لجريدة عمان:
2025-03-03@22:05:29 GMT

حروب «سنيكَرْز» ولا عقلانية السلوك البشري

تاريخ النشر: 16th, April 2024 GMT

ترجمة ـ قاسم مكي -

ما الذي يمكن عمله لخفض التضخم؟ هذا هو السؤال الذي يشكل الآن هاجسا لمسؤولي البنوك المركزية نظرا إلى المسار المحبط لبيانات سعر المستهلك في الولايات المتحدة وبلدان أخرى. كما يثير قلق الساسة أيضا كالرئيس الأمريكي جو بايدن وذلك على خلفية مستوى عالٍ من عدم رضا الناخبين عن أداء الاقتصاد.

المستثمرون أيضا غير مرتاحين.

ففي الأسبوع قبل الماضي بلغ سعر الذهب مستويات قياسية وسط البحث عن «أصول» تحوُّط من التضخم.

هذا بدوره يقود إلى تبني بعض السياسات الكلاسيكية. فمن جهة يتعهد بنك الاحتياط الفيدرالي بالحفاظ على ارتفاع أسعار الفائدة لكبح الطلب. ومن جهة أخرى ينتقد بايدن الشركات الكبيرة على تحكم مزعوم من جانبها في الأسعار وممارسات خادعة مثل بيع سلع أقل بنفس السعر.

تأملوا المشادة الغريبة التي دارت مؤخرا حول حجم لوح شوكولاتة «سنيكَرْز». أشار بايدن في خطاب حالة الاتحاد إلى أنه تقلَّص. وأنكرت شركة «مارس» التي تصنع حلوى سنيكرز ذلك.

حرب الكلمات هذه تثير جدلا مفعما بالحيوية. لكن مع ازدياد تعقيد التحدي الذي يواجه بنك الاحتياط الفيدرالي هناك طريقة أخرى لتأطير الموضوع وذلك باستدعاء ما يدعوه علماء الاقتصاد «حجب أو إخفاء المعلومات عن المستهلك».

يشير هذا المصطلح إلى الطريقة التي تُقدَّم بها الأسعار إلى المستهلكين وقد دُرِست على نطاق واسع بواسطة علماء الاقتصاد السلوكي. (للتوضيح أكثر ظاهرة الحجب أو الإخفاء مفهوم اقتصادي يتعلق بعدم تماثل المعلومات عن السلعة أو الخدمة بين البائع والمشتري مما يعني عدم كفاءة أداء السوق - المترجم).

في سنوات الستينات على سبيل المثال عمل الراحل دانييل كانيمان (توفي في 27 مارس) مع عاموس تفيرسكي على استكشاف «تقسيم الأسعار» أو الكيفية التي تُسعِّر بها أحيانا بعضُ الشركاتِ المنتجاتِ في خطوات، متعددة مما يجعل من الصعب على المستهلكين تقييم التكاليف بطريقة «رشيدة». غُرَف الفنادق مثال واحد على ذلك من قطاع الخدمات.

فالأجرة الابتدائية المنخفضة قد تتضمن رسوما إضافية مرتفعة. الطابعات مثال آخر. فآلة الطباعة الرخيصة قد تتطلب حبرا غاليا لا تظهر تكلفته في البداية. وتكاليف الشحن مثال آخر.

قد يهز ساخر كتفيه في استخفاف ويقول محاججا إن ذلك مجرد تصرف منطقي من الشركات التي تسعى إلى الربح. ربما ذلك كذلك.

قدمت شركات استشارية من شاكلة «ديلويت» نصائح لزبائنها في السنوات الأخيرة حول مدى استخدام الشركات «الحجب» لزيادة هوامشها الربحية دون استثارة رد فعل مضاد من المستهلكين. لكن حقيقة أن الحجب لا يزال موجودا في عام 2024 وبعد أربعة عقود من شروع كانيمان وآخرين في دراسته تؤكد في حد ذاتها على ثلاث نقاط مهمة.

أولا، المنافسة بين الشركات لا تحقق دائما الكفاءة الحقيقية. فالأسواق يمكن أن تفشل (في تحقيق النتائج المُثلَى المرجوة منها).

ثانيا، ينشأ هذا الفشل لأن المستهلكين ليسوا العناصر التي تحيط علما بكل شيء، والعقلانية كما تبدو في النماذج الاقتصادية. فهم لديهم تحيزاتهم المعرفية التي تقودهم إلى تفضيل خيارات خاطئة وتجعلهم غير مهيئين للتوصل إلى أحكام صائبة بشأن التضخم.

ثالثا، الرقمنة (تحويل المعلومات إلى صيغة رقمية) لا تحل لوحدها مشكلات المنافسة بطريقة سحرية. نعم يمكنها زيادة شفافية الأسعار في بعض المجالات مثل تذاكر الطيران. لكن الإنترنت يوجد أحيانا تكدسا في المعلومات يمكن أن يقود إلى ظاهرة «الحجب» خصوصا عندما يكون المستهلك مشغولا أو قليل التعليم. حقا شفافية الإنترنت المتصوَّرة (أو المتوهمة) يمكن في الواقع أن تجعل حجب المعلومات أسوأ.

قياس ذلك صعب بالطبع. لكن في الشهر الماضي حاول «فريق الأفكار السلوكية» الذي يتخذ مقره في لندن تقدير ذلك وتوصل إلى أن الناتج المحلي الإجمالي البريطاني يمكن أن يكون أكبر بنسبة تتراوح بين 0.2% و1% (أو 5 بلايين إلى 25 بليون جنيه استرليني) إذا لم يكن الحجب موجودا.

توصل الفريق إلى ذلك التقدير بافتراض أن شفافية الأسعار الحقيقية ستمكن المستهلكين من شراء منتجات وخدمات من شركات أكثر كفاءة وبالتالي تزيد الإنتاجية. لكنه أيضا استكشف موضوعا آخر بالغ الأهمية وهو أن الحكومة إحدى أكبر ضحايا الحجب نظرا إلى أن المسؤولين الذين يديرون برامج مشتريات حكومية يجدون صعوبة أيضا في تقدير التكلفة الحقيقية للخدمات التي يحصلون عليها.

يترتب عن ذلك ارتفاع الكفاءة والنجاعة للقطاعين العام والخاص على السواء، إذا كانت هنالك سياسات ضد الحجب. يمكن أن تشمل هذه السياسات اتخاذ إجراءات لفرض بطاقة تعريفية موحدة للمنتجات ودعم مواقع مقارنة الأسعار على الإنترنت وخدمات إرشاد المستهلكين وغير ذلك.

لا شك ذلك سيفزع بعض الاقتصاديين أنصار السوق ويعتبرونه تدخلا غير مبرر على الرغم من أن فريق الأفكار السلوكية يقول مثل هذه الإجراءات من شأنها «تحسين أداء السوق وإطلاق الابتكار والإبداع ومساعدة الناس على اختيار ما هو أفضل لهم».

في كلا الحالين على واضعي السياسات والخبراء الالتفات إلى هذا النوع من الأبحاث. ففوق كل شيء بايدن ليس السياسي الوحيد الذي يعلو صوته بالعويل من التضخم ورفع الأسعار. دونالد ترامب المرشح الرئاسي الجمهوري المفترض عبَّر عن مشاعر مماثلة في الماضي.

هذا ليس مفاجئا نظرا إلى أن تقريع الشركات الكبيرة كثير ما يكون وسيلة لكسب الأصوات. لكن من الأفضل أن يجد واضعو السياسات طرقا عملية لتعزيز الشفافية في الأسعار بدلا عن إرهاب إدارات الشركات. فهذا الخيار الأخير يؤذي الثقة في حين قد يحسِّن تعزيز شفافية المنافسة وأداء السوق بطرائق من شأنها خفض الأسعار.

بكلمات أخرى، إذا كانت واشنطن تريد أن تفهم اتجاهات الأسعار ستكون بحاجة إلى تبني مقاربة كانيمان (الذي درس التحيزات في اتخاذ القرارات البشرية) وإدراك أن «لا عقلانية» السلوك البشري تستمر حتى في العالم الرقمي. ذلك قد لا يكفي لإنهاء حروب شكولاتة سنيكرز. لكنه على الأقل يقود إلى رؤية للاقتصاد أكثر اتساقا مع التصرفات الفعلية للشركات والمستهلكين والناخبين.

جيليان تيت محررة وكاتبة رأي في الفاينانشال تايمز

الترجمة خاصة لـ عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یمکن أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

الشركات السورية تكافح مع وفرة السلع المستوردة وتعثر الاقتصاد

تكافح الشركات في أجزاء سوريا التي كانت تحت سيطرة نظام الأسد لبيع سلعها مع كميات كبيرة من الواردات الرخيصة التي تقوض المنتجين المحليين، ما أثار غضبًا واسع النطاق إزاء تحرك الحكومة الجديدة لخفض التعريفات الجمركية على الواردات، حسبما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.

وتم السماح للسلع الأجنبية، التي كانت مقيدة لسنوات، بالدخول إلى البلاد في يناير/ كانون الثاني بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تعليق ذبح الأضاحي في المغرب.. ما التداعيات الاقتصادية؟list 2 of 2الدولار يرتفع على حساب الذهب والنفط يصعد إثر قرار ترامبend of list

وفي ظل حكم الأسد، تم إنتاج معظم السلع محليًا أو تهريبها من خلال نظام من الضرائب والرسوم والغرامات الباهظة، ما زاد الكلفة بصورة حادة، كما يعني نقص الكهرباء أن الشركات اضطرت إلى دفع مبالغ باهظة مقابل الطاقة.

السلع المستوردة متواجدة بقوة في السوق السورية (رويترز) إغلاق مؤقت

اختارت بعض الشركات إغلاق متاجرها مؤقتًا بدلاً من بيع السلع بخسائر فادحة، ما يسلط الضوء على التحدي الذي تواجهه الحكومة الجديدة في إحياء الاقتصاد المحطم والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.

وقال أحد تجار السيارات إن السيارة التي تكلف 10 آلاف دولار في بيروت، على سبيل المثال، كانت لتباع بمبلغ 60 ألف دولار في سوريا تحت حكم الأسد، لكنها الآن قد تباع مقابل 11500 دولار.

ونقلت الصحيفة البريطانية عن أحد المصرفيين المقيمين في دمشق، قوله: "قبل شهرين، كانت جميع المنتجات في السوق سورية. أما اليوم، فإن المنتج الجاهز من تركيا أرخص".

إعلان

وقال أحد رجال الأعمال في مجال المنسوجات في العاصمة إنه يتوقع أن يدرك المستهلكون في نهاية المطاف أن المنتجات المستوردة أقل جودة "ولكن بحلول ذلك الوقت ستكون السوق قد تعطلت، وستكون العديد من المصانع التي لم تتمكن من تحمل خسارة الأعمال قد أغلقت أبوابها".

تحرير الاقتصاد

ومنذ توليها مقاليد الأمور، سعت الحكومة الجديدة في سوريا إلى تحرير الاقتصاد المحطم من أجل دفع النمو الاقتصادي والمساعدة في إعادة بناء بلد مزقته 13 عامًا من الحرب.

وحسب الصحيفة، فإنه في حين أسعدت الإطاحة بالأسد الكثيرين، فقد جلبت كذلك مجموعة جديدة من المشاكل للشركات التي نجت من الحرب والنظام الطفيلي.

وفي البداية، قوبلت عودة الواردات إلى المناطق التي كانت تحت سيطرة الأسد سابقًا بتشوّق، إذ وجد السكان أنفسهم قادرين على شراء سلع مفقودة منذ فترة طويلة من المتاجر، مثل المشروبات الغازية ذات العلامات الأجنبية والجبن الفرنسي.

لكن هذا الحماس لم يدم طويلاً، إذ حدت أزمة السيولة النقدية في جميع أنحاء البلاد وتباطؤ النشاط التجاري المحلي من القدرة الشرائية للناس.

وتسبب تخفيف الحكومة السريع لقيود الاستيراد في استياء من أصحاب شركات تصنيع محلي في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام سابقًا، بما في ذلك العاصمة دمشق في الجنوب.

وقال العديد من أصحاب الأعمال إنهم لا يعارضون خفض التعريفات الجمركية، لكنهم قالوا إن التخفيضات كان ينبغي أن تكون أبطأ وأصغر حجمًا لإنقاذ الشركات من الخسائر الفادحة.

ونظرًا لارتفاع تكلفة الطاقة في دمشق، قالوا إنه سيكون من الصعب التنافس مع الشركات التركية ما لم تحصل على بعض الدعم من التعريفات على السلع المستوردة.

ونقلت الصحيفة عن أحد مصنعي الكحول، قوله: "إنهم يبيعون سلعًا أرخص بنسبة 60 إلى 70% من أسعاري". وقد توقفت جميع عملياته منذ ديسمبر/ كانون الأول.

إعلان

وفي الوقت الذي تشكو فيه الشركات في المناطق التي كان يحكمها الأسد من الرسوم المنخفضة، أثار فرض أي تعريفات الغضب إدلب، حيث اعتاد السكان منذ فترة طويلة على التدفق الخالي من الجمارك للواردات التركية الرخيصة عبر الحدود.

حذر المصرفي المقيم في دمشق من أن الصناعات التي كانت في السابق العمود الفقري للاقتصاد السوري الذي كان يتّسم بالحمائية، مثل الأدوية، أصبحت الآن في خطر، وقال: "إذا فتحوا الطريق أمام [واردات] الأدوية، فإن هذا القطاع سوف يُستأصل".

مقالات مشابهة

  • المجتمع البشري في عهد النبي إبراهيم عليه السلام.. (لماذا حظر الطغاة ذكر الله وسمحوا باتخاذ آلهة غيره؟)
  • الشركات السورية تكافح مع وفرة السلع المستوردة وتعثر الاقتصاد
  • «المركزي» الصيني يتعهد بدعم الشركات الخاصة
  • قيادة بحزب العمال البريطاني: أوروبا لن تتحمل حروب ترامب ورفع الدفاع ضروري للحماية
  • قيادة بحزب العمال البريطاني: أوروبا لن تتحمل حروب ترامب
  • الإمارات.. بيئة مثالية لازدهار الشركات الناشئة وريادة الأعمال
  • عبدالقيوم: نار الأسعار لم تجد فقيهاً يدلنا على الشيطان الذي يوقدها
  • سبيلك إلى السلوك القويم.. 3 ركائز أساسية في الإسلام لا تغفل عنها
  • رئيس دفاع النواب: فلسطين قضية مصر الأولى التي خاضت من أجلها حروب كثيرة
  • النفط الاتحادية تدعو الشركات العالمية وثروات كوردستان للاجتماع في بغداد