سودانايل:
2025-03-10@13:14:37 GMT

لماذا فشل مؤتمر فرنسا في الشأن السياسي؟

تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT

زين العابدين صالح عبد الرحمن
أنتهى مؤتمر الدعم الإنساني للمتضررين من الحرب في السودان، و الذي عقد في فرنسا و انتهت أعماله أمس الثلاثاء 16\ 4\ 2024م ، كانت كل من فرنسا و المانيا إلي جانب الاتحاد الأوروبي قد دعوا لعقد المؤتمر للدعم الإنساني لكنهم الحقوا به عملا سياسيا بهدف خلق أرضية مشتركة بين القوى السياسية بهدف أعداد مشروع سياسي يبدأ بعد وقف الحرب.

. إلحاق العمل السياسي بالمؤتمر هو الذي أعطاه هذا الزخم الإعلامي. باعتبار أن الصراع السياسي بين المكونات هو الذي جعل أن تكون هناك حالة من الترقب و التوجس، باعتبار أن فرنسا و المانيا إلي جانب الإتحاد الأوروبي يردون إعادة إحياء " الإتفاق الإطاري" مرة أخرى هذه المرة تحت رعاية فرنسا و المانيا بعد فشل تجربة وزارة الخارجية الأمريكية التي رعتها مساعدة وزير الخارجية " مولي في" التي كانت قد جمعت قيادات قحت المركزي مع ممثلين للمكون العسكري في بيت السفير السعودي..
عندما طلبت قحت " المركزي" أن تعقد اجتماعها العام في القاهرة؛ كان برغبة أوروبية على أن تفتح حوارا مع القوى السياسية الموجودة في القاهرة، و لكي تسهل عملية فتح الحوار السياسي بين القوى السياسية ليكون موازيا للحوار العسكري الذي كان جاريا في منبر جدة. توجست قحت المركزي من الخطوة و أكتفت بالبيان الذي أصدرته في ختام اجتماعها بالقول " أن يكون هناك حوارا شاملا ما عدا المؤتمر الوطني" ثم جاء اجتماع "تقدم" في اديس ابابا و تقدم صنيعة أمريكية عادت لكي تعدل في بيان القاهرة لقحت المركزي بما يتعلق بالحوار السياسي مع القوى السياسية فوضعت شرطا " ما عدا المؤتمر الوطني و الإسلاميين بكل مكوناتهم" و هذه الفقرة تؤكد قوة نفوذ و أثر " الجمهوريين" في المجموعة. و لكن الذي أتضح للإمريكان و الأوروبيين أن " تقدم" عجزت أن تضيف أي قوى جديدة غير القوى التي بدأت بها تكوينها. وأيضا كشفت لهم سبب فشل حمدوك في القاهرة عقد حوارات واسعة مع القوى السياسية و تجمعات السودانيين.. حيث أكتفى حمدوك بالقاء مع الأمين العام للجامعة العربية و وزير المخابرات اللواء كامل عباس، و تخوف حمدوك بالقاء مع السودانيين في القاهرة.. الأمر الذي أكد للغرب و أمريكا أن تقدم لا تستطيع أن تقدم أكثر من الذي فعلته، و بالتالي لابد من البحث عن طريقة أخرى لجمع المكونات السودانية في حوار مفتوح..
أن اللقاءات التي كانت قد عقدتها الدبلوماسية الأوروبية مع العديد من القيادات السياسية و المهتمين بالشأن السياسي في القاهرة، أكدوا لهم أن جمع المكونات المختلفة في قاعة واحدة من اجل حوار مفتوح سوف تدفع لبناء الثقة بين تلك المجموعات.. خاصة هناك البعض الذين يلهثون من أجل السلطة، و هؤلاء كانوا يؤكدون في كل لقاء مع الدبلوماسيين الغربين أن الاتحاد الأوروبي قادر أن ينظم مثل هذا الحوار.. و اقتنعت كل من فرنسا و المانيا و سفير الاتحاد الأوروبي بتوسيع أجندة المؤتمر الإنساني لكي يشمل أجندة سياسية على هامش المؤتمر الإنساني.. و كما ذكرت في مقال أمس أن أغلبية الحضور كانوا من الذين حضروا الورش التي كانت تقيمها المنظمات الغربية في كل من كمبالا و نيروبي قبل سقوط نظام الإنقاذ و بعده كانوا يتجاوزون عضوية الأحزاب التقليدية..
أن المؤتمرات السياسية التي تعتقد خارج البلاد، و بتمويل خارجي، لا تستطيع أن تعالج مشاكل السودان السياسية، لأنها تتوهم أنها تحاول أن تقدم قوى " حديثة" تتجاوز بها الأحزاب التاريخية ذات القاعدة الاجتماعية العريضة، الأمر الذي يصبح عاملا لفشلها.. أن القوى الحديث تعتقد أن وصولها للسلطة إذا كانت برافعة خارجية أو غيرها بعيدا عن الانتخابات سوف يعطيها فرصة أن تستخدم مؤسسات الدولة لبناء قواعدها الاجتماعية، و هي دعوة شمولية مغلفة و مدعومة بالغرب الذي يبحث فقط عن مصالحه..
أن مؤتمر فرنسا الشق السياسي أعلن فشله السلطان بحر الدين الذي ألقى كلمة محترمة جدا ثم انسحب باعتبار أن هذا المؤتمر لن يعالج المشكلة التي جاء من أجلها، و الحوار كشف عن هوة الاختلاف بين المجموعات التي يراهن عليها الغرب.. هناك تظل قيادات لا ترى في كل هذه الأزمة غير محاصصات السلطة.. و هناك من يرى أن أي حديث الآن عن المحاصصات لا يعالج الأزمة، و لا يوقف الحرب.. أن السيد جعفر الميرغني نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل قد اختار كلمات خطابه بعناية فائقة لكي يجعلها تعبر عن كل الحركة الاتحادية بمختلف مجموعاتها إلا القلة، فكان الخطاب يتماشى مع الإرث النضالي و السياسي للأباء المؤسسين، و في نفس الوقت حدد ابعاد الموقف بوضوح دون لبس فيه.. أن الخطاب جاء يؤكد موقف الجماهير الاتحادية الداعم للشعب الذي أعلن انحايزه للجيش منذ بداية الحرب.. قال جعفر الميرغني (جاءت مشاركتنا في هذا الملتقى المهم حرصا منا على تعزيز التواصل مع المجتمع الدولي. و أيصال الصوت الوطني السوداني في المحافل الدولية، و التعبير عن رؤى القوى الوطنية السودانية المتمسكة بوحدة السودان، و المؤمنة بضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية القومية و الدستورية، و في مقدمتها القوات المسلحة السودانية الحامية لتراب و حدود البلاد و الضامنة لوحدة و أمن و سلام السودان) و أضاف جعفر قائلا ( أننا نطالب الاتحاد الأوروبي بعدم تسيس المساعدات الإنسانية، و التعامل مع هذا الملف من منظور أنساني و ليس سياسي، و ندعوه للمساهمة في معالجة جذور الأزمة و ليس اعراضها فقط، و ذلك من خلال إدانة و تجريم اعتداءات الدعم السريع على المواطنين و احتلال مساكنهم و مهاجمته لقوافل الإغاثة ، مما أفضى إلي تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان) أن الخطاب عبر حقيقة عن الموقف الاتحادي في الأزمة و الحرب.
لكن الميرغني فوت فرصة كبيرة، كان عليه أن يقف ولو لبرهة مخاطبا السودانيين الذين جاءوا محتجين على المؤتمر، أو مشاركة البعض الذين يعتقدون أنهم تسببوا في تهجير و إبادة آهلهم. كان حديث البرهة خطف الأضواء الإعلامية، و ركز فقط على الحديث مع المحتجين.. أنتهى المؤتمر و أنفض الجمع دون الوصول إلي أية نتائج كان يتوقعها المنظمين.. أن أي مؤتمر يبحث قضة الحرب و السلام في السودان على مائدة السياسة يجب أن لا يتجاوز القوى الحية في المجتمع و دون أي قصاء... نسأل الله حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی فرنسا و المانیا القوى السیاسیة فی القاهرة

إقرأ أيضاً:

العلمانية في السودان- بين الواقع والطموح السياسي

تاريخٌ من التوظيف السياسي للدين
لطالما كان الدين حاضرًا في الوعي الجمعي السوداني، ليس فقط كمعتقد روحي، بل أيضًا كأداة سياسية تُستخدم لتبرير السلطة، وكسب الولاءات، وإقصاء الخصوم.
منذ عهد الدولة المهدية، مرورًا بالحكومات المتعاقبة، وصولًا إلى حكم الحركة الإسلامية بقيادة عمر البشير، ظل الدين جزءًا لا يتجزأ من المعادلة السياسية.
لكن هل يمكن اليوم، بعد ثورة ديسمبر 2019، بناء دولة قائمة على مبدأ الحياد الديني؟
الخلفية التاريخية- محاولات الجمع بين الدين والدولة
شهد السودان عدة تجارب سياسية سعت لتحقيق توازن بين الدين والدولة، ولكنها غالبًا ما انتهت بإقصاء أحد الطرفين:
الدولة المهدية (1885-1898): قامت على أساس ديني واضح، حيث تم توظيف الإسلام كمصدر للشرعية، ولكن سرعان ما انهارت بسبب الاستبداد وانغلاقها على ذاتها.
الإدارة الاستعمارية (1898-1956): فرضت حكمًا علمانيًا إداريًا، مع الإبقاء على دور محدود للزعامات الدينية.
الفترة الديمقراطية الأولى (1956-1958): شهدت جدلًا حول طبيعة الدولة، بين دعاة الدولة المدنية والتيارات الإسلامية الصاعدة.
نظام النميري (1969-1985): بدأ بميول اشتراكية، لكنه انقلب إلى الإسلام السياسي بإعلانه قوانين الشريعة الإسلامية في 1983.
حقبة الإنقاذ (1989-2019): رسّخت سيطرة الإسلاميين على الحكم، وجعلت الدين أداة لشرعنة القمع والاستبداد.

* ثورة ديسمبر 2019 والتوجه نحو العلمانية
جاءت ثورة ديسمبر 2019 كرفض واضح لاستغلال الدين في السياسة، حيث رفع الشباب شعارات تطالب بالحرية والعدالة، بعيدًا عن الخطاب الديني المؤدلج.
كان هذا تحولًا جذريًا في الفكر السياسي السوداني، حيث بدأ الحديث بجدية عن ضرورة بناء دولة مدنية تتعامل مع المواطنين على أساس المواطنة، لا الانتماء الديني.
العلمانية في المشهد السوداني
أ. ميثاق التأسيس والإشارة للعلمانية
أحد أبرز مظاهر التغيير كان الإشارة الواضحة للعلمانية في ميثاق التأسيس للحكومة الانتقالية، والذي أكد على حياد الدولة تجاه الأديان. العلمانية هنا لم تكن رفضًا للدين، بل محاولة لفصله عن الدولة لضمان عدم استغلاله سياسيًا.
ب. ردود الفعل المتباينة
الشارع السوداني: قطاع واسع من الشباب والمثقفين رحبوا بهذه الخطوة باعتبارها ضمانة للحرية والعدالة الاجتماعية.
التيارات الإسلامية: رفضت هذا التوجه بشدة، معتبرةً أنه تهديد للهوية الإسلامية للسودان.
المتاجرون بالدين: بعض رجال الدين والساسة استغلوا الجدل حول العلمانية لإثارة الفتنة وربطها بالإلحاد، مما زاد من تعقيد النقاش حولها.

تأثير العلمانية على المجتمع السوداني
أ. تحرير العقل الجمعي
العلمانية يمكن أن تشكل فرصة لتحرير المجتمع السوداني من سطوة رجال الدين الذين استغلوا الدين لتبرير الفساد والاستبداد، مما يتيح حرية أكبر في التفكير واتخاذ القرار السياسي.
ب. حماية الدين من الاستغلال
كما هو الحال في العديد من الدول العلمانية، يزدهر الدين عندما يكون بعيدًا عن السياسة. التجربة التركية والتونسية نموذج لهذا التوازن، حيث بقيت المجتمعات محافظة دينيًا رغم فصل الدين عن الدولة.
ج. مواجهة التطرف
بفصل الدين عن الدولة، يتم تقليص نفوذ الجماعات المتطرفة التي تستغل المشاعر الدينية لتحقيق مكاسب سياسية أو تبرير العنف.

التحديات التي تواجه التوجه العلماني
أ. المقاومة من التيارات الإسلامية
التيارات التي فقدت نفوذها بعد سقوط نظام البشير ستسعى لإفشال أي محاولة لبناء دولة علمانية، عبر وسائل سياسية وإعلامية ودينية.
ب. الفهم المغلوط للعلمانية
يتم الترويج للعلمانية على أنها معادية للدين، ما يجعل تقبلها صعبًا لدى شرائح واسعة من المجتمع.
ج. الانقسام المجتمعي
العلمانية قد تؤدي إلى استقطاب سياسي واجتماعي، وهو ما قد يؤثر على استقرار البلاد، في ظل هشاشة الوضع السياسي.
مواقف القوى السياسية السودانية
حزب الأمة القومي يتبنى دبلوماسية فكرة الدعم السياسي الوسط لصالح فكرة الدولة المدنية لكنه يرفض المصطلح الصريح للعلمانية.
الحزب الاتحادي الديمقراطي وهؤلاء الذين يظنون أنهم أصحاب ميل لنموذج إسلامي معتدل.
المؤتمر السوداني هنا تكمن ضبابية المواقف لصالح قضايا الجماهير
التجمع الاتحادي لا تصريح لهم في هذه القضية ولكنهم مع الاتحاداليمقراطي لديهم محاولات اللعب علي رؤوس الافاعي لتحقيق حضور سياسي
الحزب الشيوعي السوداني يدعم العلمانية بشكل كامل التساؤل المهم هنا أيضا أين طرحه لبرنامج حكم علماني في السودان
قوى الحرية والتغيير - تشهد تباينًا في مواقفها بين داعم صريح للعلمانية وبين مؤيد للدولة المدنية دون تسميتها.
أغلب الكيانات الصغيرة تعتبر قضية العلمانية يجب تأجيل مناقشتها الان لحين نهاية الحرب
منظمات المجتمع السودانية لا تعرف الكثير عن العلمانية وهي المناط بها شرح الامر لكل جماهير شعبنا تحتاج لشرح الفكر العلمانية وتطوير قدراتها اتصبح في خدمة الناس
مستقبل العلمانية في السودان الفرص والتحديات
أ. فرص النجاح
دعم الشباب والمثقفين- الثورة أظهرت رغبة قوية لدى الشباب في بناء دولة مدنية حديثة.
التجارب الدولية - دول مثل تونس أثبتت إمكانية تحقيق توازن بين الدين والسياسة في بيئة عربية إسلامية.
ب. مخاطر الفشل
ضعف المؤسسات السياسية - لا تزال البنية السياسية السودانية هشة، مما قد يعيق تنفيذ إصلاحات جوهرية.
التدخلات الخارجية- بعض القوى الإقليمية قد تعمل على إفشال التوجه العلماني لضمان استمرار نفوذ التيارات الإسلامية.
العلمانية ليست حربًا على الدين، بل وسيلة لحماية المجتمع من استغلاله سياسيًا. في السودان، يمثل هذا التوجه تحديًا وفرصة في آنٍ واحد. نجاحه يعتمد على قدرة القوى السياسية والمجتمع المدني على تحقيق توافق وطني
ومواجهة التحديات الفكرية والسياسية التي تعترض طريقه. هل يستطيع السودان تجاوز إرث الاستغلال الديني والسياسي ليؤسس لدولة مدنية حقيقية؟ الإجابة تكمن في إرادة شعبه.

zuhair.osman@aol.com

   

مقالات مشابهة

  • إيران تنفي التدخل في الشأن السوري وترد على استبعادها من مؤتمر الأردن
  • رمضان يخفف من قساوة التحديات التي يواجهها رواد الأعمال السودانيون
  • لماذا أعلن ماسك استمرار ستارلينك في أوكرانيا رغم الخلاف السياسي؟
  • الأحزاب السياسية تشيد بقرار قائد انصار الله بشأن غزة
  • العمال الكردستاني يعتزم عقد مؤتمر تأريخي في العراق ليعلن نزع السلاح
  • العلمانية في السودان- بين الواقع والطموح السياسي
  • مهارة وصنارة.. مؤتمر خدام إعدادي وثانوي بإيبارشية حلوان
  • "مهارة وصنارة".. مؤتمر خدام إعدادي وثانوي بإيبارشية حلوان
  • المعادلة الطردية في الحرب و السياسة
  • ما الذي نعرفه عن المظلة النووية بعد عرض فرنسا توفيرها لحلفائها بأوروبا؟