الجزيرة:
2025-03-20@01:16:24 GMT

ما بين صواريخ صدام والسنوار وخامنئي

تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT

ما بين صواريخ صدام والسنوار وخامنئي

ضمن رحلتي الطويلة في السجون المصرية التقيت أحدَ الشباب الفلسطينيين، والذي ينتمي لحركة فتح في صيف 1991، وكان معتقلًا في مصر على خلفيّة دعم الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت عام 1987، ولا أنسى أبدًا تعبيرات وجهه ومدى اعتزازه بصواريخ سكود الـ 39 التي أطلقها صدام حسين على إسرائيل، وإشادته بها، بل إنه وصفها بأنها "فضّت بكارة تل أبيب".

وذلك برغم أنه لم يخفِ عدم رضاه عن شخص صدام، ولا نموذج حكمه ولا احتلاله الكويت، ويجب ألا ننسى ذلك الهتاف الذي كان يردّده الفلسطينيون آنذاك: يا صدام يا حبيب اضرب اضرب تل أبيب" الذي أصبح في معركة سيف القدس 2021: "أبو خالد يا حبيب اضرب دمر تل أبيب"، وأبو خالد هنا هو محمد الضيف الذي قاد عملية إطلاق 130 صاروخًا قساميًا تجاه تل أبيب.

صواريخ رمزية

وفي هذا السياق، يجب أن نذكر 3900 صاروخ أطلقها حزب الله على إسرائيل عام 2006، كما يمكن أن نفهم الصواريخ الإيرانية (36 صاروخ كروز، و110 صواريخ أرض أرض) التي جاءت مؤخرًا؛ ردًا على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، والتي أطلقت على كامل الكيان الصهيوني، والتي تعدّ في حقيقتها صواريخ رمزية أكثر منها حربية، وإن تضمنت بعض الأهداف الإستراتيجية.

فهذه الصواريخ وَفق قواعد ومنصات إطلاقها (العراق ـ غزة ـ إيران فضلًا عن صواريخ لبنان 2006) على تباينها، لم ترِد تدمير إسرائيل ولا تحرير فلسطين، الذي يجب أن يأتي ضمن سياق عام لحركة تحرير كبرى، تسبقها تغيرات مهمة في ظروف أمتنا، ولا سيما دول الطوق، كما تتضمن تغيرات دراماتيكية على الساحة الدولية.

ومع ذلك، فقد ألقت بعبوة وعي شديدة الانفجار عمّت المنطقة كلها أكثر مما أحدثته من دمار، وذلك في ضوء استمرار استشعار الخطر العام الذي يمثله الكيان الصهيوني، والذي يجب أن يظلّ حيًا في وعي الأجيال، وضرورة أن تقف في وجهه كل مكوّنات المنطقة بشتّى مشاربها؛ لأنه يمثل في الحقيقة خنجرَ النظام الدولي في خاصرة أمتنا والذي يأبى أن يغادرها إلا جثة هامدة.

فالصواريخ لم تصب الكيان الصهيوني بخسائر مادية كبيرة، لكنها أكدت على العدو المشترك، وحددت طريقًا وحيدًا للتعامل معه، فيما يشبه الحكمة من رجم إبليس بالجمرات على سبيل المراغمة والمخالفة ضمن مناسك الحج، ومع ذلك فهي على رمزيّتها أصابت في العمق نظريةَ الأمن الإسرائيلي، وهتكت أستار جيش الاحتلال الذي يحاول أن يستعيد ردعيّته التي مزّقها "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وكشفت عن مدى الخوف الذي يتملك المحتل الصهيوني، الذي بات ينتظر الهجوم من كل مكان، وفي أي وقت، وسط محيط عربي وإسلامي رافض هذه الزراعة الشيطانية القسرية في منطقتنا.

تهديد واستنزاف

كما كشفت مدى حاجته للحاضنة الغربية ولا سيما (الأميركية- البريطانية- الفرنسية- الألمانية) التي هرولت لبناء شبكة دفاع صاروخي؛ دفاعًا عن الابن المدلل، الذي كان يزعم بالأمس القريب أنه شبّ عن الطوق، بل إنه يستعد لقيادة الإقليم! فقد أصبح مقبولًا بما لم يحدث من قبل، وأنه بصدد تدشين علاقات طبيعية مع أهم وأكبر دول المنطقة.

بَعُد كثيرًا مَن كان يتوقع أن تدكّ إسرائيل بضعة صواريخ قطعت كل هذه المسافات وتعرضت لكل هذه الإعاقات، والأبعد منه من تصور أننا نشاهد تمثيلية لا تصبّ إلا في صالح إيران والكيان الصهيوني، إلا إذا صدّقنا معه أن القادة الإيرانيين الذين قُتلوا خلال السنوات القليلة الماضية كانوا أيضًا يمثلون! ولو أن كل القادة العرب تعلموا التمثيل وأطلق كل واحد منهم عشرة صواريخ فقط من تلك الصواريخ العبثية التي أطلقها العراق، ولبنان، وغزة، وإيران لما أكمل الصهاينة مقامهم هذا العام وعادوا إلى بلادهم!

أمّا من تصور أن الصواريخ لم تصب غير غزة، حيث حشدت الغرب خلف الكيان الصهيوني، فهو لم يرَ بعد ذلك الحشد الغربي غير المسبوق خلف الكيان الصهيوني منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فضلًا عن التعبئة والتحضير والحشد التاريخي الذي أشرف على تخليق الكيان وغرسه في قلب منطقتنا، ومدى ارتباطه بمصالحه الإستراتيجية.. فالحقيقة التي لا يمكن أن ينكرها أحد أن الكيان الصهيوني هو الابن الشرعي للزواج أو التحالف الديني السياسي (الصهيوني المسيحي) الذي يعود للقرن السادس عشر، وأنه يمثل الإستراتيجية الغربية في منطقتنا أكثر مما يعبر عن إستراتيجية ذاتية.

لقد كشفت الصواريخ التي أطلقت على إسرائيل أو تجاهها أن الحقيقة التي لم تستطع كل المحاولات تجاوزها ولم ترَ شعوبنا غيرها: أن شرعية أي كيان سياسي أو اجتماعي في منطقتنا، إنما ترتبط بمقدار تحديه للمشروع الصهيوني الأميركي، الذي يهدد بلادنا ويستنزف مواردها ويذلّ شعوبها، وأن معايير الخيانة الوطنية والقومية إنما تقف بشكل واضح عند أعتاب التعامل مع الكيان غير الشرعي، فضلًا عن التعامي عن جرائمه والتواطؤ معها.

انكشاف الغرب

من المفارقات المهمة التي تؤكد أهمية وجوهرية هذا الصراع في وعي شعوبنا وتصورها لمستقبل منطقتنا، أنه في اللحظة التي ذهبت مصر السادات تجاه كامب ديفيد، والتحول من قائد للصراع إلى ذيل سياسي للمشروع الأميركي الصهيوني، كانت الثورة الإيرانية تدكّ حصون النظام الأهم لأميركا وإسرائيل (شاه إيران)، وتدشن إضافة جديدة للأمن القومي العربي في وجه المشروع الصهيوني.

وبرغم أن التحولات العربية المحيطة بإسرائيل ومن بينها ما سُمي بدول الطوق، قد تمت هندستها بشكل كامل لصالح الكيان الغاصب، فإن التحولات البعيدة (تركيا – إيران – باكستان ـ الجزائر – أفغانستان) تتشكل بشكل رافض، معبرة عن ضمير الأمة ومصالح المنطقة.. فضلًا عن تحولات أميركا اللاتينية التي لاتزال تضع العرب في موقف حرج، وجنوب أفريقيا التي وقفت مع غزة موقفًا مشرفًا للإنسانية كلها.

من الملاحظات المهمة والمرتبطة بنتائج "طوفان الأقصى" وتوابعه التي لاتزال مفتوحة، وآخرها هجوم المسيرات الإيرانية الشامل على الكيان الصهيوني، هو انكشاف موقف الغرب بشكل غير مسبوق؛ دفاعًا عن إسرائيل ونهوضًا لدعمها ومساندتها والاستعداد لخوض الحروب لأجلها.

وهو ما بدد أسس الإستراتيجية التي خططت لزرعها في منطقتنا، والتي كانت تعتمد زراعة كيان إرهابي يرهب الجميع مما يضطرهم للارتماء في الحضن الغربي الأمين؛ طلبًا للحماية! فإذا بالجدر جميعًا تسقط بين الكيان ومن خلقوه ويصبحان كيانًا واحدًا! وإذا بالغرب وعلى رأسه أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا يخلع ذلك كله ويكشر عن أنيابه، ويدخل المعركة بشكل مباشر لأول مرة، وما ذلك إلا لأنه شعر بخطر حقيقي يتهدد مشروعه الرئيس في المنطقة، ويضعه في موقف حرج.

وهو ما تبدى بشكل واضح منذ "طوفان الأقصى" وعقب التهديدات الإيرانية بالرد على هجوم الكيان الصهيوني على قنصليتها في دمشق، وما أعقبه من هجوم رمزي أرسل رسائل مهمة للمشروع الصهيوني في المنطقة ورسم حدودًا جديدة لدور إسرائيل ومستقبلها.

وهكذا نستطيع اليوم أن نقول: إن غزة ليست وحدها.. وإن إسرائيل ستظل محاصرة في محيط رافض لعدوانها ووسط لافظ لوجودها.. وإن استهداف الكيان الغاصب حتى التحرير سيظلّ هو حلم المنطقة بكل مذاهبها وطوائفها وأعراقها.. وإن استهداف المحتل مازال يتطور من القصيدة والمقال إلى الحجر والرمح والمقلاع إلى الرصاص والبندقية والرشاش إلى الصواريخ والمسيرات حتى التحرير.. وذلك كله لأنه أصبح من المسلّمات أن مصير المنطقة وحياتها ونهضتها وتقدمها وديمقراطياتها، رهينة بهذا الصراع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الکیان الصهیونی فی منطقتنا فضل ا عن تل أبیب

إقرأ أيضاً:

الحوثيون يطلقون صواريخهم : صواريخ يمنية فرط صوتية تصل إسرائيل وتستهدف قاعدة عسكرية ومفاعل ديمونا

صنعاء ، عواصم - عقب التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة الذي أودى بحياة 400 شخص، أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم الثلاثاء، أن صفارات الإنذار دوت في عدة مناطق بإسرائيل بعد إطلاق صاروخ باليستي من اليمن نحو النقب بالتزامن مع حفل تخريج دورة ضباط في الجيش.

فقد  دوت صفارات الإنذار في بئر السبع وعدة مناطق جنوب فلسطين المحتلة، اليوم، بعد إطلاق صاروخ باليستي من اليمن، وفق ما أعلنته وسائل إعلام إسرائيلي.

وأكد متحدث باسم جيش أن الإنذارات تم تفعيلها في مناطق متفرقة، بما في ذلك منطقة ديمونا التي يقع فيها المفاعل النووي الإسرائيلي.

وأشارت مصادر عبرية إلى أن الصاروخ الباليستي اليمني كان موجهاً على الأرجح إلى قاعدة “نيفاطيم” العسكرية شرق بئر السبع، وهي واحدة من المنشآت الحساسة للجيش الاسرائيلي.

كما أظهرت تقارير أن الصاروخ من النوع الفرط صوتي، مما يعكس تطوراً في القدرات العسكرية اليمنية.

هذا الهجوم يأتي في إطار التصعيد الإقليمي المستمر، ويُظهر عودة الحوثيين إلى دعم قطاع غزة منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي الأخير. وتُعتبر هذه العملية رسالة واضحة من اليمن تؤكد استمرارها في مواجهة إسرائيل ودعم القضية الفلسطينية، رغم التحديات والحصار الذي تتعرض له البلاد.

يُذكر أن هذه التطورات تزيد من التوترات في المنطقة، وتُظهر قدرات متقدمة للقوات اليمنية في استهداف مواقع إسرائيلية استراتيجية، مما يضع إسرائيل أمام تحديات أمنية جديدة.

وأورد الجيش في بيان مقتضب أن هذا الأمر حصل "بعد إطلاق مقذوف من اليمن" في أول هجوم مصدره البلد المذكور منذ بدء الهدنة في غزة في 19 كانون الثاني/يناير. وجاء بعد سلسلة ضربات إسرائيلية كثيفة على قطاع غزة.

الحوثي: سنوسع من دائرة الأهداف في إسرائيل
بالمقابل، قالت جماعة الحوثي في بيان، إنهم استهدفوا قاعدة "نيفاتيم" الإسرائيلية بصاروخ باليستي.

كما أضاف البيان "سنوسع من دائرة الأهداف في إسرائيل خلال الساعات والأيام المقبلة ما لم يتوقف العدوان على غزة".

وتابع "مستمرون في التصدي للعدو الأميركي ومنع الملاحة الإسرائيلية حتى وقف العدوان ورفع الحصار وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة".

تصعيد خطوات المواجهة
وفي وقت سابق، ندد الحوثيون بالضربات الإسرائيلية العنيفة على القطاع الفلسطيني، متعهدين "بتصعيد خطوات المواجهة"، بعدما هددوا باستئناف عملياتهم ضد السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وقبالة ساحل اليمن. وحمل المجلس السياسي الأعلى للحوثيين في بيان "إسرائيل وأميركا المسؤولية الكاملة عن نقض اتفاق وقف إطلاق النار وإفشال كل الجهود للانتقال للمرحلة الثانية، فضلا عن إعادة عسكرة البحار وتوتير الأجواء في المنطقة".

كما حذر من أن "عليهما تحمل تداعيات وتبعات ذلك مهما كان حجمها".

400 قتيل
وقالت السلطات الصحية الفلسطينية، اليوم الثلاثاء، إن ما يزيد عن 400 شخص قُتلوا في غارات جوية إسرائيلية على غزة، وهو ما ينهي حالة من الهدوء النسبي امتدت لأسابيع بعد تعثر محادثات رامية إلى الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار.

وتبادلت إسرائيل وحركة حماس الاتهامات بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار، الذي صمد إلى حد كبير منذ التوصل له في يناير كانون الثاني، وأتاح فرصة لسكان غزة البالغ عددهم مليوني شخص لتنفس الصعداء من الحرب التي دمرت معظم المباني بالقطاع.

واتهمت حماس إسرائيل بالإضرار بجهود الوسطاء للتفاوض على اتفاق دائم لإنهاء القتال، لكنها لم تهدد بالرد. ولا تزال حماس تحتجز 59 رهينة من أصل نحو 250 رهينة تقول إسرائيل إن الحركة احتجزتهم في الهجوم الذي قادته في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023.

 

Your browser does not support the video tag.

مقالات مشابهة

  • جيش الكيان الصهيوني يبدأ عملية برية في غزة
  • دعاء لأهل غزة بعد خرق الكيان الصهيوني لاتفاق وقف العدوان.. ردده الآن
  • حزب اليمن الحر: استئناف الكيان الصهيوني مجازرة في غزة يتطلب مواقف عملية رادعة تتجاوز مرحلة الشجب والتنديد
  • الحوثيون يطلقون صواريخهم : صواريخ يمنية فرط صوتية تصل إسرائيل وتستهدف قاعدة عسكرية ومفاعل ديمونا
  • الأزهر الشريف يدين العدوان الصهيوني الغادر على غزة ويطالب بمحاسبة الكيان المحتل
  • الكيان الصهيوني وحروب المنطقة
  • تقرير: صمت المجتمع الدولي يمنح الكيان الصهيوني تفويضا مطلقا لتصعيد الإبادة في غزة
  • الخارجية العراقية: وصلتنا رسائل بنية الكيان الصهيوني شن سلسلة ضربات على بلدنا
  • العدوان الأمريكي على اليمن.. حربٌ بالوكالة عن الكيان الصهيوني ودفاع عن جرائم الإبادة
  • وزير الدفاع يحذر كل من يُساند الكيان الصهيوني