حنان الفياض: الترجمة قوة ناعمة لمواجهة الصراعات والتحديات الراهنة
تاريخ النشر: 16th, April 2024 GMT
الدوحة ـ "العُمانية": تؤكد الأكاديمية القطَرية حنان الفياض، أن حركة الترجمة مهمة للإنسانية جمعاء، لأنها تسهم في إحداث نقلة في حياة المرء على مستوى التعليم وعلى مستوى الثقافة أيضًا، فضلًا عن أنها قادرة على مدّ الجسور بين الأنا والآخر. وتقول الفياض في حوار مع وكالة الأنباء العُمانية: إن الترجمة وسيلة مُثلى لتوسيع التعددية الثقافية التي تعدّ ضرورة ولا يمكن النظر إليها بوصفها ترفًا، وهي "قوة ناعمة لمواجهة الصراعات والتحديات التي نعيشها اليوم".
وتضيف المستشارة الإعلامية والناطقة الرسمية لجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في هذا السياق: "الترجمة في أحد صورها وأشكالها فعل ثقافيّ تثاقفي وفعلٌ معرفيّ، يجول فيه المترجم بين لغتين بل ثقافتين، نقلًا من إحداهما إلى الأخرى، والمترجم بذلك سفير الثقافة والوسيط بين الأمم والشعوب".
وترى أن العرب في وقتٍ أحوج ما يكونون فيه إلى تعزيز فعل الترجمة، بخاصة في ظل التحولات الرقمية التي تتطلب مواكبةً حثيثة على المستويات كافة، وهذا يستدعي "جهدًا تراكميًّا تشارك فيه المؤسسات الحكومية والأهلية والصروح الأكاديمية ومراكز الدراسات والأبحاث، إلى جانب الجهود الفردية"، إضافة إلى إثراء التخصصات المتصلة بالترجمة في الجامعات والمعاهد، فمن شأن هذا أن "يحافظ على لغتنا ويجعلها حاضرة في الفضاء التفاعلي الإنساني".
وتشير الفياض إلى دور الترجمة تاريخيًّا في بناء الإنسان معرفيًّا وتدشين نهضته في مستوياتها كافة؛ المادية والمعنوية، مؤكدة أن الترجمة التي شاعت خلال فترة انتعاش الحضارة العربية تعدّ من أهم الأسس التي بُنيت عليها تلك الحضارة، لهذا جاءت فكرة إطلاق جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي؛ لـ"بعث الروح من جديد في حركة الترجمة لتؤدي الدور نفسه الذي كانت تؤدّيه في العصور الذهبية للتاريخ العربي".
وترى أن مسار الجائزة التي يستمر باب الترشح والترشيح لدورتها العاشرة حتى نهاية مايو المُقبل، يسهم في وضع الكتاب العربي الجيد في الواجهة، لأن من أهم المعايير التي تعتمدها الجائزة أن يكون للعمل المرشح قيمة في الثقافة المترجَم منها (المصدر) وفي الثقافة المترجَم إليها (الهدف)، أيْ أن تكون له قيمة في الثقافتين معًا، كما "يجب أن يكون العمل قويًّا ورصينًا بما يكفي لينافس على الفوز".
وتلفت الفياض إلى أن الجائزة بفئاتها المختلفة لا تشجع المترجمين فقط، فهي تشجع الكُتّاب أيضًا، لأن إبداعاتهم الأدبية والبحثية ستنتقل إلى قرُّاء جدد بلغات أخرى، وستحظى بالمطالعات النقدية وبالمراجعات التي تسهم بدورها في تطوير تجربة الكاتب وأدواته.
وتوضح أن اهتمام الجائزة لا يقتصر على حركة الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية، وإنما يمتد ليشمل أيضًا الترجمة من العربية لتلك اللغات، مضيفةً أن الجائزة تأسست على فكرة وجود لغة رئيسة ثابتة هي الإنجليزية، ولغة رئيسة أخرى تتغير كل عام، وهذا التغيير "يهدف إلى التجسير وتعزيز التواصل بين اللغة العربية ولغات العالم".
ووفقًا للفياض، فإن الجائزة "حرّكت الراكد في إنتاج الترجمة بالعالم العربي، وبخاصة أن فئاتها تتضمن الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات المختارة في كل دورة"، وهذا الأمر دفع المزيد من المترجمين للاهتمام بترجمة الكتب العربية، ويتضح أثر ذلك من خلال ازدياد عدد المشاركات.
وتؤكد الفياض أن أيّ إنجاز للمبدع لا يمكن أن يلقى رواجًا إن لم يحظَ بالرعاية المؤسسية وبالتحفيز والمتابعة، وهذا ما تفعله الجائزة؛ مشجّعةً المبدعين من خلال "المتابعة التحفيزية". وتشير إلى دور الجائزة في تكريم المترجمين وتقدير الدور الذي يضطلعون به في التثاقف الإنساني، وتحفيز دور النشر للاهتمام بعملية الترجمة وإغناء المكتبة العربية بالعديد من الأعمال المتنوعة من آدب العالم وثقافاته وفنونه، وتكريم الأفراد والمؤسسات والمساهمين في نشر الثقافة الداعية إلى التسامح والتفاهم الدولي.
وحول نهج الجائزة في تغيير اللّغات المستهدفة (باستثناء اللغة الإنجليزية) كلّ دورة، توضح الفياض أن اللغات يتم اختيارها استنادًا إلى تقارير يعدّها مختصون، يشرحون فيها حجم النشاط الترجمي من اللغة وإليها في السنوات الأخيرة، فإذا كان نشاط الترجمة من لغةٍ ما إلى العربية أو من العربية إليها كبيرًا أو نوعيًّا تقرر إدارة الجائزة إدراج هذه اللغة ضمن فئاتها المستهدفة لتلك الدورة، لتكريم جهود الفاعلين في حقل الترجمة.
وتشير الفياض إلى الاتفاقية التي وقعتها الجائزة مؤخرًا مع منظمة اليونسكو، لتعزيز التعاون في مجالات اللغة العربية والترجمة كأدوات فاعلة لبناء الجسور الثقافية بين المجتمعات. وتوضح أن التعاون يشمل الشراكة في الترجمة والنشر للمجلدات التي طورتها اليونسكو في إطار برنامج "طريق الحرير"، وذلك بهدف تيسير تبادل المعرفة والأفكار عبر الحدود اللغوية والثقافية، بالإضافة إلى تعزيز اللغة العربية من أجل التماسك الاجتماعي، عبر تنظيم فعاليات وحلقات عمل ومؤتمرات مشتركة. كما نصّت الاتفاقية على التعاون في تعزيز استخدام اللغة العربية والترجمة في مجال الذكاء الاصطناعي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اللغة العربیة الترجمة من
إقرأ أيضاً:
بدء الاستعدادات لحفل إعلان الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية بأبوظبي.. صور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بدأ منذ قليل، توافد الأدباء والكتاب ومجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2025 وذلك بحضور الدكتور ياسر سليمان رئيس مجلس أمناء الجائزة والدكتور على بن تميم رئيس مركز أبو ظبي للغة العربية والداعم للجائزة، والأدباء الست الذين ترشحوا القائمة القصيرة وهم أحمد فال الدين، وأزهر جرجيس، وتيسير خلف، وحنين الصايغ، ومحمد سمير ندا ونادية النجار.
ومن المقرر أن يتم الإعلان عن الفائزة بالجائزة الكبرى بعد قليل في أبو ظبي.
وتضم لجنة تحكيم الجائزة كلا من منى بيكر، رئيسة لجنة التحكيم، وعضوية بلال الأرفه لي، أكاديمي وباحث لبناني؛ وسامبسا بلتونن، مترجم فنلندي؛ وسعيد بنكراد، أكاديمي وناقد مغربي؛ ومريم الهاشمي، ناقدة وأكاديمية إماراتية، بالإضافة إلى ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة، وفلور مونتانارو، منسقة الجائزة، ومدير مكتبة الإسكندرية، أحمد زايد.
التنوع الغني في الموضوعات
وقالت رئيسة لجنة التحكيم منى بيكر عن الروايات الست تميزت نصوص القائمة القصيرة لدورة 2026 من الجائزة العالمية للرواية العربية بالتنوع الغني في المواضيع، إلى جانب قيمتها الجمالية والمعرفية. فقد أخذنا بعضها إلى أعماق المجتمعات الدرزية في جبال لبنان وإلى سكان قرية نجع المناسي" في صعيد مصر، وعالم المكفوفين في الخليج كما سلطت الضوء على ماساة جيل ضائع من الشباب الذي عاش - ولا يزال يعيش - الواقع العراقي المرير. أما بعضها الآخر فقد عاد بنا إلى حقبات من التاريخ الديني والسياسي التي شهدت صراعات الحكم والسلطة، واتسمت بتعدد اللغات والمذاهب الدينية.
حياة حجة الإسلام الصوفي
وفي هذا السياق، تأتي رواية "دانشمند" للكاتب الموريتاني أحمد قال الدين كعمل روائي مبدع يستعرض مختلف مراحل حياة حجة الإسلام العالم الصوفي أبي حامد الغزالي، و دانشمند" هو لقبه بالفارسية وتعني المعلم. تتبعت الرواية حياة الغزالي الشخصية بأسلوب روائي ساحر وسرد ممتع بدءًا بطفولته ودراسته الأولى وانتهاء بتجربته مع السلطان والسلطة، ثم قراره بالرحيل إلى التصوّف واكتشاف الذات. وقد نجح المؤلف في نسج عالم متكامل وغني بشتى التفاصيل، عالم تحوّل فيه الإمام الغزالي من "شبح" في التاريخ إلى "كائن من لحم ودم".
البساطة وخفة الدم
أما "وادي الفراشات" للكاتب العراقي أزهر جرجيس فتتفوق في إيصال الواقع العراقي المرير للقارئ بأسلوب يتسم بالبساطة والمزاح المستحب وخفة الدم حتى في أحلك الظروف، مما يعطي الشخصيات بعدًا واقعيا ومأساويا في الوقت نفسه هي قصة حب بين عزيز وتمارا، حبّ ترهقه التحديات وتنتهي فصوله رغم محاولات مستمرة لتخطي العقبات.
وترمز "الفراشات" في العنوان إلى الجمال والهشاشة، وأيضا إلى الرغبة في التحليق حتى في أقسى الظروف.
الخيالات التاريخية
وفي الاتجاه ذاته نجد أن رواية "المسيح الأندلسي" للكاتب السوري تيسير خلف تجمع بين الخيال والأحداث التاريخية، مستندة إلى بحث عميق خلال فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين وإجبارهم على اعتناق المسيحية في الأندلس.
وتدور أحداثها حول رحلة الأندلسي عيسى (أو خيسوس) للبحث عن قاتل والدته، مرورًا ببلدان وقارات عدة، مع توثيق عدد كبير من الشخصيات والأحداث التاريخية المهمة.
ويتميز أسلوب الكتابة باستخدام الكثير من المصطلحات الشائعة في تلك الفترة واستهجاء الأسماء كما تم نسخها في الكتب التاريخية، مما يثري الرواية ويدعم مصداقية الأحداث المروية.
إنها رواية مشوقة يتردد صداها في ما نشهده اليوم من اضطهاد فئات مختلفة في فلسطين وأجزاء من العالم العربي نتيجة التطرف الديني والعرقي.
ميثاق النساء وتجربة امل
من ناحية أخرى، تبني الكاتبة اللبنانية حنين الصايغ شخصياتها الرئيسية بعناية وحرص في ميثاق النساء"، وتمنح للصوت النسائي حقه من خلال تجربة "أمل" في مجتمع درزي منغلق يفرض وصايته على النساء ويعتبر تعليمهن شيئاً من الرفاهية لا حقًا مشروعًا. نخوض مع أمل تحديات الزواج غير المبني على الحب والمعاملة الجنسية المهينة والحقن المجهري والأمومة المبكرة، ثم رحلة اكتشاف الهوية والقوة الداخلية لتغيير مسار حياتها. "ميثاق النساء" عمل مبدع، غير نمطي، يتميّز بقدر كبير من الصدق والشفافية.
وبالمثل نجد في رواية "صلاة القلق" للكاتب المصري محمد سمير ندا سردا يكشف عزل نجع المناسي" - وهي قرية في وسط صعيد مصر - عن العالم بعد انفجار غامض يرجح ارتباطه بمناورات عسكرية في المنطقة. يتفوق الكاتب في وصف مرحلة القمع والتمويه والتسلط والكذب التي سادت في فترة النكسة وتأثيرها العميق على جيل كامل كما نرى آثارها بشكل مركز في أحداث وشخصيات النجع الذي لا يصله من العالم الخارجي سوى ما يسمح به خليل الخوجة، ممثل السلطة. يقوم بسرد الرواية ثمانية أشخاص، يلقي كل منهم الضوء على المأساة التي يعيشها النجع الذي يرمز للبلد ككل من وجهة
نظر فريدة ومؤثرة.
أما على صعيد آخر، تأخذنا الكاتبة الإماراتية نادية النجار في ملمس الضوء" إلى عالم مبهر وجديد بالنسبة لمعظم قراءها، هو عالم المكفوفين، فنتابع "نورة"، بطلة الرواية، وهي تستكشف وتنمّي حواسها الأربع في غياب حاسة البصر خلال أصعب مراحل انتشار وباء كورونا وفرض الحجر الصحي. ومن خلال هذه الرحلة، نعيش مع نورة تفاصيل علاقتها المتوترة مع أمها وتطوّر علاقتها مع قريبها سيف الذي تستكشف معه تاريخ عائلتها من خلال مجموعة صور فوتوغرافية تركها جدها الذي كان شغوفا بالتصوير. ولا تقتصر رحلتنا مع نورة على استكشاف عالم المكفوفين وتاريخ عائلتها وإنما تمتد إلى استكشاف تاريخ دبي والبحرين ومنطقة الخليج عامة، مما يمنح هذه الرواية بعدًا تاريخيا وإنسانيا عميقًا. وبذلك يعد "ملمس الضوء" عملا أدبيا متميزا يتنقل بسلاسة بين الماضي والحاضر، بين تجربة فقدان البصر والقدرة على استكشاف الذات وبين التاريخ الشخصي والتاريخ الجماعي.
مختتنا قائلة :"وفي النهاية نجد أن هذه الروايات الست تتشارك في نزوعها نحو استكشاف الذات والهويّة، سواء كانت هذه الهوية دينية أو طائفية أو قومية ولتحدي الظلم بأشكاله المتعدّدة. وبذلك، فهي تقدّم لنا صورا مختلفة للواقع الذي نعيشه نحن كقراء، وفي الوقت نفسه تومئ إلى مستقبل أكثر عدلا يمكننا فيه أن نكسر جميع أنواع القيود التي تحد من حريتنا ونعيش فيه بسلام وكرامة".