عام من الحرب في السودان
يلزمني أن أعترف مثل غيري بأننا أخطأنا في تقدير قوات الدعم السريع. كان الظن أنها ستقاتل بشرف.

وأنها ستتقبل حقيقة فشلها في الاستيلاء على السلطة وتوقف مغامرتها عند ذلك الحد؛ قوة حاولت الانقلاب والسيطرة على البلد وفشلت أمام صخرة الجيش العنيدة، وتلقت إثر ذلك ضربة في صميم عظمها العسكري والإداري أفقدتها القيادة والسيطرة وبرهنت لها بوضوح استحالة الانتصار.

المنطقي والأخلاقي هو أن لا تتمادى أكثر وتتقبل حقيقة الفشل وتتحمل المسئولية لو أنها كانت قوة وطنية بالفعل وقلبها على البلد والشعب.

فالدعم السريع كقوة شبه نظامية قامت بمحاولة انقلاب على السلطة قد تم التصدي لها وتوجيه ضربة قاصمة لها. ولكن ما حدث بعد ذلك هو أن هذه القوة تحولت إلى مليشيا مسعورة منفلتة تقاتل بلا أي سقف أخلاقي أو وطني أو إنساني.

إنتشرت في الأحياء السكنية وفي المرافق الخدمية وبدأت في عمليات سرقة ونهب واغتصاب وقتل واحتلال للبيوت وتهجير أهلها واتخاذها ثكنات عسكرية. فإذا كان هذا هو الإنتصار والسيطرة فقد انتصرت مليشيا الدعم السريع بالفعل وسيطرت وما تزال توالي انتصاراتها إلى اليوم في قرى الجزيرة والنيل الأببض وكردفان ودارفور.

لقد صمد الجيش وتصدى لموجات الهجوم العاتية على مقراته واستطاع تدمير جزء كبير من القوات المهاجمة وأفشل المؤامرة تماما. ولكنه وجد نفسه لأول مرة أمام حرب لم يتوقعها من قبل؛ حرب وسط المدن والأحياء السكنية وفي قلب العاصمة.

صمدت القيادة العامة وصمد سلاح الإشارة وسلاح المدرعات ومنصع الذخيرة وسلاح المهندسين ووادي سيدنا وغيرهم وقدم المئات من الشهداء.

وبعد أن استيأست المليشيا من الانتصار على الجيش والسيطرة على العاصمة قامت بنقل الحرب إلى الأقاليم، إلى مناطق أكثر ضعفا يمكنها أن تحقق انتصارات سهلة. فأسقطت فرق نيالا والجنينة والضعين ولاحقا فرقة مدني.

وعلى الرغم من مرارة هذه الهزائم وكل ما تقوله عن وضع الجيش إلا أنها تؤكد حقيقة حاسمة وهي فشل المليشيا في معركتها الأساسية التي لو كانت نجحت فيها لما احتاجت إلى توسيع الحرب. فشلت في إسقاط قيادة الجيش وفشلت حتى في حصارها كما فشلت في إسقاط معسكرات المهندسين والمدرعات وغيرها. لقد صمد الجيش وامتص الصدمة بعزيمة الأبطال وتضحياتهم. لتبدأ بعد ذلك مرحلة الإنتقال من الدفاع إلى الهجوم وتحول اتجاه المعركة.
مرحلة الدفاع الطويلة التي خاضها الحيش لم تكن مجرد مرحلة سلبية، فخلالها تم استنزاف معظم قوة المليشيا التي تحولت من قوات شبه نظامية إلى مليشيات من المرتزقة من الأجانب والفزع القبلي، مجرد لصوص ومجرمين وقتلة بلا أي قضية.

الكلفة الكبيرة التي دفعها الشعب السوداني لم تكن بسبب الحرب ولكن بسبب جرائم مليشيات الدعم السريع. هذا هو الميدان الذي خسرنا فيه، خسر فيه الجيش والشعب وانتصرت فيه مليشيا الدعم السريع ومن يقف خلفها. لقد نجحت في تشريد المواطنين وقتلهم والتنكيل بهم بشتى الصور. ولكنها لم تهزم الشعب السوداني عسكريا ولم تهزم الجيش.

فشلت المليشيا في أهم هدف للحرب وهو تدمير العدو. الجيش صمد وازداد قوة وانتقل خلال عام من الحرب إلى الهجوم وحصار المليشيات ومطاردتها في كل السودان من دارفور إلى الخرطوم إلى الجزيرة وحيثما هربت سيلحق بها ويسحقها.

بعد عام من الحرب أصبحت الصورة واضحة وكاملة شعب وجيش يقاتلون في جهة، وخونة ومرتزقة ومجرمين في الجهة الأخرى. ولا أحد في السودان يتمنى أن تدخل مليشيا الدعم السريع إلى مدينته أو قريته، اللهم إلا إذا كان لصا يريد أن ينهب أو حاقدا يتمنى أن يرى المواطنين وهم يتعرضون للنهب والقتل والاغتصاب والتشريد، لأن هذا هو ما تقدمه المليشيات.
لقد خسر الشعب السوداني الكثير في هذه الحرب ولكنه كان سيخسر أكثر لو انكسر الجيش وانهزم، كان سيخسر كل شيء بما في ذلك أي أمل في المقاومة والخلاص.

عام من الحرب، الكثير من الخسائر والمآسي والموت والدمار، ولكن هناك أيضا الكثير من القوة والتقدم والإنتصار والأمل في مستقبل أفضل. لم يعد هناك خوف من الهزيمة أو شك في الانتصار. لم نعد نسمع أو نفكر في عدم قدرة الجيش أو في ضعف إمكانياته ولا في قلة جنوده، لم نعد نشك في وجود عدد كاف من المشاة لمواجهة أرتال الجنجويد التي كانت تهاجم معسكرات الجيش وأسلحته الأساسية. الجيش الذي كان محاصرا في مقراته قبل عام وقيادته محاصرة يتحرك الآن في كل مكان، لا تعرف المليشيات المشتتة، وفي ذهنها ضربة إذاعة أم درمان القاصمة، متى ولا أين ولا كيف سيوجه لها الضربة القادمة؛

ويعمل الجيش الآن مثل مكينة ضخمة لها إستراتيجية شاملة وخطة لكسب الحرب وإنهاءها بنصر ساحق، بينما تلاشت المليشيا وأصبح قادتها بين هارب ومختفي ومطارد ومحاصر أو مقتول أو مأسور أما جنودها فمجرد أوباش قتلة ولصوص ومجرمين لا يجمعهم شيء سوى الإجرام والخوف من المسيرات.

عام من الصمود، تخللته ملاحم وبطولات أسطورية سطرها أبطال الجيش والمجاهدين في بيت الضيافة وفي القيادة العامة، والمدرعات، والمهندسين، في بحري والكدرو والأبيض ونيالا وبابنوسة وغيرها. نسأل الله أن يتقبل الشهداء منهم ويشفى الجرحى. وقريبا بإذن الله ستضاف إليها انتصارات وشيكة في الجزيرة وفي الجيلي وفي دارفور وكردفان وفي العاصمة.
عام من الحرب ولو عدنا إلى ١٤ أبريل ٢٠٢٣ ألف مرة، فلن يكون أمامنا من خيار سوى #بل_بس. لا مجال للقبول بأوباش دقلو بأي حال من الأحول.

حليم عباس

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الشعب السودانی الدعم السریع عام من الحرب

إقرأ أيضاً:

قتلى وجرحى في اشتباكات عنيفة بين الجيش والدعم السريع بالفاشر

أفاد مصدر طبي للجزيرة بأن قصفا مدفعيا ثقيلا على مدينة الفاشر أدى إلى مقتل 3 مدنيين وإصابة 75، موازاة مع احتدام المعارك واضطرار مؤسسات إغاثية لإغلاق أبوابها.

من جهتها، قالت مصادر عسكرية للجزيرة إن قوات الدعم السريع تواصل القصف بالمدفعية الثقيلة على مخيم "أبو شوك" للنازحين وحي درجة أولي غربي مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.

وأضاف المصدر أن قوات الدعم السريع قصفت بالمدفعية مقر قيادة الفرقة السادسة بالجيش السوداني في الفاشر، وأعقبت القصف بهجوم بري.

كما أفادت مصادر عسكرية للجزيرة نت بأن الجيش السوداني وقوات الحركات المسلحة المشتركة تمكنا من التصدي لهجوم واسع شنته قوات الدعم السريع اليوم الاثنين على مدينة الفاشر.

وأوضحت أن هذا الهجوم يُعتبر الأشد من نوعه على المنطقة، التي تُعد المعقل الأخير للقوات المسلحة السودانية في دارفور، حيث يواجه السكان أوضاعا بالغة الصعوبة والتعقيد.

وقال العقيد أحمد حسين مصطفى، المتحدث الرسمي باسم القوة المشتركة، للجزيرة نت، إن المواجهات كانت عنيفة، حيث استُخدمت فيها أسلحة ثقيلة وخفيفة على 3 محاور.

وأكد أن الجيش السوداني والقوة المشتركة نجحا في الاستيلاء على 17 سيارة عسكرية وتدمير أخرى، بالإضافة إلى مقتل 245 عنصرا من قوات الدعم السريع وجرح 133 آخرين.

إعلان

وأشار مصطفى إلى أن قواتهم تصدت للهجوم بدقة، مما أدى إلى مقتل عدد كبير من المهاجمين وهروب آخرين، مضيفا "نحن مستمرون في جهودنا لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وسنواصل هذه العمليات لتضييق الخناق على المليشيات في كافة المحاور".

من جهته، قال المتحدث باسم مخيم زمزم للنازحين، جنوبي الفاشر للجزيرة، إن قوات الدعـم احتجزت 40 من العاملين في منظمة إغاثة دولية بينهم أطباء وعمال إغاثة، أثناء إجلائهم من المخيم.

ومنذ أكثر من عام، تسعى قوات الدعم السريع للسيطرة على مدينة الفاشر، التي تقع على بُعد أكثر من 800 كيلومتر (500 ميل) جنوب غرب العاصمة الخرطوم، حيث شنت هجمات متكررة على المدينة ومخيمين رئيسيين للنازحين الذين يعانون من المجاعة في محيطها.

وتأتي أعمال العنف الأخيرة في المدينة بعد أقل من شهر من الهجوم الذي شنته قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها على مخيم زمزم للنازحين، الذي يبعد 15 كيلومترا جنوب المدينة.

وأسفر هذا الهجوم عن مقتل 1500 شخص ونزوح مليون آخرين إلى مدينة الفاشر، وفقا لبيانات لجنة النازحين المحلية.

توقف تكايا

من جهة أخرى، أعلنت غرفة تكية الفاشر، التي تدير المطابخ الجماعية، اليوم الاثنين، عن توقف مؤقت لتقديم الوجبات بسبب القصف المدفعي العنيف وخروج جميع الأسواق في المدينة عن الخدمة.

وتعد تكايا الفاشر الوحيدة التي لا تزال تعمل في المدينة، وهي مصدر أساسي لإغاثة مئات الآلاف من الأشخاص المحاصرين، حيث توفر لهم وجبات منتظمة، بالإضافة إلى الدعم النفسي الاجتماعي في ظل تفاقم المجاعة التي فشلت منظمات الإغاثة الدولية في معالجتها.

وقال مسؤول التكايا محي الدين شوقار، للجزيرة نت، إن صعوبة الحركة نتيجة القصف المدفعي العنيف وخروج الأسواق عن الخدمة دفعتهم إلى اتخاذ قرار التوقف المؤقت عن تقديم الوجبات، مضيفا أن إيقاف العمل حتى تتحسن الأمور فرضه الحفاظ على أرواح العاملين.

إعلان

وأعرب العديد من النازحين في مدينة الفاشر عن قلقهم العميق إزاء توقف تكايا الفاشر عن تقديم الوجبات.

ويقول أحمد السالم -أحد النازحين- للجزيرة نت، إن هذه التكايا تمثل مصدر الغذاء الأساسي لمئات الأسر، خاصة النساء والأطفال في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها.

وأضاف أن هذا القرار سيزيد معاناة الجميع، حيث لا توجد بدائل متاحة في الوقت الراهن، خاصة مع الحصار المفروض على المدينة.

وفي حديثها للجزيرة نت، قالت ليلى حسن -إحدى النازحات- إن توقف التكايا عن الخدمة قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والنفسية بين النازحين، مما يزيد من معاناتهم.

وأضافت "كانت هذه التكايا بمثابة ملاذ للجميع، ودعت الجهات المعنية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان استمرار تقديم الوجبات، محذرا من أن أي تأخير سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية".

في السياق ذاته، قال مصدر عسكري بالجيش السوداني للجزيرة إن قوات الدعم السريع اقتحمت مدينة "الخِوَي"، في ولاية غرب كُردفان.

وأسفر الصراع المستمر في السودان منذ 15 أبريل/نيسان 2023 عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 14 مليونا.

مقالات مشابهة

  • عاجل | مصدر عسكري بالجيش السوداني للجزيرة: ارتفاع عدد الجنود القتلى في قصف مليشيا الدعم السريع بمدينة كوستي إلى 11
  • مليشيات الدعم السريع و الهرجلة الإعلامية عقب كل معركة يخسرونها و ما خلفها
  • هجوم على الفاشر ومجزرة في أم درمان وضربات للبنية التحتية.. الجيش السوداني يُحبط خطة شاملة لميليشيا الدعم السريع
  • الجيش السوداني: مقتل 41 مدنيا بقصف مدفعي للدعم السريع على الفاشر
  • طيران الجيش ينفذ ضربات جوية استهدفت مواقع قوات الدعم السريع في مدينة الدبيبات
  • الجيش السوداني: سقوط 41 مدنيا وإصابة عشرات بقصف مدفعي للدعم السريع في الفاشر
  • مليشيا الدعم السريع تدعو الجيش والقوات المشتركة الي إخلاء مدينة الفاشر
  • قتلى وجرحى في اشتباكات عنيفة بين الجيش والدعم السريع بالفاشر
  • الفاشر.. اشتباكات عنيفة بين الجيش و”الدعم السريع” وتوقف مطابخ خيرية
  • الخارجية: الحرب التي تخوضها ميليشيا الجنجويد بالوكالة عن راعيتها الإقليمية موجهة ضد الشعب السوداني ودولته الوطنية