لمست ومعي الكثير من اليمنيين منذ عملية طوفان الأقصى وما أعقبها من عدوان صهيوني أمريكي غاشم على إخواننا في قطاع غزة، حالة من التفاعل غير المسبوقة في أوساط المجتمع اليمني، مع حملة المقاطعة للبضائع الإسرائيلية والأمريكية والدول المشاركة في الحرب على غزة، واللافت في الأمر أن هذا التفاعل لم يقتصر على المحافظات اليمنية الحرة، بل تعدى ذلك ليصل إلى المحافظات اليمنية المحتلة والواقعة تحت سلطة مرتزقة الرياض وأبو ظبي، وهي مسألة إيجابية للغاية تعكس في مضمونها تنامي حالة الوعي في أوساط المجتمع، والشعور بالمسؤولية الدينية والأخلاقية والإنسانية تجاه إخواننا في قطاع غزة، والتي تجعل من مقاطعة تلكم البضائع التي تمثل مصدر دعم للكيان الصهيوني سلاحا فتاكا ومؤثرا، يتكبد على إثره هذا الكيان الغاصب والدول والشركات المتحالفة والمتعاونة معه الخسائر المادية والاقتصادية الكبيرة، التي من شأنها أن تشكل ورقة ضغط عليه قد تجبره على إيقاف عدوانه على قطاع غزة ، وحرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهالي القطاع منذ أكثر من ستة أشهر على مرأى ومسمع العالم قاطبة.
جميل جدا أن تترسخ ثقافة المقاطعة لدى المواطن اليمني وعلى وجه الخصوص صغار السن منهم، حيث لمست على المستوى الشخصي من خلال جولات التسوق الرمضانية والعيدية قيام العديد من الأولاد بالمبادرة بمقاطعة البضائع والمنتجات الإسرائيلية والأمريكية وتلك التي تضمنتها النشرات الخاصة بحملة المقاطعة، وإجبار أولياء أمورهم على شراء المنتجات البديلة تضامنا مع أطفال غزة ، رصدت نظراتهم الثاقبة للمنتجات المقاطعة وكلامهم الجميل جدا عن ضرورة الامتناع عن شرائها، والتي عبروا عنها بعفوية وبراءة وبلغة بسيطة، لكن أثرها كان كبيرا جدا، ومما لا شك فيه أن حالة الوعي المجتمعي التي أفرزتها حملة المقاطعة للبضائع الإسرائيلية والأمريكية لم تأت من فراغ، فقد لعبت وسائل الإعلام الوطنية الدور الأبرز في هذا الجانب، ولا أنسى دور النخب الثقافية والإعلامية والفنية والأدبية والإبداعية التي شاركت بفاعلية في دعم وإسناد هذه الحملة، فأثمرت بفضل الله وعونه وتأييده كل هذا النجاح الذي يجب المحافظة عليه وتوسيع نطاقه ليشمل أكبر عدد ممكن من أبناء المجتمع اليمني .
التراخي والتكاسل في جانب التوعية بشأن حملة المقاطعة، له تأثيرات وانعكاسات سلبية، وخصوصا في ظل الإغراءات التي تقدمها الشركات التي شملتها حملة المقاطعة والتي تنوعت بين زيادات مجانية، وهدايا مجانية مع عروض تشمل تحفيض الأسعار وغيرها من الإغراءات، والتي تحاول من خلالها إغراء المستهلك اليمني والدفع به للتراجع عن مقاطعته لمنتجاتها، المطلوب اليوم الديمومة والاستمرارية وبوتيرة عالية في حملة المقاطعة، وتحويلها إلى قضية رأي عام متواصلة ومستمرة، كأقل ما يجب علينا كمجتمع القيام به نصرة لإخواننا في غزة الصمود والبطولة والتضحية والفداء، وعلينا جميعا تقع مسؤولية التوعية وتقديم النصح بالطرق السلسلة والمرنة بالكلمة الطيبة والوجه البشوش والأسلوب المقنع لمن لا يزالون خارج نطاق الاستجابة والتفاعل مع حملة مقاطعة البضائع والمنتجات الإسرائيلية والأمريكية، علينا أن نوضح لهم ما الذي يترتب على شرائهم لهذه المنتجات، وأين تذهب هذه الأموال التي يدفعونها، والإثم الكبير الذي عليهم جراء ذلك، وما الذي سيترتب على عملية المقاطعة بالنسبة للاقتصاد الصهيوني والأمريكي ومن تحالف معهم .
مقاطعة البضائع والمنتجات الإسرائيلية والأمريكية واجب ديني وقومي ووطني وأخلاقي وإنساني، المقاطعة إجراء بسيط لا يتطلب سوى الإرادة الصادقة فقط، ولا أضرار منها على المستهلك مطلقا، وهناك بدائل متاحة وبجودة منافسة وبسعر أقل، الله الله في مقاطعة البضائع والمنتجات الإسرائيلية والأمريكية، نصرة لأطفال ونساء وأبناء غزة، ودعما وإسنادا لمقاومتها البطلة التي تخوض معركة الحرية والشرف والكرامة بالنيابة عن الأمة الخانعة الخاضعة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
التباين والتوازن المجتمعي مع الدكتور مجدي إسحق
شهد النادي الاجتماعي السوداني بأبوظبي، مساء الخميس 06/02/2025، ندوة حول "التباين والتوازن المجتمعي" قدمها الدكتور مجدي إسحق، استشاري الأمراض العصبية والنفسية والباحث في قضايا علم النفس السياسي.
حظيت الندوة بحضور جماهيري كبير من الجالية السودانية بأبوظبي، خاصة من العنصر النسائي، وشهدت مناقشات وحوارات أدارها ببراعة الدكتور فتحي خليل، رئيس المنتدى الثقافي بالنادي السوداني.
ناقشت الندوة تداعيات تفكك الروابط التقليدية التي كانت تعمل على صيانة النسيج الاجتماعي السوداني في الماضي. كما تناولت تجربة التعايش والتمازج بين قبيلتي المسيرية الرعوية ودينكا نقوك في منطقة أبيي، والتي قادها كلٌّ من بابو نمر والسلطان دينق مجوك. لم يكتفِ هذان القائدان بحل المشكلات الناجمة عن تداخل المراعي بين القبيلتين بحكمة وتجرد، بل أسَّسا علاقات إنسانية طيبة، حتى صار عهدهما مرجعًا في التعايش السلمي بين مختلف الإثنيات. إلا أن عدم تناولهما لجذور الأزمة وأسباب القهر الأخرى، بعد نجاحهما في معالجة القهر الاقتصادي، مثل التعالي العرقي وعدم احترام الاختلاف، أدى إلى انهيار العقد الاجتماعي بين المكونين الإثنيين، وهو ما لعبت عليه لاحقاً المصالح الحزبية الضيقة التي فرضت واقعاً من التعايش القسري، مما أدى إلى إشعال الحروب وفتح الباب واسعاً للتدخلات الأجنبية.
كما تطرق الدكتور مجدي إسحق إلى تأثير الإقصاء، وغياب الشفافية، وعدم تقبل الآخر المختلف، وفرض ثقافة المركز، وهي عوامل أدت إلى خلق واقع جديد تتحكم فيه القوة والصراع على الموارد. وقد أدى ذلك إلى تفاقم النزاعات بين المكونات المجتمعية، وازدياد مهددات الانقسام أكثر من أي وقت مضى.
ومن بين المحاور التي تناولها الدكتور مجدي إسحق، أسباب فشل التحالفات في تحقيق أهدافها، مستشهدًا بتحالف الحرية والتغيير كنموذج، حيث أرجع ذلك إلى غياب تقبل الاختلاف والتنوع، وغياب احترام كل طرف لدور الآخر المختلف.
وأكد الدكتور على الحاجة الملحة لتحقيق التوازن المجتمعي، مشيراً إلى صعوبة تحقيقه في بيئة يغذيها العنف والخوف. وأوضح أن استعادة هذا التوازن تتطلب إعادة النظر في مفاهيم العدالة، والمواطنة، والتعايش، بعيدًا عن النزعات الإقصائية والولاءات الضيقة. وهنا يأتي دور علم النفس السياسي في كشف العوامل النفسية التي تغذي الصراعات، سواء كانت نابعة من الإحساس بالظلم، أو الروايات التاريخية المتضاربة، أو التصورات الخاطئة عن الآخر.
وقد لامت الندوى قضايا حساسة في الوعي الجمعي السوداني يتجنب كثيرون التطرق إليها، مثل الهوية، والتاريخ المشترك، والتفاوت الاقتصادي بين الأقاليم، وغياب المشروع الوطني والعقد الاجتماعي. إلا أن تجاوز هذه القضايا دون معالجتها ليس خياراً إذا كان الهدف هو بناء مجتمع متوازن ومستقر. إن المراجعة النقدية للمسلَّمات الاجتماعية والسياسية، حتى وإن أثارت مقاومة، هي المدخل الحقيقي لأي تحول إيجابي، حيث يمكن استبدال القناعات المتحجرة برؤى أكثر انفتاحاً وتسامحاً، مما يمهد الطريق لسودان أكثر عدالةً وتماسكاً.
الانتقاد الوحيد الذي يمكن توجيهه لمنظمي الندوة هو عدم تسجيلها ونشرها، مما حال دون وصولها إلى قطاع أوسع من السودانيين الذين يعانون، بسبب ظروف الحرب والنزوح، من اختلالات عميقة في بنيتهم الاجتماعية، حيث زادت حدة التباينات العرقية، والجهوية، والاقتصادية في ظل هذه الحرب العبثية.
atifgassim@gmail.com