كغيره من القطاعات، انتهج القطاع الطبي في لبنان مبدأ الدولرة الذي قلب الحال الاستشفائية للبنانيين "غير المقتدرين" رأسا على عقب.. فـ"لإخر نفس" بات حرفيًا بعض اللبنانيين يحرقون صحتهم، ويعضون على جراحهم قبل أن يتخذوا القرار بزيارة الطبيب، بسبب الكلفة والتعرفة التي هي ، وبكل بساطة، بمتناول فئة معينة من المواطنين، أي الذين يستطيعون الدخول ودفع فواتير الإستشفاء من دون أخذ ورد ودعاوى واشتباكات.


 
وبمعدل وصل إلى حدود الأربعين في المئة، انخفضت نسبة زيارات المرضى إلى العيادات الطبية التي بعدما كانت تعجّ باللبنانيين وغير اللبنانيين أصبحت صندوقا مغلقا، لا يسمع صوت أي أحد داخلها إلا في حالات الطوارئ، أو إذا كان المريض ميسورًا، وهذا ما يبرهن حجم الإنحدار الكبير بعدد العيادات الطبية في لبنان، التي وبعدما كان عدد الأطباء مقارنةً بعدد السكان الأعلى في المنطقة، اختلفت الأرقام اليوم، بعد هجرة قاسية، حرمت اللبنانيين من أشهر الأطباء وأكثرهم احترافية في الشرق الأوسط.
في هذا السياق، يشير طبيب القلب عادل أمهز لـ"لبنان٢٤" إلى أن عمله على سبيل المثال  استمر بعد الأزمة بحدود ٢٠٪ فقط، وفي حالات الذروة قد يبقى إلى الساعة ٢ بعد الظهر، بعدما كان قبل عام ٢٠١٩ يغلق عيادته ليلاً.
يقول أمهز أنّ كلّ شيء تغير، المرضى، العمل، والحال التي نعيشها، فبلكاد يزورني ٣ أو ٤ مرضى في اليوم، وإن التزم كل من يتصل بعد أن يستفسر عن بدل المعاينة فإنّك تكون"شيخ الكار".
 
في واقع الحال لا يمكن لوم الأطباء على تسعيرتهم الأخيرة التي صدرت عن النقابة، إلا أن أمهز يوضح أن القانون وتعرفة النقابة هي استرشادية، أي غير ملزمة للأطباء، وهذا ما يبرّر فعليا سبب اختلاف التعرفة بين طبيب وآخر من نفس الاختصاص حتى داخل المستشفى الواحد، إذ إن مصادر نقابة الأطباء أكّدت أن النقابة وضعت تسعيرتها كي لا يكون هناك منافسة غير شريفة، بالاضافة إلى عدم استغلال المرضى داخل العيادات الخاصة.
فعلى سبيل المثال، تختلف تسعيرة طبيب الأعصاب بين طبيبين داخل المستشفى نفسه في لبنان حوالي ٢٥ دولارًا، وحسب المصادر، فإن سبب هذا الاختلاف مرده الى شهرة واسم الطبيب والطابق الذي يتواجد فيه، إذ إنّ هذه العوامل لها تأثيرها الكبير على التعرفة.
 
الأمر نفسه حسب المصادر ينسحب إلى خارج المستشفيات، إذ إن التسعيرة تختلف بين مناطق الاطراف، وعيادات المدن، فكل منطقة لها تسعيرتها، حسب أسماء الأطباء، ومستوى العيادات، وبطبيعة الحال مستوى الأفراد.
وعلى الرغم من الأزمة لا يزال لبنان أرضا خصبة لجذب المرضى الأجانب الذين خسر نسبة كبيرة منهم، ليس بسبب الأزمة إنّما بسبب هجرة نخبة واسعة من الأطباء الذين تم اللحاق بهم من قبل المرضى الأجانب إلى البلد الذي هاجروا إليه، وتحديدا إلى الدول الخليجية، حيث بات الطبيب اللبناني هناك نجم المستشفيات على اختلافها.
وحسب معلومات "لبنان24" فإن عددًا لا يستهان به من الأطباء باتوا يفكرون جديًا بعدم تجديد عقودهم مع مستشفيات الخارج والعودة إلى لبنان مع استقرار الأوضاع، إذ توضح مصادر متابعة أن العمل قائم على وضع خطط متلاحقة لإعادة زخم السياحة الطبية في لبنان.
 
تعرفات متفاوتة
 
وبالأرقام، رصد "لبنان24" تكلفة المعاينة فقط في أهم المستشفيات اللبنانية، فعلى سبيل المثال وصلت معاينة طبيب القلب إلى 100$ كأحد أقصى، وانخفضت تباعًا لتصل إلى 75، 70، و60$ في 4 مستشفيات مختلفة. الأمر نفسه بالنسبة إلى العيادات الخاصة لهؤلاء الأطباء، إذ إنّ التسعيرة قد ترتفع بين 10 و15 دولارًا فقط. وهذه الأرقام تشكل عند البعض من المواطنين ثلث الراتب حرفيًا، من دون احتساب سعر الأدوية، والمعاينات المتتالية وتكلفة التنقل للوصول إلى الطبيب وإضافات أخرى كثيرة قد تطرأ.
 
بالتوازي، تؤكّد مصادر وزارة الصحة أن الوزارة تقوم بما عليها، وهي تنتظر التزام المستشفيات الخاصة بقرارها الاخير، وتحديدًا بالتعرفات إذ إنّ المرضى سيتحملون فقط 35% في المستشفيات الخاصة من قيمة إجمالي التعرفة، ويقول المصدر أن هذا الأمر يبقى أفضل وأرحم مما كان يتم اعتماده خلال الأزمة، إذ وصلت آنذاك كلفة تغطية وزارة الصحة إلى 10% فقط من إجمالي ما يتحمله المواطن، حيث ارتفعت اليوم 70% لتغطي الوزارة نسبة وصلت إلى 80%.
ويشدّد المصدر لـ"لبنان24" على أنّ خطة الوزارة هذه تبقى معلّقة على شرط اقتصادي بالمرحلة الأولى وهو استقرار سعر صرف الدولار، فطالما أن الدولار يراوح مكانه، فإن الوزارة سيكون لديها المقدرة على الإستمرار بالتغطية على ما تم الإتفاق عليه.
ويشدّد طالما أن الوزارة تدفع ما عليها للمستشفيات الخاصة، فإن الأخيرة ستُجاري الوزارة بواجب الإلتزام، طالما أنّها تحصل على الأموال اللازمة لتغطية نفقاتها وشراء المواد اللازمة من الموردين التي تُدفع حصرًا بالدولار.
 
 
المستوصفات إلى الواجهة
 
ومع إقرار التعرفات الأخيرة، وعجز العدد الأكبر من المواطنين عن تحملها، اضطر الأطباء، وعلى قاعدة "مُجبر أخاك لا بطل" أن يلتزموا مع مستوصفات متعددة، بعدما فرغت عياداتهم من المرضى، وذلك بعد الإقبال الكبير من قبل المواطنين الذين تمكنوا من الاستفادة من دعم "الأحزاب" في بعض المناطق لهذه المستوصفات.
 
فعلى سبيل المثال، تواصل "لبنان24" مع أحد هذه المستوصفات، حيث أوضح المسؤول عنه أنّه منذ بدء الأزمة في لبنان، ارتفع عدد المرضى الذين كانوا يزورون المستوصفات بشكل قياسيّ، وهذا ما لم نكن نشهده قبل الأزمة، إذ إنّ المواطنين كانوا يفضلون اللجوء إلى العيادات الخاصة لسبب أن القدرة الشرائية كانت تسمح لهم بذلك، والأطباء لم يكونوا على استعداد أصلاً للإلتزام بمواعيد يومية مع المستوصفات، إذ إن مواعيد العيادة كانت تشكّل أرباحًا أكبر.
ويشير المسؤول لـ"لبنان24" الى أن انعدام الطبقة الوسطى، و تآكل القدرة الشرائية للبنانيين خلال السنوات الأخيرة دفع بالمواطنين والأطباء معًا إلى اللجوء إلى المستوصفات؛ فالمواطن استفاد من التعرفات البسيطة، والطبيب بالتوازي ضَمن لنفسه تغطية العمل الذي فقدَهُ داخل عيادته الخاصة.
 
من ناحية أخرى، علم "لبنان24" أن العدد الأكبر من الأطباء الذين يتواجدون في مناطق تُعتبر القدرة الشّرائية فيها ضعيفة، عمدوا إلى استئجار عيادة واحدة، حيث يتناوبون على العمل فيها، وهذا الأمر يساعد في تقليل كلفة الإيجار والكهرباء وغيرها من التكاليف التي لا يستطيع الطبيب الواحد في المناطق المذكورة أن يتحملها.  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

انهيار صناعة السفن الأمريكية وصعود العملاق البحري الصيني.. ماذا يعني هذا للعالم؟

سلطت مجلة "نيوزويك" الضوء على التراجع الكبير في صناعة السفن الأمريكية في مقابل النمو الهائل للصين كقوة بحرية؛ حيث تتزايد الفجوة بين الدولتين في مجال بناء السفن مع تزايد الهيمنة الصينية العالمية في هذا القطاع.

وقالت المجلة، في تقرير ترجمته "عربي21"، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى لإعادة تنشيط صناعة السفن الأمريكية المتراجعة؛ حيث أعلن في خطابه أمام الكونغرس الأسبوع الماضي عن إنشاء مكتب بحري جديد في مجلس الأمن القومي لتنشيط بناء السفن العسكرية والتجارية على حد سواء.

ويأتي ذلك بالتزامن مع تقرير نشره هذا الأسبوع مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن، يسلط الضوء على مكانة الصين كلاعب مهيمن عالميًا في مجال بناء السفن، مما يشكل تحديات اقتصادية وأمنية للولايات المتحدة.


وأشارت المجلة إلى أن البحرية الأمريكية تمتلك أربعة أحواض بناء سفن عامة نشطة فقط، بينما تمتلك الصين ما لا يقل عن 35 موقعًا معروفًا بصلته بالمشاريع العسكرية أو مشاريع الأمن القومي في هذا المجال، وفقًا لباحثي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذين حللوا 307 من أحواض بناء السفن الصينية، وجميعها "تعمل بتوجيهات من الدولة".

وقد وصف تقرير وزارة الدفاع الأمريكية السنوي حول القوة العسكرية الصينية، الصادر نهاية السنة، البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني بأنها الأكبر في العالم "بقوة قتالية تزيد عن 370 سفينة وغواصة، بما في ذلك أكثر من 140 سفينة حربية سطحية رئيسية".

وأفاد مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية السنة الماضية بأن البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني تشغل 234 سفينة حربية، مقارنةً بـ 219 سفينة تابعة للبحرية الأمريكية، وتتمتع الولايات المتحدة بميزة في الطرادات والمدمرات المزودة بصواريخ موجهة، بالإضافة إلى الحمولة الإجمالية، بفضل أسطولها المكون من 11 حاملة طائرات، مقابل ثلاث حاملات للصين.

ومع ذلك؛ قال مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية هذا الأسبوع إن الصين في طريقها للوصول إلى أسطول من 425 سفينة بحلول عام 2030، مقارنة بـ300 سفينة تمتلكها البحرية الأمريكية.

وأكدت المجلة أن تضاؤل النفوذ البحري الأمريكي إلى جانب تنامي حجم البحرية الصينية وقوتها يشكل تحديات كبيرة للاستعداد العسكري للولايات المتحدة وحلفائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وقال مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية إن أكبر شركة بناء سفن مملوكة للدولة في الصين، وهي شركة بناء السفن الحكومية الصينية، قامت ببناء سفن تجارية في عام 2024 أكثر مما بنته صناعة السفن الأمريكية بأكملها منذ الحرب العالمية الثانية.

وأوضحت المجلة أن بكين قامت بدمج الإنتاج التجاري والعسكري في العديد من أحواض بناء السفن التابعة لها، مما أتاح لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني الوصول إلى البنية التحتية والاستثمار والملكية الفكرية الخاصة بالعقود التجارية.

وقال مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية إن الشركات الأجنبية، بما في ذلك شركات من دول حليفة للولايات المتحدة، اشترت 75 بالمئة من السفن التي بنيت في أحواض بناء السفن الصينية ذات الاستخدام المزدوج، مما منح البلاد إيرادات وخبرات تكنولوجية.

وعلى النقيض من ذلك، أغلقت البحرية الأمريكية خلال العقود السابقة عددًا من أحواض بناء السفن العامة التي كانت تديرها، والتي كانت حيوية للمجهود الحربي الأمريكي في الحرب العالمية الثانية.


وأفادت المجلة بأن تقريرا للكونغرس الأمريكي لعام 2023 سلط الضوء على تضاؤل قدرات الولايات المتحدة في بناء السفن؛ حيث ذكر أن أحواض بناء السفن الأمريكية كانت تبني في سبعينيات القرن الماضي حوالي 5 بالمئة من حمولة السفن في العالم - أي ما يصل إلى 25 سفينة جديدة في السنة - ولكن بحلول الثمانينيات، انخفضت هذه النسبة إلى المعدل الحالي البالغ حوالي خمس سفن في السنة.

وفي الوقت نفسه، كشفت إحاطة مسربة للبحرية الأمريكية أن قدرة الصين على بناء السفن كانت أكبر بـ 232 مرة من قدرة الولايات المتحدة.

وختمت المجلة بأن التقرير الصادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بعنوان "حروب السفن"، أوصى بضرورة اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات حاسمة للتصدي للتحديات الأمنية والاقتصادية متعددة الأوجه التي تفرضها صناعة بناء السفن الصينية، مؤكدًا أن التجارب السابقة في صناعات مثل الألواح الشمسية وبطاريات السيارات الكهربائية، حيث تم إقصاء الشركات الأمريكية والحليفة بالكامل تقريبًا من السوق بسبب التصنيع الصيني منخفض التكلفة، تقدم تحذيرات واقعية لما يمكن أن يحدث في صناعة بناء السفن.

مقالات مشابهة

  • اجتماع مشترك لوزيري الصحة والعمل مع الجهات الضامنة لتنسيق الجهود في مجال الإستشفاء والدواء
  • الولايات المتحدة: الطبيبة التي تم ترحيلها إلى لبنان لديها صور للتعاطف مع حزب الله
  • بالفيديو- آثار الغارات التي استهدفت البيوت الجاهزة في ساحة يارون ليل أمس
  • خامنئي: أمريكا مربكة أمام صمود اليمنيين
  • بظل غياب النقل العام.. لبنان يشتري سيارات بـ 325 مليون دولار!
  • رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الوزارة تضع آليات لضمان استفادة الجيش من خبرات الضباط المنشقين بالشكل الأمثل وتعتبرهم جزءاً أصيلاً من المؤسسة العسكرية ومن الواجب تكريمهم وإعطاؤهم المكانة التي يستحقونها
  • سلسلة لقاءات لوزيرة التربية تناولت شؤون القطاع
  • زخامة: الليبيون يشكلون ‎%‎70 من المرضى الأجانب في تونس وديونهم متراكمة
  • كبيرة ومتنوعة.. عون يكشف عن التحديات التي يواجهها لبنان
  • انهيار صناعة السفن الأمريكية وصعود العملاق البحري الصيني.. ماذا يعني هذا للعالم؟