الكتاب "ابن تيمية التاريخي والمُستعاد: مقاربة تاريخية تحليلية في موقف ابن تيمية من المختلِف الديني"
الكاتب: رائد السمهوري
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ـ الدوحة ـ 2024


يحتل ابن تيمية مكانة بارزة في تاريخ تطور الفكر الإسلامي عامة، والحركي منه على وجه الخصوص، بالنظر إلى ما أضافه من بعد عملي للفكر الإسلامي يرتبط بالتغيير الاجتماعي والسياسي، ويؤكد معطى مهما في تاريخ التحولات السياسية والاجتماعية، والتي تقوم بالأساس على وجود نخبة فكرية تستطيع أن تنظر للتغيير وتعد له.

.

ومع أن مسار الفكر الإسلامي عامة والحركي منه على وجه الخصوص، قد شهد في القرون التي تلت اجتهادات ابن تيمية تطورات مهمة إن على صعيد الإنتاج الفكري والديني والفقهي، أو على صعيد التجارب السياسية، فقد ظل فكر ابن تيمية علامة بارزة في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، ولا زال المعنيون بالفكر الإسلامي يمتاحون اجتهاداتهم الفكرية والفقهية مما قدمه ابن تيمية، إضافة حينا ومراجعة ونقدا حينا آخر.

في هذا الإطار تنشر "عربي21" ملخصا لكتاب "ابن تيمية التاريخي والمُستعاد: مقاربة تاريخية تحليلية في موقف ابن تيمية من المختلِف الديني"، لكتابه الباحث رائد السمهوري، بالتزامن مع نشره في موقع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

ابن تيمية التاريخي والمُستعاد

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب "ابن تيمية التاريخي والمُستعاد: مقاربة تاريخية تحليلية في موقف ابن تيمية من المختلِف الديني"، من تأليف الباحث رائد السمهوري، وهو كتاب تركّز فصوله الخمسة على مناقشة فكرة ذات جدّة عن ابن تيمية وهي مواقفه من "المختلف الديني" كما يجب أن تُفهم في عصره الذي عاش فيه لا في عصرنا الحالي. يقع الكتاب في 568 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.

لرائد السمهوري تجربة مماثلة مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في كتاب يخص الإمام أحمد بن حنبل بعنوان السلف المتخيل: مقاربة تاريخية تحليلية في سلف المحنة ـ أحمد بن حنبل وأحمد بن حنبل المتخيل سماه فيه هو وأتباعه "سلف المحنة"، وهي محنة "خلق القرآن" التي ثبت لها الإمام أحمد ثبات الجبال برغم العذاب، حتى أورد الذهبي في تذكرة الحفاظ نقلًا عن علي بن المديني قوله: "إن الله أيَّدَ هذا الدين بأبي بكر الصديق يوم الردة وبأحمد بن حنبل يوم المحنة"، واليوم يطل السمهوري من خلال المركز أيضًا على قرائه بـ "أحمدَ حنبليٍّ" آخر ولكنْ من المتأخرين، هو الشيخ الفيلسوف، المتكلم، الفقيه، "شيخ الإسلام"، والمصلح الديني والاجتماعي أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (ت. 728ه)، في كتاب ابن تيمية التاريخي والمُستعاد: مقاربة تاريخية تحليلية في موقف ابن تيمية من المختلِف الديني، بعد سبْقِ خوْضٍ وتأليف له في شخصية ابن تيمية في كتاب سابق سمّاه نقد الخطاب السلفي: ابن تيمية نموذجًا (لندن: دار طوى، 2010).

افتراق "الأحمدين"

وأحمد الثاني هو كالأول شهرةً، إن لم يكن فاقه فيها، فقد تجاوزت مؤلفاتُه المئةَ، بسط فيها القولَ، وأصَّلَ فأجاد، ومدّ حبال الردّ والجدل في أحد أكثر العصور تعقيدًا، سياسيًّا واجتماعيًّا وعلميًّا، فيه شهد العالم الإسلامي غزوات الفرنجة والصليبيين والتتار والمغول، وانتشر المنطق الصوري اليوناني والفلسفة المشائية والإشراقية وعلمَا الكلام المعتزلي والأشعري، اللذان تغلغلا في بنية الثقافة العربية والإسلامية والعلوم اللغوية والشرعية، كما اخترقت الفلسفة السينويةُ الخطاب العقائدي الأشعري المتأخر، واستقرّت المذاهب الفقهية الأربعة وتجذّرت بعمق حتى لم يعد متصوَّرًا تجاوزُها ولو في مسألة واحدة... ما حتَّمَ تجاوزَ ابن تيمية صراع إمام مذهبه ابن حنبل مع جهة واحدة هي "الجهمية" التي تسللت إلى الحكم العباسي وأقنعته بفرض عقيدة خلق القرآن على المسلمين، إلى النزاع مع كل من الفلاسفة والمتكلمين والفقهاء والصوفية والنصارى... وغيرهم، وحتى من الحنابلة أنفسهم لم يَسْلَموا من نقده مع كونه منهم، وتركّز جهدُه بأكمله على تحديد "أهل السنّة الحقيقية، الكاملة غير المشوبة ببدعة، وبيان منهج السلف الصالح قبل طروء علم الكلام وما نتج عنه من أهواء وعقائد فاسدة، إظهارًا للدين القويم، ودفاعًا عنه تجاه شبهات الخصوم"، في وقتٍ كانت الدويلات حول الدولة الإسلامية مذهبيةً، كالدولة الفاطمية شيعية سبعية، والبويهية شيعية زيدية، والسلجوقية سنية أشعرية، والتتارية الإيلخانية اثني عشرية..

من هو ابن تيمية؟ ما سياق عصره التاريخي والاجتماعي والسياسي؟ كيف استطاع موضعة نفسه في شبكة الصراعات السلطوية الداخلية والخارجية؟ كيف استوعب مفهومَ "السلف" وعرّفه ووظّفه؟ كيف أصَّلَ قواعد التعامل مع أبرز الطوائف الدينية في زمنه تنظيرًا، وكيف زاول ذلك تطبيقًا؟ وأي أسلوب انتهج؟ كيف تعامل مع المختلفين من المسلمين ومع غير المسلمين؟ هل في الإمكان إعادة إنتاج ابن تيمية وتمثّلُه وتخيُّلُه في زمننا؟وهكذا، فلا بد من تنقية عقيدة أهل السنّة و"كيانهم السياسي" لئلا تفرِّخ الباطنية فيه، وعلى هذا الأساس صنّف ابن تيمية مؤلفاته، ولأجل هذا سمى السمهوري ابن تيمية وأتباعه "سلف المفاصلة". إن ابن تيمية أوسع علماء المذاهب جدالًا وردًّا ونقدًا ونقضًا على الإطلاق، تشهد على هذا جميع كتبه، بل ربما يصح الادعاء أنه أفرغ حياته كلها لهذا الهدف، إلى درجة أننا نستطيع القول بوثوقية إنه كان حالة لا سلف ولا خلف لها في هذا.

مقاربةُ شخصيةِ ابن تيمية

يجيب الكتاب ذو الفصول الخمسة ابن تيمية التاريخي والمُستعاد عن أسئلة ملحّة وأساسية، مثل: من هو ابن تيمية؟ ما سياق عصره التاريخي والاجتماعي والسياسي؟ كيف استطاع موضعة نفسه في شبكة الصراعات السلطوية الداخلية والخارجية؟ كيف استوعب مفهومَ "السلف" وعرّفه ووظّفه؟ كيف أصَّلَ قواعد التعامل مع أبرز الطوائف الدينية في زمنه تنظيرًا، وكيف زاول ذلك تطبيقًا؟ وأي أسلوب انتهج؟ كيف تعامل مع المختلفين من المسلمين ومع غير المسلمين؟ هل في الإمكان إعادة إنتاج ابن تيمية وتمثّلُه وتخيُّلُه في زمننا؟

أما دراسة الكتاب، فإنها تمخر عباب الدين وأصوله، والشريعة وأحكامها، والقراءة التاريخية لزمان ابن تيمية بوصفها عدسةً منهجية لفهم الأحداث ومواقف الرجل وأقواله الناتجة منها فهمًا أقرب إلى الصواب، فمن يتخذ زماننا عدسةً لـ "تخيّل" ابن تيمية وأتباعه وخصومه فإنه يختزل "الشيخ الكبير"، وبخاصة حين ينزع فتاواه وتصريحاته من سياقاتها التاريخية وينزّلها على زمانه كما هي، فتخرج مشوّهة غير ناضجة ولا مكتملة، كأن يأخذ فتاوى ابن تيمية في النصيرية ويُسقطها على نصيرية اليوم وهم غير نصيرية الأمس، وسبب فتواه فيهم مختلف عن سياق حالهم اليوم، وكأن يأخذ بعضُهم فتواه ضد التتار فيُسقطها على بعض الأنظمة السياسية اليوم من منطلق مذهبي، كعبد السلام فرج في الفريضة الغائبة، من دون حتى اطلاع كافٍ على السبب الرئيس لفتوى ابن تيمية تلك في التتار، وهو غزوهم دمشق مرات، وليس مذهبهم، الذي ذُكر لديه بالعرَض لا بالذات؟ فهل هناك فرقٌ في الجنس أو النوع بين المماليك والتتار؟ هل انفرد التتار وحدهم بتطبيق الياسق أم كان المماليك أيضًا يطبّقونها؟ ولماذا لم يعامل ابن تيمية النصارى معاملة واحدة، بل تفاوتت مواقفه تجاههم بين الشدة تارةً واللين أخرى؟ كل هذه الأسئلة التاريخية شكلت صُلبَ هذه الدراسة.

العنف والتكفير

أكثر ما يُستحضر فيه ابن تيمية راهنًا مسألةُ العنف والتكفير وغيرهما، ولهذا جُعلَتْ مناقشتُها هي الأساس في قسم مهم من هذا الكتاب، وكذا لأن طرح مسألة "المختلِف دينيًّا" وكيفية التعامل معه في عالمنا العربي المتنوع طائفيًّا اليوم بات أمرًا على درجة عالية من الإلحاح، بعد علوّ صوت الطائفية والمذهبية والعقدية في البلدان العربية، بين سنّي وشيعي وإسماعيلي ودرزي وزيدي وإباضي، ومسلم ومسيحي، وأشعري وسلفي، فضلًا عن تعامل المسلم مع غير المسلمين، من اليهود واليزيديين وطوائف أخرى موجودة في المنطقة منذ مئات السنين، وكان لبعضها أحيانًا تأثير في التاريخ الإسلامي، وساهمت في التراثين الكلامي والفقهي.

اسم "شيخ الإسلام" ابن تيمية الحرّاني بات اليوم ملاذًا للحركات الإسلامية السنّية عمومًا، والجهادية منها على وجه الخصوص، إضافة إلى استدلال كثير من الفقهاء والعلماء التقليديين بأقواله في فتاواهم بعد ما عُرف بـ "الصحوة الإسلامية"، وحرب أفغانستان وإفرازاتها المدوية، ثم أحداث العراق، والصومال، وسوريا، وليبيا، ومصر، والسعودية.. وغيرها، ومعظم تلك التيارات ترجع إلى تفسير فكر ابن تيمية بطريقتها الخاصة، وتختلف في هذا التفسير إلى درجة التكفير المتبادل والاقتتال، كما جرى بين جبهة "النصرة" وتنظيم "داعش" في سورية، والأمثلة غير ذلك كثيرة، وما ذلك إلا لأن من فتاوى ابن تيمية ما يوحي بالتناقض، فنجده تارة يصف بعض الشيعة بأنهم "أكفر من اليهود والنصارى"، كما في منهاج السنة (ج 3، ص 374): "وأما عصمة الأئمة فلم يقل بها - إلا كما قال - الإمامية والإسماعيلية. ناهيك بقولٍ لم يوافقهم عليه إلا الملاحدة المنافقون، الذين شيوخهم الكبار أكفر من اليهود والنصارى [والمشركين]، وهذا دأب الرافضة دائمًا"، وهو نص بتكفير "شيوخهم الكبار" دون عامّتهم، كما أن لابن تيمية كلامًا مناقضًا في موضع آخر (الفتاوى الكبرى، ص 516) يقول فيه: "من كان مؤمنًا بما جاء به محمد eفهو خير مِن كل مَن كفر به وإن كان في المؤمن [...] نوعٌ من البدعة، سواء كانت بدعة الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية [...] والمبتدع إذا كان يحسب أنه موافق للرسولe [...] لم يكن كافرًا به، ولو قُدر أنه يكفر فليس كفره مثل كفر من كذّب الرسول"، فمن أراد تكفير عموم الشيعة "انتقى" مِن قولَيه الأولَ وتغاضى عن الثاني، ومن أراد تبرئة ابن تيمية من تكفير أحد من أهل القبلة "انتقى" هذا القول له وتغاضى عن تكفيره الفارابي وعبد الحق بن سبعين والتلمساني، ومن أراد وصمه بالتكفير العام تجاهل قوله في المنهاج (ج 2، ص 452): "الإمامية الاثنا عشرية [...] مع [فرط] جهلهم وضلالهم فيهم خَلْقٌ مسلمون ظاهرًا وباطنًا". وحتى أتباع ابن تيمية من السلفيين أنفسهم "انتقَى" بعضهم من كلامه ما يبدّعون به ويفسّقون كل من ينتقد وليّ الأمر، بينما "انتقى" الجهاديون منهم من كلامه ما يفيد وجوب الخروج بالسلاح على الحكّام الذين لا يطبّقون الشريعة.

الحاجة إلى دراسة الرجل على قدر مكانته

تفتقر المكتبة العربية إلى دراسات غير تقليدية وغير متحيِّزة وانتقائية لفكر العالم الكبير ابن تيمية، بعيدًا عن الأطر المذهبية والطائفية وردود الطوائف عقديًّا وثقافيًّا، كما تتسم بنظرة جديدة "تستلهم" المنهج التاريخي المناسب لصراعات عصره السياسية والاجتماعية؛ فمؤلفات ابن تيمية كانت مناسباتية وسياقية وذات دوافع مرتبطة بأحداث، بعبارة أخرى: تحتاج المكتبة العربية إلى نظرة تحرر ابن تيمية من عصرنا وتضعه في عصره وسياقه، للوصول إلى مقاربةٍ أدقّ لفكرة يجري فيها تجاوز ما ينبغي تجاوزه مما لا يصلح لزماننا من آرائه، فلكل زمانٍ مشكلاته. وقد تأرجح كتاب ابن تيمية التاريخي والمُستعاد منهجيًّا بين طريقتين: الأولى تحقيب حياة ابن تيمية وحشد الآراء بما يوافق حوادث تلك الحقب، وفيها عقبات؛ إذ الأقل فقط من مؤلفاته معروف التاريخ، ولا انقطاعات واضحة في مسيرته العلمية وآرائه الفلسفية والكلامية، لذا قام الكتاب بتخصيص فصل لتأريخ حياة ابن تيمية يرصد تشابك علاقاته السياسية والاجتماعية، ويضيء على ظروف سجنه مرات متعددة، في أوقات كان لابن تيمية فيها أنصار من الأمراء وذوي السلطة هم في صراع مع أمراء آخرين يناصرهم علماء أيضًا، والثانية تأريخ طوائف خاض معها سجالات غزيرة، لأجل إفهام القارئ الخطوط العريضة لأسباب اتخاذ ابن تيمية مواقفه منها. وقد جُمعت معلومات الكتاب "التاريخية" من عصر المماليك وما قبله بقليل، وصراعهم مع "الصليبيين" والإسماعيلية الباطنية، ثم مع التتار الاثني عشرية في دولتهم الإيلخانية، كما تضمّنت كلامًا عن مرحلة "نهوض" أهل السنّة منذ أبي حامد الغزالي، عبر المدارس السنّية التي كانت أشبه بمحاضن أيديولوجية ذات هدف أساس هو مواجهة الباطنية والصليبيين، كما عادت الدراسة إلى ما كتبه ابن تيمية ومعاصروه لجمع أقواله في المخالفين، من مسلمين وغير مسلمين، وربطها بأحداث زمانها، إذ لا يمكن فهم آرائه في التتار مثلًا - وكانوا شيعةً حديثي عهد بإسلام - من دون فهم الصراع والحروب في ذلك الوقت بين الدولة الإيلخانية التترية الشيعية ودولة المماليك الأشعرية السنّية، أو فهم موقفه من "النصيرية" من دون الاطلاع على تعاونهم مع التتار والصليبيين ضد المماليك.

"فجوة" في دراسات منهج ابن تيمية

ولِفِقْه منهج ابن تيمية، جمع الكتاب القولَ إلى شبيهه، والرأيَ إلى نظيره، وقارن ذلك بمواقف "شيخ الإسلام" العملية، وسجَّلَ أيَّ تناقض واضح ونبّه إليه على الطريقة التقليدية الاستقرائية، وبرغم ذلك اعترضته "فجوة" علمية تمثّلت في عدم إيجاد دراسة في المكتبة العربية تولّت هذه المهمة تحديدًا، في خضمّ دراسات يصعب إحصاؤها عنه تناولت مواقفه من "المختلف الديني عن أهل السنّة"، القريب منه كالأشعرية والمعتزلة والصوفية والشيعة وغيرهم، والبعيد كاليهود والنصارى والفلاسفة وغيرهم؛ إذ لم تتناول أي دراسة بالتفصيل رأيه في مقوّمات "المختلف"، ودرجات اختلافه، وترتيب ابن تيمية إياه من حيث قربه من "أهل السنّة" وبعده عنهم، وأسباب ذلك تاريخيًّا وسياقيًّا واجتماعيًّا، بل ركّز جُلُّ تلك الدراسات على بيان مواقفه العقائدية التي تهدف إلى بيان حقيّة مذهب أهل السنّة وبطلان المذاهب الأخرى. ومع عدم إغماض ما تحويه هذه الدراسات من فائدة، إلا أنها لا تربط ذلك بسياق عصر ابن تيمية أو تتطرق إلى الأوضاع التاريخية والسياسية فيه أو إلى العوامل السياسية والتاريخية التي جعلته يطلق فتاواه كما تتوخى دراسة الكتاب الذي بين أيدينا.

دراسات قليلة ذات صلة بموضوع الكتاب

يشير السمهوري في مقدمة كتابه ابن تيمية التاريخي والمُستعاد إلى أن من أهم الكتب وثيقة الصلة بموضوع بحثه كتاب جمال باروت حملات كسروان: في التاريخ السياسي لفتاوى ابن تيمية، الذي يقول إن له الفضل في تنبيهه إلى القراءة التاريخية، وإن له صلة شديدة بموضوع البحث وإن كان منصبًّا على هوية جبل كسروان فحسب ولم يتطرق إلى غيره، على عكس دراسة كتاب ابن تيمية التاريخي، التي تسعى لتوسيع أفق البحث لتشمل "المختلف" القريب والبعيد كليهما بجميع أطيافهما الفاعلة في عصره. وكذا كتاب في الإجابة عن سؤال: ما السلفية؟ لعزمي بشارة، ولا سيّما من حيث القراءة التاريخية وعدم إغفال الفروق بين السلفيات من وجهة نظر سوسيولوجية وسياسية، وإن كان كاتبه قد اهتم فيه بالسلفية في الزمن المعاصر تحديدًا.

لا بد من تنقية عقيدة أهل السنّة و"كيانهم السياسي" لئلا تفرِّخ الباطنية فيه، وعلى هذا الأساس صنّف ابن تيمية مؤلفاته، ولأجل هذا سمى السمهوري ابن تيمية وأتباعه "سلف المفاصلة". إن ابن تيمية أوسع علماء المذاهب جدالًا وردًّا ونقدًا ونقضًا على الإطلاق، تشهد على هذا جميع كتبه، بل ربما يصح الادعاء أنه أفرغ حياته كلها لهذا الهدف، إلى درجة أننا نستطيع القول بوثوقية إنه كان حالة لا سلف ولا خلف لها في هذا.كما يشير السمهوري إلى دراسات اقتربت من موضوع دراسته ولم تُصبها، كدراسة عائض الدوسري موقف ابن تيمية من الآخر، التي غلبت عليها نزعة المديح والدفاع غير الموضوعية والانتقائية، فانتمت بوجهٍ ما إلى المتخيَّل، وكتاب محمد أبو زهرة ابن تيمية: حياته وعصره - آراؤه وفقهه، الذي ذكر فيه أحوال عصر ابن تيمية الاجتماعية والسياسية والعلمية لكنه لم يربط فتاواه ومواقفه بتواريخها إلا في وقعة جبل كسروان، وأكثر مصادره كانت من كتاب ابن كثير. وذكر السمهوري من المصادر رسالة عبد الحكيم أجهر "التأسيس الفلسفي للتسامح في الإسلام، ابن تيمية نموذجًا"، التي وإن كانت ذات صلة بموضوع الكتاب في نواحٍ معينة، إلا أن لمؤلفها فيها شطحات فكرية ترى لابن تيمية أفكارًا مأخوذة من محيي الدين ابن عربي، وأن ابن تيمية كان يقول بمشيئة الله الكونية التي اقتضت أن يكون في العباد كفار ومؤمنون أقرّ الله دروبهم بالقدر الأول وغيرهما، وبذلك جعلت هذه الرسالة من ابن تيمية مجبرًا. ثم يزداد إغراب مؤلف الرسالة حين يقرّ بحقيقة أن ابن تيمية كان متشددًا في التكفير.

ومن الدارسات الأجنبية المهمّة كتاب المستشرق الفرنسي هنري لاوست بعنوان نظريات ابن تيمية في السياسة والاجتماع ولا سيما الجزء الأوّل منه، إذ تناول بعمق البيئة التي نشأ فيها ابن تيمية، ووضع يده على كثير من الجوانب التاريخية والاجتماعية والسياقية في عصره، ودراسة دونالد ليتل Donald Little "اعتقالُ ابنِ تيميةَ ودلالتُه في التاريخ والتأريخ" (ترجمات، مركز نهوض للدراسات والبحوث، (https://bit.ly/3ZwGrlGK، وفيها آراء مفيدة حول ظروف اعتقاله، وقيمة تاريخية تكمن في التفريق بين فئات المؤرخين الذين عاصروا نزاع ابن تيمية وخصومه، ودراسة أخرى لليتل نفسه بعنوان "هل كان في عقل ابن تيمية لوثة؟"Did Ibn Taymiyya Have a Screw Loose? ، التي وإن رآها السمهوري مفيدة فإنه يأخذ عليها أنها اكتفت بجانب التحليل النفسي لابن تيمية دون الجانب التاريخي والظروف والسياقات الاجتماعية؛ ما يشكل في نظره "فجوة علمية". وهناك كتاب لمجموعة باحثين من جامعة أكسفورد بعنوان Ibn Taymiyya and his Times قال السمهوري إنه استفاد من بحوث كل من كاتبِيه في وجه من الوجوه. وأخيرًا يذكر السمهوري مؤلفات الباحث الإنكليزي المختصّ بابن تيمية في الأكاديمية الغربية جون هوفر Jon Hoover وكتابه Ibn Taymiyyah ضمن سلسلة Makers of the Muslim World، الذي عرّج فيه على أهم المحطات التاريخية في حياة ابن تيمية، وما أَلَّف فيها، وفسّر محنة ابن تيمية في فتواه في الطلاق كما شرح بعض آرائه وفتاواه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب ابن تيمية كتاب عرض ابن تيمية كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة کتاب ابن فی کتاب وإن کان فی عصره على هذا فی هذا

إقرأ أيضاً:

جامع حٍسْلْ .. منارة تاريخية بحاجة للحماية من الاندثار

الثورة نت/ إسكندر المريسي

في بلد غني بالمآثر والآثار التي تحمل سمات وعناوين حضارات موغلة في القدم، من الطبيعي أن نكتشف كل يوم معلما جديدا يفتح من خلاله نافذة ضوء تكشف لنا تفاصيل الحضارة التي شيدها الأجداد في هذه الأرض.
اليوم نسلط الضوء على جوهرة حقيقية ماتزال شامخة حتى اليوم في مديرية السبرة بمحافظة إب ، وبالتحديد في قرية حسل وسط عزلة مطاية، ويعد من أقدم الجوامع في العالم، ومن أوائل الجوامع في اليمن بعد الجامع الكبير بصنعاء وجامع الجند، غير انه لم يسلط عليه الضوء خلال القرون الماضية ربما لصغر مساحته.
فحتى اليوم مايزال جامع حسل يحمل رائحة ونفس عصر النبوة وجلال صحابة النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حيث يعود بناءه الى السنة السادسة عشر للهجرة النبوية، كما توضحه المخطوطات التي عُثر عليها في جدران الجامع وتم الاحتفاظ بها حتى الان.
وينسب جامع حٍسْلْ ، بكسر الحاء وسكون السين واللام، الى الصحابي الجليل الذي سميت القرية باسمه، ولكن المصادر لم تحدد ايهما صاحب الجامع هل الصاحبي حسل بن خارجة أم حسل العامري، خاصة وهناك قرية أخرى في منطقة الصلول وصاب العالي محافظة ذمار تحمل نفس الاسم.
وهنا من المهم الإشارة الى تاريخ القرية قبل الإسلام، حيث كان يطلق عليها مدينة مكارد نسبة الى الملك الحميري مكارد الذي أقام مملكته في تلك المنطقة التي ماتزال تحتفظ بالكثير من الاثار وأسماء الأماكن والجبال التي تدل على تلك المملكة.
وبحسب النقوش والاثار التي ماتزال المنطقة زاخرة بها، كان يشار الى تلك القرية بـ “مدينة مكارد برأس وادي النار” ويرى المؤرخون ان وصف الوادي بهذا الاسم جاء نتيجة لانفتاحه على الشرق والغرب، ما يجعله يشهد دورة حياة الشمس اليومية كاملة منذ لحظة ولادتها صباح كل يوم وحتى احتضارها في لحظات الغروب الأخيرة.

بناء على النمط النبوي الشريف

رغم احتفاظ الجامع بالنمط الإسلامي القديم الا ان بناءه في أرض شهدت حضارة كبيرة اضافت عليه مكونات وتفاصيل مكنته من الصمود لقرون من الزمن، كاستخدام الحجر الأحمر والأسود في بناء جدرانه ووضع مادة القضاض على الجدران من الداخل والخارج لتزيده تماسكا وصلابة.

وتقع مساحة الجامع الداخلية على ٩٫٢٠ متر × ١١٫٧٠ متر، عرضا وطولا، تنتصب داخله ٨ أسطوانات حجرية (دعامات) شامخة منذ أكثر من الف وأربعة مائة عام، لم تنل منها التغيرات المناخية ولا عوامل التعرية ولا امتداد الزمن .. صامدة وامينة تؤدي مهمتها في حمل سقف الجامع المكون من اخشاب متنوعة.
اما السقف فيتكون من مربعات خشبية كبيرة، تصل بين دعامات الجامع الحجرية، فيما يحتوي المربع الواحد على خشب أقل سماكة وخشب صغير يربط فيما بينها وألوح خشبية تغطي تلك المربعات وجميعها تكون السقف الذي يحمل القضاض المكون منه سطح الجامع.

حكمة وفرادة في التفاصيل الداخلية

يمتلك جامع حسل بابان أحدهم جنوبي وهو الباب الكبير، والأخر شرقي وهو الباب الصغير، ويقع في ثلث الجدار إلى جهة اليسار، وما يميز هذا الباب هو وجود نافذة صغيرة بجانبه كان الأهالي يعرفون من خلالها تعاقب فصول السنة ومواسم الزراعة والحصاد عبر اشعة الشمس التي تدخل من النافذة وتتحرك بين برجين وما بينهما يسمى المقر، وهنا تتجسد حكمة اليمني التي جاءت خلاصة لحضارات متعاقبة شهدتها اليمن.
وأما الباب الجنوبي فقد كان يتميز بعقد داخلي ومردم حجري ، وعلى يساره نافذتين محكمتين بالواح خشبية نقش على مردم احداهن تاريخ ترميم الجامع.
وتحتوي جدران المجامع عدد من النوافذ الخشبية القديمة وخزنات للمصاحف و وضع السراج، ويتوسط الجامع محراب يتكون من عقدين وليس فيه مقدمة بارزة إلى خارج الجدار ، وعلى يمينه كان المنبر المكون من ٣ درجات من الحجر والطين المطلي بمادة النورة.
وهنا يعتقد الأهالي بانه ليس المنبر القديم لأن الأجزاء القديمة من الجامع كانت مدعمة بمادة القضاض وليس النورة، كما ان الأجزاء الداخلية التي اعيد ترميمها عام ١٣٢٨ه‍ تم استخدام الطين والنورة، ما يعزز احتمالية خضوعه للتجديد بعد انهدام سقف الجامع وبعض الجدران التي خضعت للترميم.

المسجد من الخارج

لا تختلف تفاصيل الجامع من الخارج عنه في الداخل من حيث كثر التفاصيل واللمسات الإبداعية، بالإضافة الى المرافق التي تحيط بالجامع من جميع الجهات.
فهناك عند الجهة الجنوبية ما يسمى بـ “السحاية ” والتي تستقبل مياه الامطار القادمة من سطح الجامع ثم يصب منها الى البركة الصغيرة.. وبالقرب منها في الجهة الجنوبية الغربية من ساحة الجامع كان هناك مبنى مكون من دورين مخصص لتعليم الأطفال يسمى المعلامة.
لكن مع الأسف طالت يد الإهمال مبنى المعلامة حتى تهدمت بشكل كلي، وتم الاستفادة من احجارها في عملية ترميم الجامع، بعد ان مرت بمرحلة إعادة بناء على شكل عرفة واحدة فقط، كانت مخصصة لاستقبال عابري السبيل القادمين من خارج القرية بدلا عن استقبال الأطفال لتعليمهم القراءة والكتابة والقران والنحو.
كما كان يحتوي الجامع على المساحات المقضضة والشواهد التي تشبه شواهد القبور والميازيب الحجرية، وأيضا سلم حجري عبارة عن احجار بارزة على جدار الجامع، بالإضافة الى درج من جهة القبلة يصعد إليها المؤذن ليؤذن للصلاة ويسمى “الزابور”، وقديما كان الجامع أربعة رواقات يتوسطها شماسي يدخل من خلاله الضوء ويمتد منه أرضية الشماسي ممر صغير لتصريف مياه الامطار، لكنه تم ردم الشماسي وتغطيته لاستغلال المساحة بعد زيادة عدد رواد الجامع.

بركتان وساقية وسرداب

انعكاس البُعد الحضاري اليمني على البناء الإسلامي كان واضحا من خلال نمط البناء والمرافق المصاحبة للمساجد مثل برك الماء والسواقي والسراديب المبنية بإتقان، وذلك كله لخدمة المساجد وروادها.
وباعتبار جامع حسل واحد من اقدم الجوامع في اليمن، وبُني في منطقة متميزة بالتراكم الحضاري نتيجة الممالك التي نشأت فيها، فقد حرص احفاد ملوك حمير من أبناء حسل بان يوفروا لجامعهم جميع المرافق التي تسهل على الناس إقامة صلواتهم كما امرهم دينهم الإسلامي.
ولذا فقد بناء احفاد الملك مكارد بركتين على نظام الصهاريج لاستقبال المياه وحفظها، بحيث تصب البركة الصغيرة في البركة الكبيرة.
ولم يكتف الأهالي بمياه الامطار لتوفير مياه الوضوء، بل استغلوا خبرتهم وعصارة الحكمة اليمانية وبنوا سردابا وساقية ودعموها بمادة القضاض لجلب المياه من عين ماء تم حفرها في جبل مجاور وبالتحديد من مكان يسمى جعفر.
وحين تمتلئ البركة الصغيرة بالمياه ينتقل الماء عبر عين منقورة على حجر الى البركة الكبيرة التي تقع اسفل البركة الصغيرة، وتحتوي البركة الكبيرة على سلم وفتحة اسفلها تستخدم لتصريف المياه، ثم يتم سدها بقطعة خشبية، وقد تم تصميم هذه الفتحة بطريقة فنية بحيث لا يستطيع احد فتحها من الخارج لأنه تم نحتها بشكل ملتوي.

وفي القرب من ركن البركة ما يسمى ( بالمسفح ) وهو المكان الذي يفيض منه الماء إلى حوض في الأسفل، كان يستخدم الحوض لسقي الابقار والجمال والخيول والبغال والحمير، وعندما يفيض الماء منه يمر عبر ساقية حتى يصل الى قرية القرانة المربوطة بقرية حسل والتي كانت تحتوي على قبة وبركتين.
لكن مع الأسف لقد طالت يد الإهمال هاتين البركتين ولم يبقى منهن سوى ثلث جدار واحدة من البرك، وبنى احد الأهالي منزل في ذلك المكان الذي يسمى القبة.
مطالبة بالتدخل الرسمي للحفاظ على الجامع

لقد حرص الأجداد على احاطة جامع حسل بسور حجري ومساحة مقضضة لتوفير اكبر قدر من الحماية للجامع خاصة من السيول والحيوانات، لكن هذه الاسوار والمساحات مهما كان قوتها لا تستطيع ان تصمد أمام تعاقب القرون خاصة في ظل اهمال المجتمع والمؤسسات المعنية بحماية اثارنا والحفاظ عليها.
وهنا يوجه شيخ قرية سجل الشيخ عادل حمود الشايف رسالة مطالبة للجهات المختصة مثل الهيئة العامة للآثار و وزارة الارشاد بتشكيل لجنة وتنفيذ نزولا ميدانيا الى جامع حسل وعمل دراسة على وضع الجامع ورفع تقريرا بالاحتياجات والتدخلات الضرورية للحفاظ عليه.
ويشدد الشيخ الشايف وهو رئيس لجنة الشئون الاجتماعية بالمجلس المحلي بمديرية السبرة ورئيس اللجنة التنموية بالمديرية، على ضرورة الإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على هذا المعلم التاريخي الإسلامي الهام.

ان مثل هذا المعلم وما يحتويه من تفاصيل إبداعية من حيث التصميم والمرافق والتاريخ، لو انه في بلد اخر، لأصبح مزارا يستقبل الزوار من داخل البلد وخارجها، خاصة قد بُني في صدر الإسلام وعلى ارض الملوك حيث النقوش والاثار والاسماء ماتزال شاهدة على ملوك وممالك صنعوا تاريخا لم ولن ينسى حتى لحظة غروب أخر شمس عن مدينة مكارد برأس وادي النار.

مقالات مشابهة

  • قراءة في كتاب: محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان (5/5)
  • دعم كامل واستعداد للفداء.. موقف الكنيسة القبطية التاريخي في ثورة 30 يونيو
  • مقاربة معرفية لحكم الروائي عبد العزيز بركة ساكن على قحت وتقدم
  • نتنياهو ضد الجنرالات.. المعركة على مستقبل إسرائيل.. قراءة في كتاب
  • قراءة إناسية في نشأة الدولة الإسلامية الأولى
  • حول الرواية التاريخيّة.. محاولة في الفهم والتحليل
  • جامع حٍسْلْ .. منارة تاريخية توشك يدّ الإهمال على هدّمها
  • قراءة اشتراكية لمداخلة فياض: الصيغة اللبنانية ليست هشة والكيان، لا الطوائف، يواجه التحديات الوجودية
  • جامع حٍسْلْ .. منارة تاريخية بحاجة للحماية من الاندثار
  • قراءة حقوقية للمرسوم السلطاني في شأن زواج العمانيين من أجانب