الجزيرة:
2024-09-30@17:49:15 GMT

المعلوم من الدين بالضرورة.. علم لم يدوّن بعد

تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT

المعلوم من الدين بالضرورة.. علم لم يدوّن بعد

كنت في حوار على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، ودار حديثٌ بين ما يكفر به الإنسان، وما لا يكفر به، وكان مما قلت: إن العلماء قالوا: إن من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة هو مَن يكفر، فسألني أحد المتداخلين: هل يوجد كتاب جمع المعلوم من الدين بالضرورة؟! وظللت أفكر لعلّ رسالة أو كتابًا، أو مبحثًا تناول الموضوع وقام بحصره، فلم أجد، ثم سألت أهل الاختصاص، لعل أحدًا منهم تناوله فيما كتب، فلم أظفر بشيء.

ولا ندري ما سرّ عدم جمعه وحصره في موادّه وموضوعاته، فهو موضوع له خطورته وأهميته، حيث بناء عليه يحكم بكفر إنسان أو إيمانه، فضلًا عن الحكم القانوني الذي نراه مدونًا في الكتب الفقهية والعقدية بناءً على إنكار المعلوم من الدين بالضرورة جحودًا له، ورغم عدم خلو كتب العقيدة والفقه من المصطلح، فمع ذلك لم ينل حظًا وافرًا كغيره من الموضوعات التي خدمت في البحث العلمي على مدار تاريخه.

فهناك قواعد اعتقادية وفقهية دوّنت، ووضعت لها ضوابط، وتعريفات ضابطة للمصطلح، وضابطة لشروطه، لكن هذا الموضوع الخطير والمهم، لا نجده مشمولًا بالبحث، ولا الكتابة الدقيقة المحكمة، اللهم إلا بعض دراسات حالية، عن محاولة تعريفه، والوصول لضابط له، دون تفصيل مفرداته، حيث الوقوع في واحدة منها، يخرج الإنسان من دينه، أو يحكم عليه بذلك، ويترتّب على ذلك أحكام وتصوّرات في غاية الخطورة.

نعم عرفنا في تاريخنا المعاصر، دولًا تعيشُ بلا دساتير، ودستورها شفوي، لكن في النهاية يمكن الرجوع إلى من يمكنهم الإفتاء في ذلك دستوريًا، لكننا عند المعلوم من الدين بالضرورة، لو رحنا نحتكم في خلافات فقهية وعقدية دائرة في حياتنا العلمية، فسنختلف في هل هذا الموضوع المناقش من المعلوم من الدين بالضرورة أم لا؟ لأن المعيار والضابط والتعريف، لم تحكم وتضبط حتى نحتكم إليها.

ولكي نعرف أهمية وخطورة باب: المعلوم من الدين بالضرورة، ليس في باب الإيمان والكفر فقط، بل في باب الاجتهاد الفقهي، سنجد أصوليين عند حديثهم عن الإجماع، رأوا أنَّ الإجماع لا يكون إلا فيما هو معلوم من الدين بالضرورة، كما رأينا ذلك عند الإمام الشافعي في كتابه: (الرسالة)، وذهب إلى هذا القول كذلك من القدامى الأئمة: ابن رشد، وابن حزم، وابن الوزير.

ومن المعاصرين الذين نحوا هذا المنحى، الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لكتاب (الرسالة) للشافعي، و(الإحكام) لابن حزم. وكذلك الشيخ محمود شلتوت، حيث قال: (ولا يخفى أن معنى ما ذكر الشافعي وابن حزم: أن الإجماع لا يكون إلا فيما هو معلوم من الدين بالضرورة، وفيما كان طريق العلم به هو التواتر الذي يفيد قطعية الورود، وانتفاء الريب، فهذا هو الإجماع الذي تتمُّ به الحجة، ولا يصحّ أن يخالف، ولا ريب أن العمل في مثل هذا لا يكون عملًا بالإجماع من حيث هو إجماع؛ وإنما هو عمل بما تلقته الكافة عن الكافة، مما لا شبهة في ثبوته عن صاحب الشرع، وأن الإجماع فيه لم يكن إلا أثرًا من الثبوت على هذا الوجه، فلا يكون مصدرًا له، ولا أصلًا في ثبوته).

إشكالات تعريف وضبط المصطلح

أولى الإشكالات التي نواجهها في: المعلوم من الدين بالضرورة، تبدأ من تعريفه، وضبط مصطلحه، لما له من خطورة، وأهمية في آن واحد، وإن وجدنا بعض تعريفات له قديمًا وحديثًا، لكنها أيضًا تعريفات عليها ملحوظات، وحاول البعض أيضًا تخريج ضابط من التعريف، فلم يكن أيضًا محكمًا، من ذلك قول ابن حجر الهيتمي: (وهو أن يكون قطعيًا مشهورًا بحيث لا يخفى على العامة المخالطين للعلماء بأن يعرفوه بداهة من غير افتقار إلى نظر واستدلال).

أو قول الشنقيطي في كتابه: (نشر البنود على مراقي السعود): (والمعلوم بالضرورة هو ما يعرفه الخواص والعوام، من غير قبول للتشكيك، فالتحق بالضروريات فبانَ لك أن الضرورة في قولهم: ‌المعلوم ‌من ‌الدين ‌بالضرورة ليس معناها استقلال العقل بالإدراك دون الدليل، لأن أحكام الشرع عند أهل السنة لا يعرف شيء منها إلا بدليل سمعي، ولكن لما كان ما اشترك خواص أهل الدين وعوامهم في معرفته مع عدم قبول التشكيك شبيهًا بالمعلوم ضرورة في عدم قبول التشكيك، وعموم العلم، أطلق عليه أنه معلوم بالضرورة لهذه المشابهة).

وقول العطار: (وهو ما يعرف منه الخواص والعوام من غير قبول للتشكيك فالتحق بالضروريات، كوجوب الصلاة، والصوم، وحرمة الزنا، والخمر، "كافر قطعًا"؛ لأن جحده يستلزم تكذيب النبي، صلى الله عليه وسلم).

ومن المعاصرين الشيخ الألباني، حيث قال: (ومن صفات ‌المعلوم ‌من ‌الدين ‌بالضرورة أنه يكون مذكورًا إما في القرآن الكريم، أو في السنة المتواترة المتلقاة عند علماء المسلمين بالقبول، فإذا أنكر حكمًا مختلَفًا فيه، فلا يكفر به، وإنما يُخطّأ إذا كان مخالفًا للدليل).

فالتعريفات والضوابط التي حاولت النقول السابقة الوصول إليها، لم تكن محكمة، ولا منضبطة، رغم محاولتها ذلك، ولا ندري كيف كانت مجالس القضاء فيما مضى، تحكم بردة أو بكفر من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، إذا كان فيه كل هذه الإشكالات في التعريف والضوابط، وكذلك أنه ليس محصورًا في باب أو كتاب من الكتب، بل ما يذكر في الكتب الفقهية هو نماذج للمعلوم من الدين بالضرورة، سواء يتفق على هذه النماذج أو يختلف فيها.

محاولات سابقة

حاول الإمام ابن حجر الهيتمي أن يتناول الموضوع من باب القطعيات، فكتب رسالته: (الإعلام بقواطع الإسلام)، ولكنه توسع وذكر مسائل لا تصل للقطعيات الشرعية التي يكفر بها الإنسان، وليس هناك كتاب أيضًا يحصر القطعيات، وهي مدخل مهم للمعلوم من الدين بالضرورة، بل إن حديث الكثيرين من العلماء عن الكبائر، وأكبر الكبائر، نرى عند كثير منهم توسعًا في باب الكبائر، وعدّ كبائر هي عند مذاهب أخرى لا تدخل فيها.

وقام قبل ذلك الإمام ابن المنذر، بكتابه عن: (الإجماع)، وأبدى عليه فقهاء كثيرون عاصروه وأتوا من بعده ملحوظات كثيرة على عدّه أمورًا ليست موضع إجماع، ولكن وجود كتاب عن الإجماع، يحاول حصره وتدوينه، يعين على النقاش في الأمر، ومحاولة غربلة ما كتب، لكن هذا لم يحدث مع المعلوم من الدين بالضرورة، رغم خطورته الشديدة وأهميته أيضًا.

الموضوع يحتاج إلى جهد بحثي كبير في تعريفه، وضوابطه، ثم استقراء مواضع المعلوم من الدين بالضرورة في بطون الكتب، لأن هناك ما يتعلق به في كتب العقيدة، وكتب الفقه، وكتب الحديث، وكتب القراءات، فهناك من اعتبر القراءات المتواترة للقرآن الكريم معلومًا من الدين بالضرورة، فلا بد من مناقشة هذه المسألة من حيث التأصيل، ومن حيث التطبيق.

وهو جهد مطلوب من المجامع العلمية المختلفة، والجامعات الكبرى، بأن يكون عملًا جماعيًا قدر الاستطاعة، فهو سيمثل الدستور الذي يلتزم به كل باحث أو مسلم فيما يحق له نقاشه وإنكاره، وما يعد من مناطق المحرمات، أو مناطق الخطر، وما القدر المسموح بالنقاش فيه، وإلى أي مدى ودرجة يمكن أن ينطلق النقاش ويصل إليه في موضوعات معينة، وما الفرق بين الإنكار وبين النقاش والاجتهاد في المعلوم من الدين بالضرورة؟

كل هذه الميادين العلميَّة مطلوب الاجتهاد والسعي في تحقيقها علميًا، في علم لم يدوّن بعدُ للأسف، وهو: المعلوم من الدين بالضرورة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات لا یکون فی باب

إقرأ أيضاً:

احتمال وارد.. هل يكون الحوثي هدف إسرائيل المقبل؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

بعد إبراز الاحتلال الإسرائيلي قدرته على اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني «حسن نصر الله»  وعدد من أهم وأبرز قيادات الحزب اللبناني منهم قائد جبهة الجنوب «علي كركي» وغيرهم، في 28 سبتمبر 2024، جراء سلسلة من الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية بالعاصمة بيروت؛ بدأت الأنظار تتجه نحو جماعة الحوثي وهل ستكون هدف إسرائيل الفترة المقبلة، خاصة أن الميليشيا لم توقف حتى الآن هجماتها البحرية على السفن الداعمة للاحتلال الإسرائيلي في البحر الأحمر.

 

حفظ ماء الوجه

ومن أجل "حفظ ماء الوجه" قد استبقت الميليشيا أية رد فعل إسرائيلي تجاهها وحاولت لفت الأنظار بمحاولة تنفيذ أي رد فعل إزاء عملية اغتيال الاحتلال لعدد من قيادات الحزب اللبناني، ولذلك أعلن المتحدث باسم قوات الميليشيا «يحيى سريع»، مساء 28 سبتمبر 2024، استهداف مطار يافا المسمى إسرائيليا "بن غوريون" أثناء وصول رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» من نيويورك، مشيراً أن عملية الاستهداف نُفذت بصاروخ باليستي من نوع "فلسطين 2"، وأضاف قائلاً، "مستمرون في الرد على جرائم العدو ولن نتردد في رفع مستوى التصعيد استجابة لمتطلبات المرحلة ومشاركة في الدفاع عن غزة ولبنان".

 

تهديد إسرائيلي 

ورد الاحتلال على هذه العملية، إذ أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال إن "مقاتلات الدفاع الجوي اعترضت صاروخا باليستيا أطلق من اليمن خارج حدود إسرائيل"، بل وأفادت هيئة البث الإسرائيلية إن الجيش الإسرائيلي أكد أن "وقت الحوثيين سيأتي، وأن التركيز الآن على مواصلة الهجوم على "حزب الله اللبناني". 

 

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل نفذت إسرائيل بمساندة أمريكا في 29 سبتمبر 2024، عدة غارات جوية على مينائي الحديدة ورأس عيسى ومحطتي الحالي ورأس كثيب الكهربائية، مما دفع رئيس الوفد الوطني المفاوض الحوثي «محمد عبد السلام»، للرد عليها، قائلاً، "العداون الإسرائيلي الجديد على منشآت مدنية في الحديدة، هو محاولة لكسر قرار اليمن بمساندة غزة"، وأضاف، أن هذا العدوان لا يمكن أن يؤثر على إرادة الشعب اليمني، الذي لن يتخلى عن غزة ولبنان مهما حدث.

 

احتمال وارد

في ضوء ما تقدم، يمكن القول إن توعد الاحتلال الإسرائيلي أن الحوثي هي خطوتها التالية، بعد الانتهاء من "حزب الله"، "أمر متوقع"، خاصة أنها يمكنها توجيه ضربات موجعة للميليشيا الحوثية في حال ركزت على استهدافها، إذ سبق ونفذت إسرائيل في 20 يوليو 2024 ضربات جوية مؤثرة على ميناء الحديدة غرب اليمن، رداً على هجوم نفذه الحوثي بطائرة مسيرة على مدينة تل أبيب، وأسفر عن سقوط قتيل وإصابة آخرين.

 

وفي هذا الإطار، كشف عدد من الخبراء أن استهداف إسرائيل للحوثيين "سيكون أسهل بكثير من الوقت والجهد المبذول في استهداف قادة وقدرات حزب الله، لكون الحزب اللبناني أكثر خبرة وتنظيمًا من الحوثيين، ومع هذا أثبتت الأحداث أنه مكون هش وهزيل، اخترقته إسرائيل وسيطرت عليه بشكل كامل"، وبناءً عليه، سيستغل الاحتلال الأوضاع الهشة التي تعيشها اليمن والوجود الأمريكي والبريطاني في الأراضي اليمنية في تنفيذ ضربات ضد الحوثيين.

مقالات مشابهة

  • احتمال وارد.. هل يكون الحوثي هدف إسرائيل المقبل؟
  • من يكون شبيه نصر الله المرشح الأول لقيادة حزب الله؟
  • لماذا يكون عمر الذباب قصيراً
  • لماذا قد يكون Wi-Fi بطيئًا وكيفية إصلاحه
  • عاجل: اختيار زعيم جديد لحزب الله خلفا لحسن نصر الله .. من يكون؟
  • من يكون حسن نصر الله زعيم حزب الله الذي اغتالته إسرائيل باستخدام 85 طنا من القنابل؟
  • جيشكم كما ينبغي أن يكون يجتاح الخرطوم وينظفها من دنس عرب الشتات
  • عاجل| «هاشم صفي الدين» بين الولاء لإيران وتحديات الداخل هل يكون خليفة نصر الله المنتظر؟
  • الجديد: يجب أن يكون للمركزي دور إعلامي يوضح الحقائق ويعرضها كما هي
  • علي الشريف عمر: يتطلع الشعب السوداني أن يكون لدولة قطر دورا رياديا في إنهاء الحرب