حصاد مياه السُّحب لمكافحة ندرة الماء في الصّحاري
تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT
ترجمة: حافظ إدوخراز -
لا يزال 2.2 مليار شخص في العالم غير قادرين على الولوج إلى خدمات التزوّد بالمياه الصالحة للشّرب. ومع ظاهرة الاحتباس الحراري، أصبحت ندرة مياه الشرب تحدّيًا كبيرا يعترض مستقبلنا، وتتفاقم هذه المشكلة بالطّبع في المقام الأول في المناطق القاحلة والمكتظّة بالسكان. يسلّط تقرير حديث صدر عن منظمة لأمم المتحدة الضوء على الأهمية الحاسمة لاستكشاف مصادر المياه «غير التقليدية» مثل مياه الغلاف الجوّي، حيث إن الموارد الحالية يتمّ استغلالها بشكل مفرط وهي غير كافية.
وللعثور على حلول مبتكرة، يمكن أن تكون الطبيعة مصدرًا رائعًا للإلهام. لقد طوّرت أنواع معيّنة من الأشجار والحشرات خلال مسيرتها التطوّرية طرقًا بارعة لالتقاط المياه الموجودة في الغلاف الجوي على شكل بخار أو ضباب.
ولنذكر على سبيل المثال أشجار السّكويا العملاقة في كاليفورنيا، التي تلتقط أكثر من ثلث المياه التي تستهلكها بفضل الضّباب الذي تعترضه إبرها وتُستخلص منه قطرات الماء. وتلتقط شجرة تنّين سقطرى الماء من الضباب وتبتلعه مباشرة من خلال أوراقها. وتلعب بعض نباتات الصبّار والطّحالب وخنافس الصحراء على بنيتها أو شكلها الهندسي أو تآلف سطحها مع الماء من أجل تجميع الضّباب.
شبكات من أجل التقاط الضّباب
وأمام هذه الحلول الرائعة في الطبيعة، لم يبقَ الإنسان استثناءً، فقد تمّ استخدام شبكات من أجل التقاط الضباب منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، ولا سيما من قبل المنظمة غير الحكومية Fog Quest. ونسعى إلى تطوير طرق بسيطة لصنع شبكات أكثر كفاءة وأكثر اقتصادًا وأسهل في التصنيع من تلك المتوفّرة حاليا.
في بعض المناطق الصحراوية مثل تشيلي أو المغرب، يستخدم السكان «شبكات الضباب» من أجل التقاط قطرات الماء من «ضباب التأفّق» الذي يتشكّل ويتحرّك فوق بعض الصّحاري الجبلية بالقرب من سواحل المحيط. يتكثّف هواء المحيطات الدافئ الرطب، مدفوعا بالرياح، ويتحوّل إلى قطرات صغيرة من الماء حينما يبرد عند ملامسته للغلاف الجوي البارد في هذه المناطق الجبلية.
لقد أدّى التقدم العلمي والتقني المتراكم في هذا المجال طيلة عقود عدّة من الزمن، إلى تصميم شبكات كبيرة وبتكلفة معقولة، مما دفع بالعديد من المجتمعات إلى نشر شبكات لالتقاط الضباب الذي تحمله الرياح. تبدو شباك «السّحاب» أو «الضّباب» هذه وكأنّها شباك صيد ممتدّة في الهواء. وبالنسبة لأفضل أنواع الشّباك، فيمكنها أن تتمتّع بكفاءة التقاط تصل إلى 15% من كمية الماء الموجودة في الضباب. وبإمكانها، على حسب مكان وضع هذه الشباك، جمع ما بين 10 و100 لتر من الماء لكل متر مربع يوميّا.
يتمثل التحدّي الحقيقي الذي تواجهه المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي والتي تتمتع بظروف مواتية لتشكّل ضباب التأفّق، في تطوير شبكاتٍ فعّالة ومستدامة وبأسعار في المتناول. لا ريب أن الشّباك الرخيصة، مثل شباك «أكياس البطاطس» (Raschel mesh) المستخدمة في تغليف بعض الأغذية، مُتاحة أكثر بالنظر إلى سعرها، لكن فعّاليتها تظلّ محدودة ولا تستطيع مقاومة الرياح العنيفة. أما الشبكات التي تتمتع بقدرٍ أكبر من المتانة والكفاءة، مثل الشبكة التجارية Aqualonis FogCollector، فإنتاجها أكثر صعوبة وتكلفتها أكبر بكثير.
وأمام هذه التحدّيات العلمية والتقنية، يعكف الباحثون على استكشاف حلول «سالبة» من أجل تحسين جودة الشّباك من خلال العمل على كفاءتها وديناميكيتها الهوائية أو حتى على طبيعة المادة التي تُصنع منها الشبكة وتوافقها مع الماء. ويُحيل الجانب «السّالب» في هذه الحلول إلى أنه لا حاجة إلى طاقة إضافية (كهربائية أو من أصل أحفوري) تضاف إلى الطاقة التي توفّرها الشمس لتبخير الماء وتحريك الكتل الهوائية. وذلك على عكس طرقٍ أخرى تُستخدم في الحصول على المياه العذبة، والتي غالبا ما تكون كثيفة الاستهلاك من حيث الطاقة مثل بعض طرق تحلية مياه البحر.
تحسين شبكات السّحاب من خلال تكييف هندسة أليافها
لقد مكّنت أبحاثنا الأخيرة من تصنيع شبكات للضباب بفضل تقنية تقطيع وتشكيل الورق اليابانية (Kirigami)، وتم تصميم هذه الشّباك ببساطة عن طريق قطع وطيّ أوراق بلاستيكية. يعدّ هذا النوع من الشّباك غير مكلّف، وله هندسة بسيطة، وتفوق كفاءته كفاءة معظم الشّباك الموجودة.
ترجع هذه الكفاءة إلى هندسة الألياف المستخدمة، ففي حين أن معظم شبكات الضباب تستخدم أليافًا أسطوانية، فإننا نستخدم أليافا مسطّحة.
تأخذ قطرة الماء الموجودة على سطح الشبكة شكلًا يسمح بالموازنة بين الضغوط الداخلية والخارجية التي تخضع لها القطرة، بالإضافة إلى الضغط الزائد الذي ينتج عن انحناء واجهتها السائلة. ونظرًا لأن الألياف الأسطوانية بها انحناء، فلن تتمكن القطرة من التمدّد، لأنه ومن أجل التعويض عن انحناء الألياف، سيتعيّن عليها الحفاظ على شكل اللؤلؤة. أما بفضل الهندسة المسطّحة للألياف المستخدمة في شباكنا، فإن قطرات الضباب ستتمدّد بالكامل، وتشكّل بسرعة طبقة سائلة رقيقة ومستقرّة للغاية على كامل سطح الشبكة، مما يعزّز تجمّع المياه.
لقد أظهرت اختباراتنا أنه في ظلّ ظروف تجريبية متكافئة، نجحت شبكة الكيريغامي (Kirigami) في تجميع ثماني لترات لكل متر مربع في ساعة واحدة، في حين أن شبكات القيثارة المصنوعة من الألياف وشبكات أكياس البطاطس شائعة الاستخدام لم تجمع على التوالي سوى ثلاثة لترات وليترين لكل متر مربع.
وبالمقارنة مع واحدة من أفضل شبكات الضّباب الموجودة في السوق حاليًا (Aqualonis FogCollector 3D-2013)، فإن شبكة الكيريغامي الخاصّة بنا تعادلها كفاءة، لكنها تتميّز عنها بكونها أكثر كفاءة من الناحية الديناميكية، أي عند وجود ضباب منخفض الكثافة أو يدوم لمدة قصيرة.
إن بساطة تقنية الكيريغامي وإمكانيات الإنتاج على نطاقٍ واسع التي تتيحها، تجعل منها مرشّحًا واعدًا من أجل تطبيقاتٍ منخفضة التكلفة في هذا المجال (يتعلق الأمر في الواقع بمجرد ورقة من البلاستيك مثقوبة بقواطع). ونقوم في الوقت الرّاهن باختبار نماذج أوّلية يمكن إنتاجها على نطاق واسع بالتعاون مع المنظمة المغربية غير الحكومية «دار سي حماد»، التي تمتلك أكبر حقل لشباك الضباب في العالم، وكانت النتائج الأوّلية مشجّعة للغاية.
وفضلًا عن طريقة التصنيع الجديدة هذه، قمنا أيضا بتطوير طريقة اختبار دقيقة يمكن مراقبتها بشكل جيد في المختبر، مما يسمح لنا بقياس فعّالية شبكة الضباب من نوع كيريغامي ومقارنتها بالشّباك الأخرى تحت نفس الظروف. في الواقع، غالبًا ما يكون قياس فعّالية شبكة الضباب أمرًا ينطوي على كثيرٍ من الذّاتية، ولم يتم بعدُ توحيد تقنيات القياس.
تتمثّل تقنية الاختبار الخاصة بنا في نفق رياحٍ ينتج تدفّقا صفيحيّا من الهواء، ويتم فيه توليد الضّباب وإرساله باستخدام محوّلات الطاقة الكهروضغطية. تُتيح لنا عيّنات الشّباك الموضوعة في مخرج النفق على موازين فائقة الدقة، قياس كفاءة الالتقاط في الوقت الحقيقي. ويمكننا بالتالي التمييز بشكل ديناميكي بين المساهمات المختلفة على مستوى الكفاءة.
ومن أجل ضمان إمكانية الوصول إلى الحلول التي تمّ تصميمها وقابليّتها للتطوير، عملنا في ظل قيود في سياق «العلم المقتصد» (Frugal Science) (العلم الذي يهدف إلى تصميم حلول إبداعية قابلة للتطوير مع الأخذ في الاعتبار معيار التكلفة مقارنة بالأداء) داخل «مختبر تصنيع» (FabLab) (مختبر التصنيع الرقمي).
تلعب «مختبرات التصنيع، من خلال تعزيزها للتعاون بين التخصّصات وتوفيرها لإمكانية تصنيع النماذج الأوّلية، دورا رئيسيا في إيجاد الابتكارات من أجل مواجهة التحدّيات العالمية، وذلك يصبّ في مصلحة تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
دوني تيرواني، عالم فيزياء وأستاذ بجامعة بروكسل الحرة
المصدر - موقع The Conversation
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
«اختفاء تاج محل» وإغلاق مدراس ولاية دلهي.. ماذا يحدث في الهند؟
أمرت حكومة العاصمة الهندية دلهي جميع المدارس الابتدائية بوقف الفصول الدراسية حتى إشعار آخر بسبب تفاقم التلوث في المدينة الكبرى، بينما كان الضباب الدخاني على بعد أكثر من 160 كيلومترًا كثيفًا لدرجة أنّه حجب رؤية نصب تاج محل.
دلهي تتصدر التصنيف العالمي لتلوث الهواءوبحسب موقع صحيفة «الجارديان» البريطانية، فإن دلهي والمنطقة الحضرية المحيطة بها، والتي يسكنها أكثر من 30 مليون نسمة، تصدرت باستمرار التصنيفات العالمية لتلوث الهواء في الشتاء، وهو ما يقدر بأنه يقلل متوسط العمر المتوقع لسكان العاصمة بما يصل إلى سبع سنوات.
وأصبح التلوث مصدرا سنويا للبؤس بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في دلهي، مع فشل المبادرات الحكومية المتفرقة المختلفة في معالجة المشكلة بشكل ملموس.
وأعلن رئيس وزراء الولاية على منصة التواصل الاجتماعي «إكس»: «بسبب ارتفاع مستويات التلوث في دلهي، ستتحول جميع المدارس الابتدائية في دلهي إلى الفصول الدراسية عبر الإنترنت، حتى صدور توجيهات أخرى».
تأخير وإلغاء الرحلات الجوية والقطاراتكما تسببت أزمة الضباب الدخاني السنوية في حدوث العديد من الاضطرابات الأخرى في جميع أنحاء المدينة وفي جميع أنحاء شمال الهند، بما في ذلك تأخير وإلغاء الرحلات الجوية والقطارات.
وأبلغت المستشفيات عن زيادة في عدد المرضى القادمين وهم يعانون من مشاكل في التنفس والجهاز الهضمي مرتبطة بالتلوث، وهو ما يقول الأطباء إنه يؤدي إلى أزمة صحية في المدينة.
وحظرت الحكومة أيضًا أمس جميع أعمال البناء غير الضرورية، وناشدت المواطنين باستخدام المزيد من وسائل النقل العام، وتجنب استخدام الفحم والخشب للتدفئة، دون أن تحدد المدة التي ستظل هذه الإجراءات سارية فيها.
تسجيل مستويات قياسية من مسببات التلوثوسجلت الولاية مستويات الملوثات التي ترصد جسيمات دقيقة خطيرة مسببة للسرطان تدخل مجرى الدم عبر الرئتين بأكثر من 50 مرة فوق الحد الأقصى اليومي الموصى به من قبل منظمة الصحة العالمية يوم الأربعاء.
ويُلقى اللوم في الضباب الدخاني في المقام الأول على حرق بقايا المحاصيل من قبل المزارعين في أماكن أخرى من الهند لتطهير حقولهم للحرث، فضلاً عن أبخرة المصانع وعوادم السيارات.
وتؤدي درجات الحرارة المنخفضة والرياح البطيئة الحركة إلى تفاقم الوضع من خلال احتجاز الملوثات القاتلة كل شتاء، بدءًا من منتصف أكتوبر وحتى يناير على الأقل.
السلطات تطلق مبادراة لمعالجة تلوث الهواء دون فائدةأطلقت السلطات في دلهي عدة مبادرات لمعالجة التلوث، لكنها لم تحقق الكثير على أرض الواقع.
وسخر النقاد من مخطط جديد تم الكشف عنه هذا الشهر لاستخدام 3 طائرات دون طيار صغيرة لرش رذاذ الماء، ووصفوه بأنه حل مؤقت آخر لأزمة الصحة العامة.
تشكل مشكلة تلوث الهواء أزمة وطنية في مختلف أنحاء الهند، الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، وبحسب دراسة لمجلة لانسيت الطبية في عام 2019 فإنّ هناك 1.67 مليون حالة وفاة مبكرة في الهند بسبب سوء جودة الهواء.