سودانايل:
2025-02-07@10:41:51 GMT

ألا تكفي سنة في العبث

تاريخ النشر: 16th, April 2024 GMT

بقلم عمر العمر

طوال سنة يعايش شعبنا حالة من العبثية بعمق المصطلح الفلسفي . فلا المتقاتلون وحدهم يغرقون في الفشل الماحق، فالشعب بأسره يتوغل في البؤس ،الشقاء والتعاسة.فإذا ظلت الحرب ممارسة للعبث وفق اعترافات أطرافها حيث يهيمن على اقتتالهم الإخفاق الحتمي ، فإ ن الساسة يستغرقون في ممارسات العبث . فالكلام عن وقف الحرب دون تبني خارطة طريق ذات فعالية مغنطيسية على الصعيد الجماهيري لهي العبثية بعينها.

واقع حال السودانيين في هذا العام الأسود يشكل مادة ثرية لصوغ أعمالاً على منوال الفكر العبثي بشقيه الفلسفي والأدبي. تلك مهمة لا تتطلب ذهنية بتوقد الفيلسوف الالماني آرثر شوبنهاور أو ثراء خيال الفرنسي البير كامو. فصخرة سيزيف لا تثقل فقط كاهل الساسة والعسكر .فهناك لفيف غير رشيق من المثقفين ينفثون الخنوع، القنوط والإكتاب أكثر من مما يبثون الأمل والطموح.
*****
بل هناك قطاع عريض من الشعب ينغمس في لجة العبثية. فلم تعد ويلات الحرب في المدن المهشمة وحدها ملهمة ذلك العبث .بل ألوف ممن حملتهم رياح الحرب إلى مرافئ اللجوء في الإغتراب باتوا كمن يتحايل على المأساة بنشوة العبث أو يتلذذون بنوبات العذاب. هؤلاء فقدوا أو كادوا يفقدون ذلك الحبل المتين الشفيف الواصل بين الزمان والمكان.بلى لا أحد يريد لبنات وأبناء شعبنا التوغل في تلافيف الحزن ونفي مباهج الحياة. لكن طرح الهم الوطني ولو مؤقتا في سياق الراهن السوداني رذيلة لا ينبغي التبشير بها أو التحريض عليها.
*****
على قدر ماتكلم المتفيقهون وكتب المنظرون طوال سنة الحرب القذرة ظلت أسئلة عديدة ملحة عالقة بلا أجوبة.من ذلك من أشعل الحرب؟ متى؟ لماذا؟ لمصلحة من ؟هل هي مغامرة فردية أم عملا جماعيا منظما ؟على الرغم من كم العتاد المحشود و أعدادالمقاتلين المستجلبين والمستنفَرين على ما تتوارى ملامح النصر لفريق على آخر. كلٌ يحمل صخرة سيزيف.هكذا طوال عام أغبر تتسع مساحات الإقتتال ،تتعدد الجبهات، تتعدد الثغرات وترتبك المواقف .إنه العبث في أكثر أشكاله غباءً. فالعبثية في تبسيطها الفلسفي تعني حتمية فشل الجهود.
*****
بغض النظر عن صوغ إجابات شافية لتلك الأسئلة العالقة، يمكن بلوغ حدٍ أدنى من الإتفاق على عبثية هذه الحرب.كما يمكن التوافق على جهل قادتها بالتاريخ . من ثم الاجماع على عجزهم أزاء صناعة مستقبل.فهم عبثيون من منطلق ممارساتهم التدميرية. هي ممارسات فضح قناعاتهم بأن النصر يتمثل في تدمير الآخر.لكنهم بجلهم الأحمق يدمرون كل الحاضر بمنشآته مؤسساته وانجازاته التراكمية. فتدميرها يستهدف - بوعي أو بدونه - تهشيم مؤسسات التناغم داخل المجتمع وبينه وبين الدولة.هم أقرب تجسيدا لمقولة الكاتب الإنجليزي توماس هوبس (الإنسان ذئب يفترس الناس افتراسا).
*****
فالمدارس ،الجامعات، مراكز البحوث والتوثيق مثلها كالمستشفيات ،الأندية والحدائق تشكل فوق وظائفها المهنية أُطراً ناظمة لخصوصيات المجتمع الفكرية والوجدانية إذ تنصهر داخلها بإيقاع يومي قسمات ، سمات وطبائع المجتمع المتباينة. بعضٌ من علماء الإجتماع يرون في الأنظمة الأيدلوجية تهديدا للحفاظ على ذلك التناغم عبر تلك المؤسسات.حجتهم في ذلك ممارسات الإقصاء والإستبداد من قبل تلك الأنظمة إذ هي ممارسات تفتح أبواب تسويق العنف بأشكال متباينة.
*****
الحرب -كما يقول الفيلسوف الإغريقي-هيراقليطس (أم الكبائر و أبوها).هي كذلك كما يتوافق غالبية المفكرين وقودها الصراعات على الامتيازات والمكاسب بغض النظر ماذا كان وراء تلك الملكيات المكتسبة أسانيد طبقية، إثنية أو دينية.لكن الحرب أيضا كما يعرفها الجنرال البروسي فان كلاوسفيتش(ضرب من السياسة) . كل حرب كما يحدثنا التاريخ الفصيح تسكن مدافعها عندما تنتقل من جبهات القتال إلى أروقة المفاوضات. لكن هذا التحول وحده لا يضع خاتمة للحرب . فهو نصف المشوار لجهة الخلاص .لذلك يصبح التوغل في الإقتتال ضرب من هدر الجهد والزمن.بل ربما يصبح نوعا من ممارسة الإنتحار.
*****
نداءات وقف الحرب تكتسي بالمنطق مقابل عدمية الحرب وغائيتها .لكن تلك النداءات لا تبرأ من العبثية مالم تتبن مبادرة سياسية واقعية تكسبها جماهيرية واسعة. مثل تلك المبادرة لا تتصمن فقط مخارج عجولةولو آمنة من مستنقع الحرب. بل ينبغي ان تمثل خارطة طريق متكاملة من فهم عميق لدوافع الحرب ، مساراتها وغاياتها. جوهر تلك الخارطة القبض على جذور الحرب تأمين اقتلاع مسبباتها على نحو أبدي وحاسم.تلك مهمة لايتم إنجازها مالم تتبلور في الوقت نفسه ملامح الغد بارزة للعيان .

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

زنقة المليشيا ومحللو قحت

سؤال لم تتأمل فيه قحت كثيرا وهو سؤال إن كان لهذه الحرب التي فرضتها وشريكها الجنجويدي وجه خير أم أنها بعد فشل خطتها في يوم 15ابريل صارت شرا كلها…ما أراه أن واحدة من فوائد هذه الحرب أن قحتيين كثيرين إكتشفوا أن لهم مواهب كانت مخفية في التفسلف الأخلاقي والتحليل العسكري الميداني… قديما قالوا أن الرجل إذا حزبه الفقر غالبه بالسخرية والتنكيت، أما قحت فسوف تخرج لنا فلاسفتها ومحلليها كلما دخلت المليشيا زنقة أو خرجت من زنقة…قاتل الله الجنجاقحت إينما حلوا.

أمين حسن عمر عبد الله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الصين: نعارض بشدة ممارسات واشنطن لتخريب مبادرة الحزام والطريق
  • كوزلوف: روسيا تمتلك احتياطيات غاز تكفي لأكثر من 100 عام
  • هل تكفي الذكريات لملء فراغ الغياب؟!
  • زيتوني: تسجيل 174 الف تدخل يخص ممارسات المضاربة غير المشروعة
  • البيئة: تحقيق النمو الأخضر يتطلب التزامًا جماعيًا بتبني ممارسات مستدامة في جميع جوانب الحياة
  • الأمم المتحدة تحيي اليوم العالمي لعدم التسامح إزاء تشويه الأعضاء التناسيلة للإناث
  • زنقة المليشيا ومحللو قحت
  • مسؤول بـالغرف التجارية: 2000 جنيه تكفي الأسرة لشراء ياميش رمضان
  • 2000 جنيه تكفي.. «الغرف التجارية» توضح تكلفة الياميش للأسرة طوال شهر رمضان
  • الغرفة التجارية: 2000 جنيه تكفي احتياجات أسرة مصرية من «الياميش»