مفاوضات جدة القادمة : داحسٌ وغبراء أم بشائر للسلام ؟

بابكر فيصل بابكر
الأفق- 15 أبريل 2024

أكملت حرب الخامس عشر من أبريل عامها الأول وما تزال عذابات الموت وأهوال الدمار والنزوح مستمرة. وبينما تعمل قطاعات واسعة من الشعب السوداني على إيقاف القتال بين الطرفين المتحاربين بشتى السبل, فإنَّ أصوات أولياء الحرب الداعية لإستمرار الحريق ما زالت تصكُّ الآذان وتُعيق كل مساعي الحلول التفاوضية.

قد أدلى المبعوث الأمريكي الخاص للسودان, توم بيريللو, بتصريحات تفيد بإستئناف منبر جدة للتفاوض بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع قريبا. ويؤمل السودانيون أن تؤدي جولة المفاوضات القادمة لتجاوز العقبات التي حالت دون الوصول لإتفاق وقف إطلاق النار في الجولات السابقة.

وفي محادثة هاتفية بين وزيري خارجية أمريكا والسعودية في 11 أبريل الجاري كان موضوع تصاعد مؤشرات الحرب ومفاوضات السودان في مقدمة الأجندة التي تمت مناقشتها.

وكذلك أجرى وزير الخارجية الأمريكي محادثة تليفونية مع نظيره المصري في 13 أبريل الجاري تناولت ضرورة استئناف مفاوضات جدة والجهود المبذولة لمنع وقوع مزيد من الأضرار على المدنيين.

وكانت جلسات تفاوض غير معلنة إستضافتها عاصمة مملكة البحرين في يناير الماضي بتسهيل من خمسة دول ( مصر, الإمارات, السعودية, البحرين, أمريكا) وبمشاركة نائب القائد العام للقوات المسلحة والقائد الثاني لقوات الدعم السريع قد نجحت في التوصل لإعلان مباديء للحل الشامل فضلاً عن التوافق بشكل كبير على إتفاق وقف العدائيات الذي تبقت فيه بعض النقاط القليلة العالقة.

وبينما تُثير نتائج مفاوضات البحرين التفاؤل بإمكانية الوصول لإتفاق نهائي لوقف العدائيات في جولة التفاوض القادمة في جدة ( بمشاركة الدول التي حضرت في المنامة), فإنَّ العائق الرئيسي الذي يقف في طريق الوصول للإتفاق يتمثل في موقف حزب المؤتمر الوطني المحلول و الحركة الإسلامية التابعة له الداعي لإستمرار الحرب حتى تُحِّقق القوات المسلحة نصراً ساحقاً على الدعم السريع.

من جانبها, تتبنى قيادة الجيش موقفين متضاربين تجاه قضية إستمرار الحرب و التفاوض والحل السلمي :

الموقف الأول عبَّر عنه نائب القائد العام للقوات المسلحة ,الفريق أول شمس الدين كباشي, الذي ندًّد بإستخدام أحزاب سياسية (تُقرأ المؤتمر الوطني/الحركة الإسلامية) لمعسكرات الجيش ورفع شعاراتها فيها, وهو الأمر الذي قابله مساعد القائد العام للقوات المسلحة, الفريق أول ياسر العطا, بتصريح مضاد رفض فيه إتهام الجيش بالتحالف مع المؤتمر الوطني ورحب بكل من يقاتل في صفوفه.

وفي الوقت الذي عبَّر فيه كباشي عن ترحيب الجيش بدعوات وقف الحرب والوصول للسلام الصادرة من كافة الوطنيين المتواجدين داخل وخارج السودان ومختلف منابر التفاوض, قال العطا فيما يشبه الرد على تصريحات كباشي أنه (لا تفاوض ولا هدنة مع ميليشيا الدعم السريع), وأضاف أنهم لا يأبهون لدعوات وقف الحرب (نقول نعم للحرب وللجهاد لإستئصال هذا السرطان).

يعتبر البعض أن هذا التباين في التصريحات ليس سوى تبادل للأدوار بين الجنرالات,ويجد هذا الرأي ما يدعمه من خلال سلوك قيادة الجيش طوال أشهر الحرب الماضية. إنَّ تحركات وقعت مؤخراً تُشير إلى أنَّ قيادة الجيش تعمل على الفكاك من قبضة حزب المؤتمر الوطني وذلك عبر صناعة حواضن سياسية بديلة تمنحها سنداً جماهيرياً بعيداً عن تأثير الأخير.

تمثلت تلك التحركات في تكوين ثلاثة تحالفات : الجبهة الشعبية السودانية برئاسة الناظر ترِك, تنسيقية القوى الوطنية برئاسة مالك عقار, وتحالف الخط الوطني الذي تقوده ساندرا كدودة, فضلاً عن الزيارة التي قام بها نائب رئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل, جعفر الميرغني, لولايتي البحر الأحمر ونهر النيل للتعبير عن دعم قيادة القوات المسلحة.

من جهة أخرى, إستشعرت الحركة الإسلامية أن نوايا قيادة الجيش وراء خلق الحواضن والتحركات السياسية هى التحضير للذهاب لجولة التفاوض القادمة, فجاء ردها سريعاً عبر صحفي مقرَّب من دوائر إتخاذ القرار فيها وهو “عبد الماجد عبد الحميد” الذي أرسل تهديداً مكشوفاً لقيادة الجيش لم يستثن منه حتى ياسر العطا.

قال عبد الحميد: (على الرباعي في قيادة الجيش, برهان.كباشي.العطا. جابر, أن ينتبهواً جيداً), ومناط الإنتباه في حديثه أنه في حال إختارت قيادة الجيش السير في طريق التفاوض, فإنَّ الشعب السوداني (تُقرأ الحركة الإسلامية) سيضطر (لفرض قوته وتحديد خياراته في مواجهة مليشيا التمرد). وفي حال إصرار القيادة على التفاوض فإنه (ستكون هنالك حرب كرامة أخرى ضد الخونة والعملاء وكلاب صيد مليشيا التمرد السريع), مما يعني أنَّ الحركة الإسلامية لن تقبل بنتائج التفاوض وستخوض معركة ضد قيادة الجيش نفسها !

في آخر جولات التفاوض بمنبر جدة في أكتوبر الماضي قطع الطرفان المتحاربان شوطاً كبيراً في إبرام إتفاق وقف العدائيات وعندما إنتقلت المفاوضات إلى المنامة في شهر ينايرتم التوصل لإتفاق إعلان مباديء كامل, وكانت قد تبقت نقاط محدودة في إتفاق وقف العدائيات, غير أنه في كل مرةٍ كانت هذه الإتفاقيات تصطدم بعقبة المؤتمر الوطني ثم يلي ذلك تصعيداً حاداً في خطاب الحرب من قبل قيادة الجيش.

يؤكد مسار العمليات القتالية على الأرض أنَّ الحرب ستظل مستمرة بين كرٍ وفرٍ من الطرفين دون أن يكون هناك نصرٌ حاسمٌ لأحدهما, كما أن حوادث إطلاق المُسيَّرات مؤخراً أوضحت بجلاء أن السودان كله أصبح أرضاً للمعارك ولا توجد فيه منطقة آمنة من شرور الترويع والقتل والدمار, وفي هذه الأثناء تتفاقم معاناة ملايين السودانيين والسودانيات يوماً بعد يوم, و تتزايد مؤشرات تفكك البلد وانقسامها فضلاً عن تصاعد موجة التدخل الخارجي السلبي ونُذُرالحرب الأهلية الشاملة.

وإذ يطرح المواطن السؤال البسيط الصعب : متى تتوقف الحرب ؟ فإنَّ جانباً كبيراً من الإجابة على السؤال يتوقف بشكل حاسم على القرار الذي ستتخذه قيادة القوات المسلحة في جولة التفاوض القادمة, هل ستتماهى مع موقف الحركة الإسلامية الداعي لمواصلة القتال حتى تحقيق النصر الساحق أم ستمضي في طريق الحل السلمي المتفاوض حوله وتلتزم بنتائجه ؟

خلاصة القول : ستُعطي جولة التفاوض القادمة إجابة عن مستقبل الحرب في السودان, وهل ستستمر لسنوات طويلة قادمة كما حدث في بلدان أخرى (الصومال, سوريا, اليمن, ليبيا الخ ..), أم سيكون هناك حلاً وشيكاً يبدأ بالتوصل لإتفاق وقف إطلاق النار الذي يسمح بحماية المدنيين و توفيرالممرات الآمنة لوصول المساعدات تمهيداً لعودة النازحين واللاجئين ومن ثم إطلاق العملية السياسية لإستئناف المرحلة الإنتقالية.

الوسومالحرب الغبراء بابكر فيصل داحس مفاوضات جدة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحرب الغبراء بابكر فيصل داحس مفاوضات جدة

إقرأ أيضاً:

فصل 5 ملازمين و3 ضباط كبار من الجيش التركي بعد مظاهرة الضباط

قررت وزارة الدفاع التركية طرد خمسة ملازمين وثلاثة ضباط كبار من القوات المسلحة، على خلفية ما عُرف إعلاميا بـ"مظاهرة الضباط" التي وقعت خلال حفل تخرج في كلية الحرب البرية بالعاصمة أنقرة.

وقالت وزارة الدفاع الوطني، في بيان رسمي، الجمعة، إن "مجلس التأديب الأعلى أصدر عقوبة الفصل من القوات المسلحة بحق ثلاثة ضباط، بينما أصدر مجلس التأديب الأعلى للقوات البرية عقوبة مماثلة بحق خمسة ملازمين".

وأوضحت الوزارة أن هذه القرارات جاءت "في إطار التحقيقات الإدارية والتأديبية التي بدأت بعد الصور التي تم عرضها على الجمهور بعد حفل تسليم العلم والتخرج في الأكاديمية العسكرية"، مشددة على أن "القوات المسلحة التركية لن تتسامح مع أي عمل أو حادث يتعارض مع الانضباط العسكري".


وأثار القرار سلسلة من الانتقادات من قبل شخصيات بارزة في معسكر المعارضة التركية، حيث قال رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، المعارض  أكرم إمام أوغلو، "نحن نقف إلى جانب ملازمينا، ولن نتركهم بمفردهم".

وأضاف في تدوينة عبر منصة "إكس"، "لقد تم طرد أنجح الضباط الأتراك من قواتنا المسلحة لأنهم قالوا ‘نحن جنود مصطفى كمال’. هذا القرار لا يحترم ذكرى جنودنا الذين حاربوا من أجل وحدة البلاد، وأضر بمحاربينا القدامى".

من جانبه، أعرب رئيس بلدية أنقرة الكبرى، منصور يافاش، عن تضامنه مع الملازمين المفصولين، ونشر عبر حسابه على منصة "إكس" عبارة "نحن جنود مصطفى كمال"، التي استخدمها الضباط خلال المظاهرة.

أما رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، فقد تعهد بإعادة الملازمين إلى الجيش بعد الانتخابات الرئاسية القادمة، قائلاً خلال إحدى الفعاليات "سيعود الملازمون إلى مهامهم بعد الانتخابات العامة الأولى. ستكون هناك عملية قضائية لعودتهم، وسندعمهم قانونيا حتى يتمكنوا من استعادة مواقعهم دون أي خسائر مادية أو معنوية".

وفي أيلول /سبتمبر الماضي، قام ما يزيد على الـ300 ضابط متخرج من كلية الحرب البرية في جامعة الدفاع الوطني بأداء قسم ثان بعد القسم الرسمي الذي أدوه خلال حفل التخرج الذي حضره الرئيس رجب طيب أردوغان وعدد من القيادات العسكرية.

وأظهرت لقطات لاقت تفاعلا واسعا لحظات إشهار الضباط سيوفهم في آن معا وترديدهم هتاف: "نحن جنود مصطفى كمال"، الأمر الذي أسفر عن موجة من الجدل، وسط مخاوف أعرب عنها معلقون ربطوا الهتاف المردد بانقلابات عسكرية شهدتها تركيا في عقود سابقة.


وانقسم المعلقون على وسائل التواصل الاجتماعي بين من رأى في الحادثة تعبيرا طبيعيا من الضباط عن احترامهم لمؤسس الجمهورية التركية، في حين رأى آخرون أن أداء القسم الخارج عن القانون وسل السيوف، كان بمنزلة "سل السيف في وجه الحكومة"، مذكرين بالانقلابات العسكرية التي عانت منها تركيا في أزمان سابقة.

وفي أول تعليق له على الحادثة، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "في حفل تخرج معين، ظهر بعض الأشخاص المسيئين وقاموا بإشهار السيوف، في وجه من أشهرتهم هذه السيوف؟".

وتعهد الرئيس التركي بمحاسبة المتورطين في "مظاهرة الضباط" التي خرجت عقب حفل تخريج دفعة من الضباط في كلية الحرب البرية، مؤكدا عزم حكومته "عدم السماح باستنزاف الجيش مجددا".

مقالات مشابهة

  • البرهان مع قوات الجيش في مروي
  • داعية يمني يصف قيادات الدولة في بلاده بالمتسولين ويقول: اليمن يمتلك رجال لكن بلا قيادة وطنية
  • البيت الأبيض: السيسي أكد أن قيادة ترامب يمكن أن تبشر بعصر ذهبي للسلام
  • أيها الجيش سلاماً، يقودونك إلى طريق جهنم المتلفز ، وما البراء إلا ارهابيين قتلة
  • فصل 5 ملازمين و3 ضباط كبار من الجيش التركي بعد مظاهرة الضباط
  • أيها الجيش سلاماً .. يقودونك إلى طريق جهنم المتلفز، وما البراء إلا ارهابيين قتلة 
  • عود العُشر !!الارض تتململ تحت اقدام الجيش !!
  • ومضات توثيقية: أنهضي يا أحزان الحرب العبثية وأتحدي يا أفراح الدولة المدنية
  • صحيفة: الجيش الإسرائيلي يريد إغلاق قضية غزة وهذا موعد بدء مفاوضات الجولة الثانية
  • ضابط كبير يكشف التحدي الحقيقي الذي يواجه الجيش الإسرائيلي