يمانيون/ تقارير لم تكن الجمهورية الإسلامية في إيران غائبة عن ميدان الصراع مع العدو الإسرائيلي قبل الهجوم الصاروخي والجوي التاريخي الذي شنته على الأراضي المحتلة فجر يوم الأحد الماضي رداً على جريمة استهداف العدو للقنصلية الإيرانية في سوريا.

وخلال السنوات الماضية كانت الدولة الأكثر حضوراً في هذا الميدان بدعمها وإسنادها الكبير والمستمر للمقاومة في فلسطين ولبنان والمنطقة، وقطع الطريق أمام مشاريع العدو ورعاته الأمريكيين لتحويل المنطقة بأكملها إلى معسكر صهيوني، لكن هجوم الرابع عشر من أبريل، ربما يكون نقطة التحول الاستراتيجية الأكبر في تأريخ الحضور الإيراني في ميدان هذا الصراع، كما أنه محطة مفصلية مهمة في مسار الصراع بأكمله، فهو الهجوم المباشر الأول الذي تشنه الجمهورية الإسلامية على العدو الصهيوني، وقد شنته باحترافية عسكرية وسياسية فائقة، وفي مرحلة بالغة الأهمية، لتؤسس به قواعد اشتباك إقليمية جديدة لا يستطيع العدو فعل أي شيء أمامها؛ لأنها تستند إلى مكاسب ثابتة راكمتها جبهة محور المقاومة على امتداد عشرات السنين، الأمر الذي يجعله أكثر بكثير من مجرد رد عادي أو حدث عابر، وهذا ما يعترف به العدو نفسه.

الهجوم الذي أعلن الحرس الثوري تنفيذه تحت اسم عملية “الوعد الصادق” جاء بعد تأكيدات واضحة من قبل قيادة الجمهورية الإسلامية في إيران على أن الكيان الصهيوني سينال عقاباً مؤلماً على جريمة استهداف القنصلية الإيرانية بدمشق قبل أسابيع، وبالتالي فقد مثل تنفيذ الهجوم بحد ذاته ومنذ إطلاق أول صاروخ وطائرة مسيرة، تدشيناً لمعادلة جديدة تتجاوز التعقيدات التي كانت مفروضة على الحضور الإيراني في الصراع مع العدو الصهيوني، فالهجوم أنهى مرحلة الصبر الاستراتيجي فيما يتعلق بالرد على اعتداءات الصهاينة، ومنذ الآن أصبح على العدو أن يفكر بالضربات المباشرة التي ستوجهها له الجمهورية الإسلامية قبل أن يقدم على أي اعتداء حتى وإن كان خارج حدودها الجغرافية التقليدية، وقد أشارت وسائل إعلام عبرية إلى ذلك بوضوح قائلة إنه: “من الآن وصاعداً فإن أي اصطدام مع إيران يمكن أن يؤدي إلى صواريخ وطائرات مسيرة تستهدف إسرائيل”، وهو أمر غير عادي أبداً، فالعدو لا يفتقر إلى مصادر نيران إقليمية إضافية تستهدفه، ناهيك عن إيران هي قوة إقليمية ودولية كبرى ولا تخفي أبداً مشروعها الذي من أبرز عناوينه إزالة “إسرائيل” من الخريطة، فأي اشتباك معها هو تهديد على المستوى الوجودي للكيان الصهيوني.

وبالرغم من أن الكيان الصهيوني قد حاول استباق الهجوم بإعداد غير مسبوق، استنفر فيه حلفاءه وأصدقاءه الدوليين والإقليميين بدءاً بالولايات المتحدة وانتهاء بدول عربية منها الأردن والسعودية، لحشد كل الطاقات والإمكانات الدفاعية المتطورة، لتوفير قبة أمان للتصدي لضربات كان يعتقد أنها لن تستهدف سوى مواقع محدودة داخل الأراضي المحتلة، فإن ذلك الإعداد تحول في النهاية إلى معطى من معطيات الصفعة التأريخية التي تلقاها العدو، فقد استطاعت الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية الوصول إلى كيان العدو بأعداد كبيرة وغطت معظم جغرافيا الأراضي المحتلة من الجولان إلى بئر السبع، وحققت إصابات دقيقة للغاية في العديد من القواعد العسكرية، وقد تم توثيق ذلك بالصوت والصورة بمئات المقاطع الحية.

وقد أقر جيش العدو الصهيوني نفسه ومسؤولون أمريكيون بأن عدداً من القواعد العسكرية الصهيونية أصيبت بشكل مباشر بالصواريخ الإيرانية.

لقد أثبت ذلك أن أي اشتباك مستمر يسعى له الكيان الصهيوني مع الجمهورية الإسلامية سيكون بمثابة كارثة وجودية عليه، فبحسب تقديرات الخبراء العسكريين فإن الأسلحة التي استخدمها الحرس الثوري في الهجوم لم تكن هي الأكثر تطوراً في الترسانة الإيرانية، ولم تتضمن على الأرجح صواريخ فرط صوتية أو طائرات مزودة بقنابل ذكية وليزلرية، كما أن طهران أعلنت بوضوح أنها الهجوم لن يكون واسعاً، وسيراعي اعتبارات عدم إشعال تصعيد كبير في المنطقة، وبرغم ذلك فقد استطاعت تلك الأسلحة في عملية واحدة وبرغم الإجراءات الوقائية للعدو أن تحقق اختراقاً هائلاً ليس فقط في منظومته الدفاعية هو، بل في القبة الإقليمية والدولية التي صنعها حلفاؤه بمنظومات الرصد والتعقب والصواريخ الدفاعية بعيدة المدى والطائرات المقاتلة التي انتشرت على مساحة واسعة في المنطقة، علماً بأن تكرار مثل هذه الإجراءات الوقائية مرة أخرى سيكون صعباً للغاية، وحتى إن حدث، فإن تكراره مرة ثالثة ورابعة سيكون مستحيلاً، وحتى قبل أن يصبح العدو مكشوفاً بشكل كامل، ستكون الضربات الإيرانية القادمة قد حققت أصلاً أضراراً كبيرة للغاية بالنظر إلى ما حدث فجر الأحد الماضي.

وقد حرصت إيران على توضيح ذلك في تصريحاتها عقب عملية الرد حيث أكدت أن توجه العدو الصهيوني نحو ارتكاب أي حماقة أخرى ضد الجمهورية الإسلامية، فإن الرد القادم سيكون أقوى وأشد بكثير.

ومن خلال المقاطع التي وثقت الهجوم ومحاولات اشتباك الدفاعات الصهيونية مع الصواريخ الإيرانية، يلاحظ بوضوح أنه تم استخدام تشكيلات متنوعة من الأسلحة، بما في ذلك صواريخ ذات رؤوس انشطارية لديها قدرة فائقة على خداع المنظومات الدفاعية، بالإضافة إلى صواريخ عالية السرعة وثقت الفيديوهات وصول عدد منها إلى أهدافها بدقة متجاوزة كل محاولات الاعتراض، فيما أسهمت الطائرات المسيرة في عملية “إغراق” المنظومات الدفاعية الجوية والأرضية في الأراضي المحتلة وخارجها بشكل كشف عن إمكانية كبيرة لشل هذه المنظومات وتجاوزها في أي هجوم قادم، سواء من إيران، أو من قبل الجبهات الأخرى المساندة الإقليمية لطوفان الأقصى في حال تصاعد وتيرة المعركة مع العدو الصهيوني، فما حدث فجر يوم الأحد يمكن تنفيذه أيضا من الجبهات اللبنانية واليمنية والعراقية.

وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية فإن كلفة محاولات اعتراض الهجوم الإيراني، بلغت أكثر من 1.3 مليار دولار في ليلة واحدة، وهو ما يضع العدو الصهيوني أمام حقيقة استحالة الصمود في وجه اشتباك أوسع مع إيران، فضلا عن مواجهة إقليمية محتدمة مع محور المقاومة بأكمله.

 وبرغم أن الهجوم الإيراني جاء ردا على جريمة استهداف العدو الصهيوني للقنصلية الإيرانية في دمشق، فإن ذلك لا يجعله منفصلا عن سياق معركة طوفان الأقصى والصراع الأشمل مع العدو، كما تروج الآلة الإعلامية للأنظمة العميلة، فاستهداف العدو للقنصلية جاء للانتقام من دور المستشارين الإيرانيين في عملية إسناد ودعم معركة طوفان الأقصى، وحتى التحليلات التي ترجح أن نتنياهو أراد من خلال تلك الجريمة الهروب إلى الأمام من خلال إشعال حرب أوسع في المنطقة هي أيضا تؤكد ارتباط الاستهداف وبالتالي الرد الإيراني بمعركة طوفان الأقصى التي باتت تشكل كابوسا على حكومة الاحتلال وفي مقدمتها نتنياهو.

والحقيقة أن هذا الكابوس قد ازداد سوءا بعد الهجوم، حيث أصبح العدو الصهيوني بين خيارين يفاقمان مأزقه، فاللجوء إلى أي اعتداء جديد على إيران، سيؤدي إلى رد آخر أوسع بحسب التأكيدات الإيرانية، وهو ما سيجر نحو اشتباك أوسع لا يستطيع الصهاينة الغارقين في خسائر ومأزق معركة طوفان الأقصى تحمله، والتعويل على جر الولايات المتحدة وأدواتها في المنطقة إلى هذا الاشتباك هو رهان خاسر، فواشنطن نفسها تدرك أن ذلك سيكون مجازفة انتحارية.

وأما خيار ابتلاع الهجوم الإيراني، فسيكون اعترافا مذلا للغاية بالهزيمة وبالعجز التام عن فرض أي “ردع” إقليمي، وهو ما سيثبت نتائج معركة طوفان الأقصى، باعتبارها الضربة التأريخية التي أنهت زمن العربدة الصهيونية وجعلت كيان الاحتلال مكشوفا ومحاطا بالتهديدات الإقليمية المباشرة، ومعرضا للخطر الوجودي أكثر من أي وقت مضى.

والهجمة الإعلامية الشرسة التي لجأت إليها الماكنة الإعلامية للدول العربية العميلة بالتنسيق مع الولايات المتحدة وكيان العدو، للتقليل من شأن الهجوم الإيراني، تمثل دليلا واضحا على افتقار العدو ورعاته لأي خيار ثالث لا يتضمن تثبيت حقيقة أنه قد تلقى صفعة مذلة تغير كل موازين الصراع.

نقلا عن المسيرة نت #إيران#الرد الإيراني#القنصلية الإيرانية#ُسوريا#عملية الوعد الصادق#قصف الكيانً#كيان العدو الصهيونيدمشق

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الجمهوریة الإسلامیة معرکة طوفان الأقصى الأراضی المحتلة الهجوم الإیرانی العدو الصهیونی فی المنطقة مع العدو

إقرأ أيضاً:

بزشكيان أم جليلي؟ هل تحسم “الكتلة الرمادية” جولة الإعادة في سباق الرئاسة الإيرانية؟

 

أعلن المتحدث باسم لجنة الانتخابات التابعة لوزارة الداخلية الإيرانية، محسن إسلامي، صباح يوم السبت 29 يونيو 2024، النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أقيمت في 28 يونيو، مشيراً إلى حصول المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان على المركز الأول بإجمالي أصوات يُقدر بنحو 10 ملايين و415 ألفاً و991 صوتاً، مقابل حصول المرشح الأصولي سعيد جليلي على أصوات تُقدر بنحو 9 ملايين و473 ألفاً و298 صوتاً، والذي حلّ في المركز الثاني.

بينما جاء في المركز الثالث المرشح الأصولي رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني) محمد باقر قاليباف، بإجمالي أصوات تُقدر بـ3 ملايين و383 ألفاً و340 صوتاً. وحصل المرشح الرابع رجل الدين مصطفى بور محمدي على أصوات تُقدر بـ206 آلاف و397 صوتاً. وبلغ العدد الإجمالي للأصوات التي تم فرزها 24 مليوناً و535 ألفاً و185 صوتاً.

دلالات انتخابية:

في ضوء النتائج الرسمية للجولة الأولى للانتخابات الرئاسية المُبكرة التي أُجريت في إيران، يمكن الوقوف على بعض الدلالات على النحو التالي:

1- الذهاب إلى جولة انتخابية ثانية: لم يحصد أي من المرشحين الأربعة للانتخابات الرئاسية الإيرانية الأغلبية المطلقة (50%+1)، التي تمكنه من حسم الفوز بمنصب الرئاسة من الجولة الأولى؛ ومن ثم فإن المرشحيْن اللذيْن حصلا على أعلى نسبة تصويت وهما على الترتيب مسعود بزشكيان الذي حصل على نسبة تصويت تُقدر بنحو 42% مقابل 38% لمنافسه سعيد جليلي، سيذهبان إلى جولة ثانية من الانتخابات، تقرر إجراؤها يوم الجمعة الموافق 5 يوليو 2024، بحسب لجنة الانتخابات الإيرانية.

وتُعد هذه المرة، الثانية في تاريخ الجمهورية الإسلامية التي تذهب فيها الانتخابات الرئاسية إلى جولة إعادة؛ إذ سبقتها انتخابات الرئاسة التي أُجريت عام 2005 عندما تقدم هاشمي رفسنجاني في الدور الأول دون أن يحسم النتيجة بنحو 6.2 مليون صوت، وحلّ حينها محمود أحمدي نجاد ثانياً بـ5.7 مليون صوت، لتنتقل إلى جولة إعادة، إذ فاز نجاد بحوالي 17.2 مليون صوت، وبنسبة 62% تقريباً.

ويؤشر الذهاب لجولة ثانية من الانتخابات الإيرانية الحالية إلى حجم الاستقطاب السياسي داخل البلاد، إذ إن الفارق ضئيل بين المرشحيْن اللذيْن سيخوضان جولة الإعادة، بزشكيان وجليلي، وهو ما يحمل في جانب منه حالة من الانقسام والخلاف حول المرشح الذي سيفوز بمنصب الرئيس.

 

2- انخفاض نسبة المُشاركة: سجّل حجم المشاركة في الانتخابات الرئاسية الجارية، النسبة الأقل على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في إيران، سواء البرلمانية أم الرئاسية؛ إذ بلغت تلك النسبة في الانتخابات الحالية، نحو 40%؛ إذ صوّت نحو 24 مليوناً، كما ذُكر آنفاً، من إجمالي نحو 61 مليون إيراني ممن لهم حق التصويت. وكانت آخر انتخابات رئاسية أُجريت في البلاد قبل الانتخابات الحالية، في عام 2021، شهدت نسبة مشاركة بلغت نحو 49%. وفاز فيها الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، كما أن انتخابات مجلسي الشورى الإسلامي (البرلمان) وخبراء القيادة التي أُجريت في أول مارس 2024، والتي وُصفت حينها بأنها شهدت أقل نسبة مُشاركة في تاريخ الانتخابات في الجمهورية الإسلامية، كانت قد سجلت 41%.

ويأتي انخفاض نسبة المشاركة الحالية بالرغم من محاولات النظام الإيراني تشجيع المواطنين على المشاركة والتصويت، على أساس أن المشاركة تصب في النهاية لصالح شرعيته، والتي أُصيبت بشروخ خلال السنوات الأخيرة لأسباب تتعلق بتأزم الوضع الاقتصادي والسياسي، وقد تجلى ذلك في عدد من المؤشرات أبرزها تكرار الموجات الاحتجاجية. وقد دعا المرشد الأعلى، علي خامئني، إلى “مشاركة قصوى في الانتخابات”، داعياً “حتى أولئك الذين ينتقدونه إلى أن يصوّتوا في الانتخابات للمرشح الذي يفضلونه”.

ويُعزى انخفاض نسبة المشاركة إلى عدّة عوامل، أبرزها؛ أن قطاعاً واسعاً من الشعب الإيراني يدرك أن السلطات والصلاحيات الحقيقية هي بيد خامنئي، وأن الرئيس مجرد مُنفذ للتوجهات والخطوط التي يرسمها المرشد والأجهزة والمؤسسات الخاضعة له، حتى لو كان لدى الرئيس مساحة حركة سياسية. هذا إلى جانب أن هذه الانتخابات، ونظراً للظرف الطارئ المتعلق بالوفاة المُفاجئة لرئيسي على إثر تحطم مروحيته أثناء رحلة في محافظة أذربيجان الشرقية في 19 مايو الماضي، فقد أُجريت بمعزل عن الانتخابات البلدية، والتي كان من المُقرر إجراؤها بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية في 2025؛ وهو ما كان سيضمن نسبة مشاركة شعبية واسعة، لم تتحقق هذه المرة. فضلاً عن أنه لم يمض أكثر من ثلاثة أشهر على الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ما أسهم في إحجام بعض القطاعات الشعبية عن المشاركة.

3- توحّد التيار الإصلاحي لدعم بزشكيان: شهدت الأيام الأخيرة قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الحالية، توحّداً في صفوف التيار الإصلاحي، بشكل ربما لم يحدث منذ انتخابات الرئيس الأسبق محمد خاتمي عام 1997، خلف المرشد الإصلاحي الوحيد مسعود بزشكيان، والذي سمح له مجلس صيانة الدستور بالترشح. إذ أبدى وزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف، دعمه الكبير لبزشكيان، وقد عيّنه الأخير مُستشاراً له في السياسة الخارجية، وخاض معه معركته الانتخابية ودافع عن مواقفه في برامج تلفزيونية. وكان هذا الانضمام “نقطة تحوّل” قوية لصالح بزشكيان، في مواجهة المرشحين الأصوليين الخمسة، قبل أن ينسحب اثنان منهما قبيل موعد الانتخابات.

هذا إلى جانب إعلان زعيم التيار الإصلاحي الرئيس الأسبق محمد خاتمي دعمه لبزشكيان، وكذلك جبهة الإصلاح (التي تمثل التيار الإصلاحي)، والرئيس الأسبق حسن روحاني الذي يمثل تيار المعتدلين، ورئيس البرلمان الأسبق والرمز الإصلاحي الكبير مهدي كروبي؛ ما عزز فرص بزشكيان قبل موعد الانتخابات، بشكل جعل البعض يتكهن بفوزه من الجولة الأولى. وقد أدت رئيسة جبهة الإصلاح، آذر منصوري، دوراً مهماً في تنسيق جهود الإصلاحيين والمعتدلين وتوحيد جبهتهم لدعم بزشكيان.

جدر بالذكر أن خاتمي كان قد حّذر، قبل الانتخابات، مجلس صيانة الدستور من استبعاد مرشحي التيار الإصلاحي، وأن ذلك سيكون شرط مشاركتهم في التصويت بالانتخابات. وعلى الرغم من أن مجلس صيانة الدستور قد استبعد أغلب رموز التيار الإصلاحي والمعتدل وغير المحسوبين على النظام ومنهم الرئيس الأسبق، نجاد، ورئيس البرلمان السابق، علي لاريجاني، ونائب الرئيس الأسبق، إسحاق جهانغيري، ومحافظ البنك المركزي الأسبق، عبدالناصر همتي، وغيرهم؛ فإن المجلس أبقى على مسعود بزشكيان، والذي أتى من الصفوف الخلفية للإصلاحيين؛ إذ شغل سابقاً منصب وزير الصحة في عهد خاتمي، كما كان نائباً سابقاً لمدينة تبريز مركز محافظة أذبيجان الشرقية.

4- تفتت أصوات الأصوليين: في مقابل توحّد الإصلاحيين خلف بزشكيان، فإن التيار الأصولي فشل في الوقوف خلف مرشح واحد. وبالرغم من محاولات الحرس الثوري توحيد جبهة المحافظين في الانتخابات الرئاسية، بُغية التقدم بمرشح واحد، فإن المحافظين لم يشهدوا إلا انسحاب شخصيتيْن غير وازنتين هما: المرشح علي رضا زاكاني (عمدة طهران)، والمرشح أمير حسين قاضي زاده هاشمي (النائب البرلماني السابق وكان يشغل رئيس منظمة المحاربين القدامي). وتمسك القطبان الأصوليان سعيد جليلي (العضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام والمفاوض النووي السابق)، ومحمد باقر قاليباف (رئيس مجلس الشورى الإسلامي الحالي)، بخوض غمار الترشح في الانتخابات الرئاسية، ولم ينسحب أي منهما لصالح الآخر؛ ما أدى إلى تفتيت أصوات المحافظين.

وطالبت أوساط محافظة بضرورة الحد من التشرذم والانقسام، والالتفاف حول مرشح واحد؛ ومن ذلك ما طالب به رئيس تحرير صحيفة “كيهان” المحافظة، والتابعة للمرشد الأعلى، حسين شريعتمداري، بأن “على المرشحين الأصوليين الانسحاب لصالح مرشح واحد أفضل، وعليهم ألا يضحوا بأمن البلد وقوته من أجل أهدافهم وطموحاتهم الشخصية”.

ويمكن إرجاع تشتت أصوات المحافظين إلى الانقسامات التي باتت واضحة داخل البيت الأصولي، وعكس هذا الانقسام الخلاف الذي جرى حول اختيار رئيس البرلمان الإيراني عقب انتخابات مارس 2024؛ فهناك جناح الأصوليين التقليديين وهم أكثر مرونة من الجناح اليميني المُتشدد داخل التيار الأصولي، والذي تمثله ما تُسمى بـ”جبهة بايداري” أو “جبهة الصمود”. وقاليباف ينتمي لتيار المحافظين التقليديين، في حين ينتمي جليلي للتيار الأكثر تشدداً، حتى وإن كان لا ينتمي تنظيمياً لـ”جبهة الصمود”.

سيناريوهات الإعادة:

في ضوء المعطيات الحالية في المشهد السياسي الإيراني، يمكن استعراض أبرز السيناريوهات المُحتملة للجولة الثانية للانتخابات الرئاسية المُقرر إجراؤها يوم 5 يوليو الجاري، كالتالي:

1- تحريك “الكتلة الرمادية”: وفقاً لما أشارت إليه النتائج الرسمية للجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الإيرانية، فإن 60% ممن لهم حق التصويت في الانتخابات لم يشاركوا، وهو ما يُقدر بنحو 36 مليون مواطن، ممن يُطلق عليهم “الكتلة الرمادية”، وتمثل هذه الكتلة “حصان طروادة” في الجولة الثانية من الانتخابات. فالطرف الذي يستطيع أن يميل إليه تلك الكتلة، أو جزءاً قليلاً منها، سيفوز بالانتخابات. ويُشير الواقع الانتخابي في إيران إلى أن المحافظين ملتزمون ولائياً وتنظيمياً بالتصويت لمرشحيهم؛ أي أنهم بالفعل قد شاركوا في الانتخابات سواء بالتصويت لصالح جليلي أم قاليباف؛ ومن ثم فالأنظار تتجه الآن إلى الإصلاحيين من أجل تحريك “الكتلة الرمادية” وجذبها لصفهم؛ لتعزيز فرصهم في الجولة الثانية من الانتخابات، وإلا فإن الفائز سيكون مرشح المحافظين، جليلي.

2- فوز بزشكيان بالرئاسة: في ضوء النتائج التي تحققت في الجولة الأولى من الانتخابات بحصول بزشكيان على المركز الأول، فإن ذلك من شأنه أن “يفتح شهية” الإصلاحيين والمعتدلين لاستكمال مسار دعمه والدفع به حتى الوصول لقصر سعد آباد (المقر الرئاسي)، على أساس أن ذلك يمثل عودة للتيار الإصلاحي، الذي كان قد انزوى عن المشهد السياسي في السنوات الأخيرة.

هذا إلى جانب تشجيع أعداد إضافية من الإيرانيين للتصويت لصالح بزشكيان على اعتبار أنه يمثل التغيير المنشود، والذي قد يؤدي إلى تحسين الاقتصاد والظروف المعيشية والانفتاح على الخارج، بعد ثلاث سنوات من حكم الرئيس الراحل رئيسي، تأزمت فيها الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وبلغت مستويات غير مسبوقة.

ويظل ذلك مرتبطاً بالقدرة على جذب أصوات جديدة إلى جانب الكتلة التي صوّتت بالفعل لبزشكيان في الجولة الأولى، سواء من الذي لم يشاركوا أم ممن شاركوا بالتصويت لصالح قاليباف، على اعتبار أن الأخير ينتمي لتيار الوسط في المحافظين. هذا إلى جانب استقطاب أصوات الأقليات القومية في إيران، والتي قد ترى في بزشكيان -الذي ينتمي للقومية الأذرية ويُقال إن والدته كردية سنيّة ويتحدث الأذرية والكردية- استعادة لحقوقها السياسية والاقتصادية.

بيد أن أبرز العوائق التي تقف أمام فوز بزشكيان تتمثل في توحّد المحافظين خلف جليلي، إلى جانب مخالفته لتوجهات بعض المبادئ المتشددة للنظام؛ ومنها مسألة إلزامية الحجاب، وانتقاده الضمني لسيطرة الحرس الثوري على ما يُسمى “اقتصاد العقوبات” والتي تتمثل في عمليات تهريب النفط وغيرها، بالإضافة إلى دعوته للانفتاح على الغرب. وهي أمور لا تلاقي استحسان مؤسسات صُنع القرار المحافظة.

3- تنظيم المحافظين صفوفهم خلف جليلي: من المُحتمل أن تشهد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية فوز المرشح الأصولي، جليلي. ويتوقف هذا الأمر على عدد من العوامل، يأتي على رأسها؛ توحّد جبهة المحافظين لدعم جليلي، وأن يحصل الأخير على إجمالي الأصوات التي ذهبت لقاليباف في الجولة الأولى. وقد أكد قاليباف، بعد الإعلان عن نتائج الجولة الأولى، دعمه لجليلي في جولة الإعادة. وعلى افتراض ثبات الأصوات التي تم منحها لبزشكيان في الجولة الأولى وهي حوالي 10 ملايين صوت، فإن إجمالي الأصوات التي حصل عليها جليلي بالإضافة إلى الأصوات التي حصل عليها قاليباف تُقدر بنحو 13 مليوناً، أي ما يصل لنسبة 53%؛ وهو ما يضمن حينها الفوز لجليلي.

ويُعزز ذلك أيضاً، شعور المحافظين بالخطر من فقدان منصب الرئيس، خاصةً في ظل احتدام التنافس مع الإصلاحيين من ناحية، والظرف الدقيق الذي تمر به إيران في الداخل والخارج من ناحية أخرى؛ وهو ما يدفعهم نحو مزيد من التوحّد لدعم المرشح الأصولي جليلي.

كما يُعد جليلي المرشح الذي تتماهى توجهاته مع التوجهات المتشددة للنظام. كذلك ترى بعض الأوساط المحافظة أنه قد يمثل “بديلاً” للرئيس الراحل رئيسي، والذي كان رئيساً مثالياً بالنسبة للنظام. وقد دعا المرشد خامنئي، في أكثر من مرة قبل عقد الجولة الأولى من الانتخابات، إلى اختيار “رئيس مؤمن بمبادئ الثورة والجمهورية الإسلامية”؛ في إشارة ربما إلى جليلي. وبدت مواقف وتصريحات جليلي خلال المناظرات الرئاسية التي أُجريت قبل الانتخابات، متوافقة مع الخط العام المتشدد للنظام، من حيث موقفه من قضايا الحريات الاجتماعية وخاصةً مسألة الحجاب، وموقفه من الاتفاق النووي والذي يرى أن طهران لم تستفد منه شيئاً.

 

انعكاسات قادمة:

يمكن القول إن فوز المرشح المحافظ، جليلي، يرتهن بتنظيم صفوف الأصوليين لدعمه، بالإضافة إلى عدم توسيع المشاركة الشعبية، والإبقاء على نفس القاعدة التي صوّتت خلال الجولة الأولى. أما فوز المرشح الإصلاحي، بزشكيان، فيرتهن باتساع المشاركة الشعبية خلال جولة الإعادة، من خلال استقطاب “الكتلة الرمادية” أو جزء منها لدعمه.

وعلى الرغم من أن السلطات الحقيقية في يد المرشد الأعلى في إيران، فإن ذلك لا ينفي أن للرئيس ووزير خارجيته مساحة حركة سياسية، يمكنهما من خلالها تنفيذ التوجهات العليا للنظام، لكن بمرونة أكبر. فقد شهدت إيران في عهد الرئيس الأسبق، خاتمي، انفتاحاً غير مسبوق على دول المنطقة والغرب، كما شهدت في عهد روحاني توقيع الاتفاق النووي مع الغرب. صحيح أن تلك القرارات لم تحدث إلا بموافقة القيادة العليا في إيران، إلا إنه لا يمكن نفي أن للرئيس وتوجهاته دوراً واضحاً فيها. والدليل أنه عند مقارنة تلك الفترات مع فترات أخرى لرؤساء من التيار الأصولي أمثال نجاد ورئيسي، سيكون الوضع مُختلفاً.

وبغض النظر عن النتيجة التي سوف تسفر عنها جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، فإن ثمة انعكاسات بعيدة المدى قد تنعكس على المشهد السياسي في البلاد، أبرزها أن الإصلاحيين أثبتوا، مرة أخرى، أنهم قادرون على الحشد ومواجهة الأصوليين، وأنهم رقم صعب داخل المعادلة السياسية، خاصةً بعد الخسارة الكبيرة التي تعرضوا لها بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، وهو ما تُرجم في تراجع شعبيتهم الواضح في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 2020 و2024. إلى جانب إعادة الأمل لقطاع من الشعب الإيراني في إمكانية التغيير والتي قد تصل إلى بنية النظام السياسي نفسه.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • إصلاحي ومحافظ متشدد وجهًا لوجه في الجولة الثانية من الانتخابات الإيرانية| بزشكيان يسعى نحو التعددية السياسية والانفتاح على الغرب.. وجليلي يتجه نحو الإصلاح الاقتصادي وخلق علاقات دولية جديدة
  • العدو الصهيوني يدمر مسجد “ابن عثمان” ثاني أكبر المساجد التاريخية بغزة
  • أنت لوحدك.. صحيفة تكشف ما دار بين بايدن ونتانياهو بعد الهجوم الإيراني
  • هل تحسم “الكتلة الرمادية” جولة الإعادة في سباق الرئاسة الإيرانية؟
  • بزشكيان أم جليلي؟ هل تحسم “الكتلة الرمادية” جولة الإعادة في سباق الرئاسة الإيرانية؟
  • مستشار خامنئي: إيران ستدعم “حزب الله” بكل جهودها إذا شنت إسرائيل حربا واسعة
  • إيران تؤكد دعمها للمقاومة الفلسطينية وتلميحات بعملية “الوعد الصادق 2” ضد “إسرائيل”
  • بعد الانتخابات.. هذه توقعات أميركا لتوجهات إيران "الجديدة"
  • إيران وإسرائيل.. تهديدات تنذر بحرب كبرى
  • الحرس الثوري الإيراني: نتمنى فرصة لعملية الوعد الصادق 2 ضد إسرائيل