رجل الروبوتات مكي حبيب للجزيرة نت: القدرات العلمية للطالب العربي لا تقل عن غيره بل تزيد
تاريخ النشر: 16th, April 2024 GMT
خلال مسيرته العلمية الطويلة، تنقّل العالم العراقي المتخصص في "الروبوتات والميكاترونكس" مكي حبيب، بين أكثر من جامعة في آسيا وأوروبا، قبل أن يحط رحاله في القاهرة منذ عام 2007، أستاذا متفرغا في الجامعة الأميركية.
يمكنك أن تلحظ حماسه الواضح، وهو يتحدث عن رحلته العلمية بين بغداد واليابان وماليزيا وأستراليا وكوريا الجنوبية وسويسرا والقاهرة، لكنْ ما إن تأخذه إلى منطقة السياسة وتأثيرها على مسيرته العلمية، سرعان ما تتبدل مشاعره ليتحدث بنبرة صوت شجية عما آلت إليه العراق التي تأسس علميا في جامعاتها في زمن ما قبل غزو الكويت، والذي كان بداية لدوامة من التدهور لا تزال بلاده تحاول الخروج منها إلى الآن.
وخلال حواره مع "الجزيرة نت" عبر تطبيق "زوم"، تحسّر رجل "الميكاترونكس" (وهو حقل هندسي متشعب يجمع بين الهندسة الميكانيكية والكهربائية والإلكترونيات) على نهضة علمية عاشتها العراق في زمن ما قبل الغزو جعلته لا يشعر بفارق كبير عندما سافر في الثمانينيات إلى اليابان للحصول على الدكتوراه من جامعة "تسوكوبا"، فكانت معامل جامعته في بغداد التي درس بها في مرحلة البكالوريوس ثم الماجستير تعج بأحدث الأجهزة التي تُمكن الباحثين من مسايرة ما يحدث في العالم من تطور.
وتحدث عن أنه -مثل أي مواطن يعيش مغتربا عن بلده- كان يتمنى العودة إلى العراق ليسدد دَينه للبلد التي تأسس فيها علميا بنقل علمه إلى الطلاب العراقيين، لكنّ الأوضاع السياسية حالت دون ذلك، ليعيش رحلة طويلة من الاغتراب لم يغب فيها عن باله هذا الدين الذي يطوق عنقه، وقال إن محطته الأخيرة في القاهرة كانت محاولة لسداد بعضه، لأن "ما لا يدرك كله في بغداد، يمكن تعويض بعضه في القاهرة بنقل علمه للطلاب العرب في الجامعة الأميركية".
ولم يخل الحوار من استطلاع رأيه بشأن التطورات الأخيرة في "الذكاء الإصطناعي"، والمخاوف من تأثيره على مستقبل الوظائف والبحث العلمي، ورؤيته الخاصة للنهوض بالبحث العلمي في الجامعات العربية، وأبرز وأهم الأبحاث التي يعمل عليها حاليا.. وفيما يلي نص الحوار.
أستاذ الروبوتات والميكاترونكس العراقي مكي حبيب وسط طلابه في الجامعة الأميركية بالقاهرة (الجزيرة) توقفت رحلتك البحثية بين الجامعات ومراكز الأبحاث عند محطة القاهرة عام 2007 إلى الآن، فما هي المحطات الأخرى التي مررت عليها قبل هذا التوقف الطويل؟بدأت مسيرتي البحثية بالحصول على الماجستير في هندسة الحاسبات الإلكترونية من الجامعة التكنولوجية في بغداد، وسافرت بعدها إلى اليابان في منتصف الثمانينيات لاستكمال الدراسات العليا، وحصلت في عام 1990 على درجة الدكتوراه في الروبوتات الذكية من جامعة "تسوكوبا" (اليابان)، وعملت بعد ذلك في اليابان عالم أبحاث في معهد الأبحاث الفيزيائية والكيميائية "ريكن"، ثم باحثا كبيرا في مختبرات "ريسو للبحوث"، وذلك قبل الانتقال لمحطة جديدة في سويسرا عملت خلالها باحثا في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في "لوزان".
وانطلقت من تلك المحطة السويسرية إلى ثلاث محطات في ماليزيا، بدأتها بالعمل لمدة عام واحد فقط مستشارا صناعيا في البنك الآسيوي للتنمية، ثم عملت بعدها لعامين في الجامعة الماليزية التكنولوجية، واختتمتها بالعمل لمدة ثلاث سنوات مديرا أول للمشاريع الهندسية والاستشارات الصناعية بالمركز الماليزي للأتمتة الروبوتية والصناعية.
وعدت من هذه الرحلة في ماليزيا إلى اليابان مرة أخرى للعمل لمدة ثلاث سنوات في مركز أبحاث ياباني ألماني مشترك، وعاد قطاري البحثي مرة أخرى إلى ماليزيا للعمل في جامعة أسترالية لديها فرع هناك وهي جامعة "موناش"، حيث قمت بتطوير وقيادة برنامج هندسة "الميكاترونكس" بها لمدة أربع سنوات، ثم انتقلت للعمل بجامعة أسترالية أخرى توجد بماليزيا هي "جامعة "سوينبيرن" لقيادة هندسة "الميكاترونكس" والإشراف على تطوير منهجها الدراسي.
وانتقلت بعد ذلك إلى كوريا الجنوبية، حيث عملت لمدة عامين في المركز الكوري العلمي المتقدم للعلوم والتكنولوجيا (كايست) لإجراء أبحاثٍ والتدريس بمرحلة الدراسات العليا، ثم عدت مرة أخرى إلى اليابان أستاذا مقيما في جامعة "ساغا"، وانتقلت بعد ذلك إلى محطة القاهرة التي توقفت فيها منذ عام 2007 أستاذا متفرغا للروبوتات والميكاترونكس في الجامعة الأميركية.
وما الذي جذبك في الجامعة الأميركية بالقاهرة لتمضي بها تلك الفترة الطويلة التي قطعتْ حيرة قطارك البحثي بين محطة اليابان وماليزيا؟استقراري إلى الآن في تلك المحطة يحقق لي بعضا من الرضا النفسي، فإن لم أستطع أن أكون في العراق حيث أرغب وأتمنى، يمكنني أن أكون في القاهرة وأن أكون قريبا منها (بغداد)، وإن لم أستطع القيام بواجبي كاملا بنقل علمي للطلاب العراقيين، يمكنني أن أدرك بعضا منه بنقله إلى الطلاب العرب بالجامعة الأميركية بالقاهرة.
ألم تفكر طيلة هذه الرحلة البحثية في العودة إلى محطتك الأولى في بغداد؟العراق لم تغب عن تفكيري ودَيْنها يطوق عنقي، ولكن الظروف منذ غادرتها إلى اليابان للحصول على الدكتوراه لم تعد مواتية للعودة، فلا توجد فرص عمل مناسبة في الجامعات تناسب تخصصي، والصناعة أيضا شبه متوقفة، ناهيك عن أن الأوضاع الأمنية لم تكن في أفضل حال، وإن كنت أشعر بأن هناك تحسنا واضحا خلال العامين الماضيين.
وإذا تبدلت الظروف، هل خيار العودة إلى العراق قائم؟(بنبرة حزينة) بالطبع، فكما قلت لك، فإن هناك دَيْنا يطوق عنقي، وهو نقل علمي إلى الطلاب العراقيين.
لماذا أصبحت نبرة صوتك أكثر شجنا؟أمر طبيعي، فهناك حنين فطري للوطن حيث يوجد الأهل والأصدقاء والأقارب، وأتمنى أن تتحسن الأمور أفضل وأفضل وتصبح بلدي أكثر استقرارا.
أستاذ الروبوتات والميكاترونكس العراقي مكي حبيب: الواجب الذي لا يدرك كله في بغداد يمكن تعويض بعضه في القاهرة (الجزيرة) قبل وصول العراق لمرحلة عدم الاستقرار، كيف كان حال البحث العلمي في فترة الثمانينيات قبل أن تغادرها إلى اليابان؟(بنبره صوت أكثر حزنا) كان جيدا للغاية ولا ينقصه شيء، حتى إنني عندما سافرت لليابان في عام 1986 للحصول على الدكتوراه، كان تحصيلي العلمي جيدا للغاية، ولا يختلف عن أقراني ممن درسوا في اليابان، والأجهزة التي كنت أعمل عليها في الجامعة ببغداد لم تكن تقل تطورا عن تلك التي وجدتها في اليابان، وعلى مستوى الصناعة أيضا، كان لدينا نمو واضح وصناعة نشطة.
بلد بهذا التطور الذي يجعلك لا تشعر حينها بالفرق رغم وجودك في اليابان، ما الذي أوصلها لهذه الحالة من عدم الاستقرار؟أي بلد لديها حضارة مثل العراق، يكون لديها تطلعات لمستقبل أفضل، ومن الطبيعي أن تكون هناك أطراف أخرى لا تريدك أن تحقق تلك التطلعات، ولو نظرنا إلى الواقع الآن، ستجد أن دولتين في إقليم الشرق الأوسط هما المستفيدتان مما آلت إليه الأوضاع في العراق.
تقصد إسرائيل وإيران؟(أومأ بالموافقة) نعم.
وهل تظن أن الرئيس الراحل صدام حسين استُدرج لسيناريو عدم الاستقرار؟العراق كان مستهدفا منذ زمن بعيد، وكان وصوله لحالة عدم الاستقرار مسألة وقت، وبالفعل فقد استُدرج الرئيس الراحل لفخ غزو الكويت لتدخل العراق في دوامة عدم الاستقرار، والأمور بالطبع كان يمكن معالجتها بشكل أفضل.
لم أكن أنوي الخوض بمزيد من التفاصيل في أمور السياسة، ولكن يبدو لي الأمر غريبا أن رئيسا بعقلية استطاعت النهوض بالعراق للدرجة التي جعلتك لا تشعر بفارق عندما سافرت لليابان، هو ذاته نفس الرئيس الذي يُستدرج للوقوع فيما أسميته بـ"الفخ".الأمر يتوقف على طريقة الاستدراج، فكما أننا في الروبوتات نعمل على إكسابها القدرة على محاكاة مشاعر وأحاسيس البشر وردود فعله بناء على دراسات أجريت على البشر، فإنه يوجد علم يمكن من خلاله عمل نموذج لأحاسيس إنسان وردود فعله لمعرفة الأشياء التي تتسبب باستثارته وخروج ردود فعله القوية، وكان الحديث عن "إهانة النساء العراقيات" هو الطُّعم الذي استُدرج الرئيس الراحل به بناء على تلك الدراسات للقيام بغزو الكويت.
عذرا على هذا الاقتحام العارض لساحة السياسة والذي لا يكون مفضلا لدى العلماء، وأعود مجددا لساحة العلم من خلال سؤالك عن تقييمك لمستوى الطلاب العرب عند وضعهم في المقارنة مع الطلاب الأجانب الذين تعاملت معهم خلال رحلتك البحثية الطويلة؟بكل موضوعية؛ الطلاب العرب لا يقلون، بل يزيدون في بعض الأحيان عن أقرانهم في الغرب من ناحية القدرة على التحصيل، لكن شريطة "بذل الجهد"، فالإمكانيات الفكرية لدى الطالب العربي ممتازة، وعندما يدعم ذلك ببذل الجهد فإنه يكون على نفس مستوى الطالب الغربي إن لم يتفوق عليه في بعض الأحيان، فطيلة مسيرتي العلمية لم أجد طالبا عربيا يدرس في الغرب ولم يحقق نجاحا، والسبب أنه في مهمة تفرض عليه بذل الجهد حتى لا يعود إلى بلاده خالي الوفاض، ولذلك يحقق النجاح المطلوب، ومؤخرا ترسخت لدي تلك القناعة، فمن بين الطلاب الذين أقوم بالتدريس لهم الآن في الجامعة الأميركية بالقاهرة، ستة طلاب أمريكيين، ومستوى الطلاب العرب لا يقل عنهم، بل إن بعضهم يزيد.
أسعدني كثيرا هذا الانطباع، لأنه يعني امتلاكنا لأهم مادة خام لتطوير الصناعة وهي العقول البشرية، لكنْ لماذا لا نحسن في عالمنا العربي استغلال تلك المادة الخام لخلق الرابط بين الصناعة والبحث العلمي؟خلق هذا الرابط يأتي في الأساس من الصناعة التي يجب أن تسعى لامتلاك مراكز أبحاث خاصة بها، أو تتعاون مع شركات البحوث التي تنتج الأبحاث لصالح قطاعات صناعية معينة، فبدون هذه المهمة لن تستطيع الصناعة تطوير نفسها، وستخرج من السوق، وأذكر أنني عملت في اليابان بإحدى هذه المراكز البحثية على الأبحاث الخاصة بالروبوتات التي يمكنها الدخول لمناطق لا يستطيع الإنسان دخولها، مثل المناطق عالية الإشعاع والحرارة، وأصبحت هذه الروبوتات الآن واقعا.
وهل كل الأبحاث تتحول لمنتجات؟من كل 50 بحثا، لا يتحول لمنتج سوى 5 أو 8 فقط، وهذا يأخذنا إلى قضية الدعم المادي، فالشركات لا تبخل في الإنفاق على البحوث ولا على الباحثين، حتى لو كانت المحصلة 5 أو 8 أبحاث فقط هي التي ستتحول لمنتجات، لأنه بدون ذلك سيأتي وقت وتخرج من السوق، لأن منتجاتها لم تعد متطورة بما يكفي.
وهل الصناعة العربية لا تعرف هذه الحقيقة؟الصناعة في العالم العربي تريد إذا أنفقت مليون دولار أن تحقق مكسبا يفوق ما أنفقته الضعف خلال السنة الأولى، وهذا يجعل سعر المنتج مرتفعا فلا يحقق التنافسية المطلوبة، وبالتالي يُظلم البحث العلمي، فالمكسب السريع قاتل للصناعة، ويجب أن تكون هناك خطط متوسطة وطويلة الأمد تعتمد على البحث العلمي، وفي النهاية سيتحقق المكسب.
وما دور الحكومات في خلق هذا الرابط بين الصناعة والبحث العلمي؟من يخلق الرابط كما قلت هي الصناعة، لأنها هي التي تملك التمويل ولديها المشكلات التي تحتاج لتدخل الباحث، والقضية بحاجة إلى مشروع للتعاون بين الاثنين يخطط له جيدا، ولا نستعجل حصد ثماره، ويكون بمثابة نموذج يُبنى عليه، لكن الحكومات لها دور آخر هو تمويل الأبحاث في العلوم الأساسية، والتي لا يكون لها مردود تطبيقي واضح.
أستاذ الروبوتات العراقي مكي حبيب: الذكاء الاصطناعي لن يلغي وظيفة الأستاذ الجامعي لكن سيغير من طبيعة مهامه (الجزيرة) ومن جدل الرابط بين الصناعة والبحث العلمي، إلى جدل آخر يتعلق بتطبيقات الذكاء الاصطناعي والمخاوف من تأثيرها على مستقبل البشرية، فهل تستند هذه المخاوف إلى أساس علمي؟(ضاحكا) التاريخ على ما يبدو يعيد نفسه، ففي بدايات ظهور الآلة الحاسبة كانت هناك مخاوف من أنها ستدفع العقل البشري إلى الخمول والكسل، ولم يحدث ذلك، وأصبحت من الأساسيات، وكذلك عندما ظهر الكمبيوتر كانت هناك مخاوف من أن الاعتماد عليه سيؤثر في القدرات البشرية في التفكير والإبداع، ولكن على النقيض تماما كان عاملا مساعدا، وتضاعفت أعداد الأبحاث العلمية في عصر الكمبيوتر، والذكاء الاصطناعي في تقديري يمر بنفس المرحلة من الريبة والشك، والتي سيتجاوزها خلال فترة لن تتجاوز ست سنوات من الآن، ويصبح مثل الآلة الحاسبة والكمبيوتر من أساسيات الحياة، لذلك يجب على الجامعات أن تستعد من الآن بالتجاوب مع هذا الواقع الذي يفرض نفسه بإحداث تغييرات في تركيبتها الدراسية وتدريب الطلاب على الاستخدام السليم لهذه الأداة.
على ذكر الاستخدام السليم، فإن من أبرز مشاكل الذكاء الاصطناعي إساءة استخدامه من قبل الطلاب في إعداد الأبحاث العلمية، فكيف تتعامل من منظور أستاذ جامعي مع هذا التحدي؟لا أمنع طلابي من استخدام الذكاء الاصطناعي شريطة أمرين: أولهما الإشارة بشكل واضح في المصادر إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، والثاني تحمل مسؤولية أي أخطاء في المحتوى الذي يمكن أن يقحمه الذكاء الاصطناعي، وهذا سيقتضي أن يعود الطالب إلى المصادر التي اعتمد عليها الذكاء الاصطناعي في معلوماته للتأكد من مصداقيتها.
وما الفائدة إذن من استخدام الذكاء الاصطناعي طالما أن الطالب سيعود إلى المصادر؟الفائدة هي أن الذكاء الإصطناعي سهل كثيرا من مهمة البحث، وجمع لك كل ما تحتاجه في مكان واحد بدلا من الغوص في نتائج محركات البحث، ولكن الأمر يتوقف على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي، فحتى تحصل على إجابة مفيدة لا بد أن يكون سؤالك صحيحا، لأنك إن لم تسأله السؤال الصحيح سيأتيك بإجابة مضللة، لذلك كما قلت لك فإن الجامعات عليها أن تُعنى بالتدريب على تطبيقاته، لأنه سيصبح من أساسيات الحياة.
لأنه سيصبح من أساسيات الحياة -كما قلت- فإن هناك مخاوف من أنه سيؤدي إلى اختفاء بعض الوظائف؟(مبتسما) وما المشكلة في ذلك؟ فكما أنه سيؤدي لاختفاء وظائف سيكون سببا لظهور أخرى جديدة، ولا بد لأصحاب الوظائف القديمة من تطوير قدراتهم للاستعداد لسوق العمل الجديد الذي سيفرضه الذكاء الاصطناعي.
وهل ستتأثر وظيفة الأستاذ الجامعي بالذكاء الاصطناعي، فقد لا يحتاج الطالب لشرح أستاذه وهو يملك أداة يستطيع أن يسألها أي سؤال -حتى لو كان غبيا- فتجيبه؟الذكاء الاصطناعي لن يلغي الأستاذ الجامعي لكن سيغير من طبيعة مهمته، فقاعة المحاضرات ستصبح مكانا ليس لشرح الدروس ولكن للمناقشة بين الطالب وأستاذه، فالأستاذ لن ينفق وقته في الشرح لأن الذكاء الاصطناعي سيفعل ذلك قبل موعد المحاضرة، وستكون وظيفة الأستاذ هي إجراء مناقشة مع طلابه حول ما فهموه، وبالتالي سيكمل الأستاذ الجامعي والذكاء الاصطناعي بعضهما البعض، وأتوقع حدوث ذلك سريعا خلال فترة لا تتعدى الست سنوات.
وهل سيكون ذلك في صالح العملية التعليمية؟بالطبع، فالأستاذ كما قلت لك لن ينفق وقته في الشرح، وسيتحول التدريس إلى مناقشة وتوجيه والدخول في العمق، وستصبح العملية الدراسية أكثر تشويقا، لأنها ستكون تفاعلا بين طرفين وليست في اتجاه واحد من الأستاذ إلى الطالب.
أستاذ الروبوتات والميكاترونكس العراقي مكي حبيب يتابع مع طلابه تجارب على أنواع جديدة من الروبوتات (الجزيرة) ختاما، إذا أردنا أن نتوقف عند أهم مشروعاتك البحثية التي تعمل عليها حاليا، فماذا تقول؟أعمل على مشروع علمي مع اليابان لتحديد عيوب المنتجات الصناعية باستخدام الذكاء الاصطناعي، وهذا مشروع قد يلغي الحاجة إلى مراقبي الجودة البشريين، وفكرته تقوم على وجود آداة تُدخل لها صورا لأبرز العيوب، وكذلك صورا للمنتجات السليمة، فيتدرب النظام على اكتشاف العيوب التي قد تحدث في المنتجات بفعل الذكاء الصناعي، ويصبح قادرا على اكتشافها بشكل أسرع وأدق من البشر، وحتى لا يقال إن الذكاء الاصطناعي يلغي الوظائف، فإنه يتعين -كما قلت لك سابقا- تأهيل من تتأثر أعمالهم للقيام بأعمال أخرى تساير روح العصر، لأن الذكاء الاصطناعي أصبح واقعا، ويجب علينا التكيف معه.
وبنفس منطق اكتشاف عيوب المنتجات، أعمل على مشروع بحثي آخر يزيد من دقة تشخيص الأورام السرطانية عن طريق أداة تُزوَّد بصور أشعة لمرضى وصورا أخرى للجسم السليم، حتى تستطيع المساعدة في الاكتشاف السريع والدقيق لأي أورام في الجسم.
وهناك مشروع ثالث في مجال الصيانة التنبؤية، وهو قائم على استغلال الذكاء الاصطناعي بعد تدريبه أيضا على البيانات لاكتشاف الأعطال قبيل حدوثها، ومن ثم توجيه عملية الصيانة قبل أن يحدث العطل ويتسبب بحدوث خسائر كبيرة.
كما اختاروني عضوا في مشروع جديد ممول من الاتحاد الأوروبي وتشترك فيه سبع دول، وذلك عن استخدام الذكاء الاصطناعي في أغراض الزراعة المستدامة، وكُلفت مؤخرا من قبل الناشر الدولي (السفيا) بقيادة مشروع لبناء إنسكلوبيديا (موسوعة أو قاموس مرشد للعلوم والفنون والمهن) في الذكاء الاصطناعي.
أشعر وكأن الذكاء الاصطناعي أصبح يوجهكم نحو نوعية معينة من الأبحاث؟الذكاء الاصطناعي أداة عصرية مرنة للغاية يمكن استخدامها متى نجحتَ في تغذيتها بالمعلومات لإجراء أبحاث في أي اتجاه تريده، المهم أن تزودها بالمعلومات، وربما ستكون هذه هي مشكلتنا في العالم العربي حيث لا توجد ثقافة تجميع المعلومات، وإن كانت المعلومات متوفرة يتم إحاطتها بسياج من السرية، لذلك نحن نعتمد في أغلب أبحاثنا على المعلومات المتاحة في الغرب، فمثلا في موضوع الصيانة التنبؤية عملنا على التنبؤ بأعطال بطاريات الليثيوم المستخدمة في السيارات الكهربائية، وكذلك على التنبؤ بأعطال محرك نفاث تستخدمه وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، والسبب في ذلك أن هناك بيانات متاحة عنهما.
وما المطلوب حدوثه حتى يتغير هذا الوضع؟نحتاج للاهتمام بثقافة جمع المعلومات، لأنها هي غذاء الذكاء الاصطناعي، ونحتاج إلى ضوابط قانونية تنظم استخدامها متى كانت متوفرة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الذكاء الاصطناعي استخدام الذکاء الاصطناعی فی الجامعة الأمیرکیة الأستاذ الجامعی عدم الاستقرار والبحث العلمی الطلاب العرب البحث العلمی إلى الیابان فی القاهرة فی الیابان أن الذکاء فی بغداد الذی ی التی ت
إقرأ أيضاً:
أسلحة الذكاء الاصطناعي ووهم سيطرة البشر
ترجمة - نهى مصطفى -
في عام 1984، وعد أرنولد شوارزنيجر في فيلم الخيال العلمي الشهير «المدمرThe Terminator»، الذي لعب فيه دور قاتل آلي من المستقبل، بـأنه «سيعود». ولم يكن يمزح. في مقابلة أجريت معه عام 2023، أشار الممثل الذي أصبح حاكمًا لولاية كاليفورنيا إلى أن رؤية الفيلم للأسلحة الآلية أصبحت الآن حقيقة واقعة، أو كما قال مخرج الفيلم جيمس كاميرون: «لقد حذرتكم في عام 1984، ولم تستمعوا إلي».
في المستقبل البائس الذي يصوره الفيلم، يصمم البشر نظامًا عسكريًا مدعومًا بالذكاء الاصطناعي يخرج عن السيطرة ويدمر البشرية، وهو ما لم يحدث بالمعنى الدقيق للكلمة، لكن في الوقت نفسه، تغيرت الحرب بلا شك في الأربعين عامًا الماضية منذ عرض فيلم «المدمر» في دور السينما، وأصبح يتم نشر الأسلحة المدعومة بالذكاء الاصطناعي بنشاط في ساحات القتال من أوكرانيا إلى غزة، ومن المرجح أن تلعب دورًا حاسمًا في أي صراع بين الولايات المتحدة والصين.
لا تزال تحذيرات فيلم «المدمر» من أن الآلات لا يمكن الوثوق بها في اتخاذ القرارات المهمة، مثل متى ومن يجب إطلاق النار عليه، قائمة في النفس البشرية الجماعية. ومع ذلك، الخطر الحقيقي قد لا يكمن في ضعف السيطرة البشرية على هذه الأنظمة، بل في الاعتقاد الواهم بأنه يمكن السيطرة على هذه الأسلحة على الإطلاق. يوفر هذا الوهم راحة زائفة للحكومات والجيوش والمجتمعات الديمقراطية من خلال تغذية الأمل الساذج في أنها يمكن تصميم أنظمة أفضل -أو أكثر أمانًا- بوجود البشر في حلقة اتخاذ القرار، أنظمة يمكن أن تتفوق على أنظمة الخصوم الاستبداديين الذين لديهم تحفظات أقل بشأن جعل كل شيء أوتوماتيكيًا.
ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالسيطرة البشرية على أنظمة الأسلحة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، فإن الرأي السائد يظل أن المزيد أفضل. على سبيل المثال، تتطلب سياسة الحكومة الأمريكية صراحة أن يتم تصميم الأسلحة القاتلة المستقلة مع القدرة على التدخل البشري المناسب، ويؤكد كبار المسؤولين بانتظام على هذه الحقيقة. في أواخر عام 2023، بعد أن أطلقت وزارة الدفاع مبادرة Replicator، وهي محاولة لنشر آلاف الأنظمة المستقلة في جميع الخدمات العسكرية بحلول أغسطس 2025، صرحت نائبة وزير الدفاع كاثلين هيكس: «هناك دائمًا إنسان مسؤول عن استخدام القوة، نقطة». تسعى الأمم المتحدة إلى حظر الأسلحة المستقلة بالكامل واقترحت قواعد ملزمة دوليًا تتطلب من مثل هذه الأنظمة أن يكون هناك إنسان في حلقة إتخاذ القرار. تبنت العديد من المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك Stop Killer Robots، ومعهد مستقبل الحياة Future of Life Institute، ومنظمة العفو الدولية، قضية السيطرة البشرية على الأسلحة المستقلة.
من غير الواقعي الاعتقاد بأن البشر يمكنهم التحكم في الخوارزميات المتطورة للأسلحة المستقلة أثناء القتال. فأنظمة الذكاء الاصطناعي المعاصرة غالبًا ما تكون معقدة لدرجة تجعل الإشراف البشري مستحيلًا، خاصة في ظروف الحرب التي تتسم بالتوتر والسرعة والانقطاع في التواصل. لذا، يجب على الجيوش استثمار الوقت والجهد خلال فترات السلم لبناء الثقة في نماذج الأسلحة المستقلة، وضمان جاهزيتها للعمل بفعالية ودون تدخل بشري مفرط عند اندلاع النزاعات.
تجعل المنافسة العسكرية بين الولايات المتحدة والصين تطوير ونشر أنظمة الأسلحة المستقلة أمرًا لا مفر منه، حيث تقدم الحرب في أوكرانيا دليلًا مبكرًا على هذا التحول في النموذج. وفي الوقت نفسه، تلتزم حكومة الولايات المتحدة بنشر الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع وعلى الفور لمجموعة متنوعة من الأغراض الأمنية - تحليل الاستخبارات، والسلامة البيولوجية، والأمن السيبراني، وغيرها.
لسنوات، استثمرت بكين بكثافة في القدرات التي تهدف إلى تحييد إسقاط القوة الأمريكية في شرق آسيا، مما قد يسمح للصين بفرض أمر واقع على تايوان. وحتى وقت قريب، أعطى الجيش الأمريكي الأولوية للحفاظ على عدد صغير من منصات الأسلحة الكبيرة، مثل حاملات الطائرات والطائرات المقاتلة والقاذفات المتطورة. لكن هذا النهج لم يعد مستدامًا. فقد بنت الصين ووزعت عددًا كبيرًا من أنظمة الأسلحة الرخيصة نسبيًا، مثل: الصواريخ الباليستية المضادة للسفن والغواصات التي تعمل بالديزل والكهرباء، والتي قد تدمر بسهولة المنصات الرائعة للجيش الأمريكي ــ وهي استراتيجية تسمى «الإنكار»، التي تمنع الخصم من اتخاذ إجراء غير مرغوب فيه، ولكنها لا تسعى إلى تغيير رأي الخصم. ومن أجل استعادة ميزة الولايات المتحدة في شرق آسيا، شرع كل فرع من فروع القوات المسلحة في نشر ما يكفي من الأنظمة التي تعمل بدون تدخل بشري مباشر للتغلب على قدرات الإنكار الصينية.
الواقع أن الأسلحة الأوتوماتيكية والذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار بدرجات متفاوتة من الاستقلالية تشكل مكونات أساسية في أحدث مفاهيم العمليات التي تتبناها الخدمات العسكرية الأمريكية: تصميم قوة مشاة البحرية لعام 2030، والعمليات البحرية الموزعة للبحرية، وعمليات القتال واسعة النطاق للجيش، ومفهوم التشغيل المستقبلي للقوات الجوية، كل هذه المفاهيم تعتمد بدورها على مبادرة مستمرة أطلقت في عام 2022 والمعروفة باسم القيادة والسيطرة المشتركة لجميع المجالات، والتي بلغت تكلفتها 1.4 مليار دولار في عام 2024 وحده. ووفقًا لوزارة الدفاع، يهدف البرنامج إلى ربط «كل جهاز استشعار وكل مطلق نار» من أجل «اكتشاف وجمع وربط وتجميع ومعالجة واستغلال البيانات من جميع المجالات والمصادر» وبالتالي إنشاء «نسيج بيانات» موحد. وببساطة، ينبغي أن يكون كل شيء قادر على جمع البيانات، من الأقمار الصناعية إلى الطائرات بدون طيار البحرية إلى الجندي في الميدان، قادرًا على مشاركتها واستخدامها.
الأنظمة التي تعمل بدون تدخل بشري تشكل ركيزة لا غنى عنها في هذا النسيج من البيانات. فعلى الأرض، سوف تعمل هذه الأنظمة على تعزيز القدرة على القتل والحد من الخسائر بين الأصدقاء والمدنيين من خلال توفير قدر أعظم من الدقة. وفي الجو، سوف تتمتع الطائرات بدون طيار بقدرة أكبر على التحمل والقدرة على المناورة، وسوف تنتشر بأعداد أكبر، وتتعاون لتغطية مناطق أكبر، وتعقّد عملية الاستهداف المضاد للعدوان. وفي البحر، سوف تخترق السفن التي تعمل بدون تدخل بشري مناطق كانت من قبل يصعب الوصول إليها.
بطبيعة الحال، ليست التكتيكات والعمليات هي الاعتبارات الوحيدة في الحرب. ومن منظور أخلاقي، يخشى العديد من المراقبين أنه في غياب الرقابة، قد تنطلق الآلات غير المفكرة في فوضى، وتنتهك المبادئ العريقة مثل التناسب (الذي يملي ألا يتجاوز الضرر الذي يفرضه العمل العسكري فوائده) والتمييز (الذي يفرض على الجيوش التمييز بين المقاتلين والمدنيين). ويخشى آخرون أن تستغل الأنظمة المستقلة السكان الضعفاء بسبب التحيزات في بيانات التدريب الخاصة بها أو أن تقوم جهات غير حكومية باختراق أو سرقة الأسلحة المستقلة واستخدامها لأغراض خبيثة.
يرى منتقدو الأسلحة المستقلة أن التركيز على الفعالية التكتيكية أو التشغيلية يمكن أن يؤدي إلى نتائج استراتيجية كارثية، مثل التصعيد غير المقصود. فهم يجادلون بأن البشر يمتلكون قدرة على دمج سياق أوسع في قراراتهم، مما يجعلهم أكثر مرونة في التعامل مع الفوضى أو الظروف غير المتوقعة مقارنة بالآلات التي تلتزم بالنص المبرمج. ومع ذلك، لا يزال الشك يحيط بفكرة السماح للآلات باتخاذ قرارات خطيرة مثل القتل أو تصعيد النزاعات العسكرية. تستند هذه الشكوك إلى أمثلة ملموسة لأخطاء الذكاء الاصطناعي، مثل حوادث السيارات ذاتية القيادة أو «هلوسات» أنظمة الدردشة. ويظل الاعتقاد السائد أن البشر أقل ميلًا لسفك الدماء دون داعٍ أو تصعيد الصراعات بشكل غير محسوب.
تدعم هذه الحجج الأخلاقية والعملية الحقيقة الأساسية المتمثلة في أن حتى أكثر الأنظمة المستقلة تقدمًا مع الذكاء الاصطناعي سوف ترتكب أخطاء. ومع ذلك، فقد تقدم الذكاء الاصطناعي إلى النقطة التي أصبح فيها التحكم البشري في كثير من الأحيان اسميًا أكثر من كونه حقيقيًا. والواقع أن الشعور المتضخم بقدرة البشر على التحكم في الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم المخاطر ذاتها التي يخشاها المنتقدون. والوهم بأن البشر سوف يكونون قادرين على التدخل في سيناريوهات قتالية مستقبلية تعد بالتوتر الشديد والسرعة العالية -وخلالها سوف تتدهور الاتصالات أو تتقطع- يمنع صناع السياسات والعسكريين ومصممو الأنظمة من اتخاذ الخطوات اللازمة لابتكار واختبار وتقييم أنظمة مستقلة آمنة.
سوف تكون الحروب المستقبلية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي أسرع وأكثر اعتمادًا على البيانات، حيث يمكن نشر أنظمة الأسلحة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي (على سبيل المثال، أسراب الطائرات بدون طيار) بسرعة وعلى نطاق واسع. ولن يكون لدى البشر الوقت ولا القدرة المعرفية لتقييم هذه البيانات بشكل مستقل عن الآلة. على سبيل المثال، استخدمت إسرائيل نظام توليد أهداف مدعوم بالذكاء الاصطناعي أثناء الحرب في غزة، وهذا النظام، الذي يستخدم مئات الآلاف من التفاصيل لتصنيف الأهداف على أنها معادية، متطور بحيث لا يمكنه التكهن عندما يتعين اتخاذ القرارات في دقائق أو ثوانٍ.
البشر لا يستطيعون تفسير الكميات الهائلة من البيانات التي تجمعها مثل هذه المجموعة من الأنظمة وتحليلها لاتخاذ قرارات سليمة. من الممكن توسيع نطاق الأنظمة المستقلة لاستيعاب عدد أكبر من المهام التفاعلية والمعقدة، لكن القدرات البشرية ثابتة. وسوف يؤدي الضغط لتسريع التفسير والتحليل البشري إلى اتخاذ قرارات أقل تفكيرًا وأكثر عرضة للخطأ. وفي الوقت نفسه، وبدون تسريع عملية اتخاذ القرار، فإن اختيار الإجراءات سوف يصبح عتيقًا في بيئة سريعة الحركة.
في الصراعات المستقبلية، وخاصة بين الولايات المتحدة والصين، قد يؤدي استهداف الأقمار الصناعية والتشويش على الاتصالات إلى عزل القادة والأفراد عن الإشراف والدعم، مثال على ذلك، قوات مشاة البحرية «القوات الاحتياطية» المصممة كوحدات قتالية صغيرة موزعة تعمل ضمن نطاق الأسلحة الصينية. لضمان البقاء، ستقلل هذه القوات توقيعاتها الكهرومغناطيسية بالحد من استخدام أجهزة الاتصالات والرادارات، ما يفرض عليها اتخاذ قرارات مستقلة اعتمادًا على البيانات التي تجمعها فقط، دون سياق خارجي أو دعم إضافي.
اقترح صناع السياسات والقادة العسكريون تقليل استخدام الأنظمة المستقلة لتناسب السرعة البشرية، سيؤدي فقط إلى استجابات أبطأ، كما أن تحسين تدريب المشغلين يحقق مكاسب محدودة نظرًا لتفوق الذكاء الاصطناعي في القوة المعرفية وزيادة حجم البيانات.
رغم تصريحات المسؤولين الأمريكيين بأن أنظمة الذكاء الاصطناعي العسكرية يجب أن تقتصر على تقديم اقتراحات، فإن الحرب المدعومة بالذكاء الاصطناعي تُظهر استقلالية أكبر في العمليات. مثال ذلك الطائرات بدون طيار في أوكرانيا، التي تعمل بشكل مستقل بسبب التشويش على اتصالاتها. ولا يمكن بسهولة فصل الاستخدامات الدفاعية عن الهجومية للأسلحة ذاتية التشغيل، حيث يمكن أن يدعم الدفاع التكتيكي الهجوم العملياتي والعكس، وفقاً للاستراتيجيات العسكرية الكلاسيكية.
توصيات السيطرة البشرية على الأسلحة المستقلة ليست سوى مسكنات، تمنح شعورًا زائفًا بالأمان بينما تعرقل قدرة القوات على تحقيق النصر وتضع عبء القرارات الأخلاقية والعملية على الجنود في ظروف حرجة. بدلاً من ذلك، يجب على صناع السياسات تبني نهج واقعي وأكثر أخلاقية لأنظمة الأسلحة المستقلة. يتطلب هذا النهج أن تُتخذ القرارات الحاسمة، مثل تلك المتعلقة بالتناسب والتمييز، في أوقات السلم، حيث يمكن الاعتماد على المدخلات المتخصصة والنقاش الديمقراطي والإشراف الفعّال. الهدف هو ضمان السيطرة البشرية والمساءلة في ظروف مناسبة، بعيدًا عن ضغوط الحرب حيث يمكن أن تؤدي القرارات المتسرعة إلى خسائر جسيمة.
في العقود القادمة، ستعتمد الولايات المتحدة بشكل متزايد على أنظمة الأسلحة المستقلة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. التمسك بفكرة السيطرة البشرية أثناء الحرب سيضع الدول الديمقراطية في موقف ضعف أمام خصوم لا يلتزمون بهذه القيود. كما أن اتخاذ القرارات الحاسمة أثناء الحرب، في ظل الضغوط الشديدة، قد يؤدي إلى نتائج أقل أخلاقية. لذلك، ينبغي للحكومات برمجة المدخلات البشرية في الأنظمة مسبقًا، مع مراقبتها وتحسينها باستمرار، وبناء الثقة بها. الفشل في تحقيق ذلك قد يجعل السيطرة البشرية على الذكاء الاصطناعي العسكري أكثر تكلفة في الأرواح بدلاً من إنقاذها.
سيباستيان إلباوم عالم كمبيوتر أمريكي من أصل أرجنتيني، وأستاذ في جامعة فرجينيا.
جوناثان بانتر زميل ستانتون للأمن النووي في مجلس العلاقات الخارجية (CFR).
المقال نشر في Foreign Affairs