400 عام من التراث الثقافي الدنماركي تلتهمه النيران.. بورصة كوبنهاجن التاريخية تحترق بالكامل| التفاصيل الكاملة للكارثة
تاريخ النشر: 16th, April 2024 GMT
في كارثة ثقافية وتراثية، أصبح مبنى كوبنهاجن التاريخي في الدنمارك كومة من الرماد، وذلك بعد أن تعرضت البورصة بمبنى بورسن الشهيرة بأوروبا إلى حريق ضخم صباح اليوم، وبحسب الأنباء الواردة من أوروبا، فقد التهمت النيران بالفعل تاريخ أكثر من 400 عام من التراث الثقافي الدنماركي.
وبحسب تقرير نشرته شبكة bbc البريطانية، فقد التهمت النيران مبنى البورصة التاريخي القديم في الدنمارك في وسط كوبنهاجن، ويعد مبنى بورسن الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع عشر أحد أقدم المباني في المدينة وقد شهق المتفرجون عندما انهار برج التنين الشهير في النيران، فيما وتمكن كل من كان داخل المبنى من المغادرة وهرع الناس لإنقاذ بعض لوحاته التاريخية.
ومن جانبه قال وزير الثقافة جاكوب إنجل شميدت إن 400 عام من التراث الثقافي الدنماركي قد احترقت، حيث يقع المبنى، الذي يعود تاريخه إلى عام 1625، على مرمى حجر من برلمان الدنمارك، فولكيتينغ، الموجود في القصر الملكي القديم لقلعة كريستيانسبورغ.
يوما مأساويا
من جانبه قالت وسائل إعلام دنماركية إنه تم إخلاء الساحة القريبة وإغلاق المدخل الرئيسي لكريستيانسبورج بسبب الدخان، وقد كان يجري تجديد البورصة القديمة وتم تغطيتها بالسقالات والأغطية البلاستيكية الواقية، ويضم حاليًا غرفة التجارة الدنماركية، التي وصفت مشاهد صباح الثلاثاء بالمشهد المروع.
فيما قال الحرفي المحلي هنريك جراج للتلفزيون الدنماركي إنه كان يوما مأساويا، وأضاف: "هذه هي نوتردام الخاصة بنا"، مقارناً إياها بالحريق الذي اجتاح سقف وبرج الكاتدرائية في وسط باريس قبل خمس سنوات تقريباً، إذ اندلع حريق باريس تحت أفاريز كاتدرائية نوتردام في 15 أبريل 2019 عندما كانت مغطاة أيضًا بالسقالات كجزء من أعمال التجديد واسعة النطاق، وألقى المحققون اللوم إما على ماس كهربائي في الكهرباء أو على عقب سيجارة أحد العمال الذي لم يتم إخماده بشكل صحيح.
سبب الحريق غير معروف
ولا يزال سبب الحريق في كوبنهاغن غير معروف حتى الآن، لكن خدمات الطوارئ قالت إن السقالات جعلت عمليتها أكثر صعوبة، ويُعتقد أن جزءًا كبيرًا من المبنى قد تعرض لأضرار بالغة بسبب الحريق، الذي يقول المسؤولون إنه كان على أشده حول برجه، وشاهد أحد الحرفيين الذين يقومون باستبدال الطوب في المبنى، الحريق يندلع على السطح أثناء تواجده على السقالة، قال أولي هانسن إنه صرخ على زملائه وطلب منهم النزول، وترك الباب مفتوحًا لدخول رجال الإطفاء.
فيما قال رئيس إدارة الإطفاء جاكوب فيدستد أندرسن إن رجال الإطفاء واجهوا مهمة شبه مستحيلة للوصول إلى المنطقة الواقعة تحت السقف النحاسي القديم، وذكر أحد المارة لوسائل إعلام دنماركية: "أنا عاجز عن الكلام تماما، هذه مأساة لا مثيل لها"، فيما انضم أفراد من الجمهور إلى خدمات الطوارئ، وكذلك مدير غرفة التجارة بريان ميكلسن، في الاندفاع إلى المبنى لإنقاذ المجموعة الفنية الكبيرة لمبنى بورسن، وحاول الكثير من المارة انقاذ التحف الفنية التي تتواجد داخل المبنى، وكان من بين الأعمال التي تم إنقاذها كانت اللوحة الزيتية لبيدير سيفيرين كروير من بورصة كوبنهاجن
رئيس الوزراء: قطعة من التاريخ تحترق
وتحدثت رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن عن "صور مروعة" وعن قطعة من التاريخ الدنماركي تشتعل فيها النيران، وقال مفتش المتحف المحلي بنجامين أسموسن لقناة TV2 الدنمركية إنه كان من الصعب مشاهدة الحريق، حيث كانت البورصة القديمة مليئة بلوحات الدنماركيين الذين لعبوا أدوارًا مهمة منذ القرن السابع عشر.
وبحسب الشبكة البريطانية، فقد قال رئيس إدارة الإطفاء إن جميع اللوحات والأشياء الأخرى ذات القيمة التي كان من الممكن إنقاذها قد تم إخراجها، ومن بين الأعمال الثمينة التي تم إنقاذها كانت صورة عام 1895 التي رسمها PS Krøyer لخمسين رجلاً من رجال التجارة الدنماركيين يقفون داخل المبنى وهم يرتدون قبعاتهم العالية.
الملك يقول: كان منظرا حزينا
وتعليقا على الكارثة، قال الملك فريدريك العاشر إن الحريق كان "منظرًا حزينًا" لمثل هذا الجزء المهم من التراث الثقافي للدنمارك: فقد ساعد برج التنين المميز في تعريف كوبنهاجن، وخلف الملكة مارجريت الثانية في يناير كانون الثاني وتم تخفيف حدة الاحتفالات بعيد ميلادها الرابع والثمانين المقرر لها يوم الثلاثاء بسبب الحريق.
وعن تاريخ المبنى، بحسب الشبكة البريطانية، فقد تم بناء المبنى المصمم على طراز عصر النهضة الهولندي في سلوتشولمن، أو جزيرة القصر، بتكليف من ملك الدنمارك كريستيان الرابع بهدف تحويل كوبنهاغن إلى مركز تجاري رئيسي.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: من التراث الثقافی فی الدنمارک کان من
إقرأ أيضاً:
ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
ما دمنا لم نفارق بعد نظام القطب الواحد المهيمن على العالم تظل النظرية القديمة التي نقول إن الشعب الأمريكي عندما يختار رئيسه فهو يختار أيضا رئيسا للعالم نظرية صحيحة. ويصبح لتوجه هذا الرئيس في فترة حكمه تأثير حاسم على نظام العلاقات الدولية وحالة الحرب والسلم في العالم كله.
ولهذا فإن فوز دونالد ترامب اليميني الإنجيلي القومي المتشدد يتجاوز مغزاه الساحة الداخلية الأمريكي وحصره في أنه يمثل هزيمة تاريخية للحزب الديمقراطي أمام الحزب الجمهوري تجعله عاجزا تقريبا لمدة ٤ أعوام قادمة عن منع ترامب من تمرير أي سياسة في كونجرس يسيطر تماما على مجلسيه.
هذا المقال يتفق بالتالي مع وجهة النظر التي تقول إن اختيار الشعب الأمريكي لدونالد ترامب رئيسا للمرة الثانية ـ رغم خطابه السياسي المتطرف ـ هو دليل على أن التيار الذي يعبر عنه هو تيار رئيسي متجذر متنامٍ في المجتمع الأمريكي وليس تيارا هامشيا.
فكرة الصدفة أو الخروج عن المألوف التي روج لها الديمقراطيون عن فوز ترامب في المرة الأولى ٢٠١٦ ثبت خطأها الفادح بعد أن حصل في ٢٠٢٤ على تفويض سلطة شبه مطلق واستثنائي في الانتخابات الأخيرة بعد فوزه بالتصويت الشعبي وتصويت المجمع الانتخابي وبفارق مخيف.
لكن الذي يطرح الأسئلة الكبرى عن أمريكا والعالم هو ليس بأي فارق من الأصوات فاز ترامب ولكن كيف فاز ترامب؟ بعبارة أوضح أن الأهم من الـ٧٥ مليون صوت الشعبية والـ٣١٢ التي حصل عليها في المجمع الانتخابي هو السياق الاجتماعي الثقافي الذي أعاد ترامب إلى البيت الأبيض في واقعة لم تتكرر كثيرا في التاريخ الأمريكي.
أهم شيء في هذا السياق هو أن ترامب لم يخض الانتخابات ضد هاريس والحزب الديمقراطي فقط بل خاضه ضد قوة أمريكا الناعمة بأكملها.. فلقد وقفت ضد ترامب أهم مؤسستين للقوة الناعمة في أمريكا بل وفي العالم كله وهما مؤسستا الإعلام ومؤسسة هوليوود لصناعة السينما. كل نجوم هوليوود الكبار، تقريبا، من الممثلين الحائزين على الأوسكار وكبار مخرجيها ومنتجيها العظام، وأساطير الغناء والحاصلين على جوائز جرامي وبروداوي وأغلبية الفائزين ببوليتزر ومعظم الأمريكيين الحائزين على نوبل كل هؤلاء كانوا ضده ومع منافسته هاريس... يمكن القول باختصار إن نحو ٩٠٪ من النخبة الأمريكية وقفت ضد ترامب واعتبرته خطرا على الديمقراطية وعنصريا وفاشيا ومستبدا سيعصف بمنجز النظام السياسي الأمريكي منذ جورج واشنطن. الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام الرئيسية التي شكلت عقل الأمريكيين من محطات التلفزة الكبرى إلي الصحف والمجلات والدوريات الرصينة كلها وقفت ضد ترامب وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم ينحز منها صراحة لترامب غير موقع إكس «تويتر سابقا». هذه القوة الناعمة ذات السحر الأسطوري عجزت عن أن تقنع الشعب الأمريكي بإسقاط ترامب. صحيح أن ترامب فاز ولكن من انهزم ليس هاريس. أتذكر إن أول تعبير قفز إلى ذهني بعد إعلان نتائج الانتخابات هو أن ترامب انتصر على هوليوود. من انهزم هم هوليوود والثقافة وصناعة الإعلام في الولايات المتحدة. لم يكن البروفيسور جوزيف ناي أحد أهم منظري القوة الناعمة في العلوم السياسية مخطئا منذ أن دق أجراس الخطر منذ ٢٠١٦ بأن نجاح ترامب في الولاية الأولى هو مؤشر خطير على تآكل حاد في القوة الناعمة الأمريكية. وعاد بعد فوزه هذا الشهر ليؤكد أنه تآكل مرشح للاستمرار بسرعة في ولايته الثانية التي تبدأ بعد سبعة أسابيع تقريبا وتستمر تقريبا حتى نهاية العقد الحالي.
وهذا هو مربط الفرس في السؤال الكبير الأول هل يدعم هذا المؤشر الخطير التيار المتزايد حتى داخل بعض دوائر الفكر والأكاديميا الأمريكية نفسها الذي يرى أن الإمبراطورية ومعها الغرب كله هو في حالة أفول تدريجي؟
في أي تقدير منصف فإن هذا التآكل في قوة أمريكا الناعمة يدعم التيار الذي يؤكد أن الامبراطورية الأمريكية وربما معها الحضارة الغربية المهيمنة منذ نحو٤ قرون على البشرية هي في حالة انحدار نحو الأفول. الإمبراطورية الأمريكية تختلف عن إمبراطوريات الاستعمار القديم الأوروبية فبينما كان نفوذ الأولى (خاصة الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية) على العالم يبدأ بالقوة الخشنة وبالتحديد الغزو والاحتلال العسكري وبعدها يأتي وعلى المدى الطويل تأثير قوتها الناعمة ولغتها وثقافتها ونظمها الإدارية والتعليمية على شعوب المستعمرات فإن أمريكا كاستعمار إمبريالي جديد بدأ وتسلل أولا بالقوة الناعمة عبر تقدم علمي وتكنولوجي انتزع من أوروبا سبق الاختراعات الكبرى التي أفادت البشرية ومن أفلام هوليوود عرف العالم أمريكا في البداية بحريات ويلسون الأربع الديمقراطية وأفلام هوليوود وجامعات هارفارد و برينستون ومؤسسات فولبرايت وفورد التي تطبع الكتب الرخيصة وتقدم المنح وعلى عكس صورة المستعمر القبيح الأوروبي في أفريقيا وآسيا ظلت نخب وشعوب العالم الثالث حتى أوائل الخمسينات تعتقد أن أمريكا بلد تقدمي يدعم التحرر والاستقلال وتبارى بعض نخبها في تسويق الحلم الأمريكي منذ الأربعينيات مثل كتاب مصطفى أمين الشهير «أمريكا الضاحكة». وهناك اتفاق شبه عام على أن نمط الحياة الأمريكي والصورة الذهنية عن أمريكا أرض الأحلام وما تقدمه من فنون في هوليوود وبروداوي وغيرها هي شاركت في سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشيوعي بنفس القدر الذي ساهمت به القوة العسكرية الأمريكية. إذا وضعنا الانهيار الأخلاقي والمستوى المخجل من المعايير المزدوجة في دعم حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية للفلسطينيين واللبنانيين والاستخدام المفرط للقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية كأدوات قوة خشنة للإمبراطورية الأمريكية فإن واشنطن تدمر القوة الناعمة وجاذبية الحياة والنظام الأمريكيين للشعوب الأخرى وهي واحدة من أهم القواعد الأساسية التي قامت عليها إمبراطورتيها.
إضافة إلى دعم مسار الأفول للإمبراطورية وبالتالي تأكيد أن العالم آجلا أو عاجلا متجه نحو نظام متعدد الأقطاب مهما بلغت وحشية القوة العسكرية الأمريكية الساعية لمنع حدوثه.. فإن تطورا دوليا خطيرا يحمله في ثناياه فوز ترامب وتياره. خاصة عندما تلقفه الغرب ودول غنية في المنطقة. يمكن معرفة حجم خطر انتشار اليمين المتطرف ذي الجذر الديني إذا كان المجتمع الذي يصدره هو المجتمع الذي تقود دولته العالم. المسألة ليست تقديرات وتخمينات يري الجميع بأم أعينهم كيف أدي وصول ترامب في ولايته الأولى إلى صعود اليمين المتطرف في أوروبا وتمكنه في الوقت الراهن من السيطرة على حكومات العديد من الدول الأوروبية بعضها دول كبيرة مثل إيطاليا.
لهذا الصعود المحتمل لتيارات اليمين المسيحي المرتبط بالصهيونية العالمية مخاطر على السلم الدولي منها عودة سيناريوهات صراع الحضارات وتذكية نيران الحروب والصراعات الثقافية وربما العسكرية بين الحضارة الغربية وحضارات أخرى مثل الحضارة الإسلامية والصينية والروسية.. إلخ كل أطرافها تقريبا يمتلكون الأسلحة النووية!!
حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري