتمي ليس في فهم كيفية عمله من الناحية النظرية وحسب، ولكن أيضا في آلية تحويله إلى تطبيقات عملية، فتتطلب تطويرات البنية الأساسية الكوانتمية بما في ذلك الحوسبة الكوانتمية والأقمار الصناعية الكوانتمية جهودا كبيرة في البحث والابتكار بجانب التكلفة المالية العالية التي لا تتاح للجميع. وعلى الرغم من هذه التحديات، أُحرِزَ تقدم كبير في هذا الحقل مع بعض المشروعات المتعلقة بالتشفير الكوانتمي مثل تجارب التوزيع الكوانتمي للمفاتيح عبر المسافات الطويلة، وإطلاق الأقمار الصناعية الكوانتمية التي تهدف إلى توسيع نطاق هذه التقنية.

تطبيقات التشفير الكوانتمي

تتجاوز تطبيقات التشفير الكوانتمي الاستعمالات المتعلقة بحماية الاتصالات الإلكترونية وأمن البيانات، حيث يمكن استعماله في حماية البنية التحتية الرقمية، وتأمين الشبكات المالية، وحماية المعلومات الحساسة للغاية في البحوث والتطويرات العسكرية، ويمكن كذلك للتشفير الكوانتمي أن يؤدي دورا حاسما في تأمين البيانات الضخمة والحوسبة السحابية، حيث يمكن تخزين كميات هائلة من البيانات ومعالجتها عبر الأنظمة الكوانتمية المذكورة. وفي السنوات الأخيرة، بدأت تطبيقات التشفير الكوانتمي تنتقل من الفضاء النظري إلى الفضاء العملي، فمثلا ثمّة تجارب تُجرى في الصين على شبكات الاتصال الكوانتمية التي تظهر قدرة التوزيع الكوانتمي للمفاتيح على تأمين الاتصالات عبر مسافات طويلة. وطُورت كذلك تطبيقات في القطاعات المصرفية والدفاعية، حيث يتمثل الهدف في حماية المعلومات الحساسة من التهديدات المستقبلية المنبثقة من تطويرات الحوسبة الكوانتمية التي يمكن أن تكون سلاحا ذا حدين، فبجانب ما يمكن أن تثمره من فوائد فهناك أيضا المخاطر من التقنية ذاتها. ومع تسارع وتيرة التقدم في الحوسبة الكوانتمية، تتزايد القدرة على معالجة المعلومات والبيانات بطرق لم تكن ممكنة عبر الحواسيب الكلاسيكية، فيقدم هذا التطور فرصا هائلة في مجالات متنوعة مثل تطوير الأدوية، والتنبؤات المناخية، وحل المشكلات الرياضية المعقدة. وتَصحُب -مع ذلك- هذه القدرات تحديات جديدة في مجال أمن البيانات، إذ تستطيع الحواسيب الكوانتمية كسر الأنظمة الحالية للتشفير بكفاءة أعلى بكثير خصوصا مع التحامها بخوارزميات الذكاء الاصطناعي، لتكون بمثابة الخصم والحكم -وفق الأبجدية الأدبية.

التحديات التقنية والعملية

رغم التطويرات الرقمية الواعدة، فإن التشفير الكوانتمي ما يزال يواجه تحديات كبيرة تتعلق بعضها بالاستجابة للمحافظة على الحالات الكوانتمية المستقرة لفترات طويلة، وإنشاء شبكات كوانتمية واسعة النطاق تربط الأجهزة عبر مسافات طويلة، ومن زاوية أخرى فإن البنية التحتية المطلوبة لدعم الاتصالات الكوانتمية معقدة وتتطلب استثمارات كبيرة في البحث والتطوير. ويتطلب كذلك الانتقال من التجارب المختبرية إلى تطبيقات التشفير الكوانتمي للتغلب على تحديات تقنية وتشغيلية كبيرة مثل تطوير تقنيات موثوقة لتوليد الحالات الكوانتمية وتوزيعها واكتشافها، وكذلك بناء بنية تحتية قادرة على دعم الاتصالات الكوانتمية. وتستعمل الحواسيب الكوانتمية خصائص ميكانيكا الكوانتم مثل التداخل والتشابك الكوانتمي لأداء العمليات الحسابية، وخوارزميات مثل خوارزمية شور «Shor’s Algorithm» التي يمكنها من ناحية نظرية حل مشكلة تفكيك الأعداد الأولية بكفاءة أكبر بكثير من الحواسيب التقليدية، مما يهدد أسس التشفير التقليدي. ورغم صعود التقدم التقني للتشفير الكوانتمي ما تزال ثمّة تحديات كبيرة تواجه تطوير هذه التقنيات وتنفيذها وتفعيلها على أرض الواقع، فهناك التحديات التقنية مثل الحاجة إلى الحفاظ على حالات الكوانتم المستقرة على المدى الطويل، وإنشاء شبكات كوانتمية قابلة للتوسع. بالإضافة إلى ذلك، هناك تحديات في التكاليف والاعتبارات التنظيمية والأخلاقية التي تحتاج إلى معالجة.

أخلاقيات التشفير الكوانتمي وتنظيمه

مع تطور التشفير الكوانتمي، تظهر أيضا قضايا أخلاقية وتنظيمية راجعة إلى كيفية استعمال هذه التقنية، ومن يمتلك أحقية الوصول إليها واستعمالها، وكيف يمكن تنظيمها لضمان استعمالها السليم الموافق لأخلاقيات المجتمع الإنساني بمجمله. هذه أسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة قبل أيّ تفعيل حقيقي للأنظمة الرقمية المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الكوانتمية بمجملها، إذ تبرز الحاجة إلى تأطير قانوني وأخلاقي للتشفير الكمي باعتبارها أولوية لضمان استفادة الجميع من هذه التقنية دون إساءة استعمالها، وهذا ما يمكن تضمينها في إطار حوكمة التقنيات الكوانتمية أسوة بحوكمة الذكاء الاصطناعي التي ينادي العلماء والمختصون بتفعيلها قبل تجاوز المستويات الحالية لمثل هذه التقنيات.

دور التشفير الكوانتمي في مستقبل الأمن الرقمي

ببلوغنا عصر التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، وما تصحبه هذه التقنيات من تعقيدات رقمية تهدد أمن البيانات وخصوصيتها، وبجانب تضاعف اعتماد العالم على البيانات والاتصالات الرقمية لمسايرة التقدم الصناعي والاقتصادي، يصبح دور التشفير الكوانتمي في تأمين هذه البيانات أكثر أهمية من ذي قبل، وكلما تقدمنا إلى المستقبل، فإن ضرورة انتشار هذا النوع من التشفير يُعدّ ضرورة لا مناص منها، لتأمين القدرة على حفظ البيانات وحمايتها بطرق تتجاوز القدرات الحاسوبية التقليدية، ومع تقدم الحوسبة الكوانتمية، يمكن للتشفير الكوانتمي أن يوفر الحماية للبنية التحتية في جميع قطاعات الحياة التي غدت تعتمد بشكل رئيس على البيانات الرقمية المتقدمة وأدواتها، فالاتصالات الحكومية، والمعلومات الشخصية، والأصول الرقمية بحاجة إلى مستويات عالية من أنظمة التشفير الحامية لبياناتها الرقمية.

الآفاق المستقبلية

مع استمرار التطور في مجال الحوسبة الكوانتمية والتشفير الكوانتمي، يمكننا توقع زيادة في القدرات الأمنية لحماية البيانات، إذ تتطلب التحديات القائمة حلولا مبتكرة واستثمارا مستمرا في البحث والتطوير، ورغم ذلك، فإن القدرات الواعدة لهذه التقنية لا تخلو من تحديات مثل التي سقناها في الفقرات السابقة، وتحتاج إلى مزيد من الوعي والبحث العلمي الذي يمكن أن يخلص إلى حلول ناجعة عبر توفير مستوى من الأمن لأنظمة التشفير المتقدمة. ويُقدّم التشفير الكوانتمي فرصا جديدة واعدة لتأمين البيانات في عصر الحوسبة الكوانتمية عبر الجمع بين الأبحاث المتقدمة والابتكارات التقنية، ويمكن للمجتمع العلمي والصناعي تجاوز التحديات الحالية وفتح آفاق جديدة في أمن البيانات، فالاستثمار في التشفير الكوانتمي ليس استثمارا في أمن البيانات وحسب بل يعتبر أيضا استثمارا في المستقبل الأمني للعالم الرقمي المتسارع في تطويراته. بينما نواصل استكشاف هذا المجال الواعد، من الضروري أن نبقى واعين للأخلاقيات والتنظيم؛ لضمان استعمال هذه التقنية بطريقة تعود بالنفع على الجميع، وفي حين أننا نتجه نحو عصر ما بعد الكوانتم، يصبح من الأهمية بمكان أن نواصل استكشاف حلول تشفير مبتكرة وتطويرها لحماية الاتصالات والبيانات ضد التهديدات المتطورة الناتجة من هذا التقدم الرقمي الذي يتجاوز قدراتنا في الاحتمال وتقدير مستوياته في التطوير.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی أمن البیانات من البیانات هذه التقنیة التی یمکن یمکن أن الذی ی فی عصر عصر ما

إقرأ أيضاً:

هل يمكن للشباب الاعتماد على التداول كمصدر دخل رئيسي؟

في ظلّ التطوّر التقني وتغيُّرات الاقتصاد العالمي، يبحث الشباب عن وسائل جديدة لتحقيق الدخل والاستقلال المالي، يظهر في هذا السياق مصطلح forex الذي يشير إلى تداول العملات الأجنبية (الفوركس) ضمن عالم التداول الواسع الذي يشمل أيضًا العملات الرقمية والأسهم.

وقد كشفت دراسات حديثة أن نسبة كبيرة من الشباب باتت تستثمر أموالها بنفسها في الأسواق المالية العالمية.

فعلى سبيل المثال، بيّنت دراسة لجامعة تورنتو أن 74% من أبناء جيل (Z) في كندا يمتلكون استثمارات مالية، مقابل 56% في الولايات المتحدة. علاوةً على ذلك، يشير تقريرٌ إلى أن أكثر من 80% من المستثمرين الشباب في الولايات المتحدة والهند يشاركون في أسواق الأسهم والعملات الرقمية معًا، وهو ما يبيّن تنوّع اهتماماتهم الماليّة وطموحهم للاستفادة من فرص عدة.

وهذه الأرقام تدلّ على أن كثيرين من الجيل الجديد ينظرون إلى التداول كوسيلة لتكوين دخل إضافي أو أساسي، وهو ما يعزز فكرة إمكانية اعتمادهم عليه إذا تبنّوا منهجية واستراتيجيات واعية.

أنواع التداول المناسبة للشباب تداول العملات الرقمية (الكريبتو)

يعدّ سوق العملات الرقمية (الكريبتو) مجالًا ناشئًا وسريع النمو يجذب انتباه الشباب بشكل خاص. فمن أبرز ميزاته أنه متاح للتداول على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع بدون انقطاع، مما يتيح المرونة في اختيار أوقات العمل المناسبة.

كما تتميّز هذه العملات بتقلباتها العالية، وهو ما يوفر فرصًا ربحية كبيرة لأولئك القادرين على قراءة تحركات السوق. مثلاً، استطاع شاب أن يحوّل مبلغًا صغيرًا قدره 5 آلاف دولار إلى محفظة عملات رقمية تزيد قيمتها عن 250 ألف دولار خلال 7 أشهر فقط، فيُظهر ذلك القوة المحتملة لهذا السوق.

من الامكانيات الاخرى للعملات الرقمية أنه يمكنك من استخدام الرافعة المالية، بحيث يمكن المضاربة على ارتفاع السعر أو هبوطه دون الحاجة لشراء العملة نفسها.

ورغم كل ذلك يجب إدراك المخاطر العالية لهذا النوع من التداول.

تداول العملات الأجنبية (الفوركس)

سوق الفوركس هو أكبر أسواق المال في العالم، حيث تتجاوز القيمة المتداولة فيه 5 تريليونات دولار يوميًا. يتميز هذا السوق بسهولته وتوفره على مدار 24 ساعة في اليوم خمسة أيام في الأسبوع (من مساء الأحد إلى مساء الجمعة)، مما يمنح المتداولين من الشباب مرونة في اختيار أوقات التداول حسب جدولهم الخاص.

كما يتيح الفوركس تداول أزواج عملات متعددة (كالزوج اليورو/دولار، والدولار/ين) بحيث يمكن تحقيق أرباح من تحرك أي عملة مقابل أخرى.

ويغود ذلك بفضل ارتفاع السيولة في أسواق العملات المختلفة، تكون تكاليف تنفيذ الصفقات (الفروق السعرية والعمولات) منخفضة نسبيًا. تجدر الإشارة أيضًا إلى أن الفوركس يعتمد على مبدأ الرافعة المالية، فمثلاً قد يُطلب إيداع نسبة صغيرة (مثلاً 2%) من قيمة الصفقة الأولية، مما يسمح للمتداول بتحكم بمبالغ أكبر من رأس ماله.

وهذا يعني إمكانية تحقيق أرباح كبيرة عبر استثمار صغير، بيد أنه يضاعف أيضًا من حجم الخسائر المحتملة. لذا، يحتاج تداول الفوركس إلى حذر وإدارة مخاطرة سليمة.

تداول الأسهم

يقدم سوق الأسهم للشباب فرصة الاستثمار في شركات كبرى ومستقرة أو في أسهم ذات نمو واعد.يرى الكثير من المستثمرين الشباب أن الاستثمار في سوق الأسهم أقل تقلبًا وأمانًا نسبيًا من العملات الرقمية.

فشراء أسهم شركة مدرجة يمنح صاحبها حقًا في أصول الشركة وربما توزيعات أرباح دورية (أرباح نقدية)، مما يساهم في دخل مستدام على المدى الطويل.

ويسمح أيضًا تداول الأسهم على فترات زمنية مختلفة، فبوسع المبتدئ اختيار استراتيجية طويلة المدى (الاحتفاظ بالأسهم لشهور أو سنوات) أو المضاربة على المدى القصير تبعًا لأهدافه.

ومن المشجع أن عددًا متزايدًا من الشباب ينظر إلى سوق الأسهم كوسيلة لتحقيق "الحرية المالية" أو التقاعد المبكر، أي الاعتماد على العوائد الاستثمارية بدلاً من الاقتصار على الدخل الوظيفي التقليدي.

فوائد التداول للشباب

مرونة الوقت والجدول: التداول الإلكتروني يتيح للشباب العمل في الأوقات التي تناسبهم، سواء خلال عطلات الدراسة أو بعد ساعات الدوام.

فمثلًا يبقى سوق الفوركس مفتوحًا 24 ساعة في اليوم خمسة أيام أسبوعيًا، بينما تداول العملات الرقمية متاح طوال الأسبوع. هذه المرونة تسمح للشاب بتنظيم وقته بين الدراسة أو الوظيفة ومتابعة الأسواق.

التعلم الذاتي والتطوير الشخصي: مع توافر آلاف الموارد التعليمية (كتب، دورات فيديو، ومواقع تعليمية)، أصبح بإمكان أي شاب بدعم من الإنترنت تعلم أساسيات التداول والتطوير باستمرار.

وتشير الإحصاءات إلى أن 65% من المستثمرين الشباب يعتمدون على التطبيقات الذكية للتداول، ويستفيدون من نصائح مجانية أو منخفضة التكلفة عليها، وهذا يعكس سهولة الوصول إلى المعلومات وتقليل تكاليف البداية.

تنويع مصادر الدخل: التداول يتيح للشباب تنويع دخلهم المالي بعيدًا عن الاعتماد الكلّي على وظيفة واحدة. فمن خلال الاستثمار في أصول متعددة (عملات رقمية، عملات أجنبية، وأسهم شركات مختلفة) يمكن بناء محفظة مالية متنوعة.

ويؤكد كثير من الشباب أنهم يرون في التداول فرصة لتحقيق الحرية المالية والاعتماد على عوائد استثماراتهم كدخل مستقبلي. وهذه النظرة التحفيزية تشجعهم على اكتساب المهارات اللازمة والبدء في التخطيط المالي بأنفسهم.

التحديات وكيفية التغلب عليها

عند الحديث عن التداول، يجب الانتباه للمخاطر والتحديات الأساسية، مع التركيز على كيفية تجاوزها:

تقلب الأسواق والمخاطرة: الأسواق المالية بطبيعتها غير مستقرة، فقد تتغير الأسعار بسرعة. وللتخفيف من المخاطر، يُنصح دائمًا بوضع خطة محددة وإدارة مالية حكيمة (مثلاً، استثمار مبالغ يمكنك تحمل خسارتها فقط).

يمكن استخدام أوامر وقف الخسارة وأدوات إدارة المخاطر المتوفرة في منصات التداول لحماية رأس المال من الهبوط المفاجئ.

العواطف والانفعال: يميل بعض المتداولين الشباب إلى اتخاذ قرارات بناءً على العواطف. فقد كشفت إحدى التحليلات أن متداولي تطبيقات التداول يقومون بشراء الأسهم فور انخفاضها بدافع رد فعل عاطفي، دون الاعتماد على تحليل متأنٍ. هذا السلوك قد يحقق ربحًا قصير الأجل أحيانًا، لكنه يزيد من احتمال الخسارة. ولتجنّب ذلك، يُنصح باتباع استراتيجيات محددة والابتعاد عن التداول العاطفي عبر وضع قواعد واضحة للشراء والبيع والالتزام بها.

نقص الخبرة والمعرفة: الدخول العشوائي دون فهم كافٍ يمكن أن يؤدّي إلى خسائر. فمثلاً، استخدم بعض طلاب المدارس نظام ذكاء اصطناعي لأخذ نصائح تداول، فخسر كل واحد منهم نحو 500 دولار بسبب نقص المعرفة المالية.

للتغلب على هذا، يجب الاستفادة من الحسابات التجريبية (Demo) لتعلم السوق عمليًا دون خسارة المال الحقيقي، بالإضافة إلى متابعة الدورات والدروس المتخصصة. كلما زادت ثقافة المتداول وغزرت إحصاءات السوق، قلّت احتمالات ارتكابه للأخطاء المكلفة.

نصائح للتغلب:

التعلّم المستمر: كلما تطورت مهاراتك كلما زادات خبرات - استثممر وقتك في دورات مجانية، اقرأ كتبًا تعليمية، وحضّر خطة تداول. ابدأ بحساب تجريبي لتجريب استراتيجياتك من دون مخاطرة.

إدارة رأس المال: لا تغامر بكل مدخّراتك في صفقة واحدة. وزّع استثماراتك بين أصول متنوعة وحدد نسبة للخسارة لا تتجاوزها.

استخدام أدوات التحليل: استفد من التقنيات المالية (مؤشرات فنية، وأخبار اقتصادية موثوقة) وأدوات المنصات مثل وقف الخسارة وتنبيه الأسعار، لضبط قراراتك وإدارة المخاطر.

التحكم بالعواطف: كن واقعياً في توقعاتك، ولا تدع الخوف أو الطمع يسيطران عليك. اتبع استراتيجيتك بحكمة وتعلم من كل صفقة تخسرها كي لا تتكرر الأخطاء.

يمكن القول إن التداول يشكّل فرصة واعدة أمام الشباب الطامحين لاستثمار الوقت والجهد في بناء دخلهم المستقبلي.

فبهذه المهارة يستطيع الشاب الجمع بين التعلّم الذاتي والمرونة الزمانية والاستفادة من عائدات الأسواق المالية. ومع ذلك، ينبغي التذكير بأن التداول ليس طريقًا سريعًا للثراء، بل يتطلب انضباطًا وصبرًا وتعلّماً مستمرًا. بالتزام المبادئ السابقة (التعلم، والإدارة المالية، واستخدام الأدوات التحليلية)، يستطيع أي شاب تحويل التداول إلى مصدر دخل إضافي وربما رئيسي على المدى الطويل. فقم بالخطوة الأولى اليوم - تعلّم الأساسيات، وابدأ برأس مال صغير، وطور من نفسك تدريجيًا في عالم التداول العريق والمليء بالفرص.

اقرأ أيضاًعصر الخدمات الرقمية.. كيف غيّرت التكنولوجيا طريقة إنجاز المعاملات القنصلية؟

العملات الرقمية تواصل الارتفاع.. وبيتكوين تتجاوز 111 ألف دولار

مقالات مشابهة

  • هل يمكن للخوارزميات إنقاذ البيئة؟
  • طارق نور: لا يمكن توقع من سيدير الإعلام مستقبلاً في ظل تطور التكنولوجيا
  • ماين هارت تشارك للمرة الأولى في Cairo ICT 2025 برؤية شاملة للمدن الذكية ومراكز البيانات
  • أجنبية تقع فى فخ تحديث البيانات البنكية.. والداخلية تكشف التفاصيل
  • البيانات غير المفيدة تجعل الذكاء الاصطناعي “أغبى” وأكثر ميلا للأخطاء!
  • بعد تصويت مساهموتسلا.. ما الذي يمكن أن يشتريه إيلون ماسك بتريليون دولار؟
  • ماذا بعد اختراق البيانات؟ خبير أمني يشرح كيفية مواجهة المجرمين إلكترونيًا
  • هل يمكن للشباب الاعتماد على التداول كمصدر دخل رئيسي؟
  • «لونيت» تطلق صندوق «البيانات والطاقة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي»
  • ارتفاع الأسهم الآسيوية مع صدور البيانات الأمريكية الإيجابية بشأن التقييمات المبالغ فيها