هل تحمل المخطوطات أسرارا لم يكشف عنها الزمن بعد؟!
تاريخ النشر: 16th, April 2024 GMT
توفر المخطوطات لمحة عميقة عن أهمية تاريخ وثقافة الشعوب والمجتمعات، وتسهم المخطوطات في فهم التطورات التاريخية والثقافية لفترة زمنية معينة، وتشير المخطوطات العمانية إلى مجموعة من النصوص والوثائق القديمة التي تم العثور عليها في سلطنة عمان، والتي تمتلك قيمة تاريخية وثقافية كبيرة، وتتنوع هذه المخطوطات بين النصوص الدينية والتاريخية والأدبية والعلمية، وتعتبر المخطوطات جزءا لا يتجزأ من التراث الثقافي للمجتمعات، والحفاظ عليها يسهم في الحفاظ على تراثها وهويتها الثقافية، وتشكّل المخطوطات مصدرا مهما للبحث الأكاديمي والدراسات التاريخية والثقافية واللغوية والدينية، حيث يمكن للباحثين استخدامها لفهم أعمق للمواضيع المختلفة، ويمكن أن تحتوي المخطوطات على نصوص أدبية وفنية تلهم الكتَّاب والفنانين والمبدعين لإنتاج أعمال جديدة.
وقال نصر بن ناصر البوسعيدي رئيس قسم التحقيق والحصر في دائرة المخطوطات بوزارة الثقافة والرياضة والشباب "أنشئت دائرة المخطوطات بموجب مرسوم سلطاني سامٍ أصدره حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد –طيب الله ثراه- تحت رقم ٧٧/١٢ الصادر في أبريل ١٩٧٩م وذلك إدراكا منه بأهمية الحفاظ على التراث الفكري لأهل عمان، وتوجد في سلطنة عمان عشرات الآلاف من المخطوطات العمانية التي كتبت بخط اليد وكتبها الأجداد في مختلف العلوم والمعارف، وتعكس المخطوطات العمانية مساهمة العماني في التقدم الحضاري بمختلف المجالات"، مضيفا "نعمل في دائرة المخطوطات على جمع وترميم ورقمنة المخطوطات والعمل على نشرها في كل أنحاء العالم من خلال المشاركات في المعارض الدولية والمحافل الثقافية.
وأوضح البوسعيدي أن دائرة المخطوطات تحتوي على معمل مختص لترميم المخطوطات ومعمل متخصص لتصوير المخطوطات رقميا، بالإضافة إلى وجود موقع إلكتروني يوفر المخطوطات بمبالغ رمزية وهو في طور التشغيل والتطوير.
وقال رئيس قسم التحقيق والحصر: "استطعنا جمع أكثر من 6 آلاف مخطوط، وأقدم هذه المخطوطات يعود عمرها إلى أكثر من 900 سنة وهو مخطوط عبارة عن مسائل فقهية وسير لمجموعة كبيرة من علماء سلطنة عمان ويعد مخطوطا نادرا جدا وسيتم طباعته ونشره في القريب العاجل، بالإضافة إلى وجود مخطوطات نادرة في علم الطب للطبيب العماني راشد بن عميرة الهاشمي الذي سجل في اليونسكو من ضمن الشخصيات العالمية المؤثرة في الطب ولديه مجموعة كبيرة من المؤلفات منها منهاج المتعلمين وفاكهة ابن السبيل وكان متخصصا في علم التشريح ولديه مخطوطات رسم فيها جسم الإنسان وشرّح فيها أعضاء الإنسان بشكل دقيق جدا". مشيرا إلى وجود مخطوطات في الأدب واللغة العربية والتاريخ، وهذه المخطوطات مهمة جدا كمخطوط الأنساب للعوتبي وتراث ابن رزيق، وهناك الكتب التاريخية المترجمة التي ترجمها العماني محمد أمين عبدالله مثل كتاب بريطانيا والخليج وكتاب الخليج بلدان وقبائل، بالإضافة إلى الكتب المتخصصة في علم الأنساب كالصحيفة العدنانية والقحطانية التي كتبها ابن رزيق وتم نشرها، بالإضافة إلى كتاب الشعاع الشائع في ذكر أئمة عمان كذلك لابن رزيق وكتاب عمان عبر التاريخ للشيخ سالم بن حمود السيابي.
وعرج البوسعيدي في حديثه على مخطوطات أدب الرحلات وأبرزها تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجبار، ويعد كتابا ثمينا وأول كتاب وإصدار عماني يطبع في أوروبا وتحديدا مطبعة النحلة وكان يتحدث عن رحلة السلطان برغش في عام 1875 وهو أول سلطان عربي يسافر في مهمة رسمية إلى أوروبا وتحديدا إلى بريطانيا، بالإضافة إلى مخطوطات مهمة في اللغة العربية وأشهرها مؤلفات العماني الخليل بن أحمد الفراهيدي ومخطوطات في الأدب كالدواوين الشعرية للكيذاوي وابن رزيق والخليلي والمعولي والستالي وأبو مسلم البهلاني وغيرها من الدواوين، وهي جميعها توضح قوة الشاعر العماني ولغته الشعرية الرصينة، وتملك الدار كذلك مجموعة كبيرة من المخطوطات الفقهية وعلوم القرآن والحديث والتفسير، ومن أهم المخطوطات الفقهية الأشهر في عمان مخطوط بيان الشرع لمؤلفه الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سليمان الكندي وهو من علماء القرن الخامس الهجري، توفي سنة 508 للهجرة، ويعتبر كتاب بيان الشرع من الكتب الفقهية الموسوعية ويقع في 72 جزءا وسيصدر قريبا إن شاء الله بعد أن عملت الوزارة على تحقيقه".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بالإضافة إلى
إقرأ أيضاً:
بائع السميت.. قصة تركية تتحدى الزمن
إسطنبول ـ هذه المدينة التاريخية التي تجمع بين حضارات الشرق والغرب، تعيش كل يوم على إيقاع حياة مليئة بالحركة والجمال، في خضم هذا الحراك، يظهر بائع السميت، المعروف باسم "فارس الشارع"، الذي يجوب شوارع المدينة حاملا معه عبق الماضي العريق ونكهة الحاضر المفعم بالحياة، فالسميت بالنسبة للأتراك ليس مجرد خبز، بل هو أحد أبرز رموز الحياة اليومية.
قديما، كان بائع السميت يبدأ يومه مع الفجر، حيث يُحضّر العجين بحبٍ وإتقان، ويزين عربته بألوان زاهية، ويرتدي طاقيته التقليدية، وبحلول الصباح الباكر، تنتشر رائحة السميط الطازج في الهواء، لتصبح دعوة لا تُقاوم للمارة، ومع نغمة صوته المميزة حين ينادي "سميت! سميت!" يصبح البائع جزءًا لا يتجزأ من الموسيقى اليومية في شوارع إسطنبول الصاخبة.
أما حاليا، ونظرا للطلب الكبير والصعوبة في الإنتاج، لا يقوم معظم بائعي السميت في إسطنبول بتحضيره بأنفسهم، بل يحصلون عليه من المخابز التي تقوم بإنتاجه بكميات كبيرة خلال ساعات الصباح الباكر.
عربة بائع السميت تجذب السياح الراغبين في تذوق نكهته الإسطنبولية المميزة (الجزيرة) عبق العثمانيين في كل لقمةيعود تاريخ السميت إلى زمن الإمبراطورية العثمانية، فقد كان جزءا من المأكولات الشعبية التي تتزين بها الأسواق القديمة، ويتميز بشكله الدائري المغطى بالسمسم المحمص، ويُحضّر من دقيق القمح والدبس، ليحصل على لونه الذهبي المميز.
وقد وثق الرحالة العثماني الشهير أوليا جلبي (1611-1682م) ذكر السميت وباعته الجائلين في كتابه الشهير "سياحت نامه" أو "كتاب الرحلات" خلال تجوله في إسطنبول في القرن السابع عشر الميلادي.
وأشار جلبي إلى وجود 70 مخبزًا متخصصًا في إنتاج السميت في المدينة، وكان هؤلاء الباعة جزءا أصيلا من مشهد الشارع اليومي، إذ يتنقلون بين الأحياء حاملين صواني السميت على رؤوسهم، يغطونها بمفارش ذي ألوان مبهجة للحفاظ على نظافته، وحمايته من أتربة الطرقات.
اشتهر باعة السميت بقدرتهم على تلبية حاجات العامة في وقت كانت الظروف الاقتصادية تتطلب توفير مأكولات سريعة وفي متناول الأيدي، ولا يزال السميط يحتفظ بمكانته كرمزٍ للأصالة والذكريات لدى الأتراك إلى يومنا هذا.
ومع مرور الزمن، تطورت طرق تحضير السميت، فظهرت نكهات جديدة كإضافة الجبن أو الزيتون، أو حتى الشوكولاتة. ورغم انتشار المحال المتخصصة في بيع أنواع السميت المختلفة، ظل البائع المتجول يحمل نكهة الماضي ويقدمها بحب للزبائن الذين يبحثون عن الأصالة في كل قطمة.
معدل التضخم أثر على سعر السميط (غيتي إيميجز) الأتراك والسميت.. عشقٌ لا ينتهييستهلك الأتراك ما يزيد عن 2.5 مليون قطعة سميت يوميًا في مدينة إسطنبول وحدها، مما يجعله أكثر المأكولات شعبية في البلاد. وينتشر آلاف الباعة الجائلين في عموم المدينة وأحيائها وأزقتها الضيقة، فهذا الخبز بالنسبة للأتراك أكثر من مجرد طعام.
كما أن باعته الجائلين يشكلون جزءًا من تاريخ المدينة العتيق، ونسيج الحياة الاجتماعية والاقتصادية بها، في رمزية بسيطة تصل الماضي بالحاضر في سيمفونية تعزف على طرقاتها بصورة يومية، حينما يتجمع المارة عند عربات السميت، الذي يتناولونه في الغالب مع كوب من الشاي الساخن، كأحد الطقوس اليومية التي لا غنى لهم عنها.
بائع السميط.. حنين إلى الماضي بكل تفاصيله (الجزيرة) عقبات وهمومووفقا لآخر الإحصاءات، فهناك نحو مليون بائع متجول في شوارع مدينة إسطنبول وحدها، من بينهم نحو 8 آلاف يعملون في بيع السميت، إلا أن هناك من أشار إلى أن العدد المذكور يعود إلى المسجلين قانونا لدى البلدية، وأن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير.
ورغم بساطته، إلا أن هذا الخبز التركي الدائري يعد من بين السلع التي أثرت عليها زيادة معدلات التضخم، وباتت القطعة التي كانت تباع إلى وقت قريب بنحو ليرة تركية واحدة، يتراوح سعرها اليوم بين 10 إلى 15 ليرة، ويختلف السعر حسب المنطقة وطريقة البيع.
وقفت إلى جانب أحد باعة السميت الذي يضع عربته المميزة بلونها الأحمر في ميدان إسكودار العتيق، عرفني على اسمه على أنه محمد أو "ميهمت" كما يلفظها الأتراك، قال إن هناك العديد من المشاكل التي تواجه الباعة الجائلين، ومن بينهم باعة السميت، أقلها صعوبة الطقس خاصة في فصل الشتاء، حيث يعملون في طقس مكشوف لساعات طويلة تصل أحيانا إلى 12 ساعة يومية، في ظروف جوية بالغة البرودة.
وعندما أشرت إلى الزيادة الملحوظة في سعر القطعة الواحدة، تكلم عن الزيادة في تكلفة المكونات الأساسية مثل الطحين والسمسم، الأمر الذي زاد من الضغوط على بائعي السميت المستقلين بالتبعية.
ورغم ما سبق، إلا أن المرونة التي يعمل بها بائع هذا الخبز الشهير، حيث يتنقل بعربته المميزة بين المناطق المزدحمة، جعلته يضمن أكبر قدر من المبيعات، كما أن الدولة أتاحت لهم استخدام المساحات العامة في الميادين والأسواق والشوارع الحيوية، كأحد المشاهد التراثية التي تجذب أنظار السائحين وزوار المدينة.
السميت موجدود بشوارع إسطنبول في كل الأوقات والظروف (رويترز-أرشيف) تجربة لا تنسىومهما ذكرنا من هموم ومشاكل، يبقى تناول السميت من بائع الشارع تجربة فريدة، تحمل نكهة الأصالة والتاريخ في كل لقمة، وقد بلغ من عشق الأتراك لهذا الخبز أن خلدوا بائعه فصنعوا له تمثالا شهيرا، يتمركز في أحد ميادين المنطقة التاريخية في حي إمينونو، بالقرب من السوق المصري، في ملمح جلي على أن بائع السميت، يحمل في جعبته حنينا إلى الماضي وذكرياته الخالدة.