الرشوة و الواسطة عنواناً لفساد المجتمع
تاريخ النشر: 16th, April 2024 GMT
القاضي أنيس صالح جمعان
الرشوة هي ما يُعطى لإبطال حق أو إحقاق باطل، وهي محرمة، بل هي من الكبائر، فقد قال الله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).[البقرة: 188].
الواسطة تعتبر هي أخطر أنواع الفساد الخفي الذي يهلك المجتمع، وذلك لما يترتب عليها من وصول أشخاص إلى مواقع قيادية وإلى مواقع صنع القرار دون النظر إلى التأهيل والكفاءة، ولقد سميت الواسطة في القرآن الكريم بالشفاعة، وقسمها إلى حسنة وسيئة، وذلك في قوله تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا).[النساء: 85]، فكل شفاعة ترتب عليها إضرار بأحد فهي شفاعة سيئة لما فيها من التعدي والظلم، فالشفاعة السيئة محرمة؛ لأنها ظلم لمن هو أحق بها، وظلم لأولي الأمر بسبب حرمانهم من عمل الأكفاء، وخدمتهم لهم، ومعونتهم إياهم على النهوض بمرفق من مرافق الحياة، واعتداء على الأمة بحرمانها ممن ينجز أعمالها، ويقوم بشؤونها في هذا الجانب على خير حال، ثم هي مع ذلك تولد الضغائن وظنون السوء، ومفسدة للمجتمع، أما إذا لم يترتب على الواسطة ضياع حق لأحد، أو نقصانه فهي جائزة، بل مرغب فيها شرعًا، ويؤجر عليها الشفيع،كما ثبت في الصحيح عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (اشفَعوا تُؤجَروا).[متفق عليه]، وذلك لقضاء حوائج الناس بعضهم لبعض.
إن الرشوة و الواسطة التي تؤكل بها حقوق الآخرين، وتعتدي على مبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين، فهي شكل من أشكال الفساد، ولون من ألوان الظلم الاجتماعي الذي حرمه اللَّهُ عز وجل، حيث قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا…).[رواه مسلم]، ويتجلى هذا الظلم والفساد عندما تؤخذ حقوق الآخرين، أو يوضع شخص في مكان لا يستحقه، أو يعتدى على حقوق الآخرين.
إن الرشوة والواسطة إذا شاعت في المجتمعات فإنها تؤدي إلى ضياع الحقوق وشيوع الظلم وإنتشار الفساد، ولا شك أن الذي يأخذ الرشوة إنما يأكل سُحتـًا، وقد ذم اللَّه تعالى هذا الصنف من الناس، وشنَّع عليهم أشد التشنيع ، فقال تعالى: (وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).[المائدة:62].
إن أول أسباب فساد المجتمعات، هو الرشوة و الواسطة في هدم العدل بين أفراد المجتمع فتضيع الفُرص من مُستحقيها، وهي أكثر أنواع الفساد شيوعاً في الوسط الإداري والمالي، وخاصة في الدول العربية، حيث يلجأ أكثر من 50 مليون شخص تقريباً فيها إلى الرشوة، للتسريع في قضاء حوائجهم وتحصيل ما تيسر من الخدمات، حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية، ويعتبر هذا الرقم الصادم والمفجع هو مؤشر من مؤشرات الفساد، وهذه الأرقام في الدول العربية ومنها اليمن هي تعبر عن واقع مؤلم، فهي جريمة يعاقب عليها القانون، وسلوك لا يقبله أي دين، ولا تقرّه أي شريعة، وقد لعن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تعامل معها، في حديثه عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي).[رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ].
نصيحة: ينبغي أن يكون الحصول على الوظائف منضبطاً بمعايير واضحة وصحيحة محققة للنزاهة والشفافية، وترجع هذه المعايير إلى الكفاءة والقدرة على الإنجاز، مع مراعاة الأمور الخاصة بكل وظيفة؛ لأن للواسطة والمحسوبية أثراً سلبياً كبيراً على المجتمع، فهي تؤدي إلى الفساد المجتمعي والترهل الإداري، إذ يسود عندئذ الشعور بالظلم، فيؤدي ذلك إلى قلة الإنتاج وانعدام الكفاءة، وشيوع أخلاق النفاق والكذب، بل قد يؤدي ذلك إلى ممارسات وأفعال غير مقبولة، كالسرقة والنهب والرشوة والتعدي على المال العام والخاص.
ختاماً .. يجدر بكلّ صاحب مسؤولية أن يكافح هذا النوع من الفساد، وأن يحرص على عدم وقوع هذه الممارسات مطلقاً، بأن يُعطي كل ذي حق حقه، وأن لا يقدم أحداً على صاحب الحقّ، ويكون ذلك بالحرص على تقوى اللَّهُ تعالى والصدق مع الناس وتنفيذ القوانين المتعلقة بهذا الشأن، والإنسان سيسأل عما أسترعاه اللَّه تعالى يوم القيامة، فقد قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).[رواه البخاري].
المصادر:
(1) الرشوة – مساوئ الأخلاق – موقع إسلام ويب
(2) حكم الواسطة والمحسوبية – دار الأفتاء
القاضي أنيس صالح جمعان
16 أبريل 2024م
المصدر: الجديد برس
كلمات دلالية: ه تعالى
إقرأ أيضاً:
حكم قول "بلى" بعد قوله تعالى: ﴿أليس الله بأحكم الحاكمين﴾
يحرص المسلمون عند تلاوة القرآن الكريم على التدبر والتفاعل مع الآيات، خاصة تلك التي تحمل معاني العظمة والتنزيه لله سبحانه وتعالى، ومن بين هذه الآيات، قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: 8]، والتي يعتاد بعض القراء والمستمعين على الرد عليها بقول "بلى". فما حكم ذلك شرعًا؟
التفاعل مع آيات القرآن الكريمقالت دار الإفتاء أنه من المستحب عند قراءة القرآن أن يتفاعل القارئ مع معانيه، فيسأل الله الرحمة عند المرور بآيات الرحمة، ويستعيذ عند ذكر العذاب، ويسبح الله عند آيات التنزيه. وقد ورد عن النبي ﷺ في صلاته الليلية أنه كان إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ.
وفي هذا السياق، أوضح الإمام القرطبي في تفسيره أن التدبر في معاني القرآن يستلزم هذا التفاعل، حيث قال: "إذا مر القارئ بآية عذاب استعاذ بالله، وإذا مر بآية رحمة سأل الله من فضله، وإذا مر بآية تنزيه نزه الله سبحانه وتعالى."
حكم قول "بلى" عند تلاوة الآيةتعتبر "بلى" حرفَ جواب يُستخدم في الرد على النفي لإبطاله، ولذلك فإن قولها بعد قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ يُعدّ تأكيدًا على أن الله هو أحكم الحاكمين.
وقد ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "من قرأ منكم والتين والزيتون، فانتهى إلى آخرها: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾، فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين." (رواه أبو داود).
حكم قول "بلى" في الصلاةأما بالنسبة لقول "بلى" أثناء الصلاة، فقد اختلف الفقهاء في ذلك:
خارج الصلاة: من السنة أن يقول القارئ "بلى"، كما جاء في الحديث.داخل الصلاة:إذا كان المصلي منفردًا أو في صلاة النافلة، فيستحب له قول "بلى".إذا كان المصلي إمامًا أو مأمومًا في صلاة الفريضة، فقد رأى بعض الفقهاء أن الأفضل عدم قولها؛ لأن المصلي ينبغي أن يلتزم بأذكار الصلاة المأثورة فقط، في حين أجازها آخرون باعتبارها من السنن المؤكدة.يُستحب قول "بلى" بعد قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ سواء كان القارئ داخل الصلاة أو خارجها، وهو تأكيد لإثبات حكم الله وعدله. أما في الصلاة، فقد اختلف الفقهاء بين الإباحة والكراهة، لكن الرأي الأرجح أنه جائز، خاصة في النافلة أو إذا كان المصلي منفردًا.