د. خالد بن حمد بن سالم الغيلاني
khalid.algailni@gmail.com
@khaledalgailani
إذا سلمنا بحقيقة لا تخفى على أحد فنحن في دولة المؤسسات، ومرد كل حكم فيها، وأمر نافذ، وقاعدة عمل، لنظامنا الأساسي الذي نفخر به، وبقواعد الحكم والعمل بين دفتيه؛ فالنظام الأساسي حدد الأسس لعمل كل مسؤول، والواجب المطلوب منه، ومناط ذلك كله رعاية مصالح البلاد والعباد، وتوفير متطلبات الحياة الكريمة، وحفظهم، وتحقيق أمنهم وأمانهم، كما ألزم المسؤولينَ- على اختلاف درجاتهم ومراكزهم- بأداء اليمين المغلظ، وحفظ الأمانات والحقوق، وصيانة المكتسبات، وتحمل التبعات، وهم جميعًا في ذلك أمام ميزان العدل الثابت، ورهنُ الالتزام بالواجب، ومحط أنظار الرقيب والحسيب.
ثم جاءت القوانين النافذة، واللوائح الشارحة المفصلة، لتكون في ذات الاتجاه، ولتحقيق نفس المقاصد، وهي مقاصد رفيعة ارتكزت عليها الشريعة، وبنيت على أساسها التشريعات، وضمنت من خلالها الحقوق، فحفظ المقاصد الخمسة غاية الحياة، ومراد بلوغ الأمل فيها، ولذلك فإنَّ حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ المال؛ مقاصد تضمن بها الإنسانية حياة كريمة شريفة عفيفة، وبلادنا الغالية والإسلام مرتكز الحكم والتشريع فيها، سعت بكل قوانينها من أجل حفظ هذه المقاصد، وحمايتها، وتحريم وتجريم كل من لا يحفظها عن عمد أو عن تقصير وسهو.
ثم إن مولانا السلطان المعظم حدد أساسيات العمل في شتى قطاعات الدولة، وبين ضرورة قيامها على أسس من الثبات والاستدامة، جاعلا الحوكمة أساساً من أسس الرقابة والمتابعة، معززا جلالته الصلاحيات والإمكانات لتعمل كل المؤسسات في نطاق مهامها، واختصاصاتها، بمزيد من المساحة الكافية، والحرية الإدارية الواضحة، لاتخاذ قراراتها، وتفعيل أدوارها.
وبالتالي فلا عذر يمكن قبوله لأي تقصير، ولا مجال لأي تهاون، والمسؤولية تعلو بقدر علو الوظيفة، وتزداد كلما زاد مستواها، هكذا هي طبيعة الأمور، وهذا هو مناط التكليف، ذلك أن الوظيفة العامة مسؤولية وأمانة، من نال شرفها، وجب عليه تحمل أعباءها، كما أنه ينال حقوقه كاملة، ويسعد بخيرها، وامتيازاتها.
إنَّ الفاجعة التي أذهلت البلاد، وأقضت مراقد العباد، وتداعى الجميع من شدة وقعها، وهول حدوثها، وتوالت التعازي للتخفيف من أثرها من كل حدب وصوب، لهي كارثة عظيمة، ومصيبة شديدة، فأكثر من خمس عشرة نفسًا أزهقت من بينها عدد من فلذات الأكباد، وزهر من زهور البلاد، أطفال تداعب أحلامهم الصغيرة حدود بيوتهم، وحفيف أشجار مزارعهم، ونخيل قراهم، لا زالوا في زهو العيد وبسمة أيامه، ولا زالت ملابسهم يفوح الطيب والعود منها، ورغم أنها تصاريف الأقدار، ومطية الخلق، وطريق كل حي؛ لكنه التقصير ممن كان عليه اتخاذ ما يلزم قبل وقوع الكارثة.
والمتابع لموقف وزارة التربية والتعليم ممثلة في كل مسؤول مختص يعنيه الأمر يدرك تمامًا أن ما حدث يأتي ضمن الإهمال الجسيم، والخطأ الفادح، والإخفاق الذي يتوجب الحساب والعقاب، هكذا هي طبيعة الأمور، وهذا هو أصل العمل وتوابعه ولوازمه، وهنا على كل جهةٍ مسؤولة القيام بدورها ومحاسبة المقصرين والمتهاونين بأسمائهم وشخوصهم، وتفعيل نصوص القانون النافذ فيهم، من كل الجهات، وعلى كل المستويات، أما التحرك بعد حدوث الفاجعة، ونزول المصيبة، فهذا لم يعد يجدي نفعًا، ولا يمثل عملا مخططا ومنظما، وما هي إلا ردود فعل في غير محلها ولا تأتي بحلول ناجعة.
من الأمور المهمة التي يجب العمل عليها، إعادة تخطيط مواقع المدارس وضمان بُعدها عن مجاري الأودية، وسلامة الطرق المؤدية إليها والرابطة بينها وبين مواقع السكن لمختلف الروافد، والاستعانة عند التخطيط بذوي الخبرة من الأهالي فهم أدرى بخط الوادي وسيره، وكثيرا ما قدموا النصيحة، ولم يؤخذ بها فكان عاقبة ذلك خسارة في الأرواح والممتلكات، وهدرا للمال العام، فأن تكون مهندسًا ومخططًا لا يكفي دون خبرة لواقع الحال، وظروف المكان.
وعلى وزارة التربية والتعليم أن تنتهج سياسة عامة لإدارة الأزمات تتضمن عددا من الإجراءات، مستفيدة في ذلك من علم السياسات العامة، مستعينة بكل ذوي العلاقة؛ فمثلًا أن ترسم عددًا من (السيناريوهات) وتكون واضحة ومحددة دون حاجة للقاءات واجتماعات. فعلى سبيل المثال: عند صدور تنبيه بغزارة الأمطار مباشرة فكل المحافظات المذكورة في التنبيه يكون دوامها عن بعد، دون انتظار تعميم أو بيان من أحد، ويستمر الحال حتى نهاية وضع التنبيه، فإن حضر الطلاب للمدرسة فلا خروج لأحدهم إلّا بموافقة واضحة وصريحة من الدفاع المدني المختص في هذه الحالة، وبالتالي يكون الدفاع المدني وأجهزة الأمن هم وحدهم أصحاب القرار وفق برتوكولات واضحة، فلا ولي أمر معني ولا إدارة مدرسة ولا معلم.
هذا مثال بسيط، والأمر- كما قلت- يتطلب سياسة عامة واضحة، نجنب بها البلاد والعباد هكذا حوادث لا يمكن تجاوزها، ومن قراءات الواقع فإنَّ التغيرات المناخية أثرها واضح، والتطرف في الحالات الجوية أصبح متكررا، ويحتاج إجراءات تجاهه، كما يمكن أن نستفيد من تجارب الدول التي تشهد هكذا حالات مطرية متطرفة في كيفية التعامل معها وتجنب أثارها أولاً على سلامة الأرواح ومن ثم الأموال والممتلكات. والله نسأله الحفظ لعُمان وسلطانها وأهلها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
منظمات دولية: مؤشرات واضحة على تطهير عرقي في غزة عبر التهجير القسري والحصار والقصف الإسرائيلي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
صرحت منظمات دولية، اليوم الخميس، بأن هناك مؤشرات واضحة على التطهير العرقي في قطاع غزة من خلال التهجير القسري والحصار والقصف الإسرائيلي، وذلك وفقا لما أفادت به قناة "القاهرة الإخبارية".
وفي نفس السياق، أفادت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرضت منذ أكتوبر 2023 ظروفًا معيشية قاسية على الفلسطينيين في قطاع غزة، تهدف إلى تدمير جزء من السكان، من خلال حرمانهم المتعمد من المياه الكافية.
وأوضحت المنظمة أن هذه السياسات أدت إلى وفاة آلاف المدنيين، وهو ما يشكل جريمة إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية.
وأكدت المنظمة أن الاحتلال مسؤول عن هذه الجرائم، مشيرة إلى أن السلوك الإسرائيلي، إلى جانب التصريحات الصادرة عن بعض المسؤولين الداعية لتدمير الفلسطينيين في غزة، يرتقي إلى الإبادة الجماعية بموجب "اتفاقية الإبادة الجماعية" لعام 1948.
ودعت "هيومن رايتس ووتش" الحكومات والمنظمات الدولية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع الإبادة الجماعية في غزة، بما يشمل وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل، مراجعة الاتفاقيات الثنائية، دعم جهود المحكمة الجنائية الدولية، وفرض عقوبات محددة.
في تقريرها الصادر بعنوان "الإبادة وأفعال الإبادة الجماعية: تعمُّدُ إسرائيل حرمان الفلسطينيين في غزة من المياه"، قالت المنظمة إن الاحتلال حرَم الفلسطينيين من المياه اللازمة للحياة، ودمر البنية التحتية للمياه والصرف الصحي عبر قطع الكهرباء والوقود ومنع دخول المواد الأساسية اللازمة للإصلاح. ووصفت المديرة التنفيذية للمنظمة، تيرانا حسن، هذه السياسات بأنها متعمدة ومدروسة أدت إلى وفاة الآلاف بسبب الجفاف والمرض.
وأشارت المنظمة إلى أن الاحتلال واصل حصاره لقطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر 2023، حيث قطع الكهرباء والوقود وأوقف دخول الغذاء والمساعدات.
وأعلن وزير الجيش الإسرائيلي السابق، يوآف جالانت، في 9 أكتوبر: "لن تكون هناك كهرباء، ولا طعام، ولا مياه، ولا وقود، كل شيء مغلق".
وأوضحت أن محكمة العدل الدولية أصدرت في مناسبات عدة خلال عام 2024 تدابير مؤقتة تأمر الاحتلال بتوفير المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، بما يشمل المياه، والغذاء، والكهرباء، والوقود، لكن إسرائيل واصلت تجاهل هذه الأوامر.
وذكرت المنظمة أن سياسات الاحتلال دمرت نظام الرعاية الصحية في غزة، مما أدى إلى عدم تسجيل أو تتبع العديد من الوفيات الناتجة عن الأمراض والجفاف.
واستنادًا إلى مقابلات مع خبراء صحيين، رجحت المنظمة وفاة آلاف الفلسطينيين بسبب هذه السياسات، بالإضافة إلى أكثر من 44 ألف قتيل نتيجة الحرب.
وبيّنت أن القيود المفروضة على المياه أدت إلى انتشار الأمراض مثل الإسهال، والتهاب الكبد الوبائي أ، والأمراض الجلدية، والتهابات الجهاز التنفسي، وهو ما أثر بشكل خاص على الرضّع، والنساء الحوامل، والأشخاص ذوي الإعاقة.
كما أوضحت "هيومن رايتس ووتش" أن الحصار المستمر منذ 17 عامًا والإغلاق التام على غزة يشكلان عقابًا جماعيًا للسكان المدنيين، وهو جريمة حرب، ويعدان جزءًا من الجرائم المستمرة المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين.
ودعت المديرة التنفيذية للمنظمة الحكومات إلى وقف تسليح إسرائيل واتخاذ خطوات عاجلة لحماية المدنيين في غزة، بما يشمل فرض حظر على الأسلحة، فرض عقوبات مستهدفة، ودعم العدالة الدولية.